تَمَهَّل قليلاً فإنَّكَ يومٌ |
ومهمَا أقمتَ وطالَ المزارْ |
ستشطُرنا خلفَ شمس الغروب |
وترحلُ بينَ دموعِ النهارْ |
وتتركُ فينَا فراغاً وصَمتاً |
وتُلقِي بنَا فَوْقَ هَذَا الجِدَارْ |
وتَشتاقُ كالنَّاسِ ضَيفاً جَدِيداً |
ويُنْهِي الرِّوَايةَ... صَمتُ السِّتارْ |
وتَنسَى قلوباً رأتْ فيكَ حلماً |
فهلْ كلُّ حلمٍ ضِيَاءٌ... ونارْ |
ترفقْ قَليلاً ولا تنسَ أنِّي |
أتيتُ إليكَ وبعْضِي دمارْ |
لأنِّي انْتَظَرْتُكَ عُمراً طويلاً |
وفتَّشتُ عنْكَ خَبايا البِحارْ |
وغيَّرتُ لوْنِي وأوصَافَ وجْهِي |
لبِستُ قناعَ المنَى المسْتعارْ |
وجئتُ إليكَ بخَوفٍ قديمٍ |
لألقاكَ قبلَ رحيلِ القِطارْ |
* * * |
تمهَّل قَليلاً... |
ودعْنِي أسَافرُ في مقْلتيها |
وأمحُو عن القلبِ بعضَ الذُّنوبْ |
لقدْ عِشْتُ عمراً ثقِيلَ الخَطايا |
وجئتُ بعشْقي وخوفِي أتوبْ |
ظلالٌ من الوهمِ قدْ ضيعتْنا |
وألقتْ بنَا فوقَ أرضٍ غَريبة |
عَلَى وجنَتَيها عناءٌ طويلُ |
وبينَ ضُلوعِي جِراحُ كَئِيبة |
وعندِي مِنَ الحبِّ نهرٌ كبير |
تَناثرْتُ حزناً عَلَى راحَتيهِ |
ويَوماً صَحَوتُ رأيتُ الفراقْ |
يكبِّلُ نهرَ الهوَى من يدَيِهِ |
وقالُوا أَتَى النهر حزنٌ عجوزٌ |
تلالٌ من اليأسِ في مقلتيهِ |
توارت على الشَّطِّ كُلُّ الزُّهور |
وماتَ الربيعُ علَى ضفَّتيهِ |
تمهَّلْ قليلاً... |
ستأتِي الحَيَارى جُموعاً إليكَ |
وقَدْ يسْألونكَ عنْ عَاشِقَينْ |
أَحَبَّا كثيراً وماتا كثيراً |
وذَابَا معَ الشَّوقِ في دَمعَتينْ |
كأنَّا غدوْنا عَلى الأفقِ بَحْراً |
يطوفُ الحَياة بلاَ ضفَّتينْ |
أتينَاك نَسعَى ورغمَ الظَّلامِ |
أضأْنَا الحَياةَ على شمعَتينْ |
* * * |
تمهَّلْ قَليلاً... |
كِلانَا علَى موعدٍ بالرَّحيل |
وإن خادَعتْنا ضفافُ المُنى |
لمِاذَا نُهَاجِرُ مثلَ الطيورِ |
ونهرَبُ بالحلمِ في صَمتنَا |
يطارِدُناَ الخوفُ عندَ المماتِ |
ويكبُر كالحُزنِ في مهْدِنا |
لماذا نُطَاردُ في كلِّ شيءٍ |
وننسى الأمانَ عَلى أرْضِنا |
ويحمِلُنا اليأسُ خلفَ الحياةِ |
فنكرهُ كالموتِ أعمارَنَا |
* * * |
تمهلْ قليلاً... فإنَّكَ يومٌ |
غداً في الزِّحامِ تَرانا بَقايا |
ونَسْبحُ في الكونُ ذَرَّاتِ ضوءِ |
وينثُرنا الأفقُ بعضَ الشَّظَايا |
نحلِّق فِي الأرضِ رُوحاً ونبْضاً |
برغمِ الرَّحيلِ... وقهرِ المَنَايَا |
أنَامُ عبيراً على راحَتَيْها |
وتجْري دِماهَا شَذىً في دمَايَا |
وأنسَابُ دِفْئاً عَلَى وجْنَتَيْها |
وتمضِي خُطَاها صَدَىً في خُطَايا |
وأُشرِقُ كالصُّبحِ فجْراً عليْها |
وأحمِلُ في الليْلِ بعضَ الحكَايا |
وأملأ عينيَّ مِنهَا ضياءً |
فتبعَثُ عمري... وتحْيِي صَبايا |
هيَ البدءُ عنْدِي لِخَلْقِ الحياةِ |
ومهْما رحلْنا لها منتَهايا |
* * * |
تمهَّلْ قليلاً... فإنكَ يومٌ |
وخُذْ بعضَ عُمري وأبقَى لديكْ |
ثَقْيِلٌ وداعُك لكنَّنا |
ومهْما ابتَعَدْنا فإنا إليكْ |
سَنَغْدُو سَحاباً يطُوفُ السَّماءَ |
ويَسْقُط دمْعاً عَلى وجنَتَيْكَ |
ويمضِي القِطارُ بِنَا والسَّفرْ |
وننسَى الحَياةَ وننْسَى البشَرْ |
ويشْطُرنَا البُعْدُ بينَ الدُّروب |
وتعْبثُ فينَا رِياحُ القَدرْ |
ونُبقِيكَ خلفَ حُدودِ الزمانِ |
ونَبكِيكَ يوماً بكلِّ العُمُرْ |
* * * |