شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زكي قنصُـل آخِـر الغربَـاء
تنبع قيمة الشاعر المهجري زكي قنصل، من اعتباره آخر شاعر عربي في المهاجر الأمريكية. ومن بعده استعجمت الألسن وذابت أجيال المهاجرين في محيط غير محيط اللسان العربي المبين. فهو على تواضع شعره يبقى رمزاً للشعر المهاجر.
وهذه القصيدة ألقيت في حفل التأبين الذي أقيم في مدينة يبرود مدينة الشاعر الراحل برعاية اتحاد الكتاب العرب عام 1994.
أبا عُمَرٍ، نِياقُـكَ كيف تُحـدى؟ .
وكنتَ دليـلَ غُرْبَتِها الْمُجِـدّا؟ .
وحاديها لتَخْتَرِقَ الْمَنافي
وتَكْسِرَ عَنْ سُـراةِ اللَّيـلِ سَـدّا
تَجوبُ بهـا الدُّنـى مُتَرَحِّـلاتٍ
وراءَ الْبيـدِ تَشْهَـدُ ما اسْتُجِـدّا
وتَسْقيها كُؤوسَكَ مُتْرَعاتٍ
كأَنَّكَ بينَ عَفْراءٍ وَسُعْدى
وتُتْعِبُها بأَحْمالِ الأَماني
وطَيْرُ الْمَوتِ فَوْقَ الرَّكُبِ جَـدّا .
يُراقِبُ هَوْدَجَ الْحـادي لِيَهْـوي
على قلْبٍ لِرِحْلَتهِ أُعِدّا
فَأَلْقِ عَصـا الرَّحيـلِ وقُرَّ عَيْنـاً
فَموتُكَ ليس مِثْلَ الْمَـوْتِ فَقْـدا
أَمـا مَـلأَتْ دفاتِـرَكَ الْحَكايـا
لِتُلْهِبَها مُساءَلَـةً وَرَدّا؟
وصُغْتَ مِنَ الْحُـروفِ مُذَهَّبـاتٍ .
على جيدِ الزَّمانِ نُظِمْـنَ عِقْـدا؟ .
* * *
زَكِيُّ.. أَغُرْبَـةُ الشُّعَـراءِ وَعْـدٌ؟
لِتَبْلُوَ مِحْنَةَ الْغُرَباءِ فَرْدا؟
غَريـبٌ في الْوُجـودِ وأنتَ حَـيٌّ .
وما في غُرْبَتَيْـكَ نَسيـتَ وَعْـدا .
ثَمانونَ انْقَضَـتْ ويَـداكَ صِفْـرٌ
مِنَ الدُّنْيـا لِتَهْـدِيَ أَوْ لِتُهْـدى
كَحَسْوِ الطَّيْرِ لامَسْـتَ الأَمانـي .
بِمَسْقَطِها تَباريحاً وَجَهْداً
ومَنْ سَبقوكَ مِثْلُكَ لَـمْ يَخونـوا
لِغُرْبَتِهمْ على الأَيّامِ عَهْدا
أَلَيْسَ الهائِمونَ بكُلِّ وادٍ
هُداتَكَ في السُّرى وَجَعاً وَسُهْـدا
مَتاعُهُـم الْغَرابَـةُ حيْثُ حَلُّـوا
ومَغْنَمُهمْ فَراغٌ لَنْ يُحَدّا
وزادُ الأَبْجَدِيَّةِ أَيُّ زادٍ
تُزاحِمُهُ السِّنـونَ أسـىً وَصَـدّا .
لقد عَرَّبْـتَ جُرْحَـكَ في نَـوادٍ
ٍأعاجِمُها علـى الأَرْقـامِ تُـرْدى
* * *
فلا عَرَفَتْ صحاراهُمْ نِزاراً
ولا مُـدُنُ الْحَديـدِ رأتْ مَعَـدّا
ولا زَجُّوا السَّوابِقَ في فُتوحٍِ
ولا حَضَنوا مَعَ الْخَصْـرِ الْفِرنْـدا
ولا نَشَروا الضُّحى في الليلِ حـتى .
كأنهمُ بَنَوْا لِلْعَتْمِ لَحْدا
ولا أَعْراضُهمْ بالسيفِ تُوقى
إذا هَمَسَ الْغَريبُ: عَشِقْتُ هِنْدا
وهَلْ عَرَفوا مِنَ السَّبْـعِ الْمَثانـي .
سِوى ظِلٍّ على الظَّلْمَـاءِ مُـدّا؟ .
وكنتَ قَرينَ مَـنْ حَفِظَ الْوصايـا
لِعَصْرٍ يَعْرُبِيٍّ سَوْفَ يَبْدا
ومُذْ شَـقَّ الْقَريضُ إليـكَ دَرْبـاً
سأَلْتَ تِهامَـةً وبَكَيْـتَ نَجْـدا
وكانَ الضادُ ضَـوْءَكَ في اللَّيالـي
لِمَنْ رَكَزوا مَـعَ الْخَطِّـيِّ بَنْـدا
ومَنْ كبَحوا جِماحَ الْقَهْـرِ قَهْـراً
لُيَجْتازوا بهِ الزَّمَنَ الأَشَدّا
أولئِكَ كُنْتَ تَسْبَـحُ في رُؤاهُـمْ
وتَلْهَثُ خَلْفَهُـمْ شَغَفـاً وَوَجْـدا
فلا صَخَبُ الْعُصورِ طواكَ عَنْهُـمْ .
ولا فارقْتَهُمْ مَلَلاً وَزُهْدا
وما الإسراءُ نَحْوَ الْحُلْـمِ سَهْـلٌ
بليلٍ لَسْـتَ تُبْصِـرُ فيـهِ بُعْـدا
وما في جُعْبَةِ الشُّعَراءِ إلاّ
مَواسِمُ مِـنْ زَمـانٍ لَـنْ يُـرَدّا
تَسيلُ جراحُهُمْ في أيِّ سَهْلٍ
تُزاحِمُـهُ الـرُّؤى غَيّـاً وَرُشْـدا
* * *
أبا عُمَـرٍ ألسـتَ تَـراكَ مِنْهُـمُ
تَرودُ الصَّعْبَ مُتَّجَهـاً وقَصْـدا؟.
وتَسْتَقْصـي الـرُّؤى حتى تَراهـا
كَما الْحَسْنـاءُ مُبْتَسَمـاً وقَـدّا؟
رسَمْتَ جِـراحَ شَعْبِـكَ بالْقَوافي .
وأنتَ تُقَلِّبُ الرّاياتِ عَدّا
ورتَّلْـتَ الْفُتـوحَ وأَنْتَ تَبْكـي
مَعَ الْغُرَباءِ مَجْداً صـاغَ مَجْـدا
وتَسْأَلُ: هَـلْ تَمَخَّضَتِ اللَّيـالي
عَنِ الْماضـينَ تَطْريقـاً وَعَـوْدا؟ .
فَيَوْماً أَنْتَ نادِبَةٌ ويَوْماً
بشِعْرِكَ مَوْكِبُ الْعُشّـاقِ يُحْـدى
وثالِثَةً تَطوفُ على شَهيدٍ
ولِتَلْثُمَ مِنْهُ أُنْمُلَةً وَخَدّا
وآناً تَستريحُ مع النَّدامى
لِتُشْبِعَ جُرْحَكَ الْمَفْتـوحَ شَـدّا
وكَمْ أَوْقَـدْتَ لِلْعُظَمـاءِ نـاراً
وكَمْ طَـرَّزْتَ للشُّهَـداءِ بُـرْدا؟ .
وباغَتَكَ الْحِمامُ وأَنْـتَ تَـرْوي
جَميلَ الأَقْدَمَيْنِ أَباً وَجَدّا
وغِبْتَ وفي يَدَيْكَ مُطَرَّفاتٌ
تُنَمْنِمُ فَوْقَها عَبَقاً وَنِداً
ولم تَصْمُتْ مُلايَنَةً وعَجْزاً
ولكنَّ الْحِمامَ بكَ اسْتَبَدّا
بِمَوْتِكَ صَفْحَـةٌ تُطْـوِي وَسِفْـرٌ
تُجَدِّدُهُ مَواجِعُنا فَيَنْدى
تَرَكْتَ عليهِ بَصْمَةَ يَعْرُبِيٍّ
ولَهْفَة مَوْعِدٍ يَزْدادُ بُعْدا
* * *
أَبا عُمَـرٍ.. تَقَصَّتْـكَ الدَّواهـي
وزارَكَ مُسْتَبِدٌّ لَنْ يُصَدّا
وأَنْتَ نَجِـيُّ أَحْرُفِـكَ اللَّواتـي
مَسَحْنَ الْمَهْجَرَيْـنِ رِضـاً وَوُدّا
فأَلْقَيْتَ الْيَراعَ لِسامِعيهِ
وغادَرْتَ السِّجالَ لِمَـنْ تَصَـدّى .
رَحَلْتَ وأَنْتَ آخِـرُ مَـنْ تَبَقّـى
مِنَ الْغُرَبـاءِ في الأُفُـقِ الْمُنَـدّى
فهل يُفْديكَ في التّابـوتِ خِـدْنٌ؟
وطارِقَةُ الْفَصاحَةِ كيـف تُفْـدى؟ .
أبا عُمَرٍ.. صِحابُكَ قَـدْ تَساقَـوْا
كُؤوسَ الْمَـوْتِ مُنْتَجَعـاً وَوِرْدا
فأَدْرِكْهُمْ..فَاِسْمُكَ صـارَ فيهـِمْ .
يُعَمِّرُ في رِيـاضِ الْخُلْـدِ خُلْـدا
1994
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :379  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج