لـم يبقَ فـوق صخورِ الشـطِ إلاَّنا |
فكيف لا تسـمع الأمواجُ شـكوانا |
على الشفاه حديـثٌ لا نبـوحُ بـه |
وفـي العيـونِ بريـقٌ مـن نجاوانا |
وفـي الجوانـح أشـواق مبرحـة |
تـزيدُها خطـواتُ الليــلِ نيرانـا |
وهيمن الصمت إلاَّ خفـق أجنحـة |
تصدهـا نسـمات البحـر أحيانـاً |
نامت عيون الدجى عنـا وأيقظنـا |
لحن مـن الليل يسـري في خلايانـا |
تعانق الشجر المشـتاق وانعطفـت |
أغصانه مـرح الأعطـاف جذلانـا |
يمـد أذرعـه شــوقاً وآونــةً |
يروح يلثـم وجـه البحـر حرانـا |
حتـى الصخـور التي بتنا نسـامرها |
تراعشت لم تعد صخـراً وصوانـا |
يخبـئ الظـل وجهينـا وتحجبنـا |
ضفائــر الليـل إمَّـا لاح طيفانا |
وترقص الريح تخفـي همسـنا قلقاً |
إذا تسـرب فـي الأنسـام صوتانا |
حبيبتي لم يكن فـي الشـط موعدنا |
يوماً ولـم نحـكِ للأمـواج نجوانا |
كيف التقينا وكيف الحـب جمعنـا |
كالبين شـف عذابـات وحرمانـا |
كأنما في ضمير الغيب قـد مزجـت |
قبل البدايـات فـي الآزال روحانـا |
أليـس فيك مـن العشـاق حيرتهم |
ومـن صباباتهـم مـا رقَّ أحزانـا |
حوريـة الماء مـاذا خلـف عالمـه |
من الخبايا ومـاذا يضمـر الآنـا؟ |
روضتـه فهـو طفـل عاشـق نهم |
جم الصبابات إمَّـا هـاج أو لانـا |
فهل فهمت لغات الماء إنْ جهشـت |
علـى الصخـور تعابـيراً وألوانـا |
ونشَّــرت حولنـا الأرواح حانيةً |
أهدابهــا وأسـرَّت كـل نجوانـا |
حتى إذا ما قميصُ الليل قـد نصلـت |
ألوانـه وتبـدّى الفجـر خجلانـا |
تلفتـت مقـل الشـطآن باكيــة |
وغمغمت أَلسُـنُ الأمواج أشجانـا |
ونفَّـض الشـجر المخضـر محترقـاً |
أوراقــه وتهـادى الطيـر ظمآنـا |
ورحت أشرب أحزاني وإن ضحكت |
علـى حوافيـك دنيـا غير دنيانـا |
فأين قنديليَ الوضـاء كيف خبـا؟ |
يـا ريح كيف غدا يا ريح قيعانا؟ا |
أغمضت عينيك عن عينيَّ واختلجت |
أمواجك الزرق تطوي كل ما كانـا |
مـد الظلام جداراً مـا احتفلت بـه |
ثقبتـه بعيونــي حيثمـا رانــا |
راوغـت زعزعـة النكبـاء منفلتـاً |
مـن الأعاصـير ما لوثـت أردانـا |
وللنــوارس ركبـان تتابعـنـي |
تغربــل النيـل أغـواراً وقيعانـا |
يدمدم البحر من حولي وقد لطمـت |
يداه وجه الريـاح الهـوج غضبانـا |
يدق صدر صخـور الشـط محتدمـاً |
آنـاً ويلتهـم المرســاة أحيانـا |
يبـث أعينـه فـي كـل منعطـف |
شـوقاً ويرهـف للأصـداء آذانـا |
باقٍ على العهد مـا ينفـك يذكرنـا |
وإن نأينـا وغابـت عنـه رؤيانـا |
نام الخليون يـا قلـبي وما هـدأت |
عواصفـي وبقيـت الليـل يقظانـا |
ردّي فقد طال صمت الليل وانطفأت |
قواتـه ومشــينا فيـه عميانــا |
تلقى بنـا صهـوات الريـح نافلـة |
ويجفل المـوت منـا حـين يلقانـا |
ردي فخلف المدى النائي صدى نغـم |
حلو يشق جليـد الصمـت مرنانـا |
تأملي صدأ الأبواب هل ضحكـت |
يومـاً مزاليجهـا للفجـر إن بانـا |
وهل تغنت له الأنهـار أو غسـلت |
جنحـهُ قبلات الشمــس قربانـا |
وهل لمحت علـى الوديـان أرديـة |
خُضراً وفي شـفة الينبـوع ألحانـا |
خبأت وجهي إن مـر الصباح علـى |
ضفافـه ولبسـت الليـل أردانـا |
أنّى التفت سراباً قـد جدلـت لـه |
حبل الخيال وما لامسـت شـطآنا |
ماذا تبقّـى سـوى أضلاع مقـبرة |
قديمـة سـورت بومـاً وغربانـا |
زالت شواهدها والريح قـد طردت |
أشلاءها في فجـاج الأرض كثبانـا |
ما هدلت حولها الأعـناب مخملهـا |
ولا رمى فوقهـا الصبـار أغصانـا |
حتى العصافير قد كفـت مزاهرهـا |
حتى الفراشـات ما لَـوَّنَّ بسـتانـا |
وأطرق النخل مذهـولاً يحـاصـره |
وجه الصحارى وصمت البيد حـرانا |
مــا زال يرفـع للآفـاق هامتـه |
إن رنَّ صوتـك في الوديـان ريانـا |
هذي كمنجتك الخرساء قـد رقـدت |
على الرمــال نثـارات وأحزانـا |
يا نجمـةً في صحارى الليـل تائهـة |
آنـاً تـرف ويخبـو ضـوؤها آنـا |
مصلوبة في المنـافي السـود ترمقنـا |
مـن الثقوب فتجري الدمـع هتانـا |
كم لامست شفة المرساة واقتربـت |
منـا وفتَّحـت الأحضـان تحنانـا |
بيـني وبينـك آبـاد وأزمنــة |
من العـذاب طـوال تشمخ الآنـا |
عودي تعـد لليالي البحـر بهجتهـا |
ويلبس الشـجر المعـروق تيجانـا |
لم يبقَ في ظلمـة المرسـاة مرتقـب |
إلاَّ ليرنــو إلى الشـطآن حيرانـا |