شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > سلسلة الاثنينية > الجزء الخامس عشر (سلسلة الاثنينية) > حفل تكريم المستشار محمد سيد أحمد التهامي (اثنينية - 198) > آخر أبيات قالها الشاعر المصري الراحل محمود غنيم [يقرأُها الضيف الكريم، ثم متابعة الحوار].
 
هذه آخر أبيات قالها الشاعر محمود غنيم.. وبعد محمود غنيم رحل كثيرون في مصر وفي غير مصر من الشعراء الكبار الأصلاء.. رحيل شاعر:
وفـيّ تـكاليف الحـياة
وقـضى ولـم يبلغ مناه .
وشـكا طـويلاً ظـلمه
وأرتـاح أن ألقـى عصاه
كـم دعـوة عـن شعره
سكتت وكـانت مشتهاه
وكـأنما العـمر المـديد
مضـى ولم يبـلغ مـداه
في سـاحة الشعر المضيء
بشـعره الغـالي قضـاه
وأرتـد مبـهور المشاعر
بالـذي صـنعت يـداه
مترقباً أن يملأ الدنيا
ويسعدها صداه
فإذا بـه وكـأن لا عقل
ولا قـــلب وعــاه
غـطى عـليه النـاشرون
ولاذ بالصـمت الـرواه
حبسـوه لم تـسمع بـه
أذن ولـم تنـطق شفاه
والفـن مهـما كــان
محمول على كـف الدعاه
فالمســك إن تحبســه
كيف يعطر الدنـيا شذاه؟
والمـاس.. وهو الماس
مـن في قاع منجمه رآه؟
ودعـاتنا للشعر عقلهمو
عـن التــمييز تــاه
فـرضوا عــلى الـكيل
المعـذب مـا سيفقده نؤاه
وكــأنهم مـستأجرون
لنـشر مــا فيــه أذاه
يتخيرون الغث كـل الغث
لا شـــيئاً ســـواه
ويمـجدون التـــافهين
وكــل أعـداء الحيـاه
المــنتمين لــــغيرنا
الجــالبين لــنا إلــه
والعــابثين بـــعقلنا
وكـأنهم فـينا حــواه
والـواثبين على المكاسب
كالـذئاب عــلى الشياه
فتـــراهم كــل يجـر
إلــى فـريسته أخــاه
باسـم المبـادئ ينـهبون
ويـصبحون مـن السراه
الــكاتبون الـشاعرون
وإن شكوت هـم القضاه
ولو احتكمت إلى المبـادئ
كـان كلــهم عـصاه
وقـضى اليمين مع اليسار
بـفضلهم لـفظ الـنواه
زمـر تجـمع شمــلهم
ليـزيد جمــعهم قـواه
للـبعض مـقصده الخبيء
وبعـضهم ضلت خطاه
لـكن حــزبهم يـعين
عــلى عـروبته عِـداه
مـاذا يُجمع صفنا العربي
إن ضــاعت لُــغاه؟
مـن قـال إنَّ جـديدنا
كـره القـديم أو ازدراه؟
ومـشى عليه ولم يـدع
ســطراً بـه إلا محــاه
إن الجـديد هـو القـديم
تـوثبت فيــه الحــياه
مـنه الـرعاية والسـقاية
والخصــوبة والنــواه
ولو اتـبعت خطا بناة المجد
فــي صـدق واتجــاه
لـوجدت أن جــديدهم
يـــدعو قـديمهم أبـاه
يـتوحد الإثنـان في كـل
تـــوحـد مـــبتغاه
فنـسيجهم مـن ذاك لحمته
ومـن هــذا سُــداه
وإذا انـطلاقات الجـديد
تـنكبت ســبل الهـداه
كـأن الـقديم لــديـه
يـدفعه إلى شـط النـجاه
أمـا لـدينا يـا صـديق
فــفوق عــالمنـا تجاه
فيـــه غـبار معـارك
كــثر فـوارسها عــتاه
الحــقد أشـعل نــارها
فـكوى حـضارتنا لـظاه
تـرمي شـراراً لم يــدع
مــن نــابغ إلا رمـاه
وبجــنح هـذا اللــيل
يخـتلط الـبرئ مـع الجناه
ويـضيع في القـدم الطريق
بمــــبتداه ومــنتهاه
ولــدى الظـلام نـبيع
نـادرة الجـواهر بالحـصاه
ويــذاع شـعر مـيت
لو أنصـف الـراوي طـواه
ويـظل شـعرك يا صديق
لــدى خــزائنه حـياه
 
- الأخ عجلان الشهري يقول: يكاد المتحدثون هذه الليلة أن يتفقوا بأن الأدب العربي شعراً وفكراً ونثراً في هبوط مخيف، وفي ذلك ما يشكل خطورة تخشى نتائجها على جميع الأصعدة هل من مبشرات نسمعها من سعادتكم؟ وهل من خطط وبرامج للمستقبل من أهل الأدب والفكر أم أن الرموز من أمثالكم لا سمح الله قد وصلوا إلى مرحلة اليأس والرضى بالواقع المر؟
أولاً ما قيل الآن وما حاولت أن أشرحه هو أن المعركة قائمة، والمعركة شديدة وإحساسك هذا الذي يتجلى بالسؤال وإحساس بعض المعقبين إنما هو دليل على الشعور الحي والإحساس النابض الذي يحس مرارة جراح المعركة، ولكن أظننا اتفقنا على أن النصر آت لا ريب فيه سواء كان سريعاً أو غير سريع، وكما قلت كل منا في مجاله وفي ميدانه يعمل ما يستطيع وليس كل ما يدور في هذه المعارك ينشر ويعرف، ولكننا نناضل وعزاؤنا إيماننا وأن الله معنا.
- السؤال من الكاتب خالد أسعد إلى شاعرنا الكبير مقاماً وقدراً ومكانة: صرخة حواء عندما قتل ولدها أخاه كانت الرواية والقصيدة الأولى للشعوب وهي أول ريادة للقصيدة في فكر كل الشعوب، فهل ولدت القصيدة صارخة باكية لتبقى رمزاً لاحتجاج الشعراء في سبيلهم لتحقيق روافد المدينة الفاضلة؟ أو المجتمع الفاضل؟ إن جاز التعبير، أم لشاعر القومية العربية والإسلامية الكبير رؤية خاصة تنبع من وجدانه الفياض وتجاربه المتنوعة؟
شكراً على صياغة السؤال، سؤال مصاغ في منتهى الفن، الشعر والقصيدة كما ورد هي تعبير عن تجربة معاشة، إما عاشها الشاعر فعلاً واكتوى بها، إما سمع عنها أو قرأ ثم تواتر السماع والقراءة حتى تكون في أعماق الشاعر ركاماً كبيراً من حصاد التجارب، وتصبح صرخته تعبيراً عن التجارب المتراكمة في أعماقه، وأنا بالنسبة لي القاعدة العامة التجارب ليست كلها لون واحد، ولا نوع واحد، والتعبير الصادق يعبر عن التجربة أياً كانت، لكن صدقني أنا أميل إلى تبني رأيك، لماذا؟ لأن الشاعر الموهوب فعلاً يحمل هموم العصر، هموم الإنسان وقضاياه، وسيظل يحمل هذه الهموم ويتطلع إلى المستقبل والخلاص منها، ويبدو أنها لا تخلص، وسيظل على قلقه ويستمر في صرخاته، هل تعتقد أن الدنيا كلها بأحاسيسها وتجاربها خالية من الأفراح وخالية ممن يغني عن السعادة فيها؟ لا.. هو موجود، لكن الجانب العام والأكثر هو الشاعر الذي يحمل هموم البشر، ويحلم بالخلاص، هو الذي سيظل يصرخ، وأنا الآن طلب مني أستاذي الجليل الكبير الذي قصرت فعلاً في هذه الليلة أن أفيه بعض حقه الدكتور اليماني ولعله يعذرني حقيقة لأني لو قضيت الليل أتحدث عنه لما وفيته الحق فعلاً، وحسبي أن أقول له إني وأنا أكلِّم تليفونياً السيد السفير محمد عباس بالأمس وأقول له أنا كنت مع فلان.. فقال لي على الفور باللهجة المصرية يا أخي الراجل دا غريب. قلت له ليه؟ قال إنت تحس وأنت تكلمه إن كل كلمة تخرج من فمه جزء من قلبه.. يعني الصدق والحساسية كلها من الأعماق لذلك أنا أستأذنه دقيقة قبل الأبيات التي طلبها وهي أبيات عزيزة علي جداً، أن أقول أبيات لابني لأنه أنا ابني الوحيد، ليست محتاجاً أن أقول إني أحبه، وقد طلبته اليوم تليفونياً وطلبت منه أن يكلمني فلم يكلمني، فأثار في نفسي ذكرى أول قصيدة قلتها حينما كان طفلاً صغيراً، وأنا عارف أن غالبيتنا آباء ونقدر هذا الإحساس، قلت:
أنـا قـادم لـك يـا بُـني
وحــق طُـهرك لا تنـم
لا تحــرمنَّ أبــاك مـن
فـمك الـشهي إذا ابتسـم
حَــلواك تـلك أضـمها
فـي لهــفة بـيديَّ ضَـم
أســعى إليــك وكـل
خـافقة بجــنبي تضـطرم
فلعــلني ألقـى صيـاحك
يمــلأ الـدنيـــا نغـم
فأطــير مــن فــرحي
وأنسى الهم، أنسى كـل هم
فـلكم تـعبتُ وكم شقيتُ
وكـم شـبعتُ مـن الألم
وعـلى نِــداك الحــلو
تــرتاح الجـراح وتـلتئم
عـلمتني حـباً حـلمت به
وكــم عــز الحــلم
قــضيتُ عـمري أبـتغيه
ولــم أصـب إلا النـدم
كـم ذقـتُ فيه من العذاب
وكم صبرتُ وكم.. وكم
وتبـعته حتى يئستُ وقلتُ:
إن الحــــب وهـــم
ثـم استمعتُ إليـك تدعوني
وتــلثغ فــي الكَــلِم
فـــإذا بــأبلغ نـاثـر
وإذا بــأبلغ مــن نـظم
جـاوزتَ مـا نـطق اللسان
وفُـقتَ مـا كـتب القـلم
وســكت عــن عـي
ولـكن فـؤادك قـد تكلم
فــفي الحـديث المـشتـ
ــهى مـن كــل فـم
والحـب عنــدك آيــة
مـن صنـع وهـاب النـعم
فيـه مـن الرحمن من فردوسه
فــردوسه الأعـلى نـسم
وتـروح تحــكي لــي
حـكايات النـهار المنـصرم
وتـعثر الكلمات في فـمك
الشـــهي المبتــــسم
نــغم عــلى ســمعي
أتـدري يـا حياتي ما النغم؟
شـيء تـدور لـه الـرؤوس
وتســتريح وتنســجم
وتهـم لا تقــوى خـطاك
عــلى المـسـير المنتـظم
وتـروح تــعثر بالأثـاث
تحــيد عــنه وتـصطدم
وفـرشت قـلبي كـي تسير
تــدوس فيـــه بـالقدم
أقسـمت أنـك لـو فـعلت
لمــا وجـدت لــه ألـم
 
طبعاً هذا جزء من القصيدة.. القصيدة التي شرفني الأستاذ الجليل بطلبها تدور حول شخصية عربية إسلامية من وجهة نظري مثالية، أعدها مثلاً أعلى في كل ما يمكن أن يصل إليه إنسان مكافح، هي شخصية سيدنا الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه، هو رجل آمن بحق ثم أصر على أن يحصل على الحق، مع نقص أدائه، فلم يقعده هذا عن طلب الحق، بل خرج في نفر ليواجه جحفلاً وكانت النهاية معروفة، وحاول الكثيرون، إثناءه ولكنه لم يرجع، هو لم يرجع لحكمة، لكي يظل مثلاً للمكافحين الذين يرون أمام أعينهم كيف يضيع حقهم وينامون، قلت في مشهد الإمام الحسين بالقاهرة:
الـنور حولك مشرق يتدفق
يا قبر هل صم الحجارة تشرق
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :490  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.