شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
"القصيدة الأخيرة"
[إلى الشاعر الكبير محمد حسن فقي]:
أُريد لي عشرين يداً..
وورقةً بمساحةِ غابةٍ استوائية..
وقلماً بحجم نخلة - مع بئرٍ من حبرٍ أسود..
فأنا أريد أن أكتب قصيدتي الأخيرة،
أسكب فيها قلقي، وشحوب الأطفال
الذين استبدلوا حقائبهم المدرسية
بآنيةِ الشحاذة، والدمى بعلبِ صبغ الأحذية..
قصيدة طويلة مثل ليل العراق..
أضع فيها هموم وطني المرسوم على
شفة مقصلة.. وصيحات الأرامل
والثكالى.. فأقرأها من على منبرٍ
فوق قِمَّة جبلٍ - أو من على كرسي
المشنقة التي تنتظر وصول عنقي –
قبل أن أغرسَ خنجري في صدري
لأغفو دون كوابيس - ما دامت
الكمّادات لا تستطيع إطفاء حرائقي..
ولا الأنهار والأمطار تروي عطشي
وجفافي..
هاتوا أدوات الكتابة.. فأنا لا
أمارس حريتي إلاَّ على الأوراق..
دعوني أموت على أوراقي.. وأن تكون
القصيدة الأخيرة قبري.. أعرف أني
لن أملك قبراً في وطني بعد اليوم، لأنني
لا أجيد السباحة في أحواض "حامض
الكبريتيك المركّز"..
هاتوا أدوات الكتابة، لأحفر قبري..
أمَّا إذا لم تستطيعوا إحضارها كاملة،
فسأغرس خنجري في صدري..
ورجائي الوحيد:
أنْ لا تغمضوا عينيَّ حين أنام،
فأنا أريدهما أن تبقيا مفتوحتين
كأبواب أكواخنا - وكأيدي المتسوّلين..
دعوهما مفتوحتين.. كي أعرف
أيهما أكثر ظلاماً:
قبـري؟
أم العراق؟!!
* * *
عشرون عاماً، وأنا أبحث في بيتي
عن وطني!
آه لو أستطيع جمع أشلائي المبعثرة!
فلكثرةِ ما تَنَقَّلْتُ بين المعتقلات وَشُعَب
التحقيقات السرية: أَضَعْتُ ذاكرتي
في زوايا العراق..
أطفئوا الشمس - إنَّ مكوثي الطويل
في بئر الظلمة، يجعلني أخشى التحديق
في جبين الصباح..!
منذ عشرين عاماً، والقناديل تَنُثُّ
القار.. والورود تفوح قيحاً
وصديداً - في وطنٍ يتبادل فيه
العشاقُ رسائلَهم في الأحلام،
منذ أصبح الوطن على هيئةِ مقبرة،
والمنازل أضْرِحَةً مهيّأة لاستقبال
الضيوف الخارجين من أقبية ودهاليز
الشرطة السرية!
أَطفئوا قناديل الإعلانات.. إنها
تزيد من وحشةِ غربتي في الوطن..
عشرون عاماً، والدَرَك السري
يستعملني كيساً للملاكمة، أو
شارعاً للصفعات وأقدام "الأشاوس".
عشرون عاماً، وأنا أنتقل من
منفىً إلى منفىً، أو من سجن إلى
سجن، مثلما تنتقل "إضبارتي" من
مكتب تحقيقات، إلى آخر.. في
وطنٍ يتبادل فيه العشاق رسائلهم
في الأحلام.. ولا يلتقون - إلاَّ
في ساعات التشييع!!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :426  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 42
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج