شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإخوة الأكارم.. الأساتذة الأفاضل..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يطيب لي أن أرحب باسمكم جميعاً أجمل ترحيب بضيف أمسيتنا الصحفي المعروف، وصاحب اللقاءات التلفازية المميزة، الأستاذ محمد رضا نصر الله، كما أرحب بصحبه الكرام، أستاذنا الكبير الدكتور منصور الحازمي، والأستاذ عبد المحسن الخنيزي، اللذين تجشما مشقة السفر من الرياض والقطيف لإمتاعنا بصحبتهم الماجدة، فلهم الشكر جميعاً والإعزاز على هذا التجاوب الذي لم يبخلوا به قط على درب الكلمة، التي تجمعنا وشائجها وتتجذر في نفوسنا محبتها ومحبة رجالاتها.
وللأسف، فقد رُزئنا قبل أيام قليلة بفقد عَلَم من أعلام الكلمة، الشيخ الجليل والأديب المؤرخ الأستاذ الكبير محمد بن أحمد عيسى العقيلي، أديب منطقة جازان، وأحد الأعلام المعروفين في الجزيرة العربية، فقد كان -رحمه الله- موسوعة حية بيننا، يسعى إليه طلاب العلم من كل حدبٍ وصوب، للاستزادة من فضله وعلمه، ويمتحون من ذكرياته العطرة، وأحاديثه الموثوقة، رحمه الله رحمة الأبرار، وجعل الجنة مثواه مع الصِّدِّيقين والشهداء وحَسُنَ أولئك رفيقاً.
نقف هذه الأمسية وقفة تأمل وتكريم وتقدير لرجل نشأ في رحاب عشق الكلمة، وبلاط صاحبة الجلالة –الصحافة– فمنحها الكثير من وقته وجهده وحبه وإخلاصه، فبادلته عطاءً بعطاء، تزامن عمله بالصحافة مع سنوات دراسته الجامعية، فجمع بين طلب العلم والعمل الصحفي، وبالتالي فإن تجربته الصحفية تفوق ربع قرن من العطاء، في الوقت الذي ما زال عُودُه أخضرَ –نمسك الخشب– وفي مقتبل عمر البذل، ومواصلة مشوار التعب الممزوج بفرح الإنجاز وحلاوة التواصل مع المتلقي، لقد كتب فارس أمسيتنا بعمق ومسؤولية في الأدب والثقافة والسياسة، وكان الطابع الأدبي يميز مقالاته الصحفية، فهو ممن ينتقون كلماتهم بحرص شديد، فيأتي مقاله –في أيِّ بابٍ كان– مطرزاً بأجمل التعابير – شأنه في ذلك شأن بعض الأدباء الذين امتهنوا الصحافة، فكانت الزورق الذي يشق عباب الماء ليصل بحمولته كلَّ صباح إلى مُحبي الكلمة، فيكون عناق الأدب والثقافة والسياسة مع جماليات الأسلوب وحلاوة التعبير.
إن ضيفنا الكريم ظَلَّ مواكباً لأحداث العالم وتطوراته على مختلف الأصعدة، واستطاع بجهد كبير أن يبني قاموسه الخاص، وقاعدة معلوماته القوية، وتفاعل في نفسه زخم من الأفكار والرؤى والتيارات الأدبية والثقافية، ومن حُسن حظه وحظنا أن ظهرت الفضائيات في الوقت المناسب لتمنحه وسيلة فريدة مع التواصل مع محبي الكلمة، فأضاف إلى قاربه الأنيق مركبة فضائية تنثر ضوءها عبر شاشة بلورية في كل بيت تقريباً، فكان قريباً مِنّا وهو يحاور عمالقة الأدب والثقافة والفكر في عالمنا العربي المعاصر، وبرز كواحد من أفضل المحاورين المتمكنين من أدواتهم، وأحسب أن قاربه الجميل ومركبته الفضائية، وثقافته العالية قد مكنته جميعاً من اقتعاد مقعده بين فطاحل من شرُفَت "الاثنينية" بتكريمهم في مجال الصحافة والأدب من جيل الريادة، فأين نحن منهم؟ وأين نحن ممن شرُفَت "الاثنينية" بتكريمهم من أعلام آخرين من الجيل الذين بعدهم وكثير منهم بيننا اليوم –أطال الله في عمرهم– وقد يُلِحُّ متسائلٌ قائلاً: أين موقع فارس أمسيتنا بين هؤلاء الجهابذ؟ فأقول: إنّ الإبداع لا يحدهُ عُمُرٌ، وليس له حدود، وكما أنّ الحرارة تُولِّدُ البخار ليشكل طاقةً متنوعة الأطر والاستخدامات، فإن الطموح يولِّد المزيد من الطموح الذي يدفع نحو آفاق أرحب من العطاء، وضيفنا الكبير.. الكريم امتاز بقدر وافر من الطموح دفعه لاستطلاع عالم الكلمة عبر الفضائيات، وفي الوقت نفسه لم تسقط الصحافة الورقية من اهتماماته، فزاوج بين الإلكترونية والورقية، بين العصريِّ والتقليديِّ، وواصل مسيرته متسلحاً بنضج تجربته، مستفيداً من خبرة أساتذته الكبار، فخاض غِمار عملٍ إعلاميِّ، كان حتى عهد قريب حِكراً على عدد قليل ممن تخصص في هذا الجانب، فتمخضت تجربته عن نجاح منقطع النظير، ساهم في كسر حاجز الرهبة في التعاطي مع مثل هذه الأعمال النخبوية، وأثبت أن الإصرار المدعوم بالموهبة والمصقول بالعلم والتجربة، يمكن أن يُولِّد عزماً قوياً يذلل المستحيل ويُخضع العقبات لإرادة العطاء.
وأود أن أقف معكم على ضفاف معلومة صغيرة وردت في سياق السيرة الذاتية لضيفنا الكريم، أحسب أنه لا ينبغي أن تمرَّ مرور الكرام، فقد ورد نصاً: "سجل ما يقرب من ألف ساعة تلفازية مع شعراء، وأدباء، ومثقفين، ومفكرين، وسياسيين، على امتداد العالم العربي"، هذا ما نقرؤه على سطرين تقريباً، فماذا نقرأ بينهما؟ من واقع تجربتي المتواضعة في الإعداد لأمسيات اثنينيتكم عبر ما يقرب من عشرين عاماً أشير إلى أنَّ الإعداد ينقسم إلى أقسام ربما تكون ثلاثة أو أكثر: أولها على المدى الطويل، ويبدأ بالتواصل مع الأساتذة المرشحين للتكريم، وقد يمتد لا أبالغ إذا قلت إلى سنوات أو أكثر قبل اكتمال التنسيق وتحديد موعد التكريم المبدئي، ثم الجزء الثاني الذي تضيق حلقته بعض الشيء لتكون على مدى أشهر معدودة لترتيب إجراءات السفر والاستضافة. أما الجزء.. دعوني أقول ليس الأخير ولكن ما قبل الأخير فيستمر أسبوعاً يبدأ بنهاية الاثنينية فيستمر الإعداد المكثف للاثنينية القادمة وهكذا دواليك. وأعتقد أن ما يقوم به فارس أمسيتنا لا يقل أبداً عن مستوى الإعداد الذي تسعد به اثنينيتكم، فالساعة التي نشرف فيها بلقاء أي ضيف يسبقها ما أشرت إليه آنفاً من شهور من الإعداد والتنفيذ لاستقطاب الأساتذة الأفاضل الذين نشرف باستضافتهم وتليها شهور من العمل الدؤوب لإصدار واحد من سلسلتها التي صدر منها حتى الآن ثمانية عشر جزءاً.. هذه المقارنة السريعة كان لا بد منها، فلا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا الصبابة إلا من يعانيها.
وبالتالي فإن ألف ساعة تلفازية، تعني بالتأكيد عمراً لا يستهان به، وجهداً مقدراً في ساحة خلت لوقت طويل من الكفاءات الوطنية التي تجيد لغة الحوار، وأسلوب التعامل الحضاري مع كوكبة من ألمع رجالات الثقافة، والفكر والأدب والسياسة، فنحن أمام قمم لا يمكن فتح حوار معها من فراغ، ومثل كل تلميذ نجيب، لا بد من مذاكرة الدرس جيداً قبل الدخول إلى ساحة المواجهة بما تكتنفه من صراع خفي حيناً، وذكاء لمّاح لاستدراج المعلومات حيناً آخر، مع توفر رصيد كبير من البيانات والإحصاءات وقاعدة ثقافية متينة تضمن نجاح اللقاء، وتفجير بعض الألغام التي لا تجرح ولا تدمي، ولكنها تثير علامات استفهام يجد المحاور عن طريقها مداخل ودهاليز كثيرة تضيق وتتسع بمقدار البيانات التي تدعمها، فيأتي العمل ملامساً لهموم المجتمع قادراً على المساهمة في تحريك بحيرة الشأن الذي يتناوله سياسياً وفكرياً وثقافياً وأدبياً، وكلها هموم لم ينقطع عنها المواطن العربي، رغم الابتلاءات والمحن التي تحيق به، متطلعاً أن يتحفنا ضيفنا الكريم بمجموعة إصدارات تضم ما تمخضت عنه لقاءاته المميزة ليكون في متناول القارئ، ومرجعاً لا غنىً عنه للباحث والدارس.
إن احتفاء "الاثنينية" بالأستاذ محمد رضا نصر الله، يمثل احتفاءً بالطموح الوثاب على امتداد هذا الوطن المعطاء، احتفاء بالعطاء الذي لا يقتنع بما هو كائن، بل يتطلع لمزيد من الإتقان واستشراف غدٍ أفضل إن شاء الله، احتفاءً بإنجاز تحقق بكثير من التضحيات والتعب ونكران الذات، احتفاءً باقتحام المجهول، ودوائر الاحتكار الإعلامي، احتفاءً بمد يد التعاون البنّاء بين "الاثنينية" وضيف أمسيتها الكريم لتبادل الأفكار والمعلومات بما يخدم الجوانب المشتركة لعملين توثيقيين وإن اختلفا في أسلوب الطرح، إلا أن الجانب التوثيقي يظل بارزاً وحاضراً دون شك.
كلمة أخيرة على هامش هذا اللقاء، تتعلق بالتكتلات الإعلامية الدولية التي باتت تُلبس الباطل ثوب الحق، وتدفع بالحق إلى زوايا النسيان، أين موقعنا كعرب ومسلمين من هذا التيار الجارف؟ وأين الاستراتيجيات والخطط العملية والميزانيات اللازمة لاقتحام ساحة الإعلام الذي جعل الضحية في مكان الجلاد، وحوّل الجلاد إلى حمامة سلام، وغض الطرف عن كل التجاوزات التي تُرتكَب ضد حقوق الإنسان، باسم حقوق الإنسان؟ فقد بات الكيل بمكيالين السمة الأساسية التي تصدمنا كل يوم وتلغي عقولنا وأفكارنا ومشاعرنا، والله المستعان.
أشكر مجدداً ضيوفنا الأفاضل على تشريف هذه الأمسية، متمنياً لكم وقتاً طيباً مع أحاديثهم الماتعة، وعلى أمل أن نسعد الأسبوع القادم باستضافة وتكريم الأستاذ الكبير وديع فلسطين، الأديب والكاتب الصحفي المعروف سعيداً بالتفافكم حوله للاحتفاء به بما يستحق كفاء ما قدم للثقافة والصحافة والفكر، فهو كما تعلمون مقلّ في عطائه، غير أنه من الذين يَزِنُونَ الكَلِمَ بميزان أدق من ميزان الذهب، وله معايير خاصة في الكتابة والنشر، وقد ظل لأكثر من نصف قرن يقدم طرحاً مميزاً في مختلف الشؤون الثقافية، كان لها تأثير وصدىً كبيران لدى المتلقي على امتداد الوطن العربي. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبكم في أمسية من أمسيات الوفاء، لرجلٍ يعرف معنى الوفاء. وطابت أمسيتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عريف الحفل: أيها السادة، كما هو معروف وبعد أن أُحيل لاقط الصوت إلى المتحدثين ومن ثم فارس الاثنينية سيُفتح باب الحوار معه، فمن لديه سؤال أو استفسار عليه بموافاتنا بهذا السؤال والاستفسار، وشكراً لكم.
الشيخ عبد المقصود خوجه: معالي الدكتور الأخ محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق والمفكر الإسلامي حمّلني رسالة يجب أن أنقلها إليكم كواجب أمانة، كان بوده أن يحضر هذا اللقاء ويحتفي بضيف هذه الأمسية لولا ظروف طارئة حالت دونه ودون ذلك، فالكلمة يجب أن أبثها ليعرف بها عريس هذه الأمسية ولكم أيضاً وشكراً.
عريف الحفل: إذاً أترك لاقط الصوت الآن إلى أول المتحدثين، وهو سعادة الأستاذ الدكتور أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك سعود الدكتور منصور إبراهيم الحازمي، فليتفضل.
الشيخ عبد المقصود خوجه: والدنا وأستاذنا الكبير طبعاً!!.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :950  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.