وبهذه الكلمات عبّر الشاعر عما يجيش في نفس معظم الشعراء، إنهم يتلقون دائماً أفضال المعجبين بشعرهم، دون أن يجدوا في أيديهم ما يردّون به على الفضل بمثله. ولكن الشعر طوع بنانهم فدأبوا على رد الجميل بجميل القول في قالب الشكر والامتنان، فغصّت أبواب الشعر الإخواني بمقالاتهم في قريض الشكر حتى أفرد لها الدكتور محمد عثمان الملاّ فصلاً خاصاً في كتابه: "الإخوانيات في الشعر العباسي"، وكان مما استشهد به أبيات أبي نواس في شكره لأفضال صديقه العباس.
وفيها يلتمس الشاعر من صديقه أن يكفّ عن الاسترسال في الفضل حتى يتمكّن أوّلاً من سد دينه في شكره عما سبق وتلقّاه منه.
قد قلت للعباس معتذراً
من ضعف شكريه ومعترفا
أنت أمرؤ جلّلتني نعما
أوهت قوى شكري فقد ضعفا
فإليك مني اليوم تقدمة
تلقاك بالتصريح منكشفا
لا تسدين إليّ عارفة
حتى أقوم بشكر ما سلفا
ورغم أن الشكر على المعروف شيء شائع عالمياً، فربما نجد أن لكثرة تردّده والتأكيد عليه في شعرنا ونثرنا وكلامنا اليومي جانباً إسلامياً يرتبط بما يتردد في القران الكريم عن واجب الحمد والشكر. وبعد إسرافنا فيه قد أصبحنا نشعر بعجزنا عن إيفاء حقه. هكذا شاع بينا القول القائل: "إنني لعاجز عن شكر... الخ"، وهو في الواقع ما كان أبو نوّاس قد لمّح اليه، في حين عبّر عنه صراحة شاعر عباسي آخر هو عليّ بن جبلة الذي انقطع عن زيارة صديقه أبي دلف لكثرة شعوره بمديونية الشكر. وبالفعل سأله أبو دلف عن سرّ انقطاعه عنه، فأجابه بهذه الأبيات: