شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتورة أميرة قشقري))
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه الأكرمين.
سيداتي.. سادتي..
أيها الحفل الكريم..
أسعد الله مساءكم بالخير والبركات والمحبة. لا أدري ماذا سأقول؟ ففيض من السعادة والجمال يغمرني.. فيض الإطراء الذي لمسته أو المحبة الصادقة التي تحدثت بها صديقاتي وزميلي الدكتور عبد الله وعلى رأسهم سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، هناك الكثير والكثير مما أريد أن أقوله، وأريد أن أصل كما وصلتم إلى قلبي وإلى روحي.
أفتتح هذا البهاء بك أمي، وبروحك الطاهرة، وأعيدك إلى الحياة على هيئة امرأة هي أنا، فما أنا إلا نتاج تعبك وصبرك، إن كل ما حققته وسأحققه لم يكن ليتحقق من دونك أمي، رحمك الله وتقبلك بأحسن قبول في دار الخلود.
أتقدم بداية من مؤسسة ((الاثنينية)) الثقافية وعلى رأسها الشيخ المستنير المثقف المبدع عبد المقصود خوجه الذي أسس للثقافة منبراً يحتفى فيه بالعلماء والرواد، وعلى مدى ثلاثة عقود استطاعت هذه المؤسسة التي أفتخر بالانتماء إليها يوم أن صادفني الحظ والتقيت بالشيخ عبد المقصود في بيروت وكان هناك مؤتمر للفكر العربي، ورغم الأيام الماطرة والعواصف استطاعت ((الاثنينية)) أن تواصل الجهود وكرّمت 450 شخصية محلية وإقليمية وعالمية، واستطاعت أن تصدر 178 مجلداً، وأن تطبع 134 مجلداً باسم كتاب ((الاثنينية)) التي تزين مجلسنا. كما واكبت ((الاثنينية)) المتغيرات العصرية وذلك بتوثيق لقاءاتها على موقع ((الاثنينية)) الإلكتروني وعلى موقع اليوتيوب، ويشكر للاثنينية أن تمكنت من بدء النشاط النسائي في عام 1428هـ الموافق 2007م.
يشكر أيضاً أستاذنا عبد المقصود خوجه وقد كنت ألمس مدى تحمسه ومدى إيمانه بوجود المرأة مؤسسة وشريكة ومتفاعلة وفاعلة ضمن نشاط هذه ((الاثنينية))، فكان أن بذل كل الجهد وحاول كل المحاولات على المستوى الشخصي والمستوى الرسمي لكي نجد مقعداً لنا هنا على المنصة ومقعداً لنا هناك حيث نحضر جميعاً ونتداخل ونرتقي بالتعامل ما بين المرأة والرجل في ظل مؤسسة ثقافية تحترم الإنسان رجلاً وامرأة.
حكايتي أيها السادة لا أدري ماذا أقول بعد أن غمرني المتحدثون بفيض المشاعر والمحبة والإطراء والمجاملات غير أن هناك مجالاً كنت أعتقد أنني لن أمسه وسأتطرق إليه وهو موضوع الترجمة الذي تحدث عنه الشيخ عبد المقصود خوجه.
حكايتي بسيطة وقصتي مسيرة لا صخب فيها، هكذا هي أنا.
إنها حكاية امرأة عاشت الطموح رغم التحديات، وحلمت بالمستقبل رغم الآلام.. قصة امرأة من نساء مجتمعنا الكبير بكل جمالياته وتحدياته... امرأة أشرعت سارية العلم عالية نحو الأمل... امرأة لم تعاند القدر، لكنها كثيراً ما غردت خارج السرب عندما أضاع السرب بوصلته. قد أكون أنا ونساء كثيرات.. نساء هن طالباتي وأخواتي وزميلاتي وصديقاتي في مسيرة الدرب الطويل لنيل استحقاقاتهن.. نكون نحن جميعاً لوطني الرائع عنواناً وحلماً وما زال هذا الحلم يحلق في سماء المستقبل.
أيها السيدات والسادة...
لم أكن أعرف عن أي موضوع أتحدث ولا عند أي محطة من المحطات سأتوقف، هل سأروي قصتي التعليمية مع طالباتي النجيبات خلال مسيرة قاربت ثلاثة عقود، أم أحكي قصتي مع الصحافة والإعلام والمشاغبات والمناكفات التي مررنا بها عبر عقد من الزمن؟ أم أسرد مسيرة نشاطي مع العمل المدني الحقوقي والشأن العام وقضايا المرأة؟ أم أتوقف عند محطة الأدب والثقافة في نادي جدة الأدبي الثقافي الأثير إلى قلبي منذ إداراته السابقة وحتى إدارته الحالية التي زرعت في قلبي وفي فكري ضوءاً لن أستطيع أن أنساه؟ كلها محطات مهمة شكلت صورة كنت أريدها للمرأة السعودية، لكني سأنطلق اليوم وفي هذا المحفل الثقافي الأثير من محطة أعتقد أنها هي الأساس، محطة أبحرت من شاطئها، ولأنها في رأيي تتقاطع بشكل جذري مع كل المحطات العملية والعلمية والحقوقية والثقافية التي مررت بها في حياتي وشكلتني بالصورة التي أنا عليها الآن والتي أطمح في أن ترى طالباتي وبناتي المستقبل من خلالها.
إنها محطة التربية والتعليم.
محطةٌ شائكة، محطة أعتقد أن الكثير من الحضور قد مروا بالكثير من العقبات فيها.
بدأت قصتي مع التربية والتعليم من الطائف مسقط رأسي، من الطائف الجميل حيث كنت على مقاعد الدراسة في مدارس تعليم البنات التي تلقيت فيها تعليمي الأساسي وحتى الثانوية العامة على أيدي مربيات فاضلات من مختلف الجنسيات العربية، غير أني ما زلت أذكر وبوضوح دور معلمتي في مادة اللغة الإنجليزية، وكنا نناديها بـ"مسز روحية"، تلك التي فتحت لي مغاليق المجهول ومنحتني المتعة والدهشة والتطلع بمنهجية علمية قوية قلّ أن نجدها اليوم وبأسلوب تعليمي متوازن يجمع ما بين المعرفة والتفكير الإبداعي والتعليم التعاوني والتجربة الذاتية كنا نعيشها كطالبات ونتعلم من خلالها. "مسز روحية" تلك جعلتني أعشق المادة الدراسية كما كانت هي تعشقها. أحبتنا كطالبات فبادلناها الحب فاستطاعت أن تتواصل معنا بتسامح وتتعامل معنا بإنسانية وانفتاح على قلوبنا الغضة قبل عقولنا في مرحلة التشكل الأولى. فلها مني حق التحية والشكر والتقدير.
ثم كانت المرحلة الثانية من هذه المحطة في مدينة جدة (عروس البحر). في ذلك الوقت وحينما انتقلت إلى جدة قررت الرئاسة العامة لتعليم البنات -وقد كانت الجهة المسؤولة عن تعليم البنات آنذاك- أن تفتتح أول كلية للتربية في جدة للبنات، فتوقفت جامعة الملك عبد العزيز عن قبول الطالبات في ذلك العام، فكان أن أُجبِرت أنا وزميلات كثيرات لي من الطائف ومكة والمدينة المنورة على الالتحاق بتلك الكلية حيث لم تكن هناك أقسام للطالبات في جامعات تلك المدن.
لكن الله لا يغلق نافذة إلا ويفتح باباً، فالحمد لله الذي فتح لي باباً من فضله في تلك الكلية، حيث الصديقات الوفيات من الطائف ومكة وجدة وكم سعدت اليوم لأرى الكثير منهن يشاركنني في الصالة النسائية أو هنا معنا، هؤلاء السيدات.. هؤلاء الزميلات كن يشكلن نواة لرائدات في التعليم والتربية بعد تخرجهن.. في كلية التربية لن أنسى الجو العلمي المحفز رغم ضعف الإمكانيات المادية، ولن أنسى الأستاذات القديرات ممن تركن بصمة واضحة في شخصيتي ومسيرة حياتي التعليمية، خصوصاً المربية الأولى الأستاذة فائزة إبراهيم الدباغ، وقد كانت أول عميدة للكلية، أتوقف كذلك عند الأستاذة المميزة الدكتورة ابتسام عبد الرحمن البسام، التي بعثها الله لنا نحن الشابات السعوديات في تلك الفترة في الكلية لتكون لنا مثلاً وقدوة، وقد كانت قد عادت للتو من الولايات المتحدة الأمريكية كأول سعودية حاصلة على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي. في تلك المرحلة لم يكن هناك الكثير من السعوديات الحاصلات على درجة الدكتوراه، لذلك كان لوجود الدكتورة ابتسام معنا -كممثلة للمرأة السعودية ومربية وأخت وصديقة- أثره الكبير في تحفيزنا لمواصلة المسيرة على الرغم من الإحباطات التي كنا نمر بها.
وبهذه المناسبة أبعث بباقة شكر وتقدير لكِ يا دكتورة ابتسام البسام، وهي تعمل الآن في السفارة السعودية في باريس بعد أن عملت كأول عميدة في كلية التربية للبنات بالرياض، ثم شغلت منصب عميدة أكاديمية الملك فهد في لندن، وبعدها شغلت منصب مستشارة فنية لمساعد المدير العام للتربية في اليونسكو.
وبقدر ما لهذه الأسماء التي ذكرتها والتي قد لا تكون مهمة بالنسبة إلى الكثير منكن، بقدر ما لها من خصوصية فأنا لا أذكرهن هنا تخصيصاً، لكني أذكرهن باعتبارهن رائدات سعوديات في مسيرة التربية والتعليم والبناء في وطننا.
بعد الزواج شكّل انتقالي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال التعليم العالي نقطة تحول واضحة في حياتي. أذكر ذلك اليوم الذي قابلت فيه المرشد الأكاديمي في جامعة ستانفورد بعد قبولي للحصول على درجة الماجستير في تلك الجامعة، بادرني بسؤال بسيط بعد أن عرف أنني من السعودية: ماذا ستعملين بعد عودتك إلى بلادك؟ أجبت وقتذاك بعفوية: في مجال التعليم طبعاً، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك مجالات كثيرة للنساء، فكان أن نصحني بالإنضمام إلى قسم متخصص في الجامعة هو قسم التربية والتعليم في الدول النامية، يعرف باسم "سايدك"، وأظن أن هذا البرنامج لا يزال موجوداً في جامعة ستانفورد حتى اليوم. وعلى الرغم مما يحمله اقتراحه من واقعية لا تخلو من مكر، إلا أنني أشكر الله الذي جعلني أدرس في ذلك التخصص وفي تلك الجامعة العريقة التي تضم أساتذةً وطلاباً من جميع دول العالم، من شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، وأساتذة متخصصين في فلسفة التعليم وأهدافه، وطلاباً متعطشين للمعرفة من الصين واليابان والبرازيل والأرجنتين والمكسيك والنيجر وساحل العاج، والدول العربية طبعاً.
كانت القاعات الدراسية أشبه ما تكون بقاعات مصغرة في الأمم المتحدة يعرض فيها الطلاب والطالبات أوضاع التعليم في بلادهم ويناقشون بكل شفافية وجرأة قضايا تطوير التعليم وفلسفته واجتماعياته واقتصادياته وسياساته، وكل ما يخص التطوير والتنمية وسوق العمل والشباب. ولعل أجمل ما أستعيده في تلك الفترة هو الانفتاح الثقافي على مجتمعات العالم من خلال التعليم ومناقشة تحدياته وخطوات الانتقال إلى مستويات الدول المتقدمة.
ولم تكن مرحلة انضمامي للحصول على درجة ماجستير ثانية في تخصص تعليم اللغة الإنجليزية (TESOL) بأقل ثراءً وانفتاحاً وتحفيزاً، فقد جاء الأساتذة والطلاب بخبرات عملية من كل دول العالم لتشكل أرضية للبحث العلمي الرصين الذي أعتقد أنه أثّر في تشكلي العلمي.
بعدها وكأي امرأة مرتبطة بجدول الزوج والأسرة، عدت إلى السعودية بعد انتهاء فترة ابتعاث زوجي وحصوله على درجة الدكتوراه، محملة بسيل من الطموحات والآمال للمساهمة في بناء الوطن. واستكملت مسيرتي العلمية والعملية في قسم اللغة الإنجليزية في كليتي التي أكن لها كل التقدير والمودة والحب، بعد حصولي على ماجستير ثالث في اللسانيات الإنجليزية أتبعته بالدكتوراه في التخصص نفسه طبعاً.
هناك مرحلة مفصلية -لا أدري ما إذا كان الحضور يعلمون عنها أم لا- وهي مرحلة الدمج التي حصلت في نظام التعليم العالي. فالدمج لكليات البنات وإلحاقها بمنظومة التعليم العالي قد تم عام 1428هـ وقد يكون هذا مصادفة لكونه العام الذي بدأ فيه النشاط النسائي في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه.. ففترة إعادة الهيكلة تلك والتي تمت من خلال ربط كليات جميع الكليات النسائية بالجامعات في المدن الرئيسية قد أثرت فيّ كثيراً، وأصبحت عضواً في هيئة التدريس في قسم اللغات الأوروبية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الملك عبد العزيز حيث نلت كأستاذة الكثير من الحقوق الأكاديمية وحصلت على فرص المشاركة في لجان الجامعة وتمثيلها في الملتقيات العلمية والمحافل الدولية والكثير من الاستحقاقات التي انتظرناها طويلاً طويلاً لدى الرئاسة من دون أن تأتي. وأخيراً تُوِّجت هذه المرحلة بفضل من الله ونِعَمهِ بحصولي على ترقية إلى أستاذ مشارك قبل أسبوعين.
بعد هذا السرد الطويل الذي قد لا يعني الكثير منكم أتوقف الآن أمام محطات أعتقد أنها تمس الشأن العام وتمس كل إنسان وكل مواطن وكل رجل وكل امرأة في وطننا:
- لماذا يمثل تطوير التعليم بشقيه العام والعالي حجر الزاوية في مسيرة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟
هذه الأسئلة التي أطرحها.. أطرحها على نفسي وأطرحها على جميع المهتمين في هذه المجالات.
- ثم أتساءل: ما هو موقع جامعاتنا اليوم ودورها في عملية تطوير التعليم؟
- ثم وأخيراً أعرج على جزء كبير إلى قلبي وهو موقع المرأة في الجامعات السعودية وماذا قدمن وأين هن وإلامَ يطمحن؟
التعليم كما ذكرت وكما أتناقش دائماً مع زميلاتي ومع طالباتي هو منظومة كاملة ضمن منظومة إصلاح العقول، لكن العلم لا يلقنه معلم ولا تضمه كتب إن لم يكن المعلم ذاته قدوة محفزة على التفاعل الفكري الخلاق، وما لم يكن المعلم قادراً على تحويل المعرفة إلى بنية ذهنية وذكاء إبداعي وسلوك أخلاقي يعلي القيم الإنسانية التي لا مكان لنا دونها بين الأمم.
إن الحديث عن التعليم وتطويره مهم جداً أيها السادة والسيدات، لأنه هو المنفذ الوحيد للخروج من نفق أزمتنا كأمة وكأفراد، ولأن التربية قيمة في حد ذاتها، والعلم هو عملية مستمرة في مسيرة التطوير العقلي بالمعرفة والتجريب والممارسة مقرونة بمنظومة أخلاقية حية ومتجددة، يستمدها من المجتمع الذي نعيش فيه، ونستلهم تطور التعليم من مختلف المناهج الفلسفية المثالية والواقعية لدى أرسطو والعقلانية لدى جون ميلتون والوضعية عند كونت والبراغماتية الواقعية عند جون ديوي، وصولاً إلى الكلاسيكية كما تمثلها جامعة هارفرد العتيقة والتي لنا صلات بها.
إن واقع تعليمنا أيها السيدات والسادة واقع مؤلم وعلينا أن نناقشه وعلينا أن نعمل جميعاً كي نصل إلى الخروج من تلك الإشكاليات وتلك الأزمات التي نمر بها؛ فالقراءة الواعية لواقع التعليم قد تساعدنا في الخروج بأفكار جديدة ترفد التنمية وتساهم في إصلاح الأنظمة وتطوير العقول.. قد تكون العملية بطيئة ورمزية لكنها حتماً جديرة بكل الجهد والميزانيات، فالاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الوحيد القادر على مواجهة تحديات المستقبل. ولعل واحداً من أفضل المنطلقات لرحلة البحث والتقصي هو كتابي الدكتور أحمد العيسى الموسومين بـ"إصلاح التعليم في السعودية" (التعليم العام) و"التعليم العالي في السعودية"، وقد ناقش فيهما الكثير من الأمور ولا أدري لماذا لم يجد ذلك الكتابان الصدى لدى المسؤولين.
لقد عقدت خلال العقدين الماضيين كثير من المؤتمرات واللقاءات، ووضعت البحوث والخطط والمشاريع لتطوير التعليم. إلا أن الواقع ما زال صادماً إذا ما نظرنا إلى مخرجات التعليم بشقيه العام والعالي.
وقد أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأيسسكو) وثيقتها الرئيسية عام 1998م وعرضت فيها مجموعة من المنطلقات المعيارية لتكون بمثابة بنية تربوية جديدة تساعد في إصلاح التعليم. كما وضع تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2002م تحدياً جوهرياً يتمثل في تجاوز نواقص ثلاث في دول العالم العربي: هي المعرفة، والحرية، وتمكين النساء. أما في ما يتصل بحال اكتساب المعرفة في بدايات القرن الحادي والعشرين، فيخلص التقرير الثاني إلى ضعف نشر وإنتاج المعرفة في البلدان العربية على الرغم من وجود رأس مال بشري عربي مهم وكبير، يمكنه في ظروف مغايرة أن يكوّن بنية أساسية قوية لقيام نهضة معرفية.
أقام مكتب التربية العربي لدول الخليج -والكثير منا يعرف هذا المكتب- العديد من المؤتمرات بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي، وأصدر العديد من الكتيبات القيمة حول تطوير مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي.
أما على الصعيد المحلي، فأذكر تماماً كيف أفرد الحوار الوطني السادس في عام 2006م لقاءً خاصاً لمراجعة واقع التعليم وسياساته وتطوير المناهج والمقررات، كما نُشرت الخطة الوطنية لتطوير التعليم لـ25 سنة القادمة عام 2009م.
وامتداداً لكل هذه الجهود جاء مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم بكلفة تسعة بلايين ريال وكان ذلك أيضاً عام 1428هـ، على أن يكتمل ذلك المشروع خلال ست سنوات، ثم تبعه مشروع آفاق لتطوير التعليم العالي عام 2007م.
ما أريد أن أقوله دون أن أثقل عليكم بهذا السرد هو أن رغم هذه المشاريع والخطط التطويرية، والميزانيات والتوصيات الباهظة التكلفة والمخطط لها تخطيطاً قد يكون دقيقاً وقد يكون غير دقيق، ما زال تعليمنا دون الهدف المنشود، وما زال يعاني من جوانب قصور كثيرة تحتاج إلى النظر والبحث، وما زالت المناهج مكدسة بالحقائق والمعلومات والمعارف وتهدف في الأساس إلى إعطاء المتعلم أكبر قدر من المعلومات على اعتبار أنها نابعة من الفلسفة التقليدية للتربية. لم تنجح مناهجنا بعد في تنمية مهارات التحليل والاكتشاف لدى المتعلمين، أو في تشجيع الإبداع، ولا تزال الاختبارات التحريرية هي المصدر الوحيد لقياس التحصيل وكأن اجتياز الاختبارات هو الغاية الوحيدة من العملية التعليمية.
ما زالت البيئة التعليمية -واسألوا أطفالكم وإخوانكم الصغار ممن يذهبون إلى المدارس والجامعات- ما زالت البيئة طاردة وغير صديقة للطلاب والطالبات. المناهج كما قلت لا تؤدي دورها في خلق جيل مواكب لمتغيرات العصر ومتطلبات التنمية، وطرق التدريس بشكل عام تعتمد على الإلقاء والتلقين وطرق التقويم لا تخرج عن قياس قدرة الطالب على الحفظ والاستذكار واستعادة المعلومة وهذه لا تمثل إلا المستويات الدنيا للمعرفة حسب تصنيف "بلوم" الشهير للأهداف التربوية، بينما لا نلتفت أبداً إلى المستويات العليا من مهارات التفكير والتي تضم التحليل والتركيب والتقويم.
إن الإصلاح العميق لنظام التعليم هو من أولويات المسؤولين أيها السادة والسيدات وقد عملت في لجان تطوير المناهج، وعملنا كثيراً على تطوير تعليم اللغات بشكل عام في مدارسنا وتعليم الإنجليزية بشكل خاص وواجهنا الكثير من العقبات.. هل سنبدأ تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية؟ وكيف سيؤثر ذلك على ثقافتنا الدينية؟ كيف سيؤثر ذلك على اللغة العربية؟ إلى أن استطعنا وبحمد الله أن نُحدث نوعاً من التغيير بإدخال مادة اللغة الإنجليزية في الصف السادس الابتدائي، وكل سنة أصبحت تنتقل إلى أن وصلت الآن إلى الصف الرابع الابتدائي.
أترك هذه المحبطات أو هذه النواقص لأنتقل إلى الجامعات، حيث لدينا اليوم أكثر من 30 جامعة وكلية حكومية وأهلية موزعة على 80 مدينة.. فهل قامت هذه الجامعات بدورها المنشود في تهيئة البيئة الكفيلة ببناء الشباب وتنمية المجتمع؟
الجامعات في القرن الواحد والعشرين ليست مجرد أبراج عاجية ودراسات أكاديمية، بل يجب أن تكون بيوت خبرة تنتج العقول التي تخدم المجتمع وتقوم بأدوار وظيفية جديدة في تأهيل الطلاب وتخريج كوادر معدة إعداداً جيداً لمواجهة الحياة ومتطلبات التنمية وسوق العمل. وكما أن الجامعة واحة للبحث العلمي والإبداع المعرفي، فهي أيضاً محفز لممارسة كل مناشط الحياة ولا تقتصر على القاعات الدراسية والكتب والمراجع، وأظن أن الكثير من طالباتي متحفزات ومتحمسات لهذه الفكرة، فهن دائماً ما يثرن هذا الموضوع وأنا بطبعي صديقة لطالباتي وأتعلم منهن وأرى الضوء في عينيهن أملاً للمستقبل.
إن الجامعات العالمية التي أعرفها والتي تعرفونها تعج بالحياة والحركة والنشاط طوال اليوم وكل أيام الأسبوع، بما فيها إجازات نهاية الأسبوع والإجازات الفصلية والسنوية. ولا يقتصر ذلك على الساعات المحددة التي يقضيها الطلاب والطالبات في قاعات الدراسة؛ فالمكتبات مفتوحة والساحات الرياضية متوفرة، والساحات الترفيهية موجودة دائماً.
بقيت نقطة في موضوع جامعاتنا تتعلق بما كنت أسميه الهرم المقلوب، وأعتقد أن فكرة الهرم المقلوب هذه واحدة من إشكاليات جامعاتنا وإدارات جامعاتنا، ولا أدري ما إذا كان معالي الدكتور مدني من الجامعة أيضاً يؤيد هذه الرؤية أم لا. إني أعتقد أن أكبر معوقات تطور التعليم العالي في بلدنا بشكل عام هو هيكلية الجامعات، أي ما أسميه بالهرم المقلوب. ففي جامعاتنا يمثل الإداري قمة الهرم والمتصرف بشؤونه والواضع لسياساته واتجاهاته، بينما يمثل الطالب والباحث ذيل الهرم الذي عليه الامتثال لتلك القيادة والعمل ضمن أطرها، وهذه التركيبة إنما تنبع من مفهوم الجامعة السائد باعتبارها مؤسسة إدارية لا أكثر وإن اختلفت وظيفتُها.
بينما أرى أن الوضع الصحيح في المؤسسة التعليمية الجامعية هو أن يكون الباحث أستاذاً وطالباً في قمة الهرم، إدارةً وتنفيذاً، بينما يكون الإداري عنصراً مساعداً يوفر للباحث احتياجاته ويلبي طلباته ويختصر وقته وجهده في ما هو خارج البحث العلمي. ما يحصل لدينا هو العكس تماماً، وهذه مشكلة واجهناها جميعاً عند قيامنا بالأبحاث العلمية والمشاركات الدولية.
ما لم تتحرر الجامعة من هيكليتها الحالية إلى الهيكلية الجديدة، فسنظل مجرد "إدارة" تعنى بالكم لا بالكيف، وبالأداء البيروقراطي لا بالإنتاج المعرفي. بعد ذلك أين نحن النساء وما موقع المرأة في الجامعة؟ وما دورها في دعم مسيرة إصلاح التعليم ومسيرة إصلاح المجتمع بشكل عام؟
لقد لاحظت في السنوات الأخيرة أن المرأة حضرت وبشكل قوي على مختلف الأصعدة والمجالات ولم تكن الجامعة بمعزلٍ عن ذلك، لكن على الرغم من حضور المرأة المتميز في الجامعات السعودية كماً ونوعاً إلا أنها لم تنل بعد ما تستحقه في قيادة المناصب الإدارية العليا كمديرة للجامعة أو عميدة للكليات، إلا إذا استثنينا جامعة الأميرة نورة وبعض الجامعات الأهلية لدينا، والتي لا تزال المرأة فيها خاضعة لسلطة الإدارة الذكورية العليا.
لدينا الكثير من النساء السعوديات المتميزات والمؤهلات لتولي المناصب القيادية في جامعاتنا ليس لأنهن سيدات، ولكن لكفاءاتهن وقدراتهن المتميزة على خلق بيئة عمل إبداعية تسهم في النهوض بالبرامج والخطط الجديدة والتطوير بشكل عام. إن كل نجاح للمرأة السعودية هو نجاح لي ولزميلاتي من العاملات والمربيات والطالبات، وكل نجاح تحققه المرأة السعودية على كل صعيد سواء في المجال الاقتصادي أو الثقافي أو الإداري أو التعليمي أو في أي محفل هو نجاح لنا، لذلك أهدي هذا التكريم اليوم لكل امرأة سعودية ولكل طالباتي النجيبات اللواتي أرى الأمل والمستقبل ساطعاً من خلال التعامل معهن داخل القاعات الدراسية وخارجها، ولأبنائي ماجد وفراس وابنتي ديمة، وأتمنى أن ينعم هؤلاء الشباب والشابات وهم "أضواء المستقبل" ببيئة محفزة على الإبداع والعطاء في ظل نظام تعليمي يواكب تطلعاتهم وطموحاتهم. كما أشكر جميع أفراد أسرتي ووالدي الكريمين -رحمهما الله- وزوجي الغالي الدكتور محمد إخوان وإخوتي وأخواتي وجميع أفراد أسرتي الكبيرة لدعمهم لي ولوقوفهم بجانبي في السراء والضراء.
لكم مني أيها السيدات والسادة تحية وسلاماً، وشكراً.
الأستاذة دلال عزيز ضياء: شكراً للدكتورة أميرة داود قشقري على هذه الكلمة الضافية، ونبدأ بإذن الله بالجانب النسائي والزميلة نازك الإمام لإلقاء الأسئلة من ذلك الجانب ثم نتناوب بعد ذلك، تفضلي نازك.
 
 
طباعة
 القراءات :223  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج