شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار مع المحتفى به ))
عريف الحفل: ما زلنا نستقبل أسئلتكم واستفساراتكم الموجهة لسعادة ضيفنا حيث سيُفتح باب الحوار مع سعادته، وليته يكون سؤالاً واحداً حتى نتيح الفرصة لأكبر قدر من حضراتكم، كما أنه سيحال الميكروفون للسيدات الفاضلات ليطرحن أسئلتهن.
عريف الحفل: نبدأ بالسؤال الأول من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول:
ماذا عن المجتمعات وماذا عن الحضارات؟ أيكون مقبولاً أن نصف حضارة ما أنها تندرج صُعُداً من الاندفاع والحماسة إلى الواقعية إلى الحكمة والاعتبار؟ أم تكون هذه كلها ملامح لشخصية واحدة وتجليات لحقيقة واحدة؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: الذين يتحدثون عن الواقعية في هذه الأيام يحاولون أن يجعلوا هذه الأمة ميتة، بمعنى أن تختلف في الواقع الأليم، ولو اتخذ الناس دائماً الواقعية بمعنى قبول الأمر الواقع لما حدثت تغيرات في التاريخ ولاستمر المظلوم مظلوماً واستمر الظالم ظالماً. في اعتقادي أن الواقعية إذا كانت مبنية على حق، فنعم، أما إذا كانت مبنية على باطل، فإنه يجب أن تقاوَم وأن تكافح بكل الوسائل سواء كانت وسائل قوية أو وسائل غير قوية، لكن المهم هو أن تقاوَم وألا نخضع دائماً للواقع المؤلم الذي بني على باطل.
عريف الحفل: نحيل الميكروفون إلى السيدات ونأمل أن يكون سؤالاً واحداً ويكون سؤالاً وليس مداخلة، وطبعاً سوف نترك لكم الميكروفون مرة وهنا مرة حتى نتيح الفرصة للجميع.
الدكتورة ليلى صالح زعزوع: اختيرت مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، وهي قلب العروبة ومهد الوحي، وبدأ ذلك منذ أسابيع، فكيف يرى أستاذنا الفاضل تفعيل هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا من خلال رؤيتكم ونحن نعيش هذا الحدث في أوقات صعبة تواجه أمتنا الإسلامية، وأنت مؤرخ عربي وأمين لجائزة الملك فيصل؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: شكراً لأختي الدكتورة ليلى. فيما يتعلق بمكة المكرمة أعتقد أن ما قيم به خطوة جيدة وآمل أن يستفاد منها كي تعبّر فعلاً عن كون مكة كما كانت دائماً للإلهام ومورداً للحق، ومنارة للناس في كل مكان، آمل من القائمين على هذا النشاط الذي بُدئ به أن يكون عملهم موفقاً ومركزاً وأن تتاح الفرصة لكثير من إخواننا في داخل المملكة وخارجها كي يسهموا في تفعيل هذه الخطوة التي أرجو لها كل نجاح، وبما أنك أشرت إلى الجائزة، وقد أشار إليها زميلي وصديقي معالي الدكتور محمد عبده يماني حينما همس بهمسة لطيفة تتعلق بالمرأة السعودية، أود أن أقول إن الجائزة كما يعلم الجميع جائزة عالمية مفتوحة لكل الناس سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين وسواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، جائزة الملك فيصل ليست سعودية، وإني أتمنى أن تعاد جائزة الدولة التقديرية التي أوقفت، أن تعاد ولكن بمنهج جديد، كانت مخصصة تقريباً للمشتغلين بحرفة الأدب، دراسة أو إبداعاً، وإني أتمنى -وقد اقترحت ذلك على الأمير فيصل بن فهد رحمه الله- أن تكون هناك جائزة دولة تقديرية في جميع الحقول، ليس فقط في المجالات العلمية، من علوم إنسانية وعلوم تطبيقية وعلوم بحتة، بل تتعدى ذلك إلى أن تشتمل على كل من قدّم لهذا الوطن شيئاً يخدمه، سواء في ذلك رجال الأعمال أو غيرهم. إذن فنحن بحاجة إلى جائزة من الدولة، جائزة تقديرية تشمل جميع فروع المعرفة كما تشمل من قدّم خيراً للوطن.
عريف الحفل: الأخ أشرف السيد سالم، كاتب صحفي يقول:
كانت جائزة الملك فيصل رحمه الله ولا تزال معقد الآمال في أن تتبوأ مكاناً عالمياً رفيعاً يضارع نوبل وأمثالها، وتُبرز للعالم أعلام المسلمين، إلا أنها فقدت زخمها تدريجياً. هل سبب ذلك أن عالمنا الإسلامي لم تعد به قمم توازي ابن باز وبيكوفيتش والغزالي، أم أن المسألة تتعلق بفتور الإعلام عن الاحتفاء بالجامعة كما كان سابقاً، أم أن هذا الفتور طال المؤسسة وداعميها فانخفض سقف طموحهم لها؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: لا، أولاً القائمون على المؤسسة والممولون لها لم يفتر حماسهم، والجائزة كما تعلمون تُمنح في خمسة فروع: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي، والطب والعلوم. في مجال الطب والعلوم أقول بأن الأرضية أوسع، ولأن العلوم في كل عام وربما في كل أسبوع هناك شيء جديد، هناك ابتكار، هناك تقدم في المعرفة، ولهذا فإننا لا نعاني أي مشكلة في الترشيحات في مجالي الطب والعلوم، ونسعد بأن نشير إلى أن الجائزة كانت سبّاقة إلى منح عشرة من الفائزين منها نالوا بعد ذلك على العمل نفسه جائزة نوبل. في مجال اللغة العربية اقترح بعض الأخوة في العالم العربي ألا نُهمل اللغة العربية ويُقتصَر على الأدب، ولذلك وُسّع مجالها وأصبحت جائزة اللغة العربية والأدب، في الدراسات الإسلامية كما تعلمون تشتمل على فروع عدة بعضها يتعلق بالعقيدة والشريعة وبعضها بالحضارة وبعضها بالعلوم الاجتماعية عند المسلمين، في مجال خدمة الإسلام كما تعلمون هي تُمنَح للدعاة المتميزين ولمن قدّموا ثراء فكرياً أو لمن قدّموا خدمة لأوطانهم الإسلامية مثل علي عزّت بيكوفيتش ورئيس وزراء ماليزيا، ربما قيل في مجال اللغة العربية، وإن كنت بحضرة إخوتي وأساتذتي في اللغة العربية وبخاصة الدكتور حسن الهويمل، أننا في الجائزة سعيدون بأن عدداً من الرّواد في العالم العربي، جميع الأقطار، قد كُرموا من خلال هذه الجائزة، منهم من قضى نحبه، ومنهم من نرجو الله أن يمده بالتوفيق لمزيد من العطاء، هذا هو الوضع كما ترون، ولا أدري إن كانت قضية الوهج ولا أسميه الزخم لأني أكره هذه الكلمة، لكن الوهج الإعلامي مشكلته في أمة تشعر مع الأسف الشديد بالدونية، لا نرى أن الإعلام العربي سواء بالنسبة لجائزة الملك فيصل أو لكل عمل رائد في الوطن العربي لا نعتقد أنه يلقى الاهتمام الذي ينبغي أن يلقاه كما يلقى العمل الخيري لو أتى من خارج العالم العربي والإسلامي.
عريف الحفل: ننقل الميكروفون للسيدات، فليتفضلن.
الدكتورة طريفة الشويعر: الأخوة الأفاضل والأخوات، أسعد الله مساءكم بكل خير. في البداية أعبّر عن سعادتي بالمشاركة في اثنينية الفاضل عبد المقصود، وأكيد أني سعيدة وأنا أشارك زميلاتي الحضور والتفاعل مع ما كل يُطرَح في هذه الاثنينية. فأعترف أن حضوري الأول كان الجاذب له بحق هو الدكتور عبد الله العثيمين الذي آسف حقاً حين اطلعت على سيرته وأنا قارئة له في كل فروع المعرفة أني لم أطلع على كتبه. وقد التقيت به لقاء عابراً في مؤتمرات الفكر العربي ولم أطرح عليه سؤالي لأني لم أكن أعلم أنه متخصص في التاريخ، سؤالي باعتبار الدكتور متخصصاً في دهاليز التاريخ، ألا تتفق معي أن ما يؤرَّخ من إرث حضاري وتاريخي عبر الأجيال أنه لا يتطابق إلى حد كبير مع الواقع الحقيقي للأحداث، أي إنه ليس طرحاً على درجة عالية من الموضوعية، وأنت مؤرخ،ألم تفكر في التاريخ لمسيرتك الحياتية؟ أحب أن نقرأ سيرة ذاتية للدكتور عبد الله العثيمين يتطرّق فيها إلى مواقف عدة في حياته، وأنا أتصور أننا سنثري كثيراً كما نثري من قراءة تراثه التاريخي، أشكركم وآسفة على الإطالة وأتمنى للجميع الخير والتوفيق.
الشيخ عبد المقصود خوجه: قبل إجابة الدكتور العثيمين، أرجو أن أوضح أني تلقيت أكثر من اعتراض على إعطاء الميكروفون للسيدات. فمن الآن فصاعداً إذا تلطفن، فليكتبن أسئلتهن مثلهن مثل الرجال، وتلقى الأسئلة بهذا الشكل عدلاً بيننا وبينكم.
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: على أية حال، إننا نسعد بسماع أصواتهن، فلنكن صرحاء، لماذا لا؟ أشكر الدكتورة الشويعر، وبالنسبة لكتابة التاريخ، فالمؤرخ إنسان، متى استخدم ضميره استخداماً صحيحاً فإنه سيتحرى الحقيقة ويكتب ما يراه صواباً، وإذا كان لا يبالي بهذا الضمير، فإنه لن يتحرى الحقيقة ولن يكتب ما هو صواب، إذن فالتاريخ أو ما هو موجود في الكتابات التاريخية تحدده مواقف الذين كتبوا، بعضهم يتحرى الحقيقة فيكتب بإنصاف، وبعضهم لديه ميول فيكتب وفق هذه الميول، وهكذا هي حال الدنيا، فمن الصعب أن نقول إن كل الكتابات التاريخية كتابات لا تصور الواقع، هذا غير حقيقي لا في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية ولا في تاريخ العالم كله، ومن الصعب أيضاً أن نقول إن كل كاتب تاريخ منصف ويقول الحق.
عريف الحفل: الأخ غياث عبد الباقي يقول:
هل أنصف الغرب كهيئات علمية وتعليمية ومؤسسات إعلامية وتاريخية، هل أنصفوا جائزة الملك فيصل العالمية وأعطوها حقها واعترفوا بفضلها عالمياً؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: أنا أعتقد من خلال عملي الإداري أن الغربيين أكثر ما يرشحون للمجالات العلمية، من تجربتي أجد أن الغربيين يتحرّون أن يكون الترشيح جيداً، ولا تأتينا ترشيحات في مجال الطب والعلوم إلا وكانت فعلاً ترقى إلى مستوى المنافسة، بالنسبة إلي، هذا هو التقدير الحقيقي للجائزة، أن يرشَّح لها من يستحق التكريم من قِبل الجهة المرشِّحة، هذا بالنسبة لي هو أعظم ما أتشوق إليه وأراه، وأرى -مع الأسف الشديد- أن بعض الترشيحات التي تأتي من العالم العربي لا تصل إلى مستوى تحري الجودة التي يتمتع بها الغربيون، فإذاً قضية التقدير إن كان على المجال الإعلامي في وسائل الإعلام من صحافة وكتابات وغيرها، أعتقد كما أشرت سابقاً أن كل الأعمال الخيّرة في العالم الإسلامي تحتاج إلى من يدعمها بالثقة بالنفس أولاً، فلا بد أن نثق بأنفسنا وأن نُبرز الخير الذي نعمله لا أن نتجاهله في أي حال، أرجو أن نستغل هذه المناسبة وأهيب بإخوتي من أساتذة الجامعات ومـن الجامعيين أن يضعوا أيديهـم في أيدي المؤسسـة لكي يصـل التكريم والتقدير إلى من يستحقه.
عريف الحفل: نحيل الميكروفون إلى السيدات.
الشاعرة بديعة قشقري: بصفتكم المؤرخ والمبدع صاحب الكلمة الشعرية والأدبية، في رأيكم من يدوّن التاريخ والأحداث، المؤرخ بتخصصه أم المبدع بكتاباته شعراً ونثراً أدبياً ودرامياً، كيف ترى هذا الفارق الذي جمعت في وقت واحد؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: لقد بالغتِ قليلاً إذ جعلتِني فناناً ومبدعاً. ولكن الحقيقة كما قلت سابقاً إن ما أكتبه مما يسمى نظماً هو تعبير عن مواقف أكثر منه أن يُقصد به إبداع في أي حال، أنا أعتقد أن المؤرخ أقرب -أو هكذا يجب- إلى تصوير الواقع والأحداث كما هي. لكن المبدع سواء في الشعر أو في القصص أو في الرواية، يمكن أن يصوّر حالة المجتمع تصويراً جميلاً، مشكلتنا أحياناً مع الشعر أن الشاعر قد يشتطّ، وقد يُؤخذ كلامه وهو فرد على أنه تصوير لمشاعر الأمة أو لمشاعر المجتمع وهو ليس كذلك، فبعض الشعراء حين نسمعهم في بيت أو بيتين، قد يصور الأمة على أنها ميتة. هل هذه الأمة في حقيقة الأمر ميتة؟ لا. هنالك بوارق أمل، وأشياء جميلة، ولكن الشاعر في حالة انفعالاته قد يقول شيئاً حينما يفكر فيه بعد ذلك يرى أنه لا يتفق مع الحقيقة تمام الاتفاق.
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا ضيفنا الكريم، عندي أكثر من طلب للاستماع إلى شعرك. فأنا أخيّرك بين الاستمرار في الأسئلة وإلقاء شيء من شعرك على الحضور.
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: عندنا مثل شعبي يقول: الضيف في حكم المضيِّف.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أنت لست ضيفاً، أنت صاحب بيت، وكل من يجلس على هذا الكرسي فهو صاحب بيت، والليلة ليلة عرسك، فأنت صاحب الكلمة الأولى، الكلمة لك.
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: كما ترون، وترى الأخوات الكريمات.
عريف الحفل: يا دكتور أنت حتى الآن تقول إنك لست بمبدع، وما سمعنا شيئاً منك. فهل يوافقني الأخوان؟
جانب من الحضور: نعم.
سعادة الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: بالنسبة إلي، في عام 1374هـ، كنت في السنة الثانية بالمعهد العلمي، في ذلك العام اندلعت ثورة الجزائر كما تعلمون، وكانت بارقة أمل بعد احتلال فلسطين وقيام الدولة الصهيونية عام 1948م. في بداية كتاباتي للشعر أو النظم -أو سموه كما شئتم- كنت أكتب القصائد على أساس أن هذه الثورة التي اندلعت في الجزائر بارقة أمل لتحرير فلسطين، مرت الأيام وحدث ما حدث من الشيء الكثير. بمناسبة مرور أربعين عاماً على استقلال الجزائر دعيت للمشاركة في مهرجان هناك، فكان أن كتبت قصيدة بعنوان "أنشودة المجد":
في مقلتيّ إلى مرأى حماك ظمى
يا موطناً في ذرى الأمجاد عز حمى
وفي فؤاديَ شوق لم يحلّ به
ركب الجديدين إلا زاده ضرما
وذو الغرام وإن ألوى المشيب به
يعبّ كأس تباريح الهوى نهما
وإن تخنه قوى التعبير عن وله
بدا بعينيه ما في القلب وارتسما
وأبلغُ القول إعراباً وأصدقه
إذا التقى الصبّ من يهواه بوحهما
أنشودة المجد يا ثغراً تعشّقه
مني الجنان بديع السحر مبتسما
أتيت أحمل صفو الحب من وطن
يضم طيبة في برديه والحرما
آي الهداية في ربعيهما نزلت
نوراً به ماد ركن الجهل وانهدما
وبين أحضانه نجدُ نسيم صبا
معطراً بعرار في التلال نما
وجئت نهر وداد جاد منبعه
غيث من الأمنيات الممرعات همى
أنشودة المجد يا أنشودة صدحت
بها مواكب عشاق العلا نغما
عشقتُ منذ الصبا مغناك ملحمة
من الإباء وسفراً يزدهي شمما
صحائفاً ناصعات الذكر أسْطرها
سمت حروف جهاد وارتقت كلما
كان الأمير وما كانت بطولته
إلا المنار لدرب النصر والعلما
وكان فكر بن باديسٍ بدعوته
إلى الهداية فكراً يحفز الهمما
قطبان في فلك التاريخ كم سعدت
غر الكواكب بالتطواف حولهما
أنشودة المجد يا أسطورة دفعت
مهر التحرر من جور الطغاة دما
وثورة ما انثنى أبطالها خوراً
عن الوغى أو تفادوا خوضها سأما
مضت شهيداً يغذيها فيخلفه
من بر بالوعد إقداماً مقتحما
حتى علت في صباح النصر ألوية
جذلى تقبّل أرضاً حرة وسما
أنشودة المجد ما أحلاك حاضنة
ذكرى انتصارك طرفاً ملهماً وفما
مليحة ترتدي في يوم زينتها
ثوب الوئام قشيب اللون محتشما
وأجمل الفرحة الكبرى معطرة
بمستطاب نداها التينَ والرحما
أنت العظيمة أمساً جل تضحية
وأنت أجدر أن ترعي له الذمما
مدي جناحك في الأرجاء مرحمة
وأمطري فوق محروث الثرى كرما
 
عريف الحفل: أليس هذا إبداعاً يا دكتور؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: هلا أتحفتنا بقصيدة أخرى، غزلية؟
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: أما غزلية فلا، دعوني أتغزل بالجائزة فقط.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أنت رجل طروب كما سمعنا من الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، والرجل الطروب لا بد أن يكون غزلاً.
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: إننا سنكشف الحقائق.
الشيخ عبد المقصود خوجه: وهذا ما نوده، كشف الحقائق، هناك مقولة لأحد الخلفاء.. لكرمك نسمع غزلك.
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: وهو ليس بغزل، بل هو نسيب أقرب منه إلى الغزل، من ذكريات أدنبرة، رحم الله الجميع. لدينا في نجد يسمون الأعمى ضريراً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: عندنا أيضاً نفس الشيء.
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين (مازحاً): إذن فكلنا في الهوى سواء. فبعدما عدت من هناك كتبت إلى أحـد الزملاء قصيدة أذكره بما كان يحدث من بعض الأخوة هناك، عنوانها "ولا الشوق خفّ":
لا الشوق خف ولا القلب الجريح سلا
عمن تجسد فيها الفن واكتملا
تلك التي سحرها الفتّان أدهشه
وبث في قدميه العجز والشللا
هيفاء تقتل أمَّاست وإن لعبت
رياضة جعلت من حولها ثملا
ألهت ميتم بحث عن دراسته
وبدلت رغبة في نفسه مللا
حتى غدا باحثاً عما يقرّبه
منها ويختلق الأعذار والسبلا
يؤمها كل سبت كي يلاعبها
ما غرها مرة سهواً ولا كسلا
وما عهدناه ممن همه كرة
ولا تدرّب "بالفوتبول" أو عمِلا
لكن من أوقعته في حبائلها
قد أوجدت منه في ميدانها بطلا
ولا يلام محب في تصرفه
من يقرأ الأدب الماضي يجد مثلا
ما من فتى غرقت في الحب مهجته
إلا أطاع لأمر الحب وامتثلا
وزهرة الروض كم أغرى تفتحها
طرفاً فما صد عن رؤياه أو غفلا
ما زال يذكر إذ حيت أن هوى
من سحرها لامس الوجدان فاشتعلا
وراح يسأل عنها الخل فارتسمت
على محياه روح الحب قال: هلا
كلا الضريرين أردته مفاتنها
فتاه في حسنها الجذاب وانشغلا
كلا الضريرين لا حظ يساعده
ولا فؤاد عن الجنس اللطيف سلا
عريف الحفل: السائل علي المنقري يقول:
تطرق الشيخ عبد المقصود خوجه إلى التخصصات النظرية وتشبع سوق العمل منها، فما هو الحل في نظر سعادتكم حيال هذه التخصصات دراسة وتدريساً؟ هل تعزل هذه التخصصات من الجامعات أم يقنَّن تدريسها بما يتواءم مع الحاجة المحدودة لها؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: أولاً، لا يُستطاع أن تلغى لأن هناك علوماً ضرورية ونحن في حاجة إليها، فالآن لدينا نقص في تدريس اللغة العربية، ليس عندنا كفاية في المعلمين في اللغة العربية، ولدينا أيضاً نقص في علماء الشريعة، وفي مجال القضاء، وإذن فالذين يقولون إنه يجب التركيز فقط على العلوم الطبيعية والعلوم التقنية، أعتقد أنهم يبالغون كثيراً. وإذا ألغيت هذه الأشياء وحتى الدراسات الإنسانية والاجتماعية، فمعنى ذلك أنه لن تصبح الجامعات جامعات، تصبح كليات تقنية، وهذا يختلف مع النظرة في كل العالم، فكل العالم فيه جامعات تعنى بجميع فروع المعرفة. هذه ناحية، الناحية الثانية أعتقد أن حل سوق العمل ليس بقضية فقط أن تقصر على التدريس التقني إلخ.. إن السبيل هو اتخاذ خطوات إيجابية، مثلاً أنا أتصور أن أي خريج من الجامعة في مجال الإدارة هناك بطبيعة الأشياء أشياء دقيقة مثل الطب والهندسة.. في هذه المجالات لا بد أن يكون المرء مؤهلاً، لكن كثيراً من الأعمال الموجودة في السوق لو أنها أعطيت فرصة للمتخرج في القطاع الخاص، بحيث يُدرَّب على العمل أربعة شهور أو خمسة كما هي الحال في الشرق الأقصى الآن كثير من الخريجين ليسوا مؤهلين لنفس العمل 100٪، ولكن يُعطَوْن دورات تغطي النقص الموجود لديهم فيصبحون متشربين للوظيفة التي يعملون بها. هذه ناحية، الناحية الأخرى أتصور أن على الحكومة واجباً بدعم الخريجين وهو أن تشجع القطاع الخاص، وكيف تشجع القطاع الخاص؟ مثل ما عملت سلطنة عمان التي تجبر القطاع الخاص على توظيف شاب، في السنتين الأوليين تدفع الحكومة 60٪ من راتبه، وبعد ذلك ينقص ما تدفعه الحكومة حتى 5 سنوات يصبح بعدها متدرباً، وتصبح الشركة التي يعمل بها متمسكة به، أنا أتصور أن لدينا خطوات كثيرة يمكن أن نجابه ونسد بها سوق العمل. إضافة بطبيعة الحال إلى تقنين العمالة الوافدة والشيء الكثير من هذا الشيء، وأنا أعتقد أن الذين يتحدثون عن سوق العمل يبالغون أحياناً في طرحهم، وأرى أن البلد في حاجة إلى كل التخصصات، وأحب أن أشير وأستاذي الدكتور الوزير رضا عبيد يعرف أكثر مني أن تكلفة تدريس طالب في الطب أو في الهندسة مثلاً تمثل أضعاف تكلفة تدريس طالب الدراسات الإنسانية أو العلوم الشرعية مثلاً في قسم التاريخ إذا كان عدد الطلاب 30 يمكن أن يُرفع العدد إلى 50 أو 60 أو 80، لكن في مجال الطب لا، هذه مسألة حياة أو موت. كل طالب من طلبة كلية الطب يحتاج إلى عناية خاصة، وبالتالي من أين لك أن توفر الأساتذة والمعامل؟.. فليست المسألة بسيطة فيقال: توسعوا في الطب، نعم توسعوا في الطب، لكن لا بد أن تكون هناك تهيئة ولا بد أن تكون نوعية طالب الطب.
عريف الحفل: أحيل الميكروفون إلى السيدات، فليتفضلن.
الأستاذة اعتدال العطيوي: هناك نقص كبير ملاحظ في المعلومة التاريخية التي تؤصل لهذا البلد بعراقته والممالك التي قامت على جوانبه المختلفة، لا يعرفها الكثير من الجمهور وأبناؤنا خاصة وشبابنا لا يعرفون عن بلادهم الكثير. فما رأيك في هذا وأنت بين ظهرانينا كعالم ومؤرخ؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: لا أعتقد أن زملائي في قسم التاريخ وقسم الحضارة في الجامعات السعودية وأخواتي وزميلاتي في الكليات أيضاً منهن من كتب عن تاريخ هذا الوطن وتاريخ الجزيرة العربية بصفة عامة كتابات جيدة، مشكلة بعض الكتابات التاريخية أو العلمية الأكاديمية أنها تُكتب بأسلوب قد لا يكون مريحاً لكثير من جمهور القرّاء. أنا أعتقد أن ما عُمل من الناحية الأكاديمية في مجال التاريخ القديم والتاريخ الإسلامي سواء قام به سعوديون أو غير سعوديين كثير، وكثير منه أيضاً جيد، ولكن المشكلة هي طريقة العرض التي قد تكون أحياناً صعبة بحيث لا يتقبلها جمهور القرّاء براحة وبالتالي فإنني أنتهز هذه الفرصة وأهيب بجميع المتخصصين أنه إذا كان المراد من تأليف الكتاب هو النفع العام فينبغي أن يُخفَّف الأسلوب نوعاً ما وأن يكون مراعى به الذوق العام الملتزم باللغة العربية بطبيعة الحال ولكن أن يكون سهلاً ومرناً ومقروءاً بيسر.
عريف الحفل: الأستاذ علي مدهش يقول:
وأنت المؤرخ الباحث عن الحقيقة والمنقب عن المصداقية والشفافية، كيف وما هي المعايير التي تستخدمها للتمييز بين مؤرخ السلطان وبين مؤرخ الأوطان؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: أحياناً السلطان يكون جزءاً من الوطن ومكملاً له، وبالتالي من الصعوبة فصله عن الوطن. ليس كل السلاطين سيئين وليس كل الحكّام جيدين، وأنا أعتقد أن أي منصف سواء كان مؤرخاً أو كاتباً يستطيع أن يعرف الحقيقة أو يكتبها بناء على ما يمليه ضميره، فإذا رأى في الحاكم قصوراً ينبه إليه، وإذا رأى في المحكومين أيضاً قصوراً فإنه ينبه عليه، ومهمة الجميع أن يحتكموا إلى ضمائرهم العادلة التي تشربت روح الإنصاف من دينها ومن قيمها العربية.
الشيخ عبد المقصود خوجه: تأخر الوقت، ولدي ما يزيد على 20 سؤالاً من جانب الرجال، فلذلك أعتذر للأساتذة الكرام الذين طرحوا أسئلتهم عن حجبها لضيق الوقت، كما أعتذر للأستاذ عبد اللطيف بن دهيش وإخوة آخرين أرادوا التعليق فضيق الوقت يحجب ما أرادوه، فأرجو أن يعذروني، وأحب أن أستفتيكم هذه الليلة عن الأسئلة التي تردنا لماذا لا نحيلها على الضيف ليجيب عنها وتُطبع في فعاليات الاثنينية وبالتالي نكون قد أثرينا الحوار وعرفنا عن الضيف أكثر وتكون أسئلتكم مكان إجابة وتوثيق. فما رأيكم؟
الحضور: (تصفيق يعبّر عن استحسان الفكرة).
الشيخ عبد المقصود خوجه: إذن سنحيل كل هذه الأسئلة إن شاء الله للأستاذ الدكتور بن عثيمين، وستلقى الإجابة وستطبع في فعاليات الاثنينية. ولكم الشكر.
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: وهذا شرف آخر يضاف إليّ في هذه الليلة. شكراً لك.
الشيخ عبد المقصود خوجه: هذا مفصل جديد لك الفضل فيه.
الأسئلة التي أجاب عنها سعادة الأستاذ الدكتور عبد الله العثيمين كتابة فيما بعد:
سؤال من الأستاذ عبد الرزاق صالح الغامدي:
إذا الرجال شاهدت أحفادها
وكثرت سقم عوادها
فهي زروع قد دنا حصادها
هل هذه الأبيات اللطيفة التي تحاكي الواقع لك أم للمرحوم أخيك؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: ما ورد من شعر ليس لي ولا للشيخ محمد رحمه الله وأظنها قديمة.
سؤال من الأستاذ عبد المجيد الزهراء:
من خلال بعض مطالعاتي في تاريخ المملكة أذكر أنني قرأت لشاعر كان اسمه: عبد الله العثيمين، وقرأت له قصيدة جيدة في مدح الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى مطلعها:
عرج على الركب حيث الرند والبان .
وإن نأى عنه إخوان وخلان .
فما صلة القرابة معه؟
 
الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: هي للشاعر المشهور محمد بن عثيمين ولا صلة قربة بين أسرتينا وإن كان اسم الأسرتين واحداً، وهناك خمس أسر نجدية تسمى "العثيمين" ولا صلة قرابة بينها.
سؤال من الأستاذ عجلان الشهري:
كتاب "داعية وليس نبياً" يعالج كما ذكر مؤلفه الأستاذ حسن فرحان المالكي فوضى التكفير عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فبحكم تخصصكم وإطلاعكم على تاريخ الشيخ ما رأيكم في ذلك الكتاب؟ وهل تلك الدراسة استخدمت النقد العلمي السليم أم أنها دراسة تتفق مع المرحلة التي يعيشها عالمنا اليوم.
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: لم أقرأ كتاب الأخ حسن بن فرحان المالكي لكني لم أطلع على قول أي إنسان بن محمد بن عبد الوهاب كان يعد نبياً، بل إن الشيخ محمد وهو عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قد ذكر أنهم أي الشيخ وتلاميذه لا يدعون إلى مرتبة الاجتهاد ولهذا فإني أرى عنوان كتاب الأخ المالكي فيه ما فيه من تجاوز لا يليق بباحث.
سؤال من الأخ الدكتور يوسف العارف:
وأنت متخصص في تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما رأيك فيما يثار الآن في الطروحات التاريخية والدينية حول مصطلح الوهابية وأثر الفكر الوهابي في الرؤى الأحادية التي يطرحها الخطاب الديني في بلادنا؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: المصطلح ليس مهماً في نظري والمهم هو معرفة ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من رفض لكل ما يخل بعقيدة التوحيد من أقوال أو أفعال، مثل دعاء الأموات والتوسل بهم، والتمسح بقبور من يعتقد فيهم الولاية وبناء الأضرحة على قبورهم، ولا أظن عاقلاً يختلف مع الشيخ ولا يتفق معه في هذه الرؤية الواضحة الجليلة.
سؤال الدكتور محمد عبد الفتاح عطوي:
ما رأي سعادتكم في الشعر الحر الذي يسمى بالحر وهل الشعر النبطي من هذا الحـر أم من ماذا؟
 
الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين: الشعر الذي يلتزم بالتفعيلة مثله مثل الشعر العمودي جيده جيد وضعيفه ضعيف، أما الذي لا يلتزم بالتفعيلة فهو - في رأيي ليس شعراً، وأما الشعر النبطي فهو شعر في غالبه ملتزم بالبحور والقوافي، وكونه غير ملتزم بقواعد النحو لا يخرجه عن الشعر، ومن الشعر النبطي -أو أي اسم آخر يسمى به- ما هو رائع التعبير والتصوير، لكنه ينبغي ألا يصل الاهتمام به إلى مستوى الاهتمام بالشعر المكتوب باللغة الفصحى والتي يفهمها الناطقون بالعربية في كل مكان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :587  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.