شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ب- بداية عهد الرسائل في الأدب العربي
بعد أن قويت الدعوة الإسلامية في الداخل أي في موطن نشأتها أي "الحجاز" رأى الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم أن يدعو رؤساء الدول المجاورة لا سيما وأن كثيراً من الوفود العربية أخذت تفد إلى المدينة المنورة معلنة إسلامها مقتنعة بتعاليمه السماوية مؤمنة بصدق النبي الأميِّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم معاهدة إياه على محاربة من حارب ومسالمة من سالم، فكانت الوسيلة لدعوة هؤلاء القادة هي إرسال كتب أو رسائل إليهم تحمل في طياتها دعوة كل منهم إلى الإسلام فمنهم من قبل وأسلم ومنهم من كابر وأحرق الرسالة ومنهم من لزم الصمت خشية العواقب ولا يهمنا في هذا الأمر شيء إلا ما يتصل برسائله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الملوك والأمراء والسلاطين فكانت هذه الرسائل صرخة في عالم النثر وبروز رافد آخر له يقوي من شأن الخطابة التي كانت تقوم بدور كبير في سبيل نشر الدعوة الإسلامية بين سكان الجزيرة العربية، وهذا القول لا يمنع أن تكون هناك رسائل متبادلة بين الأشخاص بعضهم بعضاً وأقصد بهم الذين لهم سابق معرفة وعلم أي على قدر من معرفة القراءة والكتابة، ولكن تلك الرسائل لا تتعدى أن تكون أغراضها داخل نطاق ضيق من شؤون الحياة الشخصية، وليست لها علاقة بالحالة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصاديـة أو غيرها مما تشهده الدولة الإسلامية الناشئة من تغييرات جذرية في سلوكيات ومبادئ وطقوس شعائرية لا يعرفونها من قبل، وكانت الرسائل إيذاناً بفتح باب جديد ووسيلة إعلامية حديثة مهمتها إيصال الدعوة إلى خارج نطاقها حيث كانت العيون في الجاهلية هي الوسيلة الوحيدة التي تقوم بها القبائل لتقصي أخبار بعضها بعضاً واقصد بالعيون النفر الذين يراقبون الطرق ويتقصون الحقائق ويكتشفون تحركات أعدائهم، وهذه العيون تنقل إليهم أو تعلمهم بكل ما تقدم عليه القبائل المجاورة من استعدادات حربية أو انتقالية من موطن إلى آخر طلباً للري والكلأ، وكانت الرسائل تستفتح باسمك اللهم حتى نزل قوله تعالى بسم الله مجريها ومرساها فاستفتحت "باسم الله" ولما نزل قوله تعالى: الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان استفتحت الرسائل بعبارة "بسم الله الرحمن" وبعد أن نزل قوله تعالى: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم استفتحت الرسائل بها وظلت عليها حتى عصرنا الحاضر وكانت الرسائل مختصرة العبارات ويركز كاتبها اهتمامه على إيضاح الهدف منها بيسر وسهولة حتى يصل إلى قلب المتلقي، وتقف عليه مداركه دون عناء ولست في حاجة إلى ذكر أمثلة لهذه الرسائل فإن باستطاعة القارئ أن يعود إلى أمهات الكتب كالبيان والتبيين للجاحظ والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وغيرهما.
وتطورت الكتابة بعد ذلك وشهدت في عهد الخلافة الأموية تقدماً ملحوظاً ونبغ في تلك الفترة كثير من الكتاب المبرزين يأتي في رأس قائمتهم إن لم يكن رأس القائمة الكاتب الشهير عبد الحميد بن يحيى بن سعيد العامري الملقب بـ شيخ الكتاب الأوائل يمتد نسبه إلى عامر بن لؤي بن غالب لكن عبد العزيز الرفاعي يرجح أنه مولى العلاء بن وهب العامري ومن هنا انتسب إلى بني عامر فقيل عنه العامري جاء ذلك في كتيبه الموسوم بـ "من عبد الحميد الكاتب" والذي يحتل الرقم التاسع من سلسلة المكتبة الصغيرة.
و لعل رسالته التي وجهها إلى الكتاب والموظفين والتي كانت إحدى مؤلفات عبد العزيز الرفاعـي - رحمه الله - تعتبر دليلاً قوياً على نضج مفهوم الرسالة الأدبية في تلك الفترة، ولقد تناقلتها الأقلام ورحلت بسمعتها الأيام عبر الأجيال والأعوام حتى وصلت إلى عالمنا الحاضر لما اشتملت من آداب وسلوك الكتاب والكتابة فهي بمثابة قانون إعلام للرسائل والكتب والترجمة والمشتغلين بها وربما كانت تلك الرسالة أول قانون مكتوب باللغة العربية يحدد واجبات المشتغلين بالكتابة وما يجب أن تتقيد به الكتابة في جميع النواحي.
وبالرجوع إلى كتيب عبد العزيز الرفاعي يمكن الوقوف على كثير من المعلومات التي يجب أن يطلع عليها الكاتب ويلم بها، ففيها من الفوائد العلمية ما يزيده علماً وثقافة.
ولعل هذا الفن الأدبي الطارئ كان بداية انطلاقة فن النثر بصفة عامة، ومزاحمته للشعر في ساحات الأدب إلقاء وكتابة وحواراً وجدالاً، ولم تمض فترة طويلة حتى استطاع الوليد أن يجد له مكانة مرموقة في محافل الأدب، وأصبح له عشاق كثر ومريدون، وأقبل عليه الفتية بشوق يتلقونه ويمارسونه بشغف بالغ، ونبغ فيه عدد كبير من أرباب القلم.
وكانت الرسائل في البداية محدودة الأغراض لا تتجاوز الأغراض الشخصية أو دواوين الدولة ثم تطورت وخرجت عن دائرتها ووجدت أمكنة رحبة تسرح فيها وتمرح أي تمكنها من الإطناب والإسهاب والتقصي. فنجد في عصرنا أن هناك أنواعاً شتى من الرسائل فهناك الرسائل الشخصية وتشمل رسائل الحب والأشواق ورسائل العتاب، ورسائل التعازي، ورسائل التهاني ورسائل الاستعطاف، ورسائل الشكر وغيرها، ونجد بجانب ذلك الرسائل الحكومية المتداولة بين أجهزة الدولة أو بينها وبين الأجهزة الأخرى بالقطاع الخاص، كما نجد أيضاً الرسائل الجامعية وهي البحوث التي يقوم بإعدادها طلاب الدراسات العليا للحصول على إحدى درجتي الماجستير أو الدكتوراه. كما توجد رسائل الشفرة التي تلجأ إلى استخدامها الجهات السياسية والعسكرية والمالية والتي لا يستطيع قراءتها ومعرفتها إلا المرسل والمرسل إليه وهي تقوم على ابتكار رموز قد تكون أرقاماً وقد تكون نقطاً وقد تكون نقطاً وشرطاً تحل محل الحروف وهذا النوع من الرسائل لا يندرج تحت باب الرسائل الأدبية وإنما أحببت ذكره هنا لإتمام الفائدة فحسب، ولقد حفل كتاب "جواهر الأدب" الجزء الأول منه لمؤلفه السيد أحمد الهاشمي بأمثلة عدة لمختلف أنواع الرسائل باستثناء رسائل الشفرة وأعتقد أن عبد العزيز رحمه الله قد قرأ هذه الرسائل في مطلع شبابه فما من شاب من أنداده ولداته عشق الأدب وتعلقه إلا قرأ كتاب جواهر الأدب وحفظ كثيراً مما فيه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :638  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج