شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
4- القصَّة والمسرَحيَّة والرِوايَة
في أدَبِ عَبد العَزيز الرِفَاعِي
لم أعثر على نص قصصي أو مسرحيِِّ أو روائي فيما عرض علي من نصوص أدبية مختلفة له نثرية وشعرية، ولا يعني هذا القول أنه لم يحاول الكتابة في أي فن من هذه الفنون لأنه قد أشار في الصفحة الثامنة من كتيبه "رحلتي مع التأليف" إلى شيء من هذا القبيل حيث نقرأ له:
"وأُتيح لي أن أقرأ شيئاً من مسرحيات شوقي الشعرية فوجدت فيها شيئاً راقَ لي واتسق مع مزاجي في الإقبال على القصة والرواية، فحاولت أن أكتب شيئاً في هذا الاتجاه.. وكان أن أتيح لي أن أقرأ قصة الزباء ملكة تدمر، ووزيرها قصير الذي قيل عنه المثل المعروف "لأمر ما جدع قصير أنفه" وحيلته في الجمال المحملة بالرجال داخل صناديق البضاعة والشعر الذي قيل عن هذه الحادثة.
ما للجمال مشيها وئيدا؟
أجندلاً يحملن أم حديدا؟
أم الرجال جثما قعودا؟
أثارتني هذه القصة وبهرتني بأحداثها، وما في هذه الأحداث من حركة وتنوع وشعر، فرأيت أنها صالحة لكتابة مسرحية شعرية.. وفعلاً حاولت أن أكتب شيئاً في هذا الاتجاه، ولا أدري الآن أأكملت تلك المسرحية أم لم أكملها؟ ولا أدري أين مصيرها؟
وفي الصفحة العاشرة من نفس الكتيب نقرأ قوله:
"وحينما كانت تقام مسامرات المعهد أومسامرات المعهدين، أعني المعهد السعودي الذي كنت أدرس به، ومدرسة تحضير البعثات.. كنت أساهم فيها ببعض ما تيسر لي، وأذكر أنني ساهمت ذات خميس.. وكان ذلك نهاراً، وليس في المساء، فألقيت قصة كتبتها، لعلها أول قصة جرؤت على التصريح بها.
وكان طبيعياً أن أكتب القصة، فقد كانت مطالعتي لترجمات القصص العالمي كثيرة، بل كنت مستغرقاً في مطالعة القصة لدرجة الإدمان. ولم يبخل علي زملائي بإطلاق لقب أدبي.. فقالوا: "قصصيّ المعهد" ولكني بعد تخرجي لم أكتب من القصة إلا النزر اليسير، ولو جمعت كل ما كتبت من قصص غثة لما جاءت في حجم كتاب صغير.
على أنني مع تقدم الأيام، لم يزل بي حنين إلى القصة.. ومنذ سنوات قليلة بدأت أكتب رواية طويلة بعض الشيء، لكني لم أواصل كتابتها وذلك من حسن حظ القُرّاء، بل لم أنشر منها شيئاً، وما زالت في الأبجديات الأولى".
وفي الصفحة الثانية عشرة نقرأ قوله:
"وفي السيرة النبوية اتجه عزمي أيضاً إلى وضع كتاب للصبيان أقص فيه قصة السيرة النبوية في سرد قصصي، محاولاً استعمال لغة سهلة، وتعابير مشوقة لكنني لم أتمها لأنني لم أقض في التدريس أكثر من سنة دراسية واحدة، أو على التحديد ثمانية أشهر فقط، ثم انصرفت على مغادرة التدريس إذ وجدته مرهقاً.. وخُيِّل إليَّ أنه لا يتسع لطموحي".
وفي الصفحة السابعة عشرة نقرأ قوله:
"وخلال عملي في مديرية المعارف، كنت وثيق الصلة بمعهدي الذي تخرجت فيه، وأعد نفسي من أسرته، فكنت أحرص على أن أشارك في نشاطه الأدبي، بحضور مسامراته في أمسيات الخميس.. أو في حفلاته الكبرى.. كحفلات التخرج، أو المناسبات التي كان يشرفها بحضوره نائب جلالة الملك في الحجاز، أعني الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيما بعد).. وأذكر أنني قدمت في إحدى هذه الحفلات مسرحية بعنوان "بالمفتشري أحسن" وهي في نظري الآن عمل بدائي ساذج.. تدور الفكرة فيه على أن الصراحـة أو "المفتشري" أحرى أن تسود بين الناس.
ولا يسعني أن أقول الآن بعد كل تلك السنوات التي مرت على ذلك الحفل أي شيء عن نجاح المسرحية أو عدم نجاحها، كما لم أعد أذكر من هم الأبطال الذين وقع عليهم الاختيار، بل لم أعد أعلم مصير تلك المسرحية بين أوراقي. وأغلب الظن أنني اعتبرتها عملاً صبيانياً لا ينبغي الاهتمام به".
ومن قراءة ما احتضنته السطور المختارة مما ضمته صفحات الكتيب الذي ألفه عبد العزيز الرفاعي موضحاً فيه سيرته الذاتية فيما له صلة بالتأليف والإصدار والنشر في فن القصة والمسرحية والروايـة نثراً أو شعراً نستطيع من خلال هذه القراءة أن نجمل هذه السيرة في النقاط التالية:
1- قام بإعداد خطة لتأليف مسرحية شعرية على غرار مسرحيات أمير الشعراء أحمد شوقي كمسرحية "مجنون ليلى" و "مصرع كليوبترا" و "عذراء الهند" و "قمبيز" وبدأ فعلاً في كتابة الفصول الأولى منها ثم توقف ولا يدري هل أكمل تلك الرواية أم لم يكملها؟ ولا يدري أين مستقرها الآن؟ وكيف آل مصيرها؟ وهل هذه الأسئلة توحي بفقدانها، وعدم العثور عليها إلا إذا حدث ما لم يكن في الحسبان.
2- قدم في إحدى أمسيات المعهد العلمي الخميسية أو بالأحرى في إحدى حفلاته التي يقيمها لمناسبة من المناسبات الوطنية أو الموسمية أو التكريمية مسرحية عنوانها "بالمفتشرى أحسن" وهو لا يتذكر بعد مضي سنوات عديدة على إخراجها هل نجحت تلك المسرحية أم لم تنجح؟ ومن هم الذين قاموا بأدوار البطولة فيها؟ وأين مصير نص المسرحية بين الأوراق وهي قد تكون إن كانت باقية ولم تتلف من كثرة التنقل من دار إلى دار ومن بلد إلى بلد آخر ومن منطقة إلى منطقة – أقول قد تكون باقية - داخل كرتون من فوقه عشرات الكراتين وهي بين مئات الأوراق ربما محت معالِمَها ذراتُ التراب التي تراكمت عليها وشوَّهت حُروفها وأصبحت غير مقروءة هذا إذا كتب لها السلامة ووجدت وأتمنى من كل قلبي أن يخلص أبناء عبد العزيز الرفاعي البررة في إخراج ما أشار إليه من مؤلفات سبق له تأليفها ولم يقم بنشرها وأن يتعهدوها بالصيانة والإخراج حتى يتموا ما كان يطمع والدهم رحمه الله أن يتمه وهم قادرون على ذلك، وبرهم بأبيهم كفيل بأن يقودهم إلى القيام بهذا العمل، وإننا لنرتقب ذلك اليوم الذي نرى فيه جميع مؤلفات عبد العزيز الرفاعي التي لم تنشر قد أخذت مكانها في المكتبات وأصبحت في متناول أيدي قرائه وعشاق أدبه وتلامذته ومريديه ونرجو أن يكون ذلك قريباً.
3- ألقى ذات خميس قصة قال عنها: إنها أول قصة جرؤت على التصريح فيها، وقد أطلق عليه زملاؤه بالمعهد العلمي السعودي "قصصي المعهد".
وفي رأيي الخاص أن هذا اللقب الذي أطلقه عليه زملاؤه بالمعهد لم يكن نتيجة قصة واحدة ألقاها ذات مساء وإنَّ مثل هذه الألقاب تمنح لمن يمارس العمل فترات طويلة حتى يصبح متمرساً فيه، ملماً بخصائصة مبرزاً فيه، يجيد ربط العقد وحلها ويحسن الصياغة بشكل يجعل المتلقين ينصتون إليه بنهم وشوق، وهذا يجعلنا نؤمن بأن هناك عدداً من القصص كتبها عبد العزيز الرفاعي ولكنه لم ينشرها ويؤكد لنا هذا الرأي أو هذا الظن قوله في نهاية الصفحة العاشرة من كتيبه "رحلتي مع التأليف": "ولكنني بعد تخرجي، لم أكتب من القصة إلا النزر اليسير، ولو جمعت كل ما كتبت من قصص غثة، لما جاءت في حجم كتاب صغير".
كذلك نلمس في قوله الذي نجده مكتوباً في نهاية الصفحة الثامنة عشرة من نفس الكتيب عند حديثه عن الفن المسرحي: "وهو فن لم أحاول فيما بعد أن أواصل مسيرتي، إلا في خطوات قليلة، متفاوتة الزمن، وإن كان يخيل إليَّ أن السرد القصصي، لا يزال يغلب على أسلوبي في الكتابة".
فعدم وجود نماذج لهذه القصص التي أشار إليها وعدم عثوري على النصوص الأصلية أو نسخ لما قرىء منها أو مثِّل على خشبة المسرح أو بداية كتابة فصوله الأولى فإنني لن أستطيع أنة أصدر حكماً على مستوى هذه الأعمال وهل كانت بالغة الفصحى أم باللغة العامية غير أنني أميل من خلال معرفتي اللصيقة به أن المسرحية كانت باللغة الفصحى يؤيد ذلك حبه القوي لعقيدته ولغته ذلك الحب الذي ترجمه إلى محاضرة ألقاها في المؤتمر السابع للأدباء العرب الذي انعقد بالعراق عام 1389هـ وتمخض عنها كتاب "توثيق الارتباط بالتراث العربي". ولا يخدعنا عنوان مسرحيته الذي جاء باللغة العامية هكذا "بالمفتشرى أحسن". فكثيراً ما نقرأ عناوين مسرحيات ومسلسلات وروايات باللغة العربية الفصحى في حين أن لغة الحوار فيها من ألفها إلى يائها باللغة العامية الدارجة لا يصلح التخاطب والتفاهم بها إلا في بلد المنشأ دون بقية البلاد العربية الأخرى، ومشكلة الإعلام العربي واللغة العامية دفعت المصلحين والمخلصين من أبناء الأمة العربية إلى مطالبة الإعلام في كل البلاد العربية بالحرص على إعطاء المسلسلات والمسرحيات والروايات المكتوبة باللغة العربية الفصحى مساحات أوسع حتى تتسع دائرتها بين الأقطار العربية.
4- بدأ قبل وفاته بسنوات قليلة كتابة رواية طويلة بعض الشيء لكنه لم يواصل كتابتها بل لم ينشر منها شيئاً". ونستشف من هذا الكلام أن نص الرواية محفوظ لأنه كتب حديثاً، وأنه مكتمل، لكنه لم ينشر منه شيئاً. أما قوله: "لكني لم أواصل كتابتها وذلك من حسن حظ القراء" فهذه المقولة يقصد بها أنه لم يواصل الكتابة في فن الرواية حرصاً على مركزه الأدبي من أن يعرضه للنقد بدخوله مَيْداناً لم يكن له من قبل وإنما دخله من باب إثبات الذات، وهي سمة تغلب على كثير من أدباء الرعيل الأول الذين كانوا يسيرون على نهج علمائنا القدامى المتبحرين في كثير من العلوم لغة وأدباً وفقهاً ومنطقاً وتاريخاً وسياسة وتفسيراً وغير ذلك ولا يؤمنون بالتخصص أو الاختصاص، وعبد العزيز الرفاعي رحمه الله كان بقية الرجال الأفاضل الذين نهلوا العلم من مصادره جثياً على الركب.
ومهما يكن أمر هذه الرواية والقصص الأخرى التي كتبها عبد العزيز الرفاعي ولم يعرف حتى الآن الخزانة التي ترقد أو الإضبارة التي حبست بين دفتيها ولم تر النور منذ أن أحكم عبد العزيز الرفاعي كل الكوَّات والنوافذ عليها وأحلها الحرز الأمين سنظل متلهفين يحدونا أمل كبير في أن يزف أبناؤه وورثته أنباء إصدارها وإخراجها من عالم الظلمات إلى النور.
وما دمنا قد وصلنا إلى هذه المرحلة من دراسة بعض فنون النثر في أدب عبد العزيز الرفاعي وأخذنا نحزم حقائبنا، وأمتعتنا لنرحل إلى أحب حدائقه على نفسه، والتي يقضي بها معظم وقته، يعيش فيها مع خياله ووجدانه، مع ذوقه وفكره، مع عواطفه ومشاعره، مع حاضره وتراثه، يستأنس فيها بمحادثة أدباء العصور المختلفة، ويستنشد شعراء المهجر والمغتربين، قبل أن نطرق أبواب هذه الحديقة يجدر بنا أن نسجل للذكرى أن عبد العزيز الرفاعي قد مارس فن الرسائل وأبدع فيه، واستطاع من خلاله أن يتخذ أصدقاءًً وأنداداً، يستفتيهم ويستفتونه، ويحدثهم عن التراث ويحدثونه، وفي مكتبه أضابير كثيرة في أحشائها الدُّرُّ كامنٌ بل فيها من الكنوز المعرفية الشيء الكثير، ولقد صدَق بعض أصدقائه المخلصين حينما قال: إن في مكتبة عبد العزيز الرفاعي – رحمه الله – رسائل أدبية قيمة لو وجدت عناية لأخرجت لنا مؤلفات نافعة علماً وأدباً وثقافة، ولأثرت المكتبة العربية بفن من الفنون الأدبية التي بدا يخبو نورها بعد أن كان في فترات زمنية سابقة مما يسعى إلى الحصول عليه طلاب الأدب والمعرفة.
وصعد عبد العزيز الرفاعي منابر الخطابة وأسمع صوته داخل المملكة وخارجها، وتحدث خطيباً مرتجلاً، وتحدث خطيباً قارئاً وفي كلا الحالين كان حجة وعلماً، وأخرج لنا من جلِّ محاضراته كتباً اعترف بفضلها وقيمتها العلمية علماء وأدباء لهم مكانتهم ومنزلتهم ووزنهم في عالم الأدب والعلوم، وتلقفتها أيدي المثقفين المتعطشين لمثل هذا النوع من الكتب الدسمة السهلة الهضم العظيمة الفائدة ففيها كل المقومات التي تتطلبها مدارك الإنسان الواعي المثقف أو الطالب المتلهف إلى تزويد معلوماته وتوسيع دائرة علمه. وبعض تلك المؤلفات أعيدت طباعتها مرات عديدة.
وغازل الرفاعي كتابة القصة وسحرته بطلاوتها وعذوبتها، ورقتها فعشقها ولكنه عشقٌ صاحبه حذر شديد من الوقوع في أحابيلها ثم لا يجد منها فكاكاً، وعانقها وهو ما زال طالباً في المعهد العلمي واعترف بحبه لها حتى أصبح علماً بين أنداده ثم بدأ يقدم رجلاً ويؤخر أخرى في علاقته معها، فلا هو أشبع رغبته منها، ولا هي غابت عن ذاكرته وعينه. فهو يحن إليها بين الفينة والأخرى متودداً محبباً تارة أو باسطاً لها يديه معتذراً تارة أخرة، وهي في كلتا الحالتين تستقبله باسمة راضية لتزيده شغفاً بها فيكون أسيراً من أسراها ثم يغرق في بحور هواها ولا يجد مناصاً بعد ذلك للتخلص من قيودها وهو لا يريد أن يكون كذلك بل عشق منذ طفولته أن يعيش حراً كريماً طائراً بين الحدائق والجنان يترنم بأعذب الألحان على الرطيب من الأغصان، يحرك بها الخلجات والوجدان، ولذلك كتم حبه بعد أن استوى عوده، وخاف أن تمتد أيدي العاذلين والوشاة فتظفر بمذكراته فتعلنها وهو يأبى هذا النوع من الحب، أما وقد اختاره الله إلى جواره فإننا نطمع في أن يقوم من يهمه نشر آثاره بإصدار هذه القصص وإن كانت جميعها لا تؤلف كتاباً صغيراً.
وداعب المسرح الشعري ولكنها مداعبة من طرف واحد تكشفت له بعد أن حاول أن يستميل بها قلب المسرح الشعري إنها أحبولة من أحلام اليقظة التي تطغى كثيراً على طموحات الشباب الذين يحاولون كسر جميع الحواجز التي تقف في طريقهم بأسرع وقت وتهيء تلك الأحلام في لذة متناهية كيف يبنون قصوراً رائعة، ويزرعون حدائق منسقة بديعة في صحارى جرداء، ويقيمون في الهواء بساطات تتنقل بهم كما يشاؤون ولكن تلك الأحلام سرعان ما تتبخر كما تتكسر فقاقيع الماء التي تركض خلف الزوارق التي توقظها من سباتها.
لذلك ترك عبد العزيز خوض المسرح الشعري وإرتياده ولكنه أصر على أن يقيم بينه وبين المسرحية أياً كان نوعها فجاءها متأبطاً أسلوب النثر ودخل ميدانها من أوسع أبوابه وهو باب المسرحية المشاهدة التي يتم عرضها على المشاهدين ويقوم بتمثيل شخوصها أفراد يعبرون عن حركات شخوص المسرحية وأقوالهم وألبستهم بما خطته يد الكاتب.
ومن المعروف أن المسرحيات التي يتم عرضها ليست من السهولة بمكان فإلى جانب كتابة القصة يتصدى الحوار وهو ما يطلق عليه "سيناريو" ثم يأتي دور المخرج ودور العاملين خلف الكواليس. وقد قام عبد العزيز بمفرده بهذه الأدوار جميعاً ليبرهن لمن معه ولمن يأتي بعده أن الطموح يحقق بالإصرار والعمل ما لم تستطع تحقيقه مواكب الأماني والأمل.
كانت تلك المسرحية هي الأولى والأخيرة في حياة عبد العزيز الرفاعي في الأدب المسرحي ولعل المعاناة التي لقيها منذ كتابته لتلك المسرحية حتى نهاية عرضها وإسدال الستارة على الفصل الأخير منها جعلته ينفض يديه من العودة إلى كتابة المسرحية شعراً أو نثراً.
لكن عبد العزيز الرفاعي رغم هجرانه للمسرحية شعراً ونثراً فأننا أبصرناه يحوم حول قصر "الرواية" ويتغنَّى بمحاسنها وتدغدغ أصابعه قلمه لينزف شيئاً من دمه يروي به عطشه ويمكنه من دخول ذلك القصر والتجوال فيه، وكم حلم بذلك غيره واستطاع أن يتبوء مكانه منه بعد أن أفلح في إرضاء صاحبته، فحاول عبد العزيز الرفاعي محاولة من سبقه لكنه بعد أن دخل مخدعها وابتسم لها وابتسمت له حدثه قلبه بأن هذه المعشوقة لا تصلح له وكأنَّ هاتفاً يهتف به دعها، فهي ليست من أهلك، وليست من عشيرتك، فجمع أوراقه وغادر قصرها وأقسم ألا يعود إليها هكذا تخيلته قد أكون مصيباً في ما تخيلت وقد أكون مخطئاً ولكن قوله في الصفحة العاشرة من كتيبه "رحلتي مع التأليف": "لكني لم أواصل كتابتها وذلك من حسن حظ القراء. بل لم أنشر منها شيئاً. وما زالت في الأبجديات الأولى" يؤكد ما ذهبت إليه غير أننا نتحرق شوقاً لتلك الهدية التي حملها إلى قصر الرواية وقدمها لها لعلنا نجد فيها ما نتوق إليه من كنوز عبد العزيز الرفاعي الأدبية.
وأحب في خاتمة المطاف بهذا الفصل أن أشير إلى أنني عثرت على إحدى القصص الذي أشار إليها عبد العزيز الرفاعي – رحمه الله – في الصفحة العاشرة من كتيبه "رحلتي مع التأليف" بقوله: "ولكنني بعد تخرجي لم أكتب من القصة إلا النزر اليسير" وأنا أثبتها هنا كما وجدتها منشورة في مجلة المنهل بالعدد الصادر شهر رجب وشعبان عام 1374هـ.
 

طباعة

تعليق

 القراءات :589  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.