شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ الجليل محمد علي الصابوني ))
 
بسم الله الرحمن الرحيم، نحمده تعالى ونصلي ونسلم على رسوله الكريم وبعد..
الأخ الفاضل المحتفى به في هذه الليلة هو الدكتور وهبة الزحيلي قد وهبه الله عزّ وجل فكراً صافياً، وعلماً واسعاً، وحباً في النهل من معين العلم الصافي، امتاز الدكتور الزحيلي بمزايا كثيرة جعلته ينال قصب السبق بين أقرانه، أولاً: رغبته الصادقة في خدمة الدين وعلومه، فهو يغوص في بطون الكتب لاستخراج درر العلوم ونفائسها، ولهذا نجد له الكتب الكثيرة بل الموسوعات، ثانياً: صدقه وإخلاصه في طلب العلم، وصلابته في الدين، فهو رجل مجاهد جريء، رجل صادق مخلص، نقول ذلك احتساباً نحتسب ذلك عند الله ولا نزكي على الله أحداً.
 
نال الأذى في سبيل عقيدته ودخل السجن، وهذا هو التكريم للفضلاء الشرفاء في هذا العصر، إدخاله السجن أو إخراجه من الوطن، أخرجوهم من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون بقي في السجن فترة قصيرة شهور والحمد لله لم تكن سنوات، ولكن هذا يدلنا على أن الرجل يجاهد في سبيل عقيدته، ولو مشى مع الركب وساير الناس على أهوائهم لنال المراتب الرفيعة، ثالثاً: نزاهته عن السير في ركاب أهل الأهواء والمطامع ممن يصطادون الدنيا باسم الدين، لنيل بعض الفتات من المغانم أو المناصب ولسان حاله يقول ما قاله ذلك القاضي الجرجاني حيث يقول:
 
ولم أقضِ حق العلم إنْ كان
كلما بدا طمعٌ صيَّرته لي سُلما
أأشقى به غرساً وأجنيه زلةً؟
إذاً فأتباعُ الجاه قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموهُ في النفوسِ لَعَظَّمَا
 
أي: لعظمهم.
 
ولكن أهانوه فهانوا ودَنَّسوا
مُحيَّاه بالأطماع حتى تجهمَا
 
هذه الأبيات تفيض روعةً وجمالاً وهي توافق ما قلناه عن الأخ المحتفى به فضيلة الدكتور الزحيلي. لقد كان العلم أيها الأخوة عبادة، وأصبح الآن طريقاً للتكسب، رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول: "ما عُبدَ الله بشيء أفضل من فقهٍ في دين، ولَفقيه واحدٍ أشد على الشيطان من ألف عابد". يستطيع الشيطان أن يتلاعب بالعُبَّاد والزهاد لكن لا يستطيع أن يتلاعب بالعالِم المتمكن، لقد قصَّرنا نحن المسلمين نحو هذا الدين، قصرنا في حق الإسلام والدين، أصبحت نظرتنا نحوه نظرة خاطئة وهامشية، لا تسمو إلى الأفق المشرق المضيء. أبناؤنا النجباء نرسلهم لدراسة الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والعلوم العصرية، ولا نرسل لعلوم الشريعة والدين إلا النطيحة والمتردية والموقوذة، لذلك علوم الكون في ازدهار وعلوم الشريعة في احتضار، لا نقول ذلك تجنياً، إنما نقوله واقعاً.
 
كنت صغيراً لا أتجاوز السنة العاشرة أذهب إلى بعض المساجد أجدها عامرة بمن يدرّس فيها، في مدينة حلب فقط ما يزيد على ثلاثمائة عالِم، في حارة واحدة ما يزيد على عشرين عالماً كلهم موثوق في دينه وفتواه، وكذلك دمشق العلماء فيها كثرة كثيرة، الآن يدور الإنسان في البلد الواحد لا يجد إلا شخصاً أو شخصين يؤتَمنُ على فتواهما وعلى دينهما، والباقي كما قال بعض الناس وقد دخل إلى مدرسة فوجد فيها عمائم كثيرة وجُبَب وكذا، ولكن سأل واحد منهم ما عرفَ الجواب، سأل الأعلى منه ما عرفَ الجواب، سأل الأستاذ ما عرف، فخرج يقول جُبَب وقُبَب والعلم عند الله.
 
نقول نحن في زمن حدَّث عنه المعصوم الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حين قال فيما رواه عنه البخاري: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد"، يكون الواحد عالِماً يستيقظ وقد ذهب العلم من صدره، هذا لا يفعله الله، إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبق عالِم اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا، هذا زماننا وعصرنا.
أذكر لكم هذه القصة للعظة والعبرة، كنت في سنة 1403هـ في الكويت بدعوة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لإلقاء بعض المحاضرات، وفي رمضان دعانا أحد الأفاضل إلى منزله، بعد أن تناولنا طعام الإفطار ونحن نتناول كؤوس الشاي وإذا شخص يقتحم الصفوف، مجلساً يضم حوالي خمسين من الوجهاء ثم يقف ويرفع صوته ويخبر أنه يحمل شهادة جامعية -ليس جاهلاً- شهادة جامعية، رفع صوته فقال: لقد غالَى الناس في رسول الله، غالوا فيه وأعطوه مراتب، حتى زعم بعضهم أن بول الرسول صلى الله عليه وسلم طاهر، قال هذه على ما فيها قد يقبلها الإنسان (ويمشيها)، لكن أن يُؤْتَى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطفل ويقف الرسول يبول عليه قال هذه (ما دخلت في مخي)، كيف يكون هذا؟ كيف يفعل رسول الله أشد حياءً من العذراء في خِدرها، يريد أن يبول على طفل أمام الناس؟! قال: أما تصدقوني الكتاب معي في السيارة؟ ائت بالكتاب فإذا منه أنه جيء للرسول صلى الله عليه وسلم بطفل رضيع ليحنِّكه على عادة أهل المدينة المنورة، عندما يولد لهم مولود يأتون به إلى رسول الله فيمضغ شيئاً من عجوة المدينة ويضع من ريقه الشريف في فم هذا الطفل، جيء للنبي صلى الله عليه وسلم بطفل رضيع ليُحنِّكهُ فوُضِعَ في حِجرِ النبي فبال عليه، مَنْ؟ الطفل، فبال عليه الطفل فنضحه تتمة الحديث، هذا الرجل أعاد الضمير على رسول الله، (بال الرسول عليه)، انظروا إلى أي درجة، يأخذ علمه من الكتب.
 
ومن أخذ العلوم بغير شيخٍ
يضلُ عن الصراطِ المستقيمِ
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
 
فيا أيها الأخوة.. نحن الآن في عصر كثرت فيه المدارس والمعاهد والكليات والجامعات، لكن أين العلماء؟ يموت العالم لا يخلفه أحد! وهذا أيضاً من علامات الساعة، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه البخاري: "إن من أشراط الساعة –علامات الساعة- أن يتقارب الزمان، تُمْحق بركة العمر، السنة تصبح كالشهر، والشهر كالأسبوع، ويثبت الجهل ويقلَّ العلم" علوم الشريعة، رسول الله يتحدث عن علوم الدين، علوم الكون والعلوم العصرية في تقدم وازدهار، قال ويقلُّ العلمُ ويثبت الجهل، وتكثر الزلازل ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل.. القتل، كأن رسول الله يعيش في زماننا ويتحدث عما نراه ونلمحه.
 
يا أيها الأخوة علينا أن نرجع إلى هذا الدين، الله أكرمنا بهذا الدين العظيم، والعلماء هم ورثة الأنبياء، إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثُوا درهماً ولا ديناراً، إنما وَرَّثُوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظٍ وافر، نحن بحاجة إلى العالِم الربَّاني، الذي يقف ويقول كلمته جريئة صريحة، كما دخل السجن لأنه صرَّح بكلام لم يعجب بعض الناس، وبعض الحكّام، دخل السجن لكن الله نجاه منه، وأكرمني الله عزّ وجل، مرة تهجمتُ على وزير التربية دخلنا مع مجموعة من العلماء.. في عهد الانفصال بين سوريا ومصر، وزير التربية أراد أن يعيد مائتين وخمسين أستاذاً شيوعياً إلى المدارس، كانوا من قبل رُفِعوا من المدارس ونُقِلوا إلى وظائف فدخل العلماء وكنتُ أصغرهم وتكلموا مع الوزير أنه لا ينبغي أن يكون هؤلاء يخربون عقائد أبنائنا كذا.. فوقف كبار العلماء دخل إليه، قال يا جماعة اتركونا نشتغل نعمل، (كل ما دق الكوز في الجرة تطلعون على المنابر) يا رجال الدين وتتكلمون، أنا أصغرهم سناً، لما وجدته ركبَ رأسه قلت له: نحن ما جئنا نرجوكَ رجاءً إنما جئنا لنبلغك رغبة الشعب، هذا الأمر لا يمكن أن يتم، لكم الغُنم وعلينا الغُرم، لما كنا نتحدث (فيُسَرَّح) الواحد أن يُسجن ما وجدنا لكم نشاطاً، أراد أن يتخلص مني فأوعز إلى بعض المسؤولين أن خذوه.. ابعثوه، كان في بعثة إلى السعودية فكان ذلك رحمة من الله بي، حتى أخدم الشريعة.
 
نسأل الله أن يردنا إلى ديننا وأن نعتصم بعلمائنا، وأن نفخر بهؤلاء الأماجد الذين أصبحوا يُعَدون على الأصابع، نسأل الله أن يبارك لنا ولكم فيما وهبنا الله من العلم والعمل، وأختم كلامي بما قاله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فَفُز بعلمٍ تعش حياً به أبداً، الناس موتى وأهل العلم أحياءُ" وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.
 
عريف الحفل: شكراً لفضيلة الشيخ، حضورنا الكرام نريد أن ننوه برجاء تفضلكم للحضور في الاثنينية القادمة وما بعدها في تمام الساعة الثامنة والنصف حتى نبدأ مبكراً وخصوصاً أن بعض أساتذتنا الكرام يشرفوننا بالحضور من مكة المكرمة، وبعد الأمسية يعودون إليها متأخرين، ونريد لكم ولهم أن تكونوا على خير ما نتمناه من راحة وكريم اتصال وتواصل.
 
الآن جاء دور وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية بجامعة دمشق الدكتور بديع السّيد اللحام رفيق درب فضيلة ضيفنا الكريم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :711  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 30 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.