شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المـلاحـم
عرفت البشرية الشعر الملحمي، عبر عصورها التاريخية، سواء في حياتها البدائية الوثنية، أم في حياتها الجديدة الدينية.
فتناهت إلينا الملاحم الإغريقية: كالإلياذة والأوديسة لهوميروس، والملاحم الرومانية كالإنيادة لفرجيل، والملاحم الهندية كالمهابهارتا والرامايانا لفالميكي، والملاحم الفارسية كالشاهنامة للفردوسي، والملاحم المسيحية كأنشـودة رولان -لشاعر مجهول- الفرنسية. والملهاة الإلهية -لدانتي- الإيطالية. والفردوس المفقود -لملتون- الإنكليزية.
ويعتبر فن الملحمة ألواناً من الألوان الأدبية الأجنبية، بعناصره وأصوله وقواعده الفنية. وقد رصد كثير من أدباء ونقاد ودارسي الغرب الملاحم، ووقفوا عند عناصرها وخصائصها الفنية.. وانتهوا إلى تعريف للملحمة. وهو أنها شعر قصصي، بطولي، قومي، يحتوي على أحداث خارقة، وتعبر الملحمة عن فترة بدائية من الحضارة، في مجتمع يمتاز بنظام الطبقات، وفي بلد لم يستقر قومياً ولا سياسياً، أي أنه في حالة حرب مستمرة مع جيرانه. في مثل هذه البيئة لا يقام للفرد وزن ما، وإنما الاعتبار كل الاعتبار للقادة والأمراء، والقصة التي تسردها الملحمة قصة خيالية، هي أشبه بالتاريخ الذي يختلط بالأساطير، تتغنى به الشعوب البدائية وتتناقله، وتظهر فيه أخلاق المجتمع ونظمه وحياته السياسية وعقائده. كل ذلك بصياغة رفيعة، وأسلوب متألق؟ (1) .
ويمكن للملحمة الحديثة -إن وجدت- أن تأخذ بالعناصر الفنية التي تناسب أمة شاعرها أو مؤلفها، وحضارتها ودينها وتقاليدها وواقعها المعاصر مع أعدائها.. ومن هنا كان الأدب العربي مهيأ لإبداع ملاحم عربية وإسلامية.. وبخاصة أن الأمة العربية والإسلامية، قد شهدت في تاريخها القديم والحديث صراعاً حضارياً ودينياً، وغزواً استعمارياً، منذ الفتوحات الإسلامية عبر أمم الفرس والروم والإفرنج والإِسبان.. وحتى غزو التتار والصليبيين واليهود الصهيونيين.
ورغم الظروف المهيأة، والعوامل الأساسية، لظهور الملحمة العربية في آدابنا -وبصرف النظر عن المعطيات الأسطورية والوثنية البدائية- فإننا لم نلمح آثراً ملحمياً عبر العصور التاريخية العربية.
ومع ذلك كنا نرى بعض القصائد الشعرية الطويلة أو المتوسطة -في ديوان العرب القديم- تفوح بالأنفاس الملحمية، وتتراءى بملامحها، في شعر عنترة وأبي تمام، والمتنبي وغيرهم. كما رأينا في شعرنا العربي المعاصر، وعرفنا من خلال ترجمات العرب لملاحم الغرب والهند وجوهاً جديدة للملحمة الحديثة. إذ ترجم سليمان البستاني الإلياذة من اليونانية إلى العربية شعراً. وكتب مقدمة مستفيضة لها، وفيها ذكر الكثير من ماهية الفن الملحمي. وكذلك ترجم وديع البستاني ملحمة المهابهارتا الهندية من الإنكليزية إلى العربية شعراً. بالإضافة إلى محاولة أحمد محرم في الشعر الملحمي حين نظم "الإلياذة الإسلامية"، وبولس سلامة في ملحميته: "عيد الغدير، وعيد الرياض". وفوزي المعلوف في "بساط الريح". وخليل مطران في "فتاة الجبل الأسود". ثم ملاحم "عمر أبو ريشة" البطولية في تاريخ العرب والمسلمين.. وغيرهم.
وأخيراً يطل علينا شاعرنا بلخير بملاحمه العربية والإسلامية والأندلسية.. منها التي نشرت، ومنها لما تنشر بعد. ولننظر فيما نشر من منظور عربي معاصر. لا من منظور فني وحسب تعريف الغربيين للملحمة. وليؤكد أن الملحمة ما زالت تناسب التاريخ العربي المعاصر الأليم المظلم عسى أن تقشع -بخصائصها الفكرية والتعبيرية- الألم والظلام من دنيا العرب والمسلمين.
وحين نعتنا الشاعر بلخير بأنه شاعر قومي وإنساني، إنما نعني أنه شاعر ملحمي.. أو بطل ملحمي، أي يعبر عن ذاته من خلال التاريخ، فقد كان يمثل تاريخ أمته بأمجادها، ودينها وحضارتها، وتقاليدها ومثلها وقيمها الإنسانية، كان يحاور الحاضر، ويستشف الماضي.. وعلى ضوء هذه التعادلية المزدوجة، كان يبث في نفوس العرب معاني الحماسة والعزة والكرامة.. مثلما كان شعراء الملاحم يثيرون شعوبهم وغيرهم. إذاً هو ليس في ملاحمه شاعراً فردياً ذاتياً وإنما هو أمة بكاملها..
كان يمثل الدين والتاريخ والحضارة.
فهو الدين كما يراه المسلمون...
والأمجاد والبطولات كما يراها العرب في تاريخهم..
والحضارة والتراث الفكري والشعري والفني.. كما هي في عيون تراث الحضارة الإنسانية.
فنتعامل مع ملاحم الشاعر عبد الله بلخير من خلال إحساسنا العربي والديني والفكري والأدبي بماضي أمتنا العربية وحاضرها.. عندها يستحيل شعره الملحمي إلى عزاء وأمل في غد مشرق.
وسنقف عند ست مطولات أو معلقات أو ملاحم من شعر عبد الله بلخير (2)
ثلاث ملاحم إسلامية، وهي: محمد رسول الله، وربيع في ضيافة الأعشى بالدهنا في نجد، وملحمة مؤتة. وثلاث أندلسية، هي: ملحمة قرطبة، وملحمة غرناطة وقصور الحمراء "ولا غالب إلاَّ الله" وملحمة طارق بن زياد فاتح الأندلس (3) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :4611  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.