شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرحلة إلى الحجاز
(مكة المكرمة)، مهوى أفئدة المسلمين، فيها بيت الله الحرام، ملاذ المؤمنين من كل خوف وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً تهفو إليها القلوب، وتطمع في جوارها "لما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل في غيرها من الطواف بالبيت العتيق، وتضعيف الصلوات والحسنات".
وفي رحاب المسجد الحرام، تنتظم حلقات الدروس، يتهافت عليها طلاب العلم من كل حدب وصوب، يأخذون الشريعة الغراء نقية من أفواه علماء، نذروا أنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمين، لا يبتغون سوى المثوبة والغفران من رب العباد عز وجل.
وهناك في مصر (أرض الكنانة)، كان (الجامع الأزهر) يقوم بدور كبير في تدريس العلوم الدينية، وتخريج طلبة العلم ليقوموا بمهمة التدريس، أو يشتغلوا في وظائف أخرى ترتبط بالشؤون الإسلامية.
ومع أوائل القرن الرابع عشر الهجري، كانت هجرة المسلمين إلى مكة تزداد لمجاورة البيت الحرام، بعد أن تركوا مواطنهم الأصلية – لأسباب ذكرناها في الفصل الأول – فنزح العديد من العلماء الذين تلقوا تعليمهم في الجامع الأزهر، وانتظم البعض في حلقات العلم، دارساً أو مدرساً، لينعم بالوصل الكريم الذي سعى إليه، وهل أمتع للنفس من مجاورة الكعبة المشرفة، ومتعة النظر والعيش في جو روحاني لا يوصف؟!.
ومن "مصر" هاجرت بعض الأسر إلى مكة، لتقيم بها، ويتواصل نسلها لتكون أسراً مكية معروفة الآن بيننا منها: (بيت القطان، والزقزوق والرشيدي والمنصوري، والدمنهوري) (1) وغيرها. واشتهر فيها علماء درسوا في الأزهر الشريف، ومنهم: محمد بسيوني، وعمر شامي، مصطفى عفيفي، ومحمد منشاوي، وقد كانت لهم حلقات في المسجد الحرام، واستفاد من دروسهم طلبة العلم من كل الأجناس.
عبد المقصود خوجة:
هو والد الأستاذ (محمد سعيد) صاحب (الغربال)، وقد جاء في كتاب الدكتور محمد بن سعـد بـن حسين (محمد سعيد عبد المقصود خوجه – حياته وآثاره) ما نصه: (الشيخ محمد سعيد عبد المقصود، هو ذلك الرجل الذي ولد ونشأ في بيت علم وأدب بمكة المكرمة، وكان جده عبد المقصود خوجه عالماً أزهرياً من أبناء الفيوم بمصر، نزح إلى الحجاز في العهد التركي) (2) ولا أعلم كيف جعل "عبد المقصود" (الجد)، وليس (الأب)!، ربما غاب عن الباحث الكريم أن " محمد سعيد" من الأسماء المركبة – كما جرت عليه العادة بين المكيين – فاسم الابن (محمد سعيد) واسم الأب (عبد المقصود) واللقب (خوجه) هكذا يبدو، وكما كان يوقع به الأستاذ (محمد سعيد) يرحمه الله تحت اسم (ابن عبد المقصود) والله أعلم.
نعود إلى "عبد المقصود خوجه" وقد ذكر بأنه من أبناء الفيوم في مصر، وقد تعلم في الأزهر، وأصبح عالماً أزهرياً، واكتسب من مهنة التدريس لقب (خوجه أفندي).
ولفظ (خوجه): أصل معناه سيد، وبالفارسية (خواجة)، وفي التركية (خوجه) و (خجا) بمعنى أستاذ (3) . واستعمال هذا اللقب مشاع في بلدان عديدة لارتباطه بالمهنة وليس النسب، فاستعمل في غير مصر، فهناك في تونس (حسين بن علي بن سليمان الحنفي، المعروف بالشيخ حسين خوجه، فاضل؛ كان رئيس ديوان الإنشاء فيها، وترجماناً للدولة الحسينية، وتوفي بها عام 1169هـ) (4) .
وكذلك (أحمد بن محمد بن الخوجه، من شيوخ تونس وأفاضلها وعلمائها، ولي القضاء، ثم الفتوى، ثم مشيخة الإسلام، وتوفي عام 1313هـ) (5) .
* وقد ذكر لي أحد من تربطه صلة قرابة بآل عبد المقصود، أن أصول هذه الأسرة الكريمة تعود إلى مكة المكرمة. وهذا يعني أن ما أشير إلى الشيخ (عبد المقصود خوجه) والد (محمد سعيد) يرحمهما الله من أنه أحد أبناء الفيوم، لا يدل على أن الرجل كان مصري الأصل، فالعديد من الأسر المكية التي يعود أصلها إلى قبائل حجازية، كانت لها هجرات إلى أقطار مجاورة، طلباً للعلم، أو سعياً لمكاسب تجارية، وانصهرت في مجتمعات تلك الأقطار، وقد كتب لبعضها العودة إلى الوطن الأصلي بعد تحقيق طموحات علمية أو تجارية، ومن العلماء الأجلاء من كان مكي الأصل، ومصري الدار والوفاة كالإمام الشافعي رضي الله عنه، الذي روي عنه إنشاده (6) :
رأيت منى نفسي تتوق إلى مصر
ومن دونها عرض المهامة والقفر
ووالله ما أدري الْلعزِّ والغَنَاء
أقاد إليها أم أقَاد إلى قبرَي
وحين جاء الشيخ "عبد المقصود خوجه" من مصر كان قد أصبح عالماً أزهرياً، وكانت لابنه (محمد سعيد ) مصاهرة مع الشيخ محمود حافظ الحسني القرشي.
* عموماً لا أود هنا أن أخوض في مسألة النسب، لإيماني بأن الانتساب الأقوى هو ما كان للعلم والتفقه في الدين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله" قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" متفق عليه (7) .
* و "فقهوا" : أي عَلِموا أحكام الشرع.
الوصول إلى جدة:
رحل (الأستاذ) عبد المقصود خوجه من مصر، يحمل رسالة التعليم ونشره، وحط الرحال في مدينة (جدة) إبان العهد التركي، ليفاجأ بمعاناة الأهالي من سياسة الدولة العثمانية التي كانت تسعى إلى "تتريك العرب" فالمدارس الرسمية "تركية" والتعليم باللغة التركية، فماذا العمل؟!
(في أواخر عهد الأتراك أحس أهل جدة في أول من أحس من أهل الحجاز بضرورة إدخال التعليم العربي الصحيح إلى البلاد، ولعل ذلك ناشئ من أحد أمرين أو منهما معاً: شعور بخطر تتريك أبنائهم بفعل المدارس التركية الرسمية، وشعور بقصورهم في ميدان التعليم عن مستوى جيرانهم من أبناء العروبة والإسلام كمصر والشام والعراق وتونس والمغرب والسودان. ولعل ليقظة العرب العامة حينئذ بالضرورة الملحة، لبعث كيانهم أثراً خفياً في هذه الصحوة الجديدة) (8) .
ويصف الأستاذ أحمد محمد جمال المؤسسات التعليمية في جدة في ذلك العهد: (كانت في جدة (المدرسة الرشدية) في مطلع القرن العشرين (ميلادي) وهي تدرس العلوم الأولية من قراءة وكتابة وحساب وخط وجغرافيا وتوحيد ونحو باللغة التركية، ولذلك لم يستفد منها إلا أبناء الجالية التركية، وقام إلى جانبها بعض الكتاتيب التي تحفظ القرآن للأطفال خلال خمس سنوات لقاء أجر زهيد جداً يعطى لشيخ الكتّاب. وفي سنة 1317هـ أسست مدرسة النجاح الأهلية بجدة، وكان مؤسسوها هم: أحمد شاهين، ومحمد المفتي، وعبد العزيز شمس، وعبد الرحمن شمس، وعبد المقصود خوجه، ويدرس فيها مبادئ العلوم العربية مع الفقه وتجويد القرآن والحساب والتاريخ والمطالعة العربية) (9) .
إن وجود اسم (عبد المقصود خوجه) من بين مؤسسي هذه المدرسة يعني أن بداية نشاطه المهني في (التعليم) كان في مدينة جدة بمنطقة (الحجاز) آنذاك، لم يمكث طويلاً بها فسرعان ما شد الرحال إلى مكة، ليعمل مدرساً في المدرسة (الرشيدية)، ويستقر آمناً مطمئناً في الرحاب المقدسة بجوار بيت الله الحرام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :4346  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.