شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الضيف الكريم سعادة المستشار محمد التهامي ))
- بسم الله الرحمن الرحيم.
سعادة الشيخ عبد المقصود خوجة صاحب الاثنينية الكريم، سعادة الدكتور محمد عبده يماني، سعادة السفير محمد عباس، فضيلة الشيخ محمد بدر الدين، سيادة الدكتور الحارثي، الأستاذ الكبير عبد الفتاح أبو مدين، الدكتور صابر عبد الدائم، ثم طيف الأستاذ راضي صدوق الذي أكاد أراه حاضراً معنا، أيها السادة الأجلاء، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي قيض لي هذا اللقاء الكريم في هذا المكان الكريم مع صفوة من كبار الكرماء متحدثين ومستمعين، وصدقوني أيها السادة، أن هذه المكرمة تجاوزت أحلامي وفاقت كل ما كان تتسع له طاقتي البشرية من أمل لكنها نفحة رضاء سماوية قيضت ذلك الرجل الكبير سعادة الشيخ عبد المقصود خوجة ليدعوني إلى الاثنينية الجليلة، وقيضت هذه الباقة الرائعة من الأساتذة والعلماء، قيضتهم لي ليقدموني ثم قيضت أيضاً هذه الصفوة ليستمعوا إليَّ فماذا يكون منتهى الحلم إن لم يكن هذا!! وماذا تكون غاية السعادة إن لم تكن هذه، فحمداً لك يا رب ألف حمد.
إنه مما يضاعف هذه المكرمة أنها تأتي في وقت -كما سمعنا الآن من الكثيرين- عصيب بالنسبة للشعر العربي الأصيل.. ولذلك وجب علينا أن نضاعف الشكر للإثنينية التي هي تاج المنتديات الأدبية في كل البلاد العربية والإسلامية، لماذا؟ لأنها كما نرى ونسمع ونلمس تشق طريقها شامخة ثابتة القدمين منذ نشأتها، واضعة بصماتها المضيئة في طريق الثقافة العربية والإسلامية علماً وأدباً نثراً وشعراً، وميزتها أنها تختار وأنها تحسن الاختيار، وأن الله سبحانه وتعالى معها دائماً يوفقها في اختيارها، ثم هي بعد أن تختار تبذل كل ما تستطيع من ذات نفسها ليصبح ذلك الإبداع الثقافي الذي تتبناه عنصراً فعالاً ومؤثراً كبيراً في الحركة الثقافية العامة، فهي تبحث عن البذرة وتغرسها، وترعاها، حتى تصبح شجرة، ثم هي تتابع هذه الشجرة وتتولاها حتى تؤتي الثمرة، تفعل كل ذلك بصدق وإتقان، وحرص وتفانٍ، ومتابعة وكل همها أن ينجح العمل بعيداً عن كثرة الدعاية والإعلان، لأنها تعرف أن النجاح نفسه هو أحسن دعاية وإعلان.
وتجنباً للإطالة لأني تشرفت بالمجئ شاعراً، ولكن اسمحوا لي في كليمات أن أجتزئ بجانب واحد لمعنى كبير لمسته فيما تلقيته من مراسلات وإهداءات من سعادة الشيخ عبد المقصود خوجة، وهو أن هذا الرجل يؤمن إيماناً كبيراً جداً برسالة الاثنينية ويؤدي أعمالها كفرض واجب، ثم إن هذا الأداء ينطلق في جو من الحب العميق الصادق لهذا العمل، فكل حرف يكتبه تحس فيه بكثير من الاعتزاز والإيمان والرغبة الشديدة في تحقيق الهدف، وهو بإيمانه هذا وحبه وتوفيق الله سبحانه وتعالى له قادر على التأثير في الناس لتحقيق رسالة الاثنينية، وإن المتأمل في شخصيته يدرك حقيقة أنه لو عاش تحت أي ظرف من الظروف وفي أي زمان أو أي مكان لأنشأ الاثنينية ورعاها حتى تحقق أهدافها.. رعاها الله ورعاه معها.
أما السادة الكبار الكرام الذين تفضلوا بتقديمي فما أظنني مستطيع أبداً أبداً أن أكافئهم بعض ما يستحقون من شكر وإكبار.. وأرجو أن يقبلوا عجزي عن التعبير عن شكرهم حتى يتيحوا الفرصة لبعض ما يمكن أن ألقيه من شعر، ولكن الذي لفت نظري أن هناك قضايا في التقديم على جانب كبير من الأهمية أثيرت، الأستاذ الحارثي قال عن الشاعر إنه عاش واضطرب في حياته مع موجات القومية والوطنية والإسلامية وما إليها، وشرح ذلك يا سيدي أنها الفطرة التي تحدث عنها الدكتور اليماني، إن الوطنية والعروبة والإسلام شيء واحد ودوائر تدور كلها حول بعضها الآخر، لا تتناقض ولا تتقاطع ولا تضطرب ولا تحيد، إنما يمسكها الإيمان والذي يدعو لاضطراب العلاقة بين هذه الدوائر هو إنسان ناقص الإيمان، والشاعر لم يضطرب مع موجات القومية العربية، ولكنه سبقها لأن الشاعر والفنان بحدسه وموهبته يرى البعيد، ويسبق الزمن ويصور الخيال ويدنيه للواقع ويحبب الناس فيه، ثم يدفعهم إلى الحركة لتحقيقه، الشاعر قال في القومية العربية قبل أن تصبح القومية العربية جزءاً في دساتير الدول العربية في عام 1950م كنا صبياناً نزور البلاد العربية في وفد لجمعية الشبان المسلمين، وفي حلب الأستاذ سامي الكيالي أمين المكتبة أقام لنا حفلة، وكانت قصيدتي فيه سنة 1950م مطلعها:
يا حادي الركب قد أبلغتنا حلباً
ألـق الزمام فـقد أبلغتنا الأربا
هـذي مـعالمها هزت جوانحنا
فأجنح إليها وقبّل أرضها طربا
يا دار إنـا بنوك منذ ما حملت
طيات أرضك أجداداً لنـا عربا
 
هو الشاعر الذي قام عندما أعلنت الوحدة العربية بين سوريا ومصر ونُشر يومها أن دهاقنة اليهود في إسرائيل بدأوا يحزمون أمتعتهم كان مطلع قصيدتي في العيد الأول للوحدة:
تعـالوا نـذكر النـصر
ونسعد مـرة أخـرى
ونـرجع ذكـره الغالي
فقـد طابت لنا الذكرى
ونـذكر حـينما ثـرنا
وأطـلعنا لنـا فـجرا
وحين صحت لنا الدنيا
وصـرنا الدولة الكبرى
 
القضية الثانية التي أثارها الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين معركة الشعر، أنا قلت وقلت الآن مما يذكر بكثير جداً من الاعتداد، ويشكر بكثير جداً من الصدق والعمق للإثنينية أنها اختارت هذا الوقت بالذات لتكريم هذا الشعر، هذا الشعر الذي حصل سنة 1991م من الدولة على الجائزة التقديرية من الدولة على الأدب والشعر تكاد تنحسر عنه الآن الأضواء ويحاربه الكثيرون من المفتونين، والذين يجرون وراء المكاسب، ويتغافل عنه الأعلام ولكن كما قال الأستاذ عبد الفتاح في نفس الكلمة وفي آخرها إن هذه غاشية ستنحسر، وأن النصر للصدق، وأن الصدق في الشعر الأصيل.
القصيدة التي أثارها الدكتور بدر الدين أرد عليها بنماذج من الشعر الذي ألقي، لأنه نحن حينما كنا شباباً وكنا نتبادل ونتجاذب الشعر في الندوات وفي غير الندوات قلت أنا في شعره كما قال هو اليوم لي:
كالـريح شـعرك ثـار
يـا شـاعراً لا يبـارى
إن رق كـان نسـيماً
يسري كهمس العذارى
أو جـد كـان رياحاً
تجـري تهـز الـديارا
أو ثـار كـان انطلاقاً
كالهـوج يرمي الشرارا
جمـعت كـل المعـاني
وكـنت نـوراً ونارا
 
أما قصيدته الأخرى فسيأتي دورها لاحقاً، ولا أطيل عليكم فلن ألقي قصائد كاملة وإنما سألقي أجزاء من قصائد وأستميحكم عذراً حتى نكسب الوقت.
في روعة الملتقى.. هذه قصيدة قيلت في أول زيارة لي للمملكة بعد انقطاع طويل جداً:
قد راعـني أن المـنى تـتدفق
والحـلم بـعد مشيبه يتـحقق
يسقي جفاف الروح بين جوانحي
فـتزيح أسـقام السنين وتورق
من فجر هذا العمر وهي رهـينة
فـي خـاطري لهـفاته تتشوق
حـتى أهاب بها اللقاء فأسرعت
كبـداً إلى كـبد تحن وتلصق
وتـصالح الدنيا وقد لمع الندى
وجـرى بدمع سرورها يترقرق
وتخـف للأفـق القريب تروده
لتـرد أنفـاساً بهــا تتعـلق
ويهزها نفس العرار وقد سرى
في كل نـاحية يفـوح ويعبق
وتـلامس الكثبان توقظ سرها
والـرمل في يدها يبوح وينطق
يحـكي عـن المكنون من أمجاده
خـلف الـزمان مضمخ ومعتق
 
يكفي من هذه القصيدة هذا المطلع، وأقف عنده لأقول كلمة قصيرة، يبدو الحنين والشوق والتعلق وأنا -وأقسم بالله- لا أفتعل أي شيء افتعالاً ولكنها الفطرة الكامنة التي سقتها البيئة، أنا كان والدي رحمه الله شيخاً يقرأ ويعمل في زراعة الأرض، ولكنه كان مغرماً بالقراءة إلى حد كبير جداً.. كان يقرأ، وكانت بضاعته الكتاب الكريم ودلائل الخيرات والسيرة وبعض كتب التراث، وأنا أنجبني والدي وهو شيخ كبير، وحينما كنت طفلاً صغيراً في الكتاب لا أكاد أقرأ ضعف بصره، وكان يحملني حملاً بمختلف الوسائل على أن أقضي الليل أغلبه أقرأ له وهو يسمع، وكان من أهم ما يشغف به سيرة عنترة بن شداد، وكان يحتفظ بها في خمسين جزء، وكانت تحتوي على شعر عنترة كله وشعر عمرو بن الورد، وكان يرغمني على أن أقرأه له مرة ومرتين وثلاثة وأربعة وخمسة حتى عشت بكل كياني وكل عذرية طفولتي عشت حياة حميمة جداً ولصيقة جداً كنت أعيش مع عنتر، ومع شيبوب ومع ابن الورد، ومع شداد بن القراد، ومع دريد بن الصمة، ومع كل هؤلاء الأبطال كنت أعايشهم وأتخيلهم أهلي، وأعيش بينهم فلما شببت عن الطوق وقلت هذا الشعر لا أقوله الآن للناس الذين يعيشون، ولكن أقوله تعبيراً للحقيقة الكامنة في نفسي.
من قصيدة لي طلب مني أحد السادة الحاضرين الآن قبل أن نجلس أن ألقيها وهذه القصيدة أنالا أسأم أبداً من إلقائها وأكررها في كثير من الأماكن لأني أعدها عبادة، أعد قول الشعر في هذا الموضوع عبادة لأنها مناجاة للقدس الشريف، القدس ثالث الحرمين وثاني القبلتين، القدس الذي يواجه الآن تحت أبصار وأسماع مليار مسلم يواجه محنة الهدم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :555  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.