شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور حيدر الغدير
المستشار بالمجلس الأعلى للإعلام ))
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
يطيب لي أن أشارك في هذا الحفل الشائق لتكريم معالي الدكتور شاكر الفحَّام، وأحيي في هذا الحفل الذي هو عرس من أعراس الثقافة، المعاني الكريمة التي تكمن في عقول القائمين عليه وقلوبهم، وهي إعلاء قيمة الفكر والبيان والإشادة بذوي الجهود المتميزة في حقول العلم والدعوة والإبداع، فهم في الحقيقة أنبل ما في الحياة وأجمل ما في الحياة وهم القادة والروّاد والسابقون.
الضيف الكريم المحتفى به جمع بين الأدب والسياسة وهو الآن يقود سفينة المجمع العلمي العربي في دمشق، وهو مجمع جاد كريم له جهوده المشكورة في خدمة ثقافتنا عامة، ولغتنا خاصة، ولا غرابة، فدمشق منذ شرفها الله بالفتح الإسلامي بلد الإسلام وظئر العربية.
تربطني بالضيف الكريم أكثر من صلة سيكون بعضها مفاجئاً له. تربطني صلة الإسلام وهي أول صلة وأبقى صلة وأغلى صلة. وتربطني صلة العروبة، فالعروبة المؤمنة وعاء للفضائل، ومهاد للمروءات، إنها موئل الكرم، ومثابة النبل، ومسرح الشجاعة، ومنبت الحرية، ومستراد النخوة.
ولقد اختار الله عز وجل جزيرة العرب منطلقاً لرسالته، وهو أعلم حيث يجعل رسالته لأنها وبحق –وله الحكمة البالغة- الأجدر بحملها زماناً ومكاناً وإنساناً ولساناً، ومن يومها اكتسبت هذه الجزيرة المباركة هويتها ومهمتها، وأدّتها خير أداء، والتاريخ خير شاهد منذ انطلق الفاتحون الكرام منها يحملون للدنيا هَدْي الإسلام وعدل الإسلام ورحمة الإسلام فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس.
وتربطني بالضيف الكريم صلة النسبة إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، فلهذا القسم العريق أفضال كثيرة، وقد كنت في السنة النهائية منه حين حرصت على حضور مناقشة رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الضيف الكريم. ثم إننا من تلاميذ العلامة المرحوم محمود شاكر، حارس العربية، وعاشق التراث، وسادن الأصالة، الذي فتح للناس عامة ولمريديه خاصة قلبه وعقله وبيته ومكتبته، وطالما استفدنا من كرم نفسه وصدق أبوته وغزير علمه ودقيق ملاحظاته، وتقبلنا شاكرين صابرين باسمين شتائمه حين يغضب علينا بحق أو بباطل. ثم شاء الله أن أتتلمذ على الدكتور الفحَّام في كلية التربية بجامعة دمشق حين كان فيها أستاذاً وكنت فيها طالباً.
إن من حق كل أمة أن تعتز بلغتها، ولنا نحن العرب أن نعتز بلغتنا كما يعتز الآخرون وأزيد، لأنها لغة ديننا قرآناً وسنة وثقافة، ولأنها لغة حضارتنا الغنية الواسعة المتميزة، ثم لأنها اللغة الأغنى والأخصب والأجمل والأعرق، إن لنا أن نفتخر أننا الأمة الوحيدة في هذه الأرض التي يستطيع تلاميذ المرحلة الابتدائية من أبنائها أن يفهموا ويحفظوا وينشدوا نصوصاً عمرها أكثر من ألف عام خلافاً لكل لغات الأرض، لذلك نحن لا نبالغ قط حين نقول عن لغتنا إنها مجد باذخ، وقول جميل، وعراقة وأصالة، وحياة وتجدد، وعرض يصان، ودرة غالية تسكن العقول والقلوب والألسنة قبل الكتب والأوراق.
هذه اللغة العالية الغالية الشريفة تتعرض الآن لهجوم واسع من العجمي والابتذال والعامية، وما يسمى زوراً وبهتاناً الشعر الشعبي، وما تؤذينا به فضائيات تجور على كثير من ثوابت الأمة ومنها لغتنا. والحرب على العربية جزء من المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الأمة، ولن أخاف من قوم مردوا على اتهام من يتحدث عن المؤامرة أنه أسير الوهم، بل هم أسارى الوهم، فالمؤامرة كانت وستبقى، وهي أكبر مما نظن ويظنون، لكنها قد تنجح وقد تخفق وقد ترتد على أصحابها. إنني أهيب بكل غيور على اللغة وبالمؤسسات العلمية المتخصصة من جامعات ومراكز بحث علمي ومعاهد ومجامع، أن تهب لخدمة العربية بالعمل العلمي الجاد على كل المستويات، وأهيب بالضيف الكريم وهو على رأس مجمع محترم عريق أن يكون على رأس المبادرين في هذه المعركة الشريفة.
هذه تحية النثر فاسمحوا لي الآن بتحية الشعر، هذه قصيدة حييت فيها اللغة العربية، وإنني حينما أحيي اللغة العربية أحيي الضيف الكريم وأحيي نفسي وأحيي هذه الكوكبة من أهل الفضل التي تسمعني.
يا لساناً مثل الضحى عربياً
تشرب العين حسنه العبقريا
وتصيخ الآذان عشقاً وشوقاً
لغواليه بكرة وعشيا
سيداً للبيان كنتَ وتبقى
سيداً مالكاً وهوباً غنيا
تهب الفكر كل معنى جميل
حين تكسوه من حلاك حُليا
تأسر الذائق العصيَّ رضاه
إذ تلقاهُ ساحراً سامريا
ويجيء المعنى البعيد المرامي
فيك يزهو مثل الصباح بهيا
كل نعمي على بساطك راحٌ
كل حسني على رواقك ريا
كالدنان المعتقات اللواتي
طبن طعماً وفُحنَ مسكاً شذيا
أنت نهر أكواب مترعات
وشرابٌ مثل الرحيق نقيا
وبساط مثل الربيع الموشّى
ضاحَكَ الغيثَ حسنه الموشيا
شهد الأعصر الطوال ولما
يخبُ حسناً وما يزال صبيا
إنه الضاد شمسُ كل بيان
كان مذ كان ملهماً وسريا
سرق الحسنَ كلّه واكتساه
وجلالَ النُهى وكان حريا
ومضى يملأ الحياة طيوباً
ويجوب الآفاق طَلْقَ المحيا
ما تملّى بيانه ذو بيان
وذكاء إلا اعترته الحُمَيّا
وأعارته جذوة تترى
وأصارته ضاحكاً أو شجيا
مستعيداً ما راقه واستباه
مستهاماً به شغوفاً حفيا
وكفى الضاد عِزةً وفخاراً
ما أطل الصباح يوماً وحيَّا
أن فيه الكتاب يتلوه قومٌ
ملأوا الرحب دانياً وقصيا
ربما هبت البشارات فيه
فسرى فيهم الرضاء نقيا
أو توالت قوارعٌ فتهاووا
حذرَ النارِ سجداً وبكيا
ستشيب الحياة والناس تبلى
وسيبقى غضاً ويبقى طريا
أنا للضادِ عاشق فسلوه
كيف أحببته زماناً مليّا
وحباني من وده ما حباني
واصطفاني فكنت براً وفيا
سكن الضاد كاللبانات قلبي
وبناني وخاطري والمحيا
ولساناً يراه أحلى وأشهى
من كؤوسِ الطِلى وفي شفتيا
هو ضيفي في يقظتي ومنامي
ورفيقي أحنو ويحنو عليّا
هو في كل ذرة من كياني
وأخو خلوتي وفي مقلتيا
هو ألفي وصبوتي ونديمي
جئته مغرماً وجاء إليّا
وهو لحن في مسمعي عبقري
وشذاً فاح طيبه ورديا
عشتَ يا ضادُ سيداً وسرياً
مثلما كنت سيداً وسريا
شكراً لكم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :660  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج