شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الزوَاج ليْس جحيماً
فاتح الشاب أهله ذات يوم برغبتهم في زواجه -وكان قد ناهز العشرين من عمره- فصدف عنهم فألحوا فانتحل لهم من الأعذار ما يكفي لصرفهم عن هذه الرغبة المتطفلة على حياته الخاصة ولكنهم لم يقنعوا بل عاودوا الإلحاح وقالوا أنهم يريدون له الولد قبل أن يغادروا هذه الدار فما حرمت الأقدار أباهم وأمهم منه لن يرضى هو بحرمانهم منه وهم إليه جِدُّ مشوقين.. ثم أليس الزواج نصف الدين وهو وسيلة الذرية وحافظ النوع؟
وقال لهم إنه يشعر بأنه غير قادر على الاضطلاع بمسئولية الزواج والولد.. وأنه سعيد بحبه العزوبة.. وسرد لهم كل ما وعاه من فلسفة الفلاسفة الدهاقين الذين وصفوا الزواج بالجحيم.. وحمدوا للعزوبة فردوسها الخالب وزينوه للناس.. فلم يزدادوا إلا إصراراً ورغبة.. ولما تكاثروا واستعطفوه فصمت عدُّوا صمته قبولاً.. وأخذوا يعدون العدة لهذا اليوم السعيد.. ويخرجون الشاب، رغم أنفه من حياة العزوبة إلى حياة الزواج.. ويضيفون حلقة جديدة إلى سلسلة قيده الطويل..
وذات مساء وقد سكب البدر ضياه الناعم على هذا الكوكب فملأه بهجة وحبوراً، وأسبغ عليه من السحر والفتون ما ينعش الأخيلة والأحلام ويجزل الغبطة والجذل.
جلس الشاب إلى صديقه الأثير (ص) يتحدث عن الزواج.. أهو سعادة أم شقاء؟.. فأما الشاب فقد غلبت عليه نزعته المتشائمة فقال إن الزواج قيد بغيض يصادر الحرية والانطلاق وهو كالضوء الذي يتهافت عليه الفراش وما يدري أنه حتفه المقدور..
وقال عن الولد إنه كان أحد مكاره الزواج وآفاته.. وإن أبا العلاء قد أوفى على قمة الحكمة وأصاب كبد الحق حين قال،،،
هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد
فمالي وللجهد الجاهد والهم المقيم
وتطلع إلى البدر بعيون ساهمة وفكر شريد.. وكأنما أصبحت الأرض الفضاء عليه كفة حابل ما تنفرج ولا تمتد فما يمرح ولا يتوثب.. وراع صديقه ما سمع وما رأى، فأخذ يتكئ على الكفَّة الأخرى في مخاطبة عواطفه واستمالتها.. وما زال به يحاول ويواسي حتى حمله على الابتسام للكون المقمر الباسم.. فليس أثقل على النفس من العبوس والجهامة في مثل هذه الليلة المتلألئة الراقصة.. إن خمرها لها نشوة وليس لها خمار.. ولن يغمض عينه عنها إلا طبع جامد وقاحٌ.. وللكآبة من العدوى ما ليس للجدل.. وصديقه له نظرة إلى الحياة تغاير نظراته إلى الحياة وهو يصطنع هذه النظرة ثم يستسلم إليها كلما استبدت به الكآبة والحيرة.. فيقف (ص) منه في الطرف المقابل والجانب النقيض لينقذ روحه من الهوى في الدركات السحيقة المظلمة وتراه -في الظروف المناضلة المستبسلة- متفائلاً بادي المرح والانشراح، ينظر إلى الحياة بمنظار ناصع البياض فلا يرى إلا الجانب المضيء والمفرح..
يأخذ منها ما تعطي ويذر ما تمنع فلا ندم ولا حسرات.. إن أكد له صديقه أنها فلاة بلقع تلوب الوحشة بقفارها المخوفة.. قال له بل هي جنة وارفة الظلال عبقة الأريج شهية الثمرات فلا ترنق صفوها بمزاجك العيوف الساخط..
قال (ص) لصديقه المتأفف -بعد إن هدأت نغمة جداله وسأبرهن لك- يا صديقي على أن الزواج نعمة ببرهان لا يدفع.. سأتزوج فوراً مهما كانت الصعاب لنتفق في نمط الحياة ونتساوى في سرائها وضرائها.. وما يومي من يومك ببعيد.. فذعر الشاب وتراكضت أنفاسه واستولى عليه ندم على ما فرط منه.. فهو يؤثر صديقه على نفسه.. ويود أن يكتوي بالنار دونه.. إنه في العشرين وهي سن في رأيه مبكرة على الزواج فكيف بالثامنة عشرة؟ أمامه الآن أن يحزم أمره ويمنع صديقه من ارتكاب هذه الغلطة الفاحشة التي تردى هو في وهدتها قال له وهو يحاوره.. لا تعجل فما من سبب يدعوك إلى هذه العجلة الطائشة.. دعني أمر بهذه التجربة فإن جزتها بنجاح كنت عوناً على ما تبغيه.. وإلا فإن ضربتين لا يتحملها رأس واحد كما يقولون.. وكان (ص) عنيدا لا ينثني عن مقصد يستقر رأيه عليه..
وصديقه يعرف منه هذا الخلق الوعر.. ويعرف عقم التهويش معه مهما كان فلن يزيده إلا تصميماً ومضياً ولا سيما إذا كان يرى في عمله وفاقاً مع من يحب.. ولذلك أظهره (ص) ليثبت لصديقه أن الزواج ليس بالجحيم وليجرى معه في حلبة واحدة فما يفترقان..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :431  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 18
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.