رأيْتُها ورأتْني لَيْلَة الأحدِ |
فجن قلبي بعينيها إلى الأبدِ |
في سَامرٍ خَضِل طـابَ الحديـثُ بـه |
كأنَّه الرّوضُ في أثوابِه الجُددِ |
لم نَجْتمعْ صُدْفةً… لكنه قَدَرٌ |
يَقودُنا – دونَ أنْ نَدْري – يـداً بيَـدِ |
رَنَتْ إليّ، وقد قالَتْ لخالتِها |
مَنِ "الأميرُ" الـذي حيّـى ولم يـزدِ؟ |
فجاوَبَتْها بصَوْتٍ كِدْتُ أسمَعُه |
صَدَقْتِ. هذا أمـيرُ الشَّعْـرِ في البلـدِ |
غنَّى فهزَّ قلوبَ النـاس مِـنْ طَـرَبٍ |
لكن أثارَ قلوب الطّيْـر مِـنْ حَسَـدِ |
غَلْواءُ خلَّدها شِعْراً وصوَّرها |
رُوحاً، ولكـنّ عيْنَيْـه علـى الجَسَـدِ |
لا كَرْمَ إلاّ جَنَى منه وجانَفَهُ |
يا لَلْكُرومِ غَـدتْ نَهْبـاً لكـلِ رَدِيِ! |
يُغْري المِلاحَ بِمـا يُبْديـه مِـنْ دَعَـةٍ |
واللهُ يعلم ما يُخفيه مِنْ عُقَدِ |
فحاذِريه، وظلّي عنه نائيةً |
هَيْهات تَسْلَم شـاةٌ في شَـرَى أسـدِ |
فعاوَدتْ تتقرّاني بنَظْرتِها |
وقَلْبُها بَيْنَ نارِ الشَّكَّ والبَردِ |
ثم استدارَتْ وقالـتْ لابـن خالتِهـا |
هَلاّ انصَرَفْنا، فما في البيتِ مِـنْ أحـدِ |
إنَّ اللصوصَ كثـيرٌ والطريـقُ خَـلاَ |
والليلُ فحْمتُهُ امتـدّتْ إلى كَبـدِيِ… |
ووَدَّعَتْ ومَضَتْ، لكنّها بَقيَتْ |
دينا مِنْ العِطْر في روحـي وفي خَلَـدي |
وظلَّ صَوْتي في أسماعِها نَغَماً |
حُلْواً وإنْ أظْهَرْت شَيْئاً مـن الكَمَـدِ |
* * * |
وبَعْدَ شَهْرٍ تلاقيْنا فما نَفَرتْ |
ولا تلافَتْ لِقاءَ البُلْبُل الغَرِدِ |
مَدَّتْ إليّ ذراعَيْها مُرَحَّبةً |
ومكّنَتْنيَ مِنْ خَدَّ ومِنْ نَهَدِ |
لَمْ أدْرِ هل كانـت اللُّقْيـا مُصادَفَـةً |
أم كان أمْسِي جسْراً قادنـي لِغَـدي؟ |
ثم التقيْنا وكان الليلُ ثالثَنا |
فظُنَّ ما شئتَ مِنْ خَيْـرٍ ولا تَـزِدِ… |
* * * |
تَقَلّبَ الدَّهْرُ بالأحبابِ فانقَلَبوا |
وظَلَّ قَلْبيَ في الصحراءِ كالوَتِدِ |
تلك التي نضّرتْهُ بابتسامَتها |
عادَتْ فجارَتْ على مَجْنونهـا النَّكـدِ |
تَحَجَّرتْ بعْدَ أنْ كانتْ تُدَلَّلُه |
هَلْ كان ما أضْمَرتْ حُبـاً إلى أمَـدِ؟ |
لم يبْقَ مِنْ خَبَـري فـي نَفْسِهـا أثـرٌ |
كأنني الطَّيْفُ ولّى ثمَّ لم يَعُدِ… |
لكنَّ قَلْبيَ لن يَسْلو مفاتِنَها |
وسَوْفَ يَذْكُر عَيْنَيها إلى الأبدِ! |