شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتور عبد المحسن بن سعد الرويشد))
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. إنه لشرف كبير أن أتلقى من الرجل النبيل راعي هذه الحفل ومن الاقتصادي الفذ الدكتور محمد سالم سرور الصبان هذه الدعوة الكريمة للاشتراك في الاحتفال بشخصية مرموقة تنازع الفخر بها، أخلاق سامية ووطنية حقة وإسهامات لا تخطئها العين على صعيد الوطن في جانبها التحضري وفي جانب إشاعة الخير والبر وأنماط الفضيلة بين طبقاته حتى أصبحت كجبل الجليد ما يفي منها أكثر مما يبدو، ويهمني في هذه العجالة أن أنوه أنني كما يبدو لست من جيل هذا الرجل الكبير ولم تكن معلوماتي قادمة من كتب كتبت عنه، أو له وإنما أخذت ذلك مباشرة من والدي الذي كانت تربطه به صداقة وثيقة منذ أن التقيا في ديوان جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، حيث كان والدي يعمل أحد رجالات هذا الديوان على مدى أربعين عاماً إلى أن توفي الملك عبد العزيز طيب الله ثراه في العام 1373هـ واستمرت هذه المعرفة وثيقة حتى توفي شيخنا الجليل ثم بقي والدي على ذكراه ذاكراً له أنماط تجاربه في الحياة، وأخلاقياته الفاضلة حتى توفي والدي منذ ما يقارب الشهرين من اليوم (رحمه الله) ورحم الجميع وجعل قبورهم رياضاً من رياض الجنة، ويهمني في هذا الوضع مما قرأته أو سمعته أن أنوه بأن هذا الرجل الذي مر بتجارب عديدة أديباً كبيراً، ومؤرخاً ومصلحاً اجتماعياً ثم وزيراً من وزراء الدولة، حمل في ذلك الوقت أهم حقائب تشكيلها الوزاري بعد الملك وولي عهده ووزراء السيادة فيها، وهي وزارة المالية والاقتصاد الوطني ثم صار في مركز مرموق أسمى، أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، وهذا تاريخ لوحده ربما نتطرق إليه في هذه العجالة، ويهمنا في هذه الرحلة الكبيرة لهذا الرجل والمراحل التي مر بها أن نؤكد حقيقة تختصر هذا العمر وهذا الإنجاز، وهي قوة مكارم الأخلاقيات في سلوك الرجل، كان باهراً ومهيباً ومحتشماً في مراحل حياته كلها، كان متذرعاً صبر الكرام على الأذى، إن الكرام مشاغل السفهاء، هذا الرجل أكد القضية الأخلاقية عندما نظر الناس ومازالوا إلى الآن يرون فيها ترفاً وشيئاً زائداً، بينما مكارم الأخلاق ركيزة لا يمكن أن تقوى بها أمة ولا تؤسس بها بلد ولا ينسجم بيت ولا تنتظم تجارة إلا إذا كانت على أساس أخلاقي كامل تحف به قيم الإنسان كلها، بالإضافة إلى ما استكتب من الدين من هذا الجيل ويكفينا تحت مظلة الإسلام أن نعلم أن رسولنا عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم اختصر هذا النور الذي جاء به، وقال ما جئت إلا لأتمم مكارم الأخلاق ووصفه الله تعالى بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ]القلم: 4[، وما وزن الإنسان في أعماله وزناً أكثر من مكارم الأخلاق، وما قرب أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، والحقيقة بازغة في العصور كلها منذ خلقت الخليقة إلى اليوم.
فصلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوّم النفس بالأخلاق تستقم.
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا
 
هذا هو القياس الذي يختصر فيه الرجل. نسعد في هذه الأمسية أن نحيي هذه الركيزة التي كادت تخبو أو تقل مع أنها ضرورة للحياة، ضرورة لعمران الدولة وتقدمها ووضع مكانها الصحيح نحو الحضارة والتقدم، هذا هو المقياس الصحيح لهذه الأمور ونظلم الحقيقة والرجل معاً إذا اعتقدنا أن الرجل كان مؤرخاً وأديباً ومسؤولاً حكومياً بارزاً وموظفاً أممياً كبيراً أسهم مع الرئيس (سيكو تورى) في إدخال ملايين الأفارقة للإسلام في واقعة يجب أن تسجل بمداد من ذهب على صفحات من نور، ملايين الأشخاص كان الرئيس سيكو تورى صاحب صولة كبرى وإنجاز كبير، وكان الشيخ محمد سرور رافداً كاملاً وتاماً لهذه المهمة المقدسة، التي هي ميراث الأنبياء والرسل والمصلحين في وضع الناس على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. نظلم الرجل إذا قلنا إنه هذا فقط، فقد كان مصلحاً اجتماعياً كبيراً، لأنه عرف وللوهلة الأولى مع التئام المملكة العربية السعودية في وحدة شاملة لجزيرة العرب تطل على الشام ووردها وتتكئ على اليمنيين وتهاماتها، ومن الخليج حتى البحر وتنام وتضع بين يديها أكبر مخزون روحي في الكون كله في غربها وهو بيت الله الحرام ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم، وتنام في شرقها على أكبر مخزون مادي في العالم كله، لم تكن بحاجة بعد حركة التوحيد والالتمام أكثر من دحر الجهل وإقامة العلم، وقد أسهم الرجل إسهاماً كبيراً في هذا المجال، كما أسهم في التنوير العام بكامله واحتضن طلبة العلم وأساتذته، وكان رافداً خفياً لإطلاق شرارة العلم ليرتقي شبابه لنهضتها بعد وحدتها الكاملة، ويعلم ويدرك كما أدرك المصلحون أن الجهل هو طاعون الشعوب وأنه باب الاستعمار وأنه مطية الشيطان وأنه أساس الخراب والدمار، الجهل كان هو المسؤول الأول والأخير عن حماقات التاريخ كلها منذ قتل هابيل لقابيل إلى العربدة التي يمارسها النظام السوري في أروقة التاريخ السوري والتاريخ العربي والتاريخ الإسلامي والتاريخ الإنساني كله، وكما وصفهم ذلك الشاعر العراقي النابه فقال:
وراقت من العرب الكرام عصابة
أشد على الرحمن من عابد الشعرى
قد غلف الشيطان أعلاق قلبها
وألبسها الإلحاد أثوابه حمراء
فكانت لإسرائيل سلماً ومأمناً
وكانت على الإسلام أنقرها صدرا
وصالت على شعث اليتامى تحيلهم
سبايا عليها أن تجوع وأن تعرى
تزاور عن كهف لكهف وشقي
هراس الردى بالأعين العبرى
فلم يرعوا في القوم إلاً وذمة
ولم يرحموا شيخاً كبيراً ولا طفلة عذرا
كأن حديث الوأد قد جاء مرسلاً
وأن فجاج الأرض قد صيرت قبرا
عزلناك لو أجدى بك العزل
إنما وجدناك ممن ليس يسمع أو يقرا
 
 
إذاً، أسهم هذا الرجل في دحر الجهل فهذا انتصار كبير لتاريخه الكامل على الرغم من روافده الكبرى، الشيخ محمد سرور في سيرته العطرة وفي الإحسان وبذل الفضيلة ومد يد العون خفاءً وعلانيةً مع أن الجانب الخفي كان كاملاً يشبه نسبة البحار في كوكب الأرض، إلا أنه في هذا الجانب مثالاً يحتذى لكي يسهم المجتمع في تضامنه وألفته حتى يستطيع أن يحقق سلامه الاجتماعي وانتظامه نحو أهدافه العليا في تقدم البلاد وتحضرها، كان طويلاً كنخيل البصرة وصافياً كالماس وبسيطاً كعشاء الفقراء وطاهراً كماء غمامه ونقياً كصلاة الفجر. عاش حياته على هذا البذخ السامر لإنسانية حقه، ولذلك لعلي أكمل ما قاله الدكتور في رثاء المرحوم إبراهيم فوده له يوم وفاته في ذلك اليوم الذي هطلت فيه دموع مكة وضواحيها عليه وعلى ربوع المملكة، عندما قال:
يا مفعم القلب الكبير سماحة
شملت عيوب الناس بالإغضاء
أنا ما عهدتك شاتماً أو شامتاً
وأظن كل الناس من شهداء
 
رحمك الله أيها الرجل الكبير، لقد أسهمت في عملية التنوير وسوف أذكر واحدة منها لأنها كثيرة ولكن الوقت يحاصرني. لقد أسهم مع والدي في إنشاء مطابع الرياض مع ثلة من رجال الأعمال في الرياض، عندما أقنعهم بإنشاء هذه المطابع، التي انبلجت منها المطبوعات العلمية وصدر منها إشعاعاً جريدة الرياض وجريدة الجزيرة، وكان قلم تحريرها موجوداً داخل هذه المطابع، التي أشاعت علماً وفكراً وتحضراً، وأسهم أيضاً وكان معه والدي وثلة من الرجال برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة في إنشاء مجلة الدعوة، التي كانت موجهة إلى توضيح أطر الإسلام ومحاسنه، إسهامات لا نستطيع أن تحيط بها ولكن يكفيه فخراً أنه عاش في ضمائر الناس وفي ضمائر الوطن ولدى الحكومة عبر كل من تعاقب عليها منذ الملك عبد العزيز وصولاً إلى الملك عبد الله عاش يتهادى بين التقدير والاحترام، لله درك كيف استطعت أن تعيش هذه الحياة بهذه الروح السامية. لله درك ما أشوقك إلى المجد وما أشوق المجد لك. رحمك الله وجعل في عقبك الصلاح والخير، إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة
 القراءات :404  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 195 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج