شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إلى المالديف
تم لهم ذلك على غير علم زاخر أو ثقافة عالية، وإنما كان ذلك ببركة إخلاصهم وتواضعهم واستقامتهم، ويتاجرون تجارات متواضعة أيضاً إذا ما استثني منها بعض البيوت التجارية التي اشتهرت هناك، فأحبّهم الناس لمثل هذه الصفات قبل أن يتغيّر حال بعضهم كما تغيّر حال البعض من سواهم، ووصلوا إلى جزائر القمر في جنوب غربي أفريقيا، وتولّوا الحكم فيها في فترات كثيرة امتدّ بعضها إلى عقود هذا القرن "العشرين" هناك، وفي جزائر "المالديف" في الجمهورية المسماة باسمها في المحيط الهادي جنوب الهند وغرب جزيرة سريلانكا.
والكلام عن الدعوة والدعاة بمعانيه المختلفة المباشرة وغير المباشرة، قد جرّ إلى هذا الاستطراد الذي قد يحسن أن يشار إليه في صدق وأمانة، يوم كان الناس وكان العرب بصفة خاصة على فطرة الإسلام وحبّ الخير والبحث عنه وتلقّيه، وتكاد تكون القاعدة التقريبية (تقريباً) في تلك البلدان والأقطار أنه أينما وجد المذهب الشافعي في تلك البلدان الأعجمية، وقد نُدخل فيها الصومال وجيبوتي وهما بلدان عربيان، فالحضارم كانوا هناك، ليست هذه قاعدة مضطردة، فالأكراد في تركيا وشمال العراق وإيران يتبعون المذهب الشافعي ولم يصلهم به دعاة من العرب المشار إليهم.
وقد يذكر في بعض الكتب داعية من المغرب أو الهند مثلما قيل عن جزائر "المالديف" إلاّ أن المذهب هناك شافعي وليس مالكياً. وما يذكر عن لفظ المغاربة هناك إنما جاء من كلمة "المورو"، وهي تعني المغاربة أنفسهم في اللغة الإسبانية والبرتغالية، إلاّ أنها في انتشارها البعيد على أيدي الإسبان والبرتغال في الفلبين والشرق الأقصى فيما بعد ذلك، قد حملت معنى آخر وأخذت تعني المسلمين، لأن إسبانيا والبرتغال وبلدان البحر الأبيض المتوسط كانوا يسمّون المسلمين بـ "المورو"، نسبة إلى موريتانيا التي عرفوا الإسلام منها وعبر من انتمى إليها وسمّي باسمها أو جاورها، واشترك معها في الدعوة والتسمية من أقطار المغرب الشمالي في تسمياته الحاضرة. وأرجو أن لا يعتب علينا فيما نرويه أحبابنا وإخواننا المغاربة في ذكر هذه النظرية، فإنهم في غنى واسع من جهادهم ونشر الإسلام في جميع أنحاء غرب أوروبا وجزيرة صقلية على المذهب المالكي وفي الأصقاع الأفريقية على طول شاطئ المحيط الأطلسي، وفي قلب أفريقيا نفسها بدعاتهم وعلمائهم ومشايخ طرقهم، ومن فضائل بعض الطرق في أفريقيا كـ "التيجانية" و "القادرية" و "الشاذلية" وغيرها، أن تلك الطرق كانت من أسباب نشر الإسلام والتفاف المسلمين وإنشاء ولايات وسلطنات مسلمة بين سكان تلك الأصقاع الأفريقية في جنوب الصحراء الكبرى وما حولها وما توغّل في جنوبها وأطرافها الشرقية والغربية.
وبين مسلمي الحبشة والصومال والسودان عشرات من الدعاة الذين نشروا الإسلام، وثبّتوا عقيدته في شرق أفريقيا، وهم هناك يعرفون أسماء العديد من أولئك الدعاة عبر القرون القريبة من قرننا هذا، وكادت الحبشة بأسرها، إذا ما استثني منها مواقع قليلة، أن تكون إسلامية، بل لقد كانت إسلامية في إمارات وسلاطين وحكام توارثوا الحكم في بلدانهم عن آبائهم وأجدادهم، ونشب بينهم وبين من كان من غير ملّتهم صراع متقطّع يظهر ويختفي ويمتدّ ويتقلّص، حتى جاء الإمبراطور "منليك" – كما ذكرنا – في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فقضى على أكثر تلك الإمارات الإسلامية في حوادث معروفة في تاريخ تلك البلاد. ومع الأسف الشديد إن العرب وأكثر المسلمين لا يعرفون عنها شيئاً ولا عن الصراع في الصومال وثبات الصوماليين أمام الاستعمار الإيطالي والحبشي وأطماع من جاورهم في السيطرة على بلادهم، ومثل ذلك يقال في السودان. وقد بيّت الاستعمار البريطاني، منذ وصلت أقدام رجاله إليه، فصل السودان إلى قسمين: شمالي وجنوبي، وصدرت الأوامر السرية والعلنية بأن يفصل بينهما فاصل جهنمي لا يسمح لابن الشمال أن يتخطّاه إلى الجنوب، وأن يبقى الجنوبيون على فطرتهم الطبيعية التي ولدوا بها من بطون أمّهاتهم عراة رعاة بغير أسماء، وأن تكون أسماؤهم أرقاماً عددية يعرفون بها ويتخاطبون، حتى لا تذكرهم الأٍسماء الإسلامية التي تجيء إليهم من الشمال أو من الأقطار المجاورة لهم، فيتذكّرون حينئذ أنهم مسلمون إذا ما وجد فيهم محمد وعبد الله وغيرهم من الأسماء المعروفة، ولقد أعان الاستعمار على ذلك، إذا لم نقل إنه الاستعمار نفسه وطلائعه ومدّه وزحفه، وأعني بذلك الجمعيات التبشيرية التي لم تكن من أواسط القرن التاسع عشر قد انتشرت هناك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :876  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 154 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.