شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > أوراق من هذا العصر > تعليق متأخر على حرب البسوس
 
تَعْليقٌ مُتأخِّر
عَـلى حَـرْب البَسُوس
عندما يختلف حاكمان عربيان. وتدفع الأمة ثمن الخلاف، فيراق دم، وتهدر طاقات، وتنعدم حياة. أليس ذلك عودة متأخرة إلى ثارات الجاهلية وغاراتها؟ ألا توحي خلافات العرب اليوم بتذكر حرب البسوس التي تحدث عنها المؤرخون والرواة.. والتي حدثت منذ أكثر من ستة عشر قرناً من الزمان؟
1975
سألتُ قَطا يثربٍ وَحُبارى عَسيرْ
-: أَريحُ الصَّبا
واكَبَتْ مَوْسِمَ الْعامِ أَمْ صَبَواتُ الدَّبورْ؟
فَغُصَّ الْقَطا
وتَنَهَّدَ سِرْبُ الْحُبارى
ولَسْتُ الْمُتَرْجِمَ صَمْتَ الطُّيورْ
* * *
وماذا خَبِرْتُمْ عَنِ الصُّفْرِ والزُّرْقِ حتى تَرَكْتُمْ
هِرَقْلَ يُبايعُهُمْ لاقْتِسامْ الشَّآمْ؟
وأَبْناءُ أُمَّاتِكم بشَرْقِيِّ بَتْرا
تُكدِّسُهُمْ صَرْصَرٌ في سَوادِ الْخِيامْ
تُنادونَ للمَشْيَةِ الْهَيْدَبى، كِبَراً
والْقَصيدِ الْمُرَفَّلِ تيهاً
وحيتانُ بحرِ الظَّلامْ
تُحاصِرُكم بَيْنَ صَيْدا وهُرْمُزَ لا تَتَّقي بأسَكُمْ
فأنتم كِبارٌ.. كِبارٌ بثاراتِكُمْ
وصِغارٌ.. صِغارٌ إذا هَدَّمَ الرُّومُ أَسْوارَكُمْ
* * *
فأيُّ إِلهٍ لكم قَدْ أَشارْ
وفَتَّحَ في تَغْلِبٍ مُقْلَةً
وأغْمَضَ أُخْرى بِبَكْرٍ
فَسُقْتُمْ عَزيزَ الْمَطايا لهذا الدَّمارْ؟
لِمَنْ توقِدونَ الأَضاحي بغَيْرِ مَواسِمِها
والْمُضَحّى لَهُ ناقَةٌ
والْبَسوسُ على ضِفَّتَيِّ احْتِضارْ
تَشِحُّ زيُوتُ مَصابيحِكُمْ
والدُّجى يَتَغَلَّسُ فيكُمْ
وأَغْلى مَراكِبكُمْ حوصِرَتْ في غَريبِ الْبِحارْ
* * *
ضَلَلْتُمْ.. ضَلَلْتُمْ
وأنتم تَصُبُّونَ في لَهَبِ الْقَتلِ أَمْواهَ أَطْفالِكُمْ
فهل رأَتِ اللاَّتُ ماءَ الْخَليجِ
وهَل يَفْتَدي هُبَلٌ على الطُّورِ أَبْناءَهُ؟
وأَيُّ الْغَرانيقِ أَفْتى لِقَيْسٍ بِقَتْلِ نِزارْ؟
وخَلْفَ الْمضائِقِ فاغِرَةٌ شِدْقَها آفَةٌ
تَتَرَبَّصُ غَفْوتَكُمْ
لِتَزُفَّ إلى الْجِنِّ
أَنْباءَ هذا الْفِرارْ
وزَرْقاءُ تَفركُ رَمْلَ الْخَليجِ
تَسْبُرُ سِتَّ جِهاتٍ
وتكتُبُ: إنَّ الْمَواسِمَ مَسْكونَةٌ بالْبُوارْ
* * *
سألتُ الْخُزامى بنَجْدٍ
وَوَشْوَشْتُ فَوْجَ الْعَرارْ
-: بأَيِّ السَّحائِبِ تَنْدى شِفاهُ الزُّهورِ
وأَيُّ الْكَواكبِ تَرْتادُها كَيْ تُثارْ؟
فأَطْرقَ سَيْلُ الْخُزامى
وطَأْطَأْ جيدُ الْعَرارْ
وكانتْ عُيونُ الْمَها حَوْلَ نَجْدٍ
تلوذُ بصَمْتِ الْفِرارْ
وفَتَّشْتُ عن كاهِنٍ
ينقُلُ الشِّعْرَ مِنْ زَهْرَةٍ وَمَهاةْ
والْمَدى واسِعٌ بين عُجْمَةِ نُطْقي
وبينَ بَيانِ الْخُزامى
وكنتُ وحيداً بتلكَ الدِّيارْ
* * *
تُنادي الْقَبائِلْ:
لا حَرْبَ خَلْفَ صُوى عَسْقَلانْ
ولا هُنْدُوانْ
إلا إلى غَزَّةٍ وجْهُهُ في الصَّلاةْ
ولا تَصْهَلُ الْخَيْلُ إلاَّ بصدِّ سُيولِ الْغُزاةْ
يَقولون:
نحنُ حُماةُ الصُّوى والْهَوى
والنَّدى وَالْفِدى واللِّسانْ
يقولونَ:
لا طيبَ، لا خَمْرَ، لا غانِياتْ
لِنُرْجِعَ أَبْناءَ أَعْمامِنا مِنْ لُجوءِ الشَّتاتْ
نُزَيِّنُ حَيْفا لهُمْ
ونَغْسِلُ عَكَّا بِدَمْعِ الْفُراتْ
لكم خَضَّبوا بالطُّيوبِ الأَكُفَّ
بِظِلِّ رِئامٍ وعُزّى وَلاتْ
* * *
ويَرْغي بَعيرٌ لمازِنَ صُبْحاً
وتَنْفُقُ عِنْدَ حُدودِ الْعَشِيَّةِ شاةْ
فَيَنْسَوْنَ أَغْلَظَ أَيْمانِهِمْ
وتَفْتي كَواهِنُهُمْ سَنَداً لِلْقِتالِ الْمُذِلِّ
ويَبْدَأُ عَصْرُ انْحِطاطْ
وما زالتِ القدسُ جُرْحَيْنِ
جُرْحَ الْقبائلِ في ظَهْرِها
وفي الصَّدْرِ جُرْحُ الطُّغاةْ
* * *
سَأَلْتُ قَطا مَكَّةٍ وحَمامَ عَدَنْ
-: أَريحُ ثَمودٍ تَعودُ إلى الْكَوْنِ؟
أَمْ لَعْنَةٌ نَسَجَتْها الْفِتَنْ؟
فَغُصَّ الْقَطا
وتَنَهَّدَ سِرْبُ الْحَمامْ
ولاحَتْ يَدٌ خَلْفَ صَمْتِ الْقَبائِلِ
تَرْسُمُ شَكْلَ الْكَفَنْ
* * *
تباركُ آلِهَةُ التَّمْرِ صُنَّاعَها في الصَّباحِ
ويَأْكُلُها جُنْدُ قَيْصَرَ قَبْلَ حُلولِ الْمَساءْ
وبَكْرٌ تُطاعِنُ تَغْلِبَ في الْعُدْوتَيْنْ
تُبارِكُ حارِسَةُ النَّخْلِ أَثْقالَهُ في الْخَريفِ
ويقطفُها مُخْبِرٌ لِهِرَقْلَ، خَبيرٌ بعشْقِ النَّخيلْ
وتَغْلِبُ تَطْعَنُ بَكْراً على الضِّفَّتَينْ
والشَّهِدانِ جُفونُ الْعَذارى
ودمعُ الشَّهيدْ
وبكر وتغلب لحم تفرق حيا توحد ميتا
وزار بطون السبـاع علـى الجبهتين
* * *
أَتَغْفوا كَواعِبُ عُذْرَةَ بعد الْوَقيعةِ؟
كيفَ وكُلُّ الْخُدورْ
تَغَشَّى دَمٌ طُهْرَها، ثم شَرَّدَ أَحْلامَها
وما نَعِسَتْ كاعِبٌ دونَ حُلْمٍ تُقَبِّلُ أَهْدابَهُ
بين جفْنِ الْغُروبِ، وثَغْرِ النُّشورْ؟
* * *
وتُعلنُ تغلبُ أَنَّ انتصاراتها
غَسَّلَتْ حَدَقاتِ الْخليجْ
وتُعْلِنُ بَكْرٌ، بأَنَّ بُطولاتها
حَرَّرَتْ طُرُقاتِ الْحَجيجْ
ويَعْوي غُرابُ يَهوذا على الْقُدسِ يَعْوي
ويَلْعَنُ بَكْراً وتَغْلِبَ كِلْتاهُما
بَيْدَ أَنَّ الضَّجيجْ
يُخَبِّئُ صَوْتَ الْغُرابِ الدَّخيلِ
ويُبْقي لأَظْفارِهِ سَطْوَةً
لِتَخْمُشَ لاتاً وعُزّى
وتَفْقَأَ عَيْنَ الْقَتيلْ
وتُبْقي لِمِنْقارِهِ لَذَّةٌ لِيَسمُلَ عَيْنَيْ هُبَلْ
وبَعْدَ عَمى هُبَلٍ واسْتِلابِ الْقَبيلِ دِماءَ الْقَبيلْ
أَيَضْرَعُ ثانِيَةً سادِنٌ لِقُرَيْشٍ وعَرّافةٌ في الدَّخولْ؟
بأَيِّ اتِّجاهٍ تُرى ستكونُ الضَّراعَةُ:
"اُعْلُ هُبَلْ"؟
* * *
لَثَمْتُ حَصاةً يُدَحْرِجُها الشِّعْرُ
مِنْ سَبَأِ الغابرينَ إلى إِرَمَ الْحاضِرينْ
بَكَتْ ونَمَتْ. فَطَوَّقْتها. والظَّلامُ كَئِيبٌ
ودَمْعَتُها الْمُشْرِقَهْ
تُسائِلُني مَوْعِدَ الصُّبْحِ باللُّغَةِ الْمُحْرِقَهْ
ولكنَّني لم أَقُلْ أَيَّ شَيءٍ لأَني
كَتِلْكَ الْحَصاةِ غَريبْ
* * *
1975
 
طباعة

تعليق

 القراءات :357  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.