شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور عبد القادر طاش رئيس تحرير "البلاد"))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أحييكم أولاً بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأشارك مضيف هذه الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه والأخوة الأفاضل في الترحيب بضيفنا الكريم الدكتور محمد عمارة، فمرحباً به وأهلاً وسهلاً ضيفاً عزيزاً وحبيباً إلينا جميعاً في هذه الأمسية الطيبة المباركة. ولقد تعرفت إلى الدكتور محمد عمارة قبل خمسةَ عشرَ عاماً تقريباً، كان ذلك في أحد مهرجانات الجنادرية في الرياض وذلك في منتصف الثمانينات الميلادية حيث كان مهرجان الجنادرية يسهم إسهاماً كبيراً في ذلك الحراك الفكري الذي تألق في تلك الفترة ولعلَّ الكثيرين يذكرون كثيراً من الحوارات التي كانت تتم في إبان ما أشار إليه الدكتور عبد الله مناع من هذه الصحوة الإسلامية وبداية فتيل كثيرٍ من المعارك والحوارات، وربما حتى الصراعات الفكرية التي كانت تتناطح في تلك الفترة التي أعتبرُها من الفترات الذهبية وبخاصة في مهرجانات الجنادرية في بداياتها الأولى.
وقد كان الدكتور محمد عمارة في ذلك المهرجان الذي تعرفتُ إليه فيه كان بحق نجماً من نجوم ذلك الملتقى الفكريِّ الذي تتصارعَ فيه الأفكارُ، وأتذكر جيداً بل أكاد أتخيلُ ذلك المشهدَ بعد انتهاء محاضرته التي ألقاها في الجنادرية وقد التفَّ حوله مجموعة من الشباب المتحمس يناقشونه ويلحون عليه في المناقشة إلى الحد الذي كنت أخشى عليه منهم حقيقةً، وقد كان في ذلك الوقت محسوباً على ما يسمى بالتيار العقلاني في الفكر الإسلامي المعاصر، وكان كثير من أولئك الشباب لم يستطيعوا استيعاب هذه النزعة التي أعتقد بأن الدكتور محمد عمارة كان أحد مؤسسي هذه النزعة وهذا الاتجاه في عقلنة الصحوة الإسلامية في تلك الفترة المهمة من فترات بزوغ هذه الصحوة الإسلامية، ومن ثم أعجبت بالدكتور محمد عمارة وأصبحت قارئاً متابعاً له ومستمعاً إلى محاضراته ومناظراته، ومشاهداً أيضاً في الفترة الأخيرة إلى كثير مما يشارك به في القنوات الفضائيةِ العربيةِ، وقد كان لي أيضاً شرف دعوته للمشاركة معنا في الكتابة في جريدة "المسلمون"، ثم كذلك في المشاركة في قناة "إقرأ" الفضائية وقد كان أحد أهم أعمدة الفكر المستنير الذي كنا نحاول تقديمه من خلال هذه القناة وبرامجها المتنوعة.
الدكتور محمد عمارة كما ذكر الأخوة الأفاضل قبلي، مفكرٌ متنوعُ الاهتماماتِ، وصاحب مشروع فكري يصعب على المرء أن يخوض في جميع تفاصيل مشروعه الفكري، وما أنا إلا قارئ متابع ومعجب، ولذلك اسمحوا لي أن أركز على ملمح أعتقد بأنه من أهم ملامح الشخصية الفكرية للدكتور محمد عمارة. وقد كتبت مرةً مقالاً وقلت فيه أو وصفت فيه الدكتور محمد عمارة بأنه المفكر المقاتل، أعتقد أنه نموذج حيٌّ للمفكر الذي يقاتل من أجل فكره، سخَّر طاقاته الفكرية المتميزة للدفاع عن الإسلام وعن مشروعه الحضاري وللرد على خصوم الإسلام، وتفنيد شبهاتهم وبيان تهافت منطقهم في الهجوم على الدين، ومحاولة النيل من تأثيره في النفوس، ومنذ أكثرَ من ربع قرن وهو يخوض غمار هذه المعركة دون أن يخفت صوتُه أو يسقط قلمه والحمد لله.
الدكتور محمد عمارة في هذه المعركة ردَّ على رموز عديدة ممن اشتبكوا مع الإسلام أو شككوا في مشروعه الحضاري، بدءاً بطه حسين، وعلي عبد الرازق، وسلامة موسى، ومروراً بحسين أحمد أمين، وحسن حنفي، وسعيد العشماوي، وانتهاءً بنصر حامد أبو زيد وجابر عصفور، وفَنّدَ الكثير من الشبهات التي كان يطلقها رموز العلمانيين والماركسيين في عدةِ دراسات رصينة من أمثال كتابه "سقوط الغلو العلماني" وكتابه "الإسلام بين التنوير والتزوير" وكتابه "التفسير الماركسي للإسلام".
والدكتور محمد عمارة لم يكتفِ أيضاً بأن يشتبك مع أولئك الذين أسماهم بخصوم الإسلام في الداخل، وإنما أيضاً تناول أطروحات المستشرقين ومَنْ يطلقون على أنفسهم لقب "خبراء الإسلام في الغرب"، ودرس بعناية أطروحات هؤلاء المستشرقين والخبراء وكشف للناس الكثير من عورات هذه الأطروحات، كذلك عرَّج على السياسيين والاستراتيجيين الذين يرون في الإسلام العدو الجديد للغرب، فبين سخف ما يروجون له. درس أيضاً بدأبِ الباحث المستقصي مخططات التنصير، وكشف لنا عن أهدافها وأساليبها في مجلد ضخم معروف لدى الكثيرين يعد في نظري أوسع دراسة عن التنصير صدرت باللغة العربية.
الدكتور محمد عمارة عندما يتناول خصوم الإسلام بالرد وتفنيد شبهاتهم ودعاويهم يصنّف هؤلاء الخصوم إلى فئتين رئيسيتين: الفئة التي هي الخصوم في الداخل، والفئة الأخرى هي الخصوم في الخارج، وهو أيضاً كما ردّ على المفكرين الذين يعادون الإسلام من منطلقات غير إسلامية، كذلك كان شديداً في مواجهته وفي نقده أيضاً لأولئك الذين ينتسبون للإسلام أو يتلبسون بلباس الإسلام، وهم إما ينطلقون من جمود في الفكر وإما من تشدد في النظرة إلى الدين، وكذلك كان قوياً وشديداً ضد أولئك المتطرفين الذين يغالون في الدين ويحاولون تصويره وكأنه عدو لمباهج الحياة، وطريقة الحياة التي تنقل المسلمين في وقتنا الحاضر من تخلفهم إلى تقدم وتطور. وكذلك كان قوياً وشديداً في ردوده وفي مواجهته لأولئك الذين ينتهجون منهج العنف والانقلاب والإرهاب ضد الكثير ممن يخالفونهم الرأي.
وأيضاً رد الدكتور عمارة على النخبة من المثقفين الذين يجهلون الإسلام وحضارته أو يعادونه تحت لافتة ما أطلق عليه "العمالة الحضارية للغرب" وهم أولئك الذين يريدون إلغاء هوية هذه الأمة. أما خصوم الإسلام في الخارج الذين رد عليهم الدكتور محمد عمارة كما ذكرتُ قبل قليل، المفكرون والاستراتيجيون في الغرب وفي إسرائيل، وفي الدوائر السياسية والعلمية، في أوروبا وأمريكا، ورد على المنصِّرين ورد على المستشرقين، ويصف هؤلاء بأنهم أشد ضراوة على المسلمين وعلى الإسلام، لأنهم أشد وأعمق علماً وهم يجسدون في مجموعهم ما يسمى بالمشروع الغربي الذي يسعى إلى نفي المشروع الحضاري الإسلامي.
ولا شك أن هذه النظرة إلى الآخر، وهذا التركيز على التعامل مع الآخر، يفرق بين تصنيفات متعددة لهذا الآخر، فهو لا ينفيهم ولكنه يحاورهم، وأعتقد بأن هذه هي الميزة الكبيرة للمشروع الفكري للدكتور محمد عمارة، أنه يحاور كل هؤلاء ويركز في حواره على هؤلاء الخصوم سواء كانوا من أبناء جلدتنا أو ممن لا ينتسبون إلى الإسلام ولا يعتنقون دين الإسلام. والمتتبع لردود الدكتور عمارة ومحاوراته ومناظراته العديدة مع هؤلاء الخصوم جميعاً يجد فيها العمق الفكري والتناول المنطقي المقنع، ويجد كذلك المتعة الذهنية العالية، والتي يستمتع بها القارئ والمستمع أيضاً إلى منطق وإلى نبرة الدكتور محمد عمارة عندما يستمع إليه في محاضرة أو يستمع إليه في مناظرة أو يشاهده أيضاً في بعض ما يشارك به في القنوات الفضائية، وهذه ميزات قلَّ أن نجدها فيمن يتصدون للرد على خصوم الإسلام. كثيراً ما نجد أن الردود تتسم بتناولٍ عاطفي أو تناولٍ سطحي، ومحاولة للتقليل من شأن الآخر دون أن يعتمد هذا الرد على المنطق وعلى التفنيد الصحيح الذي يمكن من خلاله أن يكون نِداً لهذا الآخر.
الدكتور عمارة لا يدخل معركة مع خصم إلا بعد أن يتسلح بالمعرفة الدقيقة بمقولات الخصم، فهو عندما أراد أن يرد على المستشار سعيد العشماوي قرأ وحلَّل جميع كتبه، وكذلك فعل مع نصر حامد أبو زيد، ولذلك فقد أصابهما في مقتل، وهكذا ينبغي أن يكون المنافحون عن الإسلام، وهكذا ينبغي أن يكون المدافعون عن المشروع الحضاري للإسلام، وهكذا ينبغي أن يكون سلاحهم، سلاح العلم والمعرفة، وسلاح المنطق والبرهان، لأن الإسلام ليس عاجزاً أبداً عن الرد على خصومه بل إن خصومَه هم العاجزون كما يقول الدكتور محمد عمارة. شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :860  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.