شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(جـ)- التعقيد وخلل النظام
إن الخلل الذي يقوم على فساد عملية الترتيب، هو ما سماه "عبد القاهر الجرجاني" بـ "التعقيد". فهو يشرحه بقوله: "أما التعقيد: فإنما كان مذموماً لأجل أن اللفظ لم يرتب الترتيب الذي بمثله تحصل الدلالة على الغرض حتى احتاج السامع إلى أن يطلب المعنى بالحيلة ويسعى إليه من غير الطريق، كقوله:
ولذا اسم أغطية العيون جفونها
من أنها عمل السيوف عوامل
وإنما ذُمّ هذا الجنس لأنه أحوجك إلى فكر زائد على المقدار الذي يجب في مثله. وكذلك بسوء الدلالة، وأودع المعنى لك في قالب غير مستوٍ ولا مملس، بل خشن مضرس، حتى إذا رمت إخراجه منه عسر عليك وإذا خرج خرج مشوه الصورة ناقص الحسن" (1) .
ويبدو لي أن فساد الترتيب عند "أبي تمام" قد عُرِفَ من قبل "عبد القاهر"، فهذا "القاضي علي الجرجاني" يذهب إلى مثل ما ذهب إليه "عبد القاهر" من بعده. فيقول في فساد ترتيبه: "فهذا مقدار اختراعه، وهذه طريقة ابتداعه، فإن زاد عليه وتجاوزه قليلاً اضطر إلى تعقيد اللفظ وفساد الترتيب واضطراب النسيج" (2) .
وهنا يتولد سؤال يوجبه المقام: إذا كان الفن بشكل عام يقوم – فيما أتصور – على النظام. فهل معنى ذلك أنه ينافي الحرية؟.
هنا أرجح أن الحرية في الفن لها نسقان: حرية فكرية، أي حرية التعبير عن المعاني بشكل عام: أخلاقية أو دينية أو ما إلى ذلك، وهذه الحرية بطبيعة الحال لا تخرج عن احتياجها "للنظام" الذي تحدثت عنه.
وحرية فنية؛ أي حرية اتخاذ قوالب فنية معينة لتصب فيها الأفكار والمعاني، وهي – فيما أرى – لا بد أن تكون مقيدة بأي شكل ارتضاه الأديب حتى لو خرج عن كل القوالب المألوفة عند أهل الفن، وارتضى لنفسه قالباً غير مألوف، فهو بطريق غير مباشر قد اختار لنفسه ذهنياً نظاماً خاصاً به لتفريغ شحنته من المعاني والأفكار. وإن كان المتلقي لا يشعر بهذا النظام لأول وهلة خاصة إذا كان نظام الأديب جديداً أو خارجاً به عن المألوف، فهو لا يعدو أنه ألزم نفسه بقالب فني معين، وإن كان يأبى الالتزام بالقواعد الفنية المعهودة، ولذا فهو رغم شعوره بالحرية إلا أنه يسير وفق نظام معين قد لا يشعر به إلا هو، كما قال "المتنبي":
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر القوم جرّاها ويختصِمُ
أما المتلقي فإن لم يشعر بنظام المنشىء نفر من النص، وهذا ما يشعر به كثيرون تجاه الشعر الحداثي، من أنه خروج على النظام المألوف في الشعر العربي، رغم احتمال وجود نظام معين في رؤية الأديب.
وأجد عند "شيلر" ما يؤكد ما ذهبت إليه، فهو يعرف الفن بقوله:
"فالفن حرية، وجوهر الفن الجمال..". ويقول: "الفن ربيب الحرية" كل هذا يشعرني بأن الفن يجب ألا يخضع لقيد خارجي عليه، إلا أن "شيلر" يقول متسائلاً: "فكيف الوصول إلى إحراز الجمال؟ إنه بالحرية، وكيف الوصول إلى الحرية؟ باللعب بكامل حريته. واللعب في الوقت نفسه يتم وفق قانون، فكأنه جمع شيئين متناقضين: الضرورة والحرية معاً، وفيه يحدث التناغم بينهما، ومظهر هذا جمال الفن" (3) .
ويعلق على قول "شيلر" "مجاهد عبد المنعم" بقوله: "إن الحرية عند شيلر هي اللعب ولكن اللعب ليس لهواً أو تخلياً عن المسؤولية بل هو الإنتاج وفق مقتضيات العقل ووفق النظام دون قسر خارجي" (4) .
إذاً فالحرية في الأدب مهما خرجت عن كل الأنظمة، فهي لا بد أن تكون خروجاً عن نظام للدخول في نظام آخر بطريق غير مباشر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1148  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج