شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أ- المدخل
لن أحاول هنا أن أبحث نشأة الكتابة بصفة عامة أو الكتابة باللغة العربية لأن الكتب العربية التي تناولت هذا الموضوع كثر تزخر بها المكتبات وما في استطاعة القارئ الرجوع إليها للوقوف والإطلاع على ما في بطونها من آثار قيمة ودلائل نيرة، وبراهين تشبع رغبة القارئ وتطفئ نهمه وتحقق أحلامه.
لكننا يجب ألا نغفل أن نذكر أن العرب في الجاهلية كانوا أميين إلا نسبة ضئيلة منهم جداً جداً إذا قيس عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة منهم بالمجموع الكلي.
ولقد حفظت لنا كتب التراث أن الذين كانوا يعرفون الكتابة في بداية صدر الإسلام أو في بداية الرسالة المحمدية لا يتجاوز عددهم سبعة عشر إنساناً ذكرهم ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد الجزء الرابع ومنهم الأمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وطلحة بن عبيد الله. ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
وإذا كانت الكتابة شرفاً للكاتب المتعلم فإن الأمية كانت شرفاً عظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم وهي إحدى معجزاته والأمية لغيره نقيصة فلا يقبل جاهل أن يفخر بأميته استناداً إلى أمية سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لأن أمية النبي صلى الله عليه وسلم كانت حجة دامغة ستدحض كل الادعاءات الباطلة التي حاول الكفار والمشركون بها أن يطعنوا في رسالته صلى الله عليه وسلم.
وقد استعان الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض صحابته ممن تعلم القراءة سابقاً أو لاحقاً في كتابة الوحي وغير ذلك من الشؤون العامة والخاصة ومن أولئك غير من سبق ذكرهم عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت وأبي بن كعب ومعيقيب بن أبي فاطمة، حنظلة بن الربيع، وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم جميعاً.
وتعتبر الرسائل فناً من فنون الأدب بل هي جزء لا يتجزأ من لحمة النثر الأدبي العربي على أن الأدب العربي لم يعتبر النثر فنًّا أدبيًّا في الجاهلية وبالتالي فهو يجهل فن الرسالة الأدبية، وإذا كان الشعر هو ديوان العرب وسجلهم العظيم به يتفاخرون وبه يتهاجون وبه يتخاطبون يترجمون أسفارهم ومجالسهم وندواتهم ويعالجون مشاكلهم به فهو وسيلة التخاطب والتفاهم بينهم، وما وجد في ذلك الحقبة من النثر فإنما يمثل أنماطاً من الكلام المسجوع ولم يظهر فن الرسائل لعدم معرفتهم فَنَّ الكتابة قال الله سبحانه وتعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين والأمية جهل وضلال إلا أمية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فهي برهان مبين يدحض بها حجج المنافقين والمشركين: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "نحن أمة أمية" أي لا يعرف أفرادها القراءة والكتابة، ولذلك بلغ الشعر قبل الإسلام منزلة عظيمة لم يبلغها غيره من فنون الأدب في مختلف العصور حتى الآن وإن ناله الضعف حيناً تبعاً لقوة المد الإسلامي والعربي أو جزره غير أن بعض النقاد والمنظرين العرب يحاولون أن يسلبوه وسامه، ويطمسوا معالمه ويجعلوه مجرد ذكرى، فهل يستطيعون؟ لن نستبق الأحداث ولندع الأمور تسير كما تشاء والله يفعل ما يشاء. ولن يبقى إلا الأصلح أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ليظل دافقاً بالعطاء يتلمس مكامن الأدواء، فيعالجها، يراقب مسيرتهم فيضيء الطريق لهم، ويتعرف على أفراحهم فيشعل الشموع لهم، يقف وراءهم في ميادين الشرف والدفاع والفداء والتضحية فيقرع الطبول لهم ويشحذ هممهم ويقود لهم أعلام النصر والفلاح.
وربما كان للبيئة والمناخ تأثير بالغ في ازدهار الشعر فالعوامل المتغيرة والحروب المتلاحقة، والتنقلات المتعاقبة كلها أسباب تؤدي إلى تحريك العواطف وإيقاظ المشاعر وشحذ العواطف ودفعها إلى الإبداع.
لذلك اقتصر النثر على التخاطب بين الأفراد أو توجيه الرؤساء والحكماء لأفراد القبيلة بوعظهم وتزويدهم بالنصائح والإرشادات التي تبين لهم النهج الذي يصلح به شأنهم، واستمر الحال حتى ظهور الإسلام حيث كان للقرآن الكريم وما حمله من مفردات وصور بلاغية عظيمة وأسلوب رائع أعجز شعراءهم وفصحاءهم، فما هو بالشعر وما هو بالسجع ولكنه كلامٌ مَلَكَ ألبابهم واستحوذ على قلوبهم، حتى كان لذلك كله أثر بالغ في تهذيب أسلوب تخاطبهم ورقت كلماتهم واستمدت من القرآن الكريم، واقتصر الشعر في تلك الفترة تبعاً لما كانت عليه حال الأمة العربية التي انقسمت شطرين أحدهما يدين بالإسلام ويدافع عنه، وآخر يناهضه ويحاربه، وأمام هذين الموقفين وقف الشعر يصور ذلك الموقف أحسن تصوير بقصائد الدعوة إلى الإسلام ويحمل لواءها شعراء كبار كان لهم في الجاهلية منزلة عظيمة ومنهم الصحابي حسان بن ثابت رضي الله عنه والصحابي كعب بن زهير والصحابي عبد الله بن رواحة وغيرهم، وبقصائد من الطرف الآخر لحمتها التوعد والتهديد بالقتل لمن خالف دينهم ودين آبائهم الأولين وتكاد أن تختفي من ساحة الشعر أغراض أخرى كالغزل والنسيب.
وأمام هذا التراجع الشعري أخذ النثر يبرز ويحتل مكانة في الساحة الأدبية وكانت الخطابة الممثل الأول له في سماء الواقع الأدبي في صدر الإسلام، وقد اختفت فيها ما عهده السابقون من الإغراق في السجع والميل إلى استخدام الكلمات التي تغلب عليها سمة البداوة وكانت خطب رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وخطب خلفائه الراشدين من بعده نماذج تستحق الإشادة بها لما تحمله من أسلوب جديد في التعبير والتخاطب لم يألفه العرب في السنوات التي خلت قبل بزوغ فجر الإسلام، وكتب الأدب والتاريخ مليئة بأمثلة كثيرة من هذه الخطب التي تشد القارئ إليها ولا تفك أسره إلا بعد أن يشبع منها رغبته، ويكتسب من كنوزها خير الدنيا والآخرة، وقد تَطَيَب منها بأجود أنواع الطيب مما يتطيَّب به المتقون الصالحون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :577  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 20 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج