شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
توثـيق الخميسـيّة
لم يُعْنَ معالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي بتوثيق ندوته الخميسية منذ نشأتها أو منذ تأسيسها، لأنه لم يتصور أن تصل ندوته من الشهرة والذيوع ما وصلت إليه، فقد كانت في نظره مجرد أمسية تضم بين جناحيها الأحبة والأصدقاء، يتناولون فيها حديث الذكريات بمكة وجُدّة، ويناقشون بعض ما يقع تحت أيديهم من كتب أدبية حديثة الصدور، وهو يعبر عنها في كل مناسبة بهذه الصورة أو ما يقرب منها. ففي ليلة تكريمه باثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة قال معلقاً على أقوال المتحدثين الذي أثنوا على ندوته الأسبوعية، وما تقدمه لضيوفها وروادها من نفيس العلم والأدب والثقافة: "فيما يتعلق بالجلسة الخميسية فإنها لا تعدو أن تكون جلسة أخوية تضم بعض الأصدقاء، فإن حضر منهم ذو الفكر والأدب، تحولت إلى جلسة أدبية، وإن لم يحضر فإنها جلسة عادية كأية جلسة في أي بيت، لا تعدو أن تكون جلسات أخويةً عاديةً لا تتميز بشيء".
وظلت هذه الصورة راسخة في ذاكرته كلما ضغط سائل على زرها السحري الذي يوقظها تبدو جلية أمام عينه فيحكي ما اختزنه بالأمس عنها، قبيل وفاته بأشهر نشرت مجلة (اقرأ) حواراً صحافياً معه، أجراه مندوبها الأخ عبد الله المليص وقد أجاب الشيخ عبد العزيز الرفاعي - رحمة الله - على سؤال له صلة بخميسيته؛ إذ قال السائل: كيف بدأت فكرة لقاء الخميس قبل ثلاثين عاماً؟ ومن هم الأعضاء فيها؟ ومن هم أهم الشخصيات البارزة الذين حظيت بهم الخميسية؟ فأجاب: "قصة لقاء الخميس بداري في الرياض بدأت حينما نقلت أسرتي إلى الرياض وسكنت في إحدى ضواحي المدينة آنذاك، ولم أكن أعرف إلا عدداً محدوداً من الأصدقاء، فخصصت مساء الخميس من كل أسبوع لاستقبالهم ولم يكن يخطر ببالي أنه سيكون لهذا اللقاء صفة الاستمرار، أو أن يتخذ طابعاً، وليس للجلسة أعضاء، ولكن لها أصدقاء يتداولون الحضور، أما الشخصيات الذين حضروا عبر ثلاثين عاماً فلا يسعني إحصاؤهم، لكن أذكر من بيتهم الشاعر السوري الكبير "أنور العطار" والشاعر الإسلامي "عمر بهاء الدين الأميري" ومفتي فلسطين الحاج "أمين الحسيني" ومفتي لبنان "حسن خالد" والدكتور "محمد محمد حسين" والدكتور "علي عبد الواحد وافي" "والشاعر القروي". وإذا أخذنا من إجابته جملة "لم يخطر ببالي أنه سيكون لهذه الجلسة صفة الاستمرار" لكفتنا، ففيها ما يقنعنا عن البحث عن أسباب أخرى قابعة في الأعماق، لأن الشعور الظاهر بعدم الاستئناس باستمرارها، كفيل بعدم إعطائها الأهمية القصوى في توثيق ما يدور فيها، وهذا السبب وإن كان عاملاً مثبطاً داعياً إلى عدم توثيق هذه الأمسيات التي يهددها الانقطاع وعدم الاستمرار، إلا أنني أرى أنَّ السبب ليس في انقطاع الندوة لأن في الإمكان إقامتها في الرياض أو في جدة أو أية مدينة ينتقل إليها؛ لكن المشكلة تكمن فيمن سيتولى الاهتمام بتوثيق ما يدور في كل جلسة باستخدام أشرطة صوت عن طريق استخدام أجهزة تسجيل الصوت أو عن طريق استخدام أجهزة تسجيل صورة وصوت "فيديو" ومن ثم تفريغ ما بها على الأوراق والقيام يتنقيحها وإعدادها للطباعة، لأن العثور على شخص يقوم بهذه المهمة ويضمن استمرارها أمر من الصعوبة بمكان، والذي لاحظه القراء أن الإخوة الذين تولوا تزويد بعض الصحف المحلية بنبذ موجزة عن أخبار الندوة، لم يشفوا غليل المتابعين، لذلك جاءت كتاباتهم أحياناً كالأحاجي تحتاج إلى حل، أو كالرموز المستغلقة التي يميل شعراء الحداثة إلى استخدامها، حتى تخبط خبطاً في ظلام تفاسير تلك الرموز وإزالة ما بها يحجب عين القراء عن حقيقة أمرها، وبالتالي لا يعرف القارئ منها شيئاً.
والندوة الرفاعية تعتبر رائدة الندوات الأدبية في المملكة العربية السعودية في العصر الحديث، لأن الندوات التي سبقتها لم تكن بنفس المستوى ولم تكن بذات المضمون، ولقد ذهب إلى هذا الرأي كثير ممن سنحت لهم فرصة زيارتها واطلعوا عن كثب على ما يدور من مناقشات وما يلقى فيها من شعر وما يبحث بها من مواضيع.
وعدم توثيقها حرم الكثير من الاستفادة مما حفلت به من دراسات أدبية وثقافية وعلمية أضاءت جوانبها، وقصائد شعرية عبقت أشذاؤها في آفاقها. وما جمعه الدكتور عائض الردادي في كتابه "ندوة الرفاعي" ما هو إلا نزر يسير مما قيل فيها. وذلك لأن الدكتور عائض اهتم بما قاله عاشقو الندوة وزوارها في وصف الندوة ذاتها، أما غير ذلك فلم يطرقه، وكيف يستطيع وليس بين يديه من الوسائل التوثيقية ما يحقق له هدفه.
وقد نجم عن عدم توثيق ما قيل فيها، العثور على نصوص لا يُعرَفُ قائلوها، فتجنبت ذكرها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :588  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 30
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.