شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
2- التوازن في الطبيعة:
يقول "سيد قطب" عن إدراك العلم لحقيقة "التوازن" إن العلم "وصل في إدراك التناسق بين عدد كبير من الضوابط التي تضبط الحياة، وتنسق الأحياء والظروف المحيطة بها وبين بعضها وبعض إلى حد يعطي فكرة عن تلك الحقيقة العميقة الكبيرة، فالنسبة بين عوامل الحياة والبقاء وعوامل الموت والفناء في البيئة وفي طبيعة الأحياء محفوظة دائماً بقدر يسمح بنشأة الحياة وبقائها وامتدادها" (1) .
وحسبي هذه الأمثلة أسوقها برهاناً على أن مبدأ "التوازن" مستقر في الطبيعة وفي الإنسان.
- "البروتوبلازم: إن هذه الخلية الفريدة، هذه النقطة الصغيرة الشفافة التي تشبه الطل تحتوي في نفسها على جرثومة الحياة وبها القدرة على توزيع هذه الحياة على كل كائن حي، كبيراً أو صغيراً، وعلى مطابقة كل مخلوق لبيئته حيثما يمكن وجود الحياة، من قاع المحيط إلى السماء، وقد صاغ الزمن والبيئة شكل كل كائن حي بحيث يتفق مع أنواع الظروف المتعددة" (2) .
أ- التوازن في تركيب جسم الإنسان:
"إن وجود الكريات البيضاء أو الحمراء في الدم بمقادير مناسبة ضرورة لا بد منها، لكن إذا تكاثرت بإفراط مع عدم نموها إلى خلايا سليمة وفعالة حسب المطلوب فإن هذا يعني اللوكيميا أي سرطان الدم" (3) .
- "ومن المتفق عليه أنه إذا اختل "توازن" إفرازات الغدد وهي معقدة تعقيداً مدهشاً، فإنها تحدث اختلالاً ذهنياً وجسمانياً بالغ الخطر، ولو عمت هذه الكارثة لاندثرت المدنية وانحطت البشرية إلى حالة الحيوانات، هذا إذا بقيت على قيد الحياة" (4) .
- "الثدي يفرز في نهاية الحمل وبدء الوضع سائلاً أبيض مائلاً إلى الاصفرار، ومن عجيب صنع الله أن هذا السائل عبارة عن مواد كيميائية ذائبة تقي الطفل من عدوى الأمراض، وفي اليوم التالي للميلاد يبدأ اللبن في التكوين، ومن تدبير المدبر الأعظم أن يزداد مقدار اللبن الذي يفرزه الثدي يوماً بعد يوم، حتى يصل إلى حوالي لتر ونصف في اليوم بعد سنة، بينما لا تزيد كميته في الأيام الأولى على بضع أوقيات، ولا يقف الإعجاز عند كمية اللبن التي تزيد على حسب زيادة الطفل، بل إن تركيب اللبن كذلك تتغير مكوناته وتتركز مواده، فهو يكاد يكون ماء، فيه القليل من النشويات والسكريات في أول الأمر، ثم تتركز مكوناته فتزيد نسبته النشوية والسكرية والدهنية فترة بعد أخرى، بل يوماً بعد يوم بما يوافق أنسجة أجهزة الطفل المستمر النمو" (5) .
- "إن "التوازن" هو القدرة على التعادل مع جاذبية الأرض التي تسحب كل ما يقرب منها ومن دون "التوازن" يتعذر على الطير وعلى الإنسان أن يمشي كما يتعذر معرفة الاتجاه على كل الأحياء. لدى الإنسان عضوان "للتوازن" موقعهما في الرأس قرب الأذن وعندما يبقى الرأس مرفوعاً يتوزع الضغط المسلط على هذه الشعيرات بالتساوي، ولكن إذا كان الرأس مائلاً إلى إحدى الجهتين تغير الضغط عليه وعندئذ تتنبه الخلايا الحساسة فترسل نبضة عصبية إلى المخ الذي يوعز لعضلات معينة بالعمل فيستعيد الجسم توازنه ويصبح في الوضع الصحيح" (6) .
ب– التوازن بين النبات والحيوان:
- "الحياة شديدة الخصب في توالدها حتى إنها تعول نفسها، وتطعم من فائضها، ومع ذلك تضبط جميع الكائنات الحية، لتمنع أي مخلوق من مخلوقاتها، من أن يطغي على العالم. فالجراد مثلاً لو بقي دون ضابط استطاع في بضع سنين أن يلتهم كل زرع أخضر، وعندئذ تنتهي حياة كل حيوان فوق الأرض" (7) .
- "إن التوازن العجيب بين الزرع وحياة الحيوان إنما استقر بهذا التقسيم وإذا عدنا إلى قصة ثاني أكسيد الكربون، وجدنا أن هذا التقسيم هو أساسي بوصفه أحد ضروريات الحياة نفسها، ولو كانت الحياة كلها نباتية لكانت قد استهلكت كل ثاني أكسيد الكربون، وفي كلتا الحالتين كانت ستنتهي هذه الحياة وتلك" (8) .
جـ– التوازن بين الحيوانات بعضها مع بعض:
- "إن الجوارح التي تتغذى بصغار الطيور قليلة العدد، لأنها قليلة البيض قليلة التفريخ، فضلاً على أنها لا تعيش إلا في مواطن خاصة محدودة وهي في مقابل هذا طويلة الأعمار، ولو كانت مع عمرها الطويل كثيرة الفراخ مستطيعة الحياة في كل موضع، لقضت على صغار الطيور وأفنتها من كثرة تفريخها.
- الحَيَّات الصغيرة مزودة بالسم أو بالسرعة للهرب من أعدائها، والثعابين الكبيرة مزودة بقوة العضل؛ ومن ثم يندر فيها السام.
- الظباء مزودة بسرعة الجري، والقفز، والأسود مزودة بقوة البأس والافتراس" (9) .
فالتوازن إذاً معيار ثابت للصحة والجمال في الماديات والروحيات وما أتى الخلل الذي نلمسه في عالم اليوم إلا من عبث حضارة العصر بهذا "التوازن". فإن "أول ما يلفت الحس في الجمال... أنه نظام ولكنه ليس ضرورة، ولهذا النظام كما يبدو في صفحة الكون مظاهر متعددة، منها الدقة، والتناسق. و "التوازن"، والترابط، وخفة الحركة، رغم ثقل الأوزان... تلك سمات الجمال في الكون وهي ذاتها سمات الجمال في هذه الأرض وفي حياة الإنسان" (10) .
وبلا أدنى تحيف يمكن مدّ هذه السمات بعينها إلى المناشط الفنية فنقول: إن الفن – أدباً أو غير أدب – إذا اختلت فيه سمة من هذه السمات أصابه الضعف والخور بمقدار هذا الخلل، بل إني لأوشك أن أقول: إن مسؤولية الفنون عن حضارة البشر مسؤولية عظمى، فأيما خلل يصيب الحضارة ويضعفها من قوة، فيجب أن يدخل المؤرخون في اعتبارهم مسؤولية الفنون عن هذا الخلل لا سيما فن الكلمة، وإخال العقل وحده لا يستقل بمسؤولية "التوازن" في العمل الفني بل المسؤول الأعظم هو الموهبة الناضجة التي يمكن عملها أحياناً من وراء الوعي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2280  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج