شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
غربتنا سوداء كالمقابر
في أوائل هذا القرن برزت مدرسة كاملة في الشعر العربي عرفناها بشعر المهجر الذي لمعت بين نجومه أسماء مثل ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران. إنهم العرب الذين هاجروا الى العالم الجديد. ويظهر أننا سنختتم هذا القرن العشرين بمدرسة تقابلها، تشابهها وتختلف عنها، انها مدرسة شعراء التشرّد، وتضم أولئك الشعراء الذين لم تستطع الأنظمة الدكتاتورية أن تستوعبهم، أو لم يستطيعوا هم أن يستوعبوا العيش في ظل أشباحها، فرحلوا عن أوطانهم إلى وطن الغربة. امتاز شعرهم بالحنين إلى ديارهم والحنين الى الماضى والنقمة على الحاضر والتشاؤم من المستقبل، انها مدرسة مكتئبة ينخر فيها اليأس والألم، نجد أشعارها في هذه الأيام في سائر المطبوعات الصادرة بصورة خاصة من عواصم الغرب.
من هؤلاء الشعراء زميلنا بلند الحيدري الذي نظرت أشعاره في الواقع منذ أيام شبابه وحتى عهود الاستقرار، الى محنة التشرّد التي ذاقها أولاً في شوارع بغداد ومقاهيها. بالطبع صاحبه في هذه المسيرة الكثير من أصدقائه من شعراء وأدباء، كان بين هؤلاء صديقه "أنيس" الذي وجد نفسه مشرّداً في باريس وشعر بالحنين لا لوطنه العراق وحسب، بل لصديق عهود مضت ألقت به مشرّداً هو الآخر، ولكن في عاصمة أخرى من أوروبا، هي لندن، فكتب إليه يعبّر عن شجونه، وكان في حالة كآبية سوداء، فقال:
بلند يا من أنت ملء خاطري
غربتنا سوداء كالمقابر
قل لي متى تعود للبلاد
وننقذُ الأرض من الفساد؟
قل لي متى يعود للزهور
شميمها العابق بالعطور؟
قل لي متى يا شمعة الديجور؟
ورد عليه أبو عمر بهذه الأبيات الإخوانية التي تضمنت لفتات ساخرة مؤلمة، لا تخلو عن الدعابة والدغدغة التي جمعت بين الحلو والمر في بساطتها وبراءتها:
 
أنيس يا من بزَّ ألف شاعر
من امرىء القيس الى الجواهري
في كل بيت قاله منارة
شامخة تسخر بالمنائر
أشكو إليك يا أخي من زمنٍ
صرنا به تحكم بالقنادر
من سارق من فمنا لقمتنا
وخارج من جزمة العساكر
شرّدنا من بلد لآخر
والله يدري كم لنا من آخر
 
طباعة

تعليق

 القراءات :954  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.