شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.. والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، سيدنا محمد الذي يُحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر، وعلى آله وصحبه السادات الغرر.
الأساتذة الأفاضل.. الزملاء الأكارم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يطيب لي أن نلتقي مجدداً بعد غيبة طويلة فرضتها ظروف أنتم أدرى بملابساتها، تخللتها أحداث كبيرة على مختلف الأصعدة، وكان من أكبر إفرازاتها يد الإرهاب التي حاولت العبث بأمن واستقرار هذا التراب الزكي.. وظنت أنها تستطيع أن تعيث فساداً في الأرض، ولكن الله غالب على أمره، وسيكون مصير تلك المحاولات العبثية الانزلاق إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها، لأنها مناط شجب وإدانة ورفض تام من كل المواطنين ومحبي الخير والسلام.
وأثناء فترة توقفنا أيضاً لفنا الحزن بفقد بعض الأحبة منهم: زميلنا الناقد الفني الأستاذ حمدان صدقة - رحمه الله - الذي لبى نداء ربه، وقد كان من محبي هذا المنتدى الأدبي ولم ينقطع عنه مؤخراً إلا بسبب المرض.. كما رحل زميلنا المعلق والصحفي الرياضي الأستاذ زاهد قدسي - رحمه الله - الذي انتقل إلى دار البقاء، ففقدت الساحة الرياضية والإعلامية بفقده علماً أثبت جدارته على المستويين المحلي والإقليمي.. وقد كان والده صديقاً لوالدي - رحمهما الله - وفي موقف من الوفاء والتلاحم الاجتماعي كان طريح الفراش في دارتنا بمكة المكرمة أثناء مرضه الأخير إلى أن توفاه الله وأُقيم عزاؤه فيها.. وأيضاً فقدنا أستاذنا الشيخ أحمد محمد صالح ملائكة، الذي كان صديقاً حميماً لوالديَّ - رحمهما الله رحمة الأبرار - وقد كان له عليّ فضل التوجيه والبر والرعاية والنصح، وهو من الرعيل الأول الذين دعموا مسيرة "الاثنينية"، وأسهم بخبرته وتجاربه الثرية في تطويرها والعمل بكل تجرد ليراها أهلاً لتكريم ذوي الفضل من أساتذتنا الكبار الذين يشرفوننا بتكريمهم والاحتفاء بهم.. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدهم جميعاً بواسع رحمته ويلهمنا وذويهم الصبر وحسن العزاء.. وراجياً المولى أن يعوضنا عنهم خيراً ويجعل ما قدموا في موازين حسناتهم.
ويمضي نهر الحياة بشاطئيه -الفرح والترح- لننتقل بين تياراته فننعم اليوم بتكريم أستاذ أقدمه إليكم قائلاً: إن الماثل أمامكم، الأستاذ محمد المنصور الشقحاء، قد أتعبني كثيراً.. فمنذ سنوات وأعذاره لا تنقطع عن تشريفنا بهذا اللقاء الذي يبدو أنه قد ادخره لنا ليكون بداية انطلاقة هذا الموسم، وعلامة انطلاقة فراشات الفرح في ربوع "الاثنينية".. فله الشكر على تفضله بالاستجابة لدعوة زملائه محبي الحرف، والشكر موصول لجميع الأساتذة الأفاضل الذين تجشموا مشاق السفر من الرياض، والطائف، ومكة المكرمة، ليسهموا معنا في هذه الاحتفالية التي ما كان لها أن تتأطر بالشكل الذي نتطلع إليه لولا حضورهم الذي نثمنه عالياً.
إن المتتبع لمسيرة ضيفنا الكبير، يجد أنه أطل على الساحة الثقافية منذ أكثر من أربعين عاماً.. ولا يعني ذلك لمحبي "اللغوصة" أنه من (جيل الغوص) كما يقول أحبتنا على شواطئ الخليج.. كل ما في الأمر انه امتشق قلمه في سن مبكر، وزاحم الكبار زحفاً على الركب ليتعلم، وفي ذات الوقت زاحمهم بمنكبيه ولما يبلغ العشرين ليجد ما حَبَّره قلمه نافذة يطل منها على القراء.. إنها مسيرة طويلة في درب شائك لا يقدر عليه إلا من آتاه الله عزيمة، وحباً، وإدراكاً لأبعاد ما يقوم به، وإيماناً بالدور الذي يؤديه لخدمة وطنه ومواطنيه.
لنا أن نتخيل شاباً في ميعة الصبا، يركض بين مكاتب الصحف -على قلتها- لينشر ما جادت به قريحته من شعر ونثر، ثم يواكب الأحداث، ويتعلم في كل يوم طرحاً جديداً، ويفتح نافذة على الأفق الوردي الذي يتكشف له من خلال الكتب والمجلات والصحف التي كانت تصلنا عبر الحدود.. وعندما شبَّ عن الطوق توسعت مداركه ليسهم -وهو في حدود الثلاثين من عمره- في تأسيس نادي الطائف الأدبي.. لقد تحرك حب الأدب وسرى مسرى الدم في عروقه.. فما كان منه إلا أن سقاه من ينبوع المعرفة، وتكفل بتغذيته بوافر من الاطلاع والمثابرة على الاحتكاك بكبار المثقفين داخل وخارج المملكة؛ ليصوغ لنا في النهاية أديباً نفخر به بين رصفائه على مستوى الوطن العربي.
ورويداً رويداً مال أديبنا وضيفنا الكبير إلى فن القصة القصيرة، كما يتضح لكم من مجمل نتاجه الأدبي الذي أثمر وأينع ودنت قطوفه بالمكتبة العربية، والواقع أن تجربته السردية قد لفتت انتباه كثير من الأدباء والنقاد فأفردوا لها دراسات لتشريح نصوصها وإلقاء الضوء على نمط أدائه ومدى ملامسته لهموم المجتمع، فهو ابن هذا الانصهار والحراك الاجتماعي الذي بدأ متواضعاً في خطاه التي تتسم بالتؤدة والهدوء وراحة البال، ثم تسارعت وتيرة الانتقال من تلك الحياة التي أقرب ما تكون إلى السكون، إلى ما سمي بفترة "الطفرة" أو ما أطلق عليها دائماً (الحلم الوردي الذي لن يتكرر) وبالتقاء التيارين تكسرت بعض القيم.. وارتفعت شعارات لم تكن معروفة من قبل، ووجد كثير من الناس أنفسهم بين قديم يتمترس بعواطفهم، وجديد يدق بعنف على عقولهم وجيوبهم.. فكان هذا الصراع مدعاة لإفراز كثير من المواقف التي تستفز المبدع ليقول كلمته بأكثر من طريقة، ويضرب على أوتار لا نهائية ليخرج لنا سيمفونية عميقة الغور، وشديدة التوهج، ورائعة التكثيف.
إن القصة القصيرة تمثل فعلاً فن تكثيف المواقف وتقديم عصير التجارب في ما يشبه الاسطوانة المدمجة، خفيفة الوزن، وسهلة الحمل، إلا أنها تمور بكثير من الأبعاد يعجز البعض عن إدراك كنهها.. وقد يراها مبتورة ومبتسرة، لكن الغوص فيه يكشف عمق التجربة التي دخلها المبدع، والمعاناة التي كابدها ليرسم بكلمات معدودة ما يمكن بسطه في صفحات طوال.. مرة أخرى إنه فن التكثيف، وإبداع الإيجاز والرسم بالكلمات.. وقد كان -ولم يزل- ضيفنا الكبير ممن لهم إسهامات تُذكر فتُشكر في هذا الفن القصصي الرفيع.
ومما لا شك فيه أن التحولات التي نعيش إرهاصاتها الآن، والتغيير الذي طرأ على أسلوب التعامل مع بعض المعطيات التي كان مسكوتاً عنها، يبشر باندلاع حركة قوية في مسيرة القصة القصيرة، وإنني أتوقع أن يلتفت مبدعو ذلك الفن إلى أخذ زمام المبادرة والعمل بسرعة لمواكبة الأحداث، وصياغة الكثير من القصص التي تسهم في دحض الفكر الظلامي وإشعال قنديل وراء آخر لزيادة مساحة التنوير والتأثير في قطاعات الشباب، بغرض سلخهم من أي تيار هلامي وإعادتهم إلى جادة الطريق بأسلوب فني لا يهبط إلى مستوى الخطاب الوعظي المباشر، ولا يغرق في الرمزية التي لا يفهمها إلا القلة من ذوي الاختصاص.
إننا أمام مفترق طريق نحتاج فيه إلى كثير من النصوص الإبداعية الواضحة التي تسمي الأشياء بأسمائها، والتي يمكن تطويرها واستنباط حوارات وسيناريوهات متعددة تصلح أرضية لدراما تلفزيونية تشع معرفة ونورية وتخدم قضايانا المصيرية الراهنة.. وكما تعلمون فإن الفن القصصي أو ما يعرف بالدراما تعتبر واحدة من أهم المؤثرات التي تسهم بقوة في تشكيل مفاهيم الشابات والشباب.. وللأسف فإن معظم الأعمال الدرامية التي تطالعنا في الوقت الحالي من بيئات أقل ما يقال عنها أنها ذات اهتمامات لا تعنينا كثيراً.. فنحن في حاجة ماسة إلى القاص الذي يستخدم قلمه تماماً مثل مبضع الجراح، فيزيل الخراج، وينظف الجرح، ويضع العلاج المناسب، ثم يتابع الحالة حتى بلوغ الشفاء التام.. وينهض مجدداً بأداء دوره الطليعي دون كلل في خدمة المجتمع من هذه الزاوية التربوية والأمنية والأخلاقية التي لا تقل خطورة عن أي جهاز آخر يسعى إلى ردم هوة الفراغ الذي قد يفغر فاه في أي لحظة لالتهام فلذات الأكباد، والزج بهم في تيارات ما أنزل الله بها من سلطان.
معذرة إذا استطردت.. فذلك نابع من حرصي على تأكيد أهمية الكلمة في المعترك الذي نعيشه الآن، وأحسب أن مثقفينا وكتابنا وأدباءنا ورجالات صحافتنا الأفاضل يوافقونني الرأي على هذا الطرح؛ لإنجاز مشروع أدبي كبير خاص بهذه الفترة، والله المستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الأساتذة الأحبة.. هذه مسيرة "الاثنينية" تخطو خطوتها الأولى في عامها الثاني والعشرين.. بعد أن حجبها العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت الشقيقة عام 1411هـ - 1990م، فكان لزاماً عليها أن تقول كلمتها بطريقة مناسبة في تلك الظروف، وفعلاً أنجزت بالتعاون مع دارة المنهل الغراء كتاب "جذاذات خليجية" بأجزائه الثلاثة.. ثم احتجبت مجدداً بسبب إفرازات الأزمة العراقية الأخيرة.. وهاهي تعود بحمد الله أكثر قوة وعزماً على أداء رسالتها إن شاء الله بفضل الله ثم جهودكم ومساندتكم المقدرة، سعيداً بأن أزف إليكم بشرى لقائنا القادم مع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، صاحب النشاطات القيادية الإنسانية المتعددة في مجالات رعاية الأطفال المعاقين.. والهيئة العليا للسياحة.. والهيئة الوطنية للآثار والمتاحف.. وكلها مجالات خصبة للعطاء والمتابعة من قبل المواطن والمسئول.. آملاً أن نلتقي الأسبوع القادم للاحتفاء بسموه الكريم، والاستفادة من تجاربه الثرية في هذه الحقول وغيرها من المواقع التي تهدف إلى خدمة الوطن والمواطنين..
شرفنا هذه الليلة بسعادة القناصل: القنصل المغربي الأستاذ محمد عبده إيمان، والقنصل العام الإيراني طلة سُهرابي ونائبه القنصل الإيراني محمد سيبويه، والقنصل الصيني شانج يي، متمنياً لكم أمسية ماتعة مع ضيفنا الكبير، وإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: أيها السادة كما يعرف كثير منكم برنامج الاثنينية، فبعد أن تُعطى الكلمات لأصحاب السعادة المتحدثين في حضرة ضيفنا، ستُعطى الكلمة لفارس الاثنينية، بعدها سيُفتح باب الحوار بينكم وبين سعادته، فمن له سؤال أو استفسار يود أن يوجهه لسعادته نتمنى أن يوافينا به، وحبذا لو كان سؤالاً واحداً حتى نُتيح الفرصة لأكبر عدد من حضراتكم.
أُحيل الميكروفون الآن إلى سعادة الأستاذ الدكتور عبد الله مناع الأديب والكاتب الكبير المعروف.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1499  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 4 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج