شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
607- محمد مهدي الجواهري
[بمناسبة حفلة التكريم التي أقامها النادي العربي بلندن لشاعر العراق المعمّر الشاعرالكبير محمد مهدي الجواهري]:
قفوا اليومَ يا أهلَ النّهى والبصائرِ
لِتكريم شيخ "الرافدين الجواهري"
قِفوا اليومَ.. في "أعلى الممالِك" نحتفي
بأشجع ذي رأي، وأصدقِ شاعرِ
وما كان أحرى أن نكرّم مِثلَهُ
"بصنعاء" أو"بغداد" أو في "الجزائر"!
ففي كلّ صقعٍ للْعروبةِ شِعْرُهُ
ترانيم شادٍ، أو مدامة سامرِ؛
ولكن؛ لعلّ الشعر أجدبَ ربعُهُ.
فهام بنوهُ شُرّداً في المهاجرِ؛
* * *
أرى شعراء العرب ما بين موثقٍ
حبيسٍ؛ وحُرٍّ في المفاوز حائرِ،
وقد وُرّثوا هذا الشقاء قَضَتْ به
عليهم مغبّات الجُدودِ العواثرِ؛
فقِدماً بكى "لمّا رأى الدرب دونه"
صديقُ "امرئ القيس" الأميرِ المغامِر
فقال له: "لا تبك عيناك" إنّنا
شرائد مُلْكٍ، أو نشاوى معاذرِ،
و"حاول مُلْكاً" ثمَّ عُفِّر دونه
بسفح "عَسِيب" بالجراح الفواغرِ؛
و"نابغة النّعمان" هام مشرّداً
يخاف خطاطيف النجوم الزّواهرِ
و"بشار" من بعد "ابن حِطّان" مُزِّقَتْ
ترائِبُهُ بالمرهفاتِ البواترِ.
وشاعرنا "الكنديّ" "أحمد" قد قضى
صريعاً بسيفٍ فاتكِ الحدِّ غادرِ
وعزم "صلاح الدين" ساق "عمارةً"
إلى الموت لم يرحمْ دموعَ الحرائر!
وفي وطني كم قد تصرّعَ شاعرٌ
بسيف "إمام"، أو رصاص تآمرِ
ولو شِئت لم أنس "الزبيري" ولم أعج
على "زيد" إلاَّ بالدموع الهوامرِ!
وشاعرُنا "مهدي" تقضّى شبابُهُ
أسير المنافي، والخطوب الفواقرِ
يسافر؛ لا يدري إلى أين؛ أو متى
سيُلقي بلا خوفٍ عصاةَ المسافرِ؟!
وفي قلبه مما يكنّ معاركٌ
نوازع شتّى من مُنىً وخواطرِ،
إذا بات في "موسكو" فإن حنينَه
وأشجانَه في سفح "حزْوى" و"حاجرِ"؛
وإن كان في "باريس" ظل فؤاده
يناغي رُبا "عَبَّاسَةٍ"، أو "تُماضِر"!
يعيش مع "الأعراب" في فلواتهم
يناشدهم أشعارَ بكرٍ، و"عامرِ".
ويعلم ما لا يعلمون؛ ويبعث القوافي نذيراً صارخاً بالزواجرِ؛
ويرجو تآخيهم، ويخشى اندفاعهم،
وإيغالهم في موبقات المخاطرِ،
وكلّ مناه أن يُخلّص قومَهُ
من الجهل أو من حُكْمِ طاغٍ وجائرِ،
وما إن يخاف الظلمَ إن سامَهم بهِ
عدوٌّ؛ ولكنْ ظلم أهل الأواصرِ
"وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً.
على النفس من وقع القَنَا والبواترِ".
* * *
وما زال مذ "سبعين عاماً" ونيّفاً
يهزّ البرايا بالقوافي السواحرِ،
يغوص بأعماق "البحور" وينتقي
فرائد ما يُصبي النّهى من جواهرِ،
قلائد لا تبلى، ويُزْري بديعُها
بكل نفيسٍ من جديدٍ وغابرِ؛
ويرسلُها حيناً أناشيدَ غاضبٍ
تزلزل أقدام الطغاةِ القياصرِ
وحيناً يغنّيها أغاريدَ صَبْوةٍ
وعِشقٍ، وأحياناً "زوامل" ثائرِ!
يوقّع حتى للجنائز باكياً..
تراتيل تُشجي من ثوى في المقابرِ!
يشيدُ بأبطال الحياة ومن قضى
شهيدَ جهادٍ، أو ذبيحَ مشاعرِ؛
إذا هدرت يوماً قوافي قريضهِ
تزعزعَ منها كلُّ عاتٍ وفاجرِ،
وإن صدَحَتْ ألحانُه خرَّ خاشِعاً .
لها قلب مشتاقٍ وصبٍّ مصابرِ .
* * *
تشامخَ في الدنيا سلوكاً وفطرةً
فكان بهذا العصر إِحْدىالنَّوادرِ
ظواهرُ عاصٍ في سريرة طيّعٍ
ورشد فقيهٍ، في تمرّد سادر!
ولولا التقى قلت المقادير تارةً
تروض الورى ما بين وقتٍ وآخرِ؛
بما لا يطيق الفيلسوف اكتناهَهُ
وتأويلَه حتّى بكدّ الخواطرِ؛
وكم صورٍ في الكون تجتاحنا؛ وكم
نعاني، ونَلْقَى من صنوف المناكرِ؛
إذا ما نطقنا قيل ضلّوا وأفسدوا
وإن لمْ؛ هلكْنا تحت وخز الضمائر؛
* * *
هو الشعر؛ موسيقى الحياة، وُجودُنا
به، وله، ملهاة زمْرٍ وزامرِ،
على نغمات الشعر يرقص كلّ ما
نحسّ به من كل بادٍ وحاضرِ،
فإن أقبلت تلك القوافي حزينةً
تبكّي، وتشكو جرأة المتشاعرِ
فكفكفْ دموعاً لم يصونوا عيونَها،
وقد مزَّقوا أوزانَها بالخناجر؛
فجاؤوا بها شوهاء رقصاً ونغمةً
فلا نبرة فيها لتغريد طائر؛
* * *
أيا شاعري؛ ما بالا أمة "يعرب"
تذوبُ وتفنى في أتون التناحر؟
أنحن ضحايا الانقراض؛ وهذه
علامات آيات الهلاك "الدّناصري"؟
كما هلكت "عادٌ" ومن قبلها فنتْ
"ثمود" ومن باتوا حديث الدفاترِ؛
وها نحن في نفسي الأتون؛ فهل ترى
نُجابِهُ ما قد جاَبَهُوا من مصائرِ؟
وهل من دواءٍ للنزاع الذي به
غدونا ضحايا كل قالٍ، وساخرِ؟
* * *
أخي في القوافي والمنافي، وفي المنى
ورفض الدَّنايا، وافتراع المنابرِ؛
رضينا بما قد كان؛ لم نخشَ سيداً
مطاعاً. ولم نرضخ لبَطش العساكرِ!
ولا انقمعَتْ هاماتنا برزيّةٍ،
ولا انخَلَبَتْ أبصارُنا بالمظاهرِ
وظَلْنَا جنود الحقّ ننصر من دعا
إليه، ونرعى كلّ حرٍّ وثائرِ…!
وماذا ترى أسمى وأشرف في الدُّنا،
ويوم التنادي، وابتلاء السرائرِ؟!
* * *
قفوا اليوم أرباب النّهى والبصائرِ
لشاعرنا الخِنْذيذِ "مهدي الجواهري"
وقولوا معي: هذا الذي ظلّ وحدَهُ
ثمانينَ حولاً وهو أصدق شاعرِ.
بروملي: 1412هـ – 1991م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :449  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 637 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.