شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، (ن وَاْلقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُوْنَ) نحمده سبحانه وتعالى الذي أقسم بما شاء من مخلوقاته تشريفاً لها وتنبيهاً لعباده، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأساتذة الأفاضل..
الأخوان الأكارم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسعد في هذه الأمسية بتكريم العالم الفاضل الأستاذ الدكتور محمد بن الهادي أبو الأجفان، أستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى، فقد أطل علينا من الجامعة الزيتونية بتونس، من خلال مؤلفاته الوافرة في مجال التحقيق، وعالمنا الكبير سارت حياته شأن معظم نظرائه من أصحاب الفضل وفق ثلاثة محاور: طلب العلم ثم تعليمه، والضلع الثالث يتعلق بمساهماته الاجتماعية، لنشر ما تعلمه وتطبيقه في مجتمعه، فمن الفرائض والفوائد التي تناقلتها الأجيال قول أبي حفص السيد عمر الراجحي: العلم ميت وحياته التعليم، فإذا حيّا فهو خفي، وظهوره المذاكرة فإذا ظهر فهو ضعيف، وقوته المناظرة فإذا قوي فهو عقيم، وثمرته العمل، ينادي العلم، أين العمل فإن أجاب وإلا ارتحل.
هكذا زواج هؤلاء العلماء الأفاضل وتزاوجهم بين العلم والعمل، فلم ينقطعوا عن مجتمعاتهم في أبراجٍ عاجية، ولم تكن لهم صوامع يحاولون الاعتصام بها عما يمور في أوطانهم وبين مواطنيهم، بل اختلطوا بالناس في كل مواقع العمل والإنتاج، وكانت حصيلة عملهم هي المشكاة التي تنير لهم الطريق وتجعل السالكين ينهلون من ينابيع عطاءهم العذب النمير.
وهناك سؤال لم يزل يتردد في كثير من المجالس عن أسباب تقهقر المسلمين وتضعضعهم بين الأمم؟ رغم المكانة التي أرادها الحق سبحانه وتعالى لهم، كخير أمة أخرجت للناس وللأسف فإن الأمر لم يقف عند حد الانزواء والتعايش السلمي، داخل مجتمعات مغلقة بل تعداه إلى محاولات دءوبة، لتشويه الحضارة الإسلامية وإلصاق تهم التخلف والجهل وعدم احترام حقوق الإنسان، والتمييز العرقي ضد المرأة، وأخيراً وليس آخراً تهمة الإرهاب.
فهناك كما ترون العديد من الاتجاهات التي يسعى أعداء الدين إلى استغلالها لإيجاد شروخ في جسم الأمة، والعبث بمقدوراتها ومقدراتها وصولاً إلى غاياتهم التي أصبحت واضحة لكلِ ذي بصرٍ وبصيرة، إن مسؤولية العالم العامل تتعاظم كل يومٍ ويزداد ثقلها، فنحن نعيش في عالمٍ متغيرٍ بإطراد، تقوم القوى المسيطرة عليه الظاهر منها والذي يعمل من وراء حجاب بتنفيذ خطط واستراتيجيات على مختلف المستويات، منها الذي يضرب عنق اللغة العربية بمحاولات مستميتة لإحلال اللهجات العامية مكانها، وبعضها يسعى بكل جهدٍ لتدمير الشباب، وإعادة صياغتهم لبلورتهم في شكل أشباحٍ أو مسخٍ ينساقو دون معرفة وراء الغرب في مأكله وملبسه، وموسيقاه وفنونه، وسائر أدوات حضارته المبهرة، في الوقت الذي تُخفى عنه أسراره الصناعية، والتقنية والعسكرية، وهناك دون شك خطط ترمي إلى تفتيت الأسرة المسلمة عن طريق استلاب المرأة والطفل، وتكريس الكثير من البرامج والمؤتمرات لتحقيق هذا الهدف.
إن احتفاء الاثنينية بعالمٍ ثبت في مكانة أستاذنا الدكتور أبو الأجفان يعني احتفاءنا بكل العلماء، الذين يشكلون الدرع الواقي لهذه الأمة ومصيرها ومستقبلها الذي تتقاذفه رياح المصالح شرقاً وغرباً، نقف اليوم في هذه الأمسية إجلالاً وإعزازاً لهؤلاء الأساتذة الأجلاء لا لنشكرهم فقط على ما قدموا من علوم نافعة وبذلوا من جهودٍ مقدرة لخدمة العلم وطلابه بل لنستزيد من فضلهم، ونشد على أيديهم جميعاً، مؤكدين لهم أن التاريخ لن يمر مرور الكرام على منجزهم الحضاري الكبير، وفي ذات الوقت نرجو منهم تكثيف العمل وابتكار أساليب جديدة في الطرح، والتعامل مع فئات الشباب والنساء والأطفال على وجه الخصوص، ذلك أن الدوامة التي نعيش فصولها وتتكشف أوجهها المختلفة يوماً بعد يوم تتطلب منا أن نُعِدَّ العدَّة، ونتخطى أسلوب التعامل بردود الأفعال إلى أساليب أكثر تطوراً في اقتحام المجهول وتسجيل السبق في معالجة مشاكلنا بثوب عصري يواكب متطلبات الحياة اليومية.
إن الصحوة الإسلامية التي فرحنا بها ذات يوم فوجئنا بها مع الأسف تطرح حصرما وتتجرعها بعض المجتمعات علقما، ثم ترتد وبالاً علينا دون استثناء وأحسب أن أسباب ذلك تعود إلى عدة أمور، ليس هنا مجال بسطها وتفصيلها غير أن من أهمها: ضيق الأفق مع انفتاح مقلوب أضعه بين قوسين نحو الداخل، أي بطريقة مخاطبة الذات دون مدِّ جسور المعرفة نحو الآخر، ونتج عن ذلك ركوب موجة التنطع والتطرف وتسفيه آراء الآخرين ثم تصدي بعض أنصاف المتعلمين للفتيا، وأصبح التكفير أمراً ميسوراً يصدر عن كثير ممن اهتموا بالقشور، وحالت مداركهم المتواضعة دون الغوص في عمق الفقه، ومنهم من قرأ كتاباً أو كتابين وجلس بين أصحابه محدثاً بل مُنَظِّراً.
إن الأمن والسلم العالميين أصبحا مسؤولية كل فرد يستطيع أن يصل صوته إلى الآخر بأي أسلوب حضاري، فالعلم بموضوعيته المتفقة والطرح الحديث بما لا يخل بثوابتنا والذي يمكن توظيفه لخدمة قضايانا، وإحداث تأثير مباشر في المتلقي وطرح أفكارنا بمنتهى الجرأة لتعكس صورتنا الحقيقية النقية من الشوائب، وافتئات من هم داخل إهابنا قبل أن يهاجموننا من الخارج، ويقودني هذا الطرح إلى ضرورة تغيير الصورة النمطية في تناول الأفكار والقضايا، والاستفادة من معطيات العصر وروحه التي تسعى دائماً نحو التطور، فهناك دون شك شريحة في المجتمع تسعد باقتناء كتاب مثل (الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب) للعلاّمة عبد الصمد كنون الذي راجعه وقدّم له فارس أمسيتنا، وأعتقد أنكم توافقوني أنها شريحة متواضعة في أكثر التقديرات تفاؤلاً، وربما تكون في انكماش مستمر بينما تتسع دائرة الشريحة التي تتابع القنوات الفضائية، وترمي بثقلها ووقتها خلف شاشات الكمبيوتر لتستقي معلوماتها عبر شبكة الإنترنت، وبهذه المعطيات ينبغي على المهتمين بالشأن الثقافي والهم الفكري والحضاري أن يشمروا عن ساعد الجِد، وتكثيف الجهود المبرورة لتفريغ مثل هذه العلوم النافعة والمواد القيّمة في شكل أفلام أو مسلسلات أو رسوم متحركة بلغة سهلة وعبارات مشرقة، وقد لا يكون التوجه مناسباً من ناحية تجارية في بداية المشروع إلا أنّ البدايات دائماً صعبة وتحتاج إلى تضحيات، وعليه كما يبدو لي يستحسن تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل دور المؤسسات المتخصصة لطرق هذا الباب بقوة وعزيمة وصبر وصولاً إلى الغاية المنشودة والهدف النبيل.
 
وقد سبقنا إلى هذا التفكير السديد معالي أستاذنا الكبير عبد العزيز الرفاعي -رحمه الله- عندما خاض تجربة المكتبة الصغيرة، فقام بجهد فردي عملاق ليقدم للقارئ أجمل الكتب والدراسات من خلال إصداراتها المتميزة، ولاقت رواجاً طيباً وهي خطوة في الاتجاه السليم نحو تمليك المعلومة للقارئ والشباب على وجه الخصوص دون عناء كبير، إننا كما تعلمون نمتلك إرثاً حضارياً راقياً فقط تنقصنا العزيمة والخطة الواضحة لتدارك الأمر.
إن كتباً ككتاب (الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس) الذي ساهمتُ في ترجمته ونشره مع مؤسسة (بروتا) التي تشرف عليها السيدة الفاضلة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي كان من أكثر الكتب مبيعاً حين صدوره باللغة الإنجليزية عام ألف وتسعمائة واثنان وتسعين، مع أنه من الكتب الضخمة حيث صدر في مجلد واحد في أكثر من ألف صفحة، بينما صدرت ترجمته العربية في مجلدين، وهذا برهان ساطع على أن العمل الجيد يستطيع أن يشق طريقه رغم صعوبة المشوار بإذن الله.
قبل أن أختتم كلمتي أشير إلى رسالة شرفت بتلقيها من سماحة شيخنا الجليل الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، أجتزئ منها الآتي:
يؤسفني أمام حالتي المرضية أن يتعذر عليّ حضور هذه الأمسية لتكريم الدكتور محمد أبو الأجفان، وإنني لأقول ذلك مع حسرة في النفس، وقلقٍ يرعبانني لعدم تمكني من حضور هذه المناسبة الكريمة، واعتباراً لذلك فإنني أحتفي به باحتفائكم به، فهو الأستاذ الجليل الذي عُرِفَ بمنشوراته لكثير من الدراسات والبحوث التي كرَّسها أصحابها لدراسة الفقه المالكي بسائر البلاد المشرقية والمغربية، وإني لأكبره تقديراً وإعجاباً بما سمح له الوقت من إخراج مؤلفات وبحوث كثيرة في الفقه المالكي، ضاعف الله من جهوده وأمده فيما يقدمه في المنهج الشرعي بالتوفيق والتسديد.
نسأل الله سبحانه وتعالى لسماحة شيخنا الصحة والعافية وهذه شهادة لا بد أن فارس أمسيتنا يعتز بها كثيراً.
أهلاً وسهلاً ومرحباً بفضيلة فارس أمسيتنا وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم بإذن الله لنحتفي بسعادة الأخ الأستاذ الدكتور عزت عبد المجيد خطاب، وهو من الرعيل الأول الذين نالوا درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، ثم عاد ليؤدي جزءاً من واجبه تجاه وطنه ومواطنيه بجامعة الملك سعود، متدرجاً في وظائفها من معيد إلى أن تسنم عمادة كلية الآداب، وله العديد من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، سعداء به وبصحبه الكرام، حملة العلم ومشاعل النور والخير في كل زمان ومكان.
قبل أن أختتم كلمتي أرحب بسماحة شيخنا محمد شريعتي العضو الدائم وسفير إيران لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، إنني في الوقت الذي أرحب بتشريفه في هذه الاثنينية، أشعر بكثير من الأسى والأسف لفراقنا هذا العلم الذي سيرحل من ديارنا التي هي وطنه الثاني إلى إيران، ليستمر في خدمة دينه وأمته العربية والإسلامية، وإنني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيبه على ما قدّم وأن يجزيه الجزاء الحسن، وأن يؤازره بإحسانه وفضله لتكملة مسيرته، وإنني أرجو أن نلتقي به كلما يسعدنا بزيارة المملكة العربية السعودية في اثنينيتكم، ولنا إن شاء الله لقاء معه في الاثنينية كفارس من فرسانها نسعد ونشرف بلقائه ونتمنى له كل التوفيق.
في هذه الليلة معنا أيضاً أحد العلماء من الرعيل الموسوعي وهو من مصر أمريكي الجنسية يعيش في أمريكا، ويعمل هنا الآن في البنك الإسلامي الدكتور عوض فهمي الروبي، رجل قانوني وهو محامي بالنقض ومترجم دولي نرحب به وبكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: أيها الأخوة الكرام، اسمحوا لي قبل أن ننتقل إلى الفقرة التالية أن أذكِّر إخواني الكرام بإغلاق الجوالات لعلّنا نسعد بالاستماع إلى كلمات الاحتفاء التي يشارك بها جمع كريم من رجال الفكر والعلم الذين طلبوا المشاركة، سوف نعطيهم الفرصة للحديث فيما لا يزيد عن خمس دقائق، وليعذروني إذا ذكرتهم بانتهاء الوقت المخصص، يشارك معنا هذه الليلة معالي الدكتور المفكر الإسلامي المعروف محمد عبده يماني والذي اعتذر مؤخراً ليلقي كلمته بالنيابة فضيلة الشيخ محمد بدر الدين فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1705  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.