من المعتاد للصحف الكبرى في الغرب أن تعدّ مسبقاً أرشيفات رثاء للشخصيات البارزة، وخاصة المتوقع لها موت قريب ليستطيع رئيس التحرير أن ينشر الرثاء الجاهز حالما يعلن خبر الوفاة وبدون الانتظار لتكليف أحد بكتابة الرثاء، مما قد يستغرق عدّة أيام ويفوت وقته ويبطل أثره.
كان هذا في الواقع ما فعله الأديب اللبناني الشيخ ابراهيم المنذر من باب المداعبة عندما بلغه أن صديقه صاحب مجلة "المعارف" الأستاذ وديع حنا قد لازم الفراش لوعكة بسيطة ألـمّت به في الشويفات، فبعث إليه برسالة يلاطفه فيها ويقول: "عرفت بمرضك يا وديع فلم أخف عليك لأنك أقوى من عزرائيل، ولكن خوفاً من أن يدهمني الوقت بدأت بنظم مرثاة لك مطلعها هذه الأبيات:
أهل الشويفات الغطارف
نوحوا على رب "المعارف"
الحازم الحر الأديب
الفاضل السامي العواطف
مات الوديع ولم يفز
بلقاء ربات المعاطف!
واحر قلبي قد غدا
رهن المعاول والمجارف
ثم ختم الشيخ رسالته قائلاً: فمت مطمئناً أن ورائك إخواناً يذيبون القلوب أسى على فقدك.
وطالما كنّا نتحدث في ما سبق عن ظرف المشايخ، فقد ورد شعر إخواني لطيف جرى بين الشيخ محمد علي اليعقوبي، وكان في طريقه إلى زيارة أخيه الشيخ خضر القزويني في بيته في النجف الأشرف في العراق. ولم يكن يعرف مكانه بالضبط فسأل بعض السابلة في طريقه، وكانوا كالكثير من أهل النجف يهوون الملاطفة والمداعبة -كما يقول صديقنا الدكتور محمود الهاشمي- فأجابه أحدهم قائلاً: إنه يسكن في عقد الحمير، إشارة منه إلى ما يعرف بالنجف بالسوق الصغير. ويظهر أن السكان وعوا ذلك وفهموه فدلّوه على البيت. وما أن دخل على صاحبه حتى أنشده قائلاً: