شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
"إنني أختنق .. فأين الهواء؟"
حانوت البقالةِ صار يبيع القماش
الأبيض..
والمَنْجَرُ لم يُنْجِزْ صنعَ سريرٍ لطفلي
منذ شهرين..
إنه منشغل بصنع التوابيت الخشبية
الرجل الذي كان يبيع الزهور –
يفترش الأرصفةَ اليوم، عارضاً للبيع
الأحذية المستعملةَ والثيابَ القديمة
إنَّ رائحةً لم أألفها من قبل، تنبعث
من الأسواق..
تشبه رائحة الخُوَذ الفولاذية التي
تركها الجنود - حين نزعوا ملابسهم
الخاكيَّةَ، متجهين نحو الضفة الأخرى
من نهر الدم، وهم يلوِّحون "بالفانيلات"
البيضاء!
أشعر بالاختناق - مع أني في مدينتي
وليس في سفينة للقراصنة!
إنّ جرحي لا يحتاج إلى مبضع..
دعوه ينفجر من تلقاء نفسه..
فما جدوى أنْ يشفى جرح الجسد - إذا
كان جرح الضمير عصيّاً على الشفاء؟
* * *
مَنْ ينقذني منّي؟
في الوطن، أكتب عن المنفى..
وفي المنفى أكتب عن الوطن!
قد أكون جالساً الآن على بقايا غابةٍ
أفريقية - أو في حقل استوائي..
آهِ لو تعرف هذه الأريكةُ –
أيةَ شجرةٍ كانت بالأمس..
آهٍ.. يا قلقي المُزْمِن.. حتى وأنا
مُسْتَلقٍ فوق سريري الخشبي في بيتي:
أشعر أنني مستلقٍ خارج الوطن..
فالأشجار في غابات بلادي لا تُستخدم
لصنع الأسرةِ أو أراجيح الأطفال..
إنها تستعمل لصنع المشانق، أو
هراوات الشرطة..
أمّا الأرائك: فإنها تأتي من غاباتٍ
بعيدة.. بعيدة - بُعْدَ الحريةِ عن
وطني المعتقل!
* * *
لماذا يستميتُ الطغاةُ من أجل الجلوس
على كرسيّ السلطة؟
أمس رأيتُ شحاذاً يجلس على الرصيف..
فَذُهِلْتُ:
لقد اكتشفت أَنّ كُلاًّ منهما،
يجلس على "قِفاه"..
كلاهما يجلسان على "المؤخرة"!!!
* * *
حين دخلتُ حديقة الحيوانات، ذُهِلْتُ..
كان القِطُّ البريُّ أليفاً كالشجرة،
والنسانيسُ هادئةً، لا تحتج على
ضحكات الأطفال المتقافزين..
والدِّبَبَةُ القطبيةُ وديعةً كالخِرافِ،
تماماً كأعضاء "مجلس قيادة الثورة"..
لكنَّ قفصاً كبيراً في الجهة اليسرى،
قفصاً يَسَعُ خنزيراً ضخماً، بقضبان
حديدية سميكة - كتلك القضبان
المستعملة مشانقَ في وطني -، جعلني
أتساءل، إنْ كان سيكون منزلَ
حيوانٍ خرافيّ جديد..
حيوان لم تعرفه الغابةُ والبريَّةُ..
ترى، هل سيكون المقرَّ المؤقتَ
لراعي خِراف القيادة القطريةِ في بغداد،
آخر ديناصورات الزمن الهمجيّ؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :379  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 42
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج