شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ خالد عبد اللَّه السريحي ))
تعتبر قضية الإصلاح أكبر قضية في حياة البشرية، وهي أعقد قضية أيضاً، وكل مصلح ينظر إلى الإصلاح من زاوية محددة له، لأن الإنسان عاجز عن الإلمام بالشأن الإنساني من جميع جوانبه وأبعاده.
لهذا الأمر حدد الدكتور سمات المصلح وذكر منها سمتين هما:
1- امتلاكه رؤية شاملة لحال المجتمع الذي يهتم بشأنه على صعيد الإمكانات والمشكلات ومداخل الحلول والعقبات، وتأثيرات المحيط الخارجي والوضع الداخلي.
2- امتلاك منهج للحركة تتجسد فيه رؤاه الإصلاحية، ولا يشترط بالطبع أن يكون منهج الحركة لديه أو الإطار النظري للإصلاح صحيحاً، فاعتقاده ناتج من اجتهاد، وليس من أدلة قطعية.
وهو يفارق المفكر الذي يمتلك الرؤية لكنه لا يباشر عملية التغيير والتقويم.
كما أنه يفارق الداعية الذي يقوم بالدعوة إلى الحيز دون أن يمتلك رؤية شاملة لما ينبغي أن تكون عليه الحال.
- ولا يوجد المصلح إلا عندما يتحلى بصفتين:
1- تشبعه بالرجاء والأمل في إمكانية حدوث الإصلاح والقضاء على الفساد والانحراف.
2- امتلاك حساسية عالية نحو ضرورات التغيير.
والإصلاح الذي يمارسه المصلح نوعان:
1- نوع بسيط، يعالج قضية محددة كالإصلاح بين متخاصمين أو فساد في مدرسة أو مؤسسة.
2- نوع معقد: وهو ذلك الطرح الفكري والمنهج الحركي اللذان يستهدفان إصلاح الحياة العامة في المجالات الفكرية والتربوية والتعليمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية.. وهو المراد هنا في علاج الإصلاح عند الدكتور عبد الكريم بكار. فما هي أهم المفاهيم الإصلاحية عند الدكتور عبد الكريم بكار من خلال بعض مؤلفاته. (وسوف يتم عرضها بإيجاز حفاظاً على الوقت) والموضوع يستحق رسالة علمية والله أعلم.
1- السلام والنظام شرطان أساسيان لوضع الأمة في الوضع المنتج.
لا يتحقق السلام إلا من خلال الاستقامة على المنهج الرباني أولاً ثم تنمية الشعور الإيجابي بين أفراد المجتمع. وحين يوجد السلام يمكن للنظام أن يقوم، أما في حالات الانهيار الاجتماعي -الحروب الأهلية مثلاً- فإن النظام والحقوق مع الواجبات تصبح جميعها في مهب الريح!
إن القانون مهما كان غير عادل يظل خيراً منه حالة لا يحكم فيها أي قانون.
2- لا إنجازات خارج نطاق الأمة:
مهما حاول الصفوة والمثقفون إطلاق الشعارات ورسم الخطط وتسويق التنظيرات فإن مآل ذلك البوار والجمود ما لم يستطع كسب الجماهير الواسعة، التي ستتولى التنفيذ، وهي التي تستطيع تعطيله، فإذا كانت الشعارات تخالف اعتقادات وتوجهات ورغبات الجماهير فمصيرها إلى البوار.
وكأنهم بذلك يقولون كل حملٍ يتم خارج رحم الأمة فهو حمل كاذب فهل يعي المنظرون هذه الحقيقة!!..
3- المنهج الإصلاحي مجموعة متكاملة من الأنظمة:
(والمنهج الرباني هو المنهج الذي نظر إلى الإنسان من جميع زواياه).
لذا لا مناص للمصلح من الرؤية الشاملة وإدراك العلاقات التبادلية بين جوانب الحياة كافة.
4- تفقد الأفكار زخمها حين يُشَكُّ أنها لأغراض سياسية:
من المهم جداً ألا نجعل المصالح العامة مطية للحصول على مكاسب سياسية أو منافع شخصية فذاك قادح في الإخلاص وفي المصداقية.
5- العمل الخيري لا يغني عن النظم الصالحة لكنه يكملها:
الأعمال الخيرية لا يمكن أن تكون أساسية في حياة الأمة، ولا يمكن أن نسد الفراغ الذي يتركه تعطيل أحكام الشريعة بل هي أعمال تكميلية إضافية للجهد الأكبر الذي تبذله الدولة المسلمة في الميادين المختلفة.
6- بطالة شبابنا أخطر من المؤامرة علينا:
الإصلاح لن يأتي من خلال الجأر بالشكوى من مؤامرة الأعداء، وإنما من خلال العمل الدؤوب، ومن خلال الأعمال الصغيرة التي يقوم بها كل واحد منا.
شبابنا يقضون أوقاتاً طويلة في الحديث عن حقد ومؤامرة الغرب على أمة الإسلام وهم في الوقت نفسه عاطلون عن أي عمل نافع.
لدينا مرضى يحتاجون إلى رعاية.
لدينا جهلة يحتاجون إلى تعليم.
لدينا شباب يحتاجون إلى تدريب.
لدينا شوارع تحتاج إلى رصف.
لدينا أشجار تحتاج إلى سقاية.
لدينا فرصة اقتصادية ضخمة تحتاج إلى من يستفيد منها.
شباب عاجز عن كسب لقمة عيشه وعن إتقان مهنته ثم يحدثونك عن فتح روما.
لن يتحقق أبداً ذلك على أيدي أقوام لا يستحقونه، ولا يفهمون سنن الله، ولا يضحون من أجل تحقيق شريعة الله..
7- لا بد لكل بلد إسلامي من بلورة مشروعه الوطني.
وتعريف المشروع الوطني: بأنه الخطوط العامة لما يتفق على إنجازه أهل البلد في مرحلة تاريخية معينة. ومن الخطوط العريضة في ذلك.
أ- استقلال الذات الحضارية في جميع مكوّناتها العقدية والنفسية والفكرية والثقافية والتاريخية وأكبر ضمان للاستقلال في زماننا هو القدرة الاقتصادية المتميزة، ولا يمكن اليوم لأمة تجتاحها المجاعة والإفلاس أن تحافظ على استقلالها السياسي والوطني الثقافي، فالذي يمد يده يظل مستعداً لتقبل كل الشروط التي تُفرض عليه.
ب- تعزيز التلاحم الاجتماعي وذلك من خلال العقيدة الإسلامية الصافية، الذي تدور في فلكه كل التصورات والتوجهات.
وامتصاص التوترات المذهبية من خلال إشاعة العدل.
ولا بد من دعم الطبقة الوسطى ومساعدة الصغير ومحاصرة ذوي الدخل غير المشروع.
جـ- تأمين السلام الداخلي من خلال التعاون بين الدولة والشعب في تحقيق الأهداف العليا وتشييد المرافق العامة، وتحقيق تحالف خفي في وجه العدو، ولن يتم ذلك إلا من خلال نشاط التبادل الاجتماعي، وشفافية الدولة، وإيصال الحقوق إلى أصحابها. وإيجاد الفرحة بين الناس، ومحاسبة المفرطين ومحاربة الفساد..
د- الاستغلال الأمثل للموقع الجغرافي والإمكانات البشرية والمادية على الوجه الأكمل.
هـ- تعظيم الانتماء لأمة الإسلام، فهذا الزمان زمان الكتل السياسية والاقتصادية ومهما بلغت قدرات أي بلد إسلامي فإنه سيظل صغيراً جداً وسيظل بحاجة ماسة إلى التعاون والتكامل مع بقية البلدان الإسلامية.
إن خدمة الأوطان وتنمية المعطيات المحلية لا يسوِّغ بأي حال من الأحوال إيجاد انتماء ضيق بديل عن الانتماء الإسلامي.
و- المبادرة إلى تطوير النظم التربوية والتعليمية وتدعيم مجالات البحث العلمي وتعزيز التدريب الفني وتأهيل الكفاءات العلمية والمهنية، وتوفير الإمكانات اللازمة لإشاعة الثقافة الراقية ومحو أمية الأميين والمثقفين.
8- النقلة الصناعية خطوة مهمة على طريق الإصلاح:
سنظل نُستغل أسوأ استغلال ما لم نتمكن من إحداث نقلة صناعية نوعية توفر من خلالها فرص العمل لملايين الأفواه الجائعة، إن طناً من الحديد الخام قد يباع بألف دولار، فإن حولناه إلى ساعات يدوية أمكن بيعه بمليون دولار.
إن عمليات الإصلاح لا يجوز أن تقتصر على معالجة بعض القيم والمُثل، وإنما يجب أن تشمل جوانب الحياة كافة.
9- النقد البنّاء أهم وسائل الإصلاح:
إن كثيراً من الأفكار تظل غائمة ما لم تتعرض للنقد والحوار، والنقد دليل على يقظة الوعي وانتباه المجتمع لواجباته ومسؤولياته، كما أن وجوده يقاوم القصور الاجتماعي الذي يصيب الأمم في أيام التدهور والانحطاط.
والنقد الذي نريد هو النقد البنّاء الموضوعي الذي لا يعتمد على الشائعات أو الإساءة للأشخاص ولا نشر الفضائح وإنما النقد الذي يساعد الأمة على البقاء في المسار الصحيح.
10- إثراء البعد الروحي والإيماني أولوية إصلاحية:
ولا بد للمصلحين من التأكيد على أمور مهمة في هذا الصدد:
- تعزيز علاقة المسلم بربه وإعطاء ذلك أهمية في برامج التثقيف.
- تعزيز الشعور بالكرامة.
- تنمية روح الإبداع.
- نشر الروح الإيجابية والتعاون مع الآخرين وتحجيم الروح الأنانية.
- تشجيع المبادرة الفردية لدى المسلم.
11- العنف لا يصلح وسيلة للإصلاح:
لقد دلت التجارب التاريخية والمعاصرة على فداحة المصائب التي يحصدها الناس من وراء اللجوء إلى القوة لتقويم وإصلاح ما بهم من اعوجاج ويمكن أن تعدد مساوئ كثيرة جداً لاستخدام السلاح وسيلة للإصلاح ومن أهمها:
1- من مساوئ العنف أنه يخنق كل الأنشطة الدعوية، وسيفرز روح الخوف كما أن الفريق الآخر لن يتقبل أفكار الذين يقاتلونه.
2- يظن الذين يستخدمون القوة وسيلة للتغيير أن في الحكم شفاءً لكل الأدواء، وأن الوصول إلى السلطة سيحقق كل شيء. وهذا وهم فحين يصلون إلى الحكم فسيجدون من يثور عليهم ما داموا أشاعوا في المجتمع روح الثورة - مهما كان عدلهم وإنصافهم.
ثم إن التدمير الذي يحدثه العنف في البلاد سيتحول إلى أعباء ثقيلة عليهم حين يريدون النهوض بمجتمعهم.
3- دلت التجربة على أن الذين يستخدمون القوة وسيلة للإصلاح لا يستطيعون الحفاظ على أهدافهم، فمن خلال المحاصرة والمطاردة لهم يقومون بأعمال يائسة لا تدل إلا على الإفلاس، فضلاً عن أن أعمالهم القتالية تتحول من استهداف إقامة الدين ومحاربة الفساد إلى المحافظة على وجودها واستمرارها ليس أكثر, أي تصبح بلا هدف.
ثم إنك حين تستخدم السلاح ضد غيرك، فإنك أبحت لغيرك استخدامه ضدك متى ما أراد ذلك.
إن الخطط الإصلاحية المتصلِّبة تفضي دائماً إلى كوارث، والذين يسعون إلى الصدام دائماًَ يخسرون، والعاقل من اعتبر بغيره.
ولن يختفي العنف من شوارعنا ما لم نقـم ببحث أسبابه وجـذوره وتحسين مستوى جوانب حياتنا كافة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
عريف الحفل: نختتم هذه الكلمات بقصيدة مسك الختام للشيخ محمد ضياء الدين الصابوني.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :762  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.