شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
الأستاذة نازك الإمام: شكراً أخ محسن، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب المعالي..
أصحاب السعادة السيدات والسادة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بالجميع في أمسية من أمسيات ((الاثنينية)) والتي نحتفل بها بتكريم علم من أعلام الوطن الغالي في الأدب والثقافة والاجتماع، والذي له العديد من المشاركات والتي تبلغ نحو ثلاثين مؤلفاً في علم الاجتماع، فأهلاً وسهلاً بفارس ((الاثنينية)) سعادة الأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر وكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقاً والأكاديمي المعروف وأيضاً بحرمه سعادة الأستاذة نورة العامودي وكريماته وشقيقاته بيننا الليلة، فأهلاً ومرحباً بهن ولنبدأ بقسم السيدات بداية مع سعادة الدكتورة لمياء باعشن فلتتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أبارك للأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر على هذا التكريم وهو تكريم يناله في رأيي استحقاقاً وجدارةً وأسجل هنا تقديري للقدرات البحثية لهذا العالم الجليل ونشاطه المنقطع النظير وهو فعلاً إنسان عقله يعج بالأفكار ولا يتركها وهو متابع لها حتى يجد لها طرق التحقق والتحقيق وأجد أن هذا الإنسان يجب أن يكون محاطاً بمجموعة من الباحثين الناشئين ليتم تدريبهم على طرق البحث وعلى قدرته في زرع الشك في المعرفة والنزعة لممارسة هذه الأنشطة البحثية والفضول الذي حباه به الله يجب أن يورث إلى مجموعة من الباحثين وطبعاً مكانه الطبيعي كان في الجامعة حيث استفاد كثير -أنا متأكدة- من طلبته ومن رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرف عليها ومنزل هذا الشخص لا يفرغ من الباحثين، والدكتور لديه كثير من المشاريع، فهو لديه مشروع مع شخص وتجده أيضاً يمارس نفس النشاط مع شخص آخر وثالث ورابع ما شاء الله في نفس الوقت، أنا سؤالي عن علاقة الدكتور باقادر الآن بالجامعة، جامعة الملك عبد العزيز، بعد التقاعد وكلنا نعرف أن بعد التقاعد هنالك تعاقدات مع الأساتذة بشكل طبيعي وسلس وبالضرورة بالأساتذة المميزين ذوي السمعة القوية البحثية، فأنا لا أعرف إن كان قد عاد للجامعة أو لم يعد وإذا كان هناك أي مواقف من الجامعة أريد أن أعرفها لو سمحت وشكراً.
الدكتور أبو بكر باقادر: الجامعة بيتنا يعني بيت الجميع ولا أحمل في وجداني وفي ذاكرتي سوى الشكر لها ولمن أداروها، وأقول لك الجامعة هي بيت الجميع ومكان المعرفة لكن للأسف يبدو أن الشواغر فيها نوعاً ما غير متاحة، حاولت أن أعود إليها ولكني لم أتمكن، لعل في ذلك خير فلقد دفعني ذلك إلى مزيد من الاطلاع والقراءة بيني وبين نفسي.
عريف الحفل: السؤال للأستاذ سالم القرشي معلم.
بسم الله، السلام عليكم ورحمة الله، شاكرين لصاحب ((الاثنينية))، حقيقةً أنا حرصت فقط هو احتيال عليكم لأني أريد أن أضيف شيئاً للدكتور بحكم احتكاكي والتصاقي به الكبير جداً بخاصة في السنتين الأخيرتين، فما ذكروه الإخوة كنت شاباً ناشئاً وكنت جدّ قريب من الدكتور بشكل شبه يومي، أحياناً أمر به في اليوم عدة مرات، وما ذكره الإخوة هو من طبيعة الدكتور وحقيقته، لكني حقيقةً تلمست أشياء جديدة وهي أن الدكتور محفز بشكل ثري ونوعي، ويزرع فيك الرغبة والدهشة للمعرفة والجديد وكل ما يمكن أن يطلع عليه الإنسان أو يفتح آفاقك للمعرفة الجديدة.. لسؤال جديد.. لشيء جديد، الجانب المحفز في الدكتور مدهش حقيقة ويستحق الواحد أن يبحث في طبيعة أبو أحمد.
والنقطة الثانية والمدهشة هي الخلفية التي يتأتى منها الدكتور، والتي تلمست بعض جوانبها بحكم ترددي عليه. فالدكتور لديه مكتبة ضخمة في الدور الأرضي ويمكن وصفها بالأسطورية، هذه المكتبة وستكون إن شاء الله رافداً كبيراً للعلم، ولا بد لي من أذكر شخصاً هو جندي مجهول، وهو في قامة الدكتور وعظمته وهي (أم أحمد)، وهي تستقبل الضيوف بلباقة وكرم، تتابع أعمال الدكتور وانهماكاته الكثيرة، لا يفوتها أي تفصيل، ولا تتوانى على حثّ الدكتور ولفت انتباهه إلى متابعة أحداث ضروري له متابعتها تكون قد فاتته أو غفل عنها نتيجة انشغالاته البحثية.حقاً، إن لهذه السيدة الفاضلة دوراً كبيراً في تهيئة أفضل الأجواء وتأمين كل سبل الراحة والطمأنينة لنجاح أي شخص.
الدكتور أبو بكر باقادر يجلس دائماً في مؤتمرات خارجية ومؤتمرات داخلية في مكتبته لوقت طويل جداً فينشغل عنها، حقيقةً أقول هذه المرأة تستحق فعلاً الإشادة.. تستحق الشكر والدعم، وهي جانب يجب أن يؤرخ في ظني لمثل هذا الرجل العظيم الذي هو الدكتور باقادر، وشكراً لكم جميعاً، وآسف على تطفلي فأنا طرحت إجابة لسؤال.. ربما جديدة.. شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً وقد تقمصت شخصية السائل بينما كنت تلميذاً باراً بأستاذك وذكرت بعض مآثره وبعض الأشياء التي نجهلها عنه، شكراً أيضاً لأم أحمد لأن وراء كل رجل عظيم امرأة دائماً. أنقل الميكروفون لقسم السيدات.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من سعادة الدكتورة فوزية باشطح من جامعة الملك عبد العزيز فلتتفضل.
السلام عليكم، بدايةً.. حقيقةً لا أعرف أنا ربما بالنسبة إلي الدكتور باقادر أستاذي دائماً شهادتي مجروحة في الدكتور باقادر هو في الحقيقة قامة لا يمكن أن يتجاهلها أحد ولا يمكن أن يعرفها إلا من يقترب منها أكثر، فمبروك على الدكتور باقادر ومبروك لنا جميعاً، هناك سؤال: أنا أدرك وأنا الحمد لله ربما إحدى المستفيدات الدائمات من سخاء الدكتور في تقديمه للمعرفة، وهو بصراحة معروف بسخائه هذا، ولكن هناك سؤال من البعض: هل فكر الدكتور باقادر في إنشاء مركز مستقل للاستشارات أو للأبحاث الاجتماعية حتى يستطيع أن ينهل أو يستفيد منه الجميع، على الرغم من إني أعلم تماماً أن بيت الدكتور مفتوح على طول وهو مركز استشارات في أي وقت، لكن البعض يتساءل لماذا لا يكون.. أو هل فكّر الدكتور في أن يكون هناك مركز استشارات بشكل مؤسسي أو رسمي؟ هذا سؤالي.. شكراً.
الدكتور أبو بكر باقادر: والله شكراً يا دكتورة فوزية، ولكن لا، لعله أشعر بأن لكل امرىء نصيب، ورغم الفضول المعرفي الذي له آفاق كثيرة، ينبغي أن نترك للآخرين شيئاً أيضاً يساهمون به ويقومون به، وأعتقد أن هذا من الأمور البديهية، فمن يطلب كل شيء قد لا يحقق كل شيء، لهذا فإن المكاتب الاستشارية تتطلب حقيقة جهداً إدارياً ووقتاً، ولعلي أيضاً كما ذكرت لك من قبل أنا فضولي وملول وهذا لا يتماشى مع هذا الانضباط الذي يتطلبه تأسيس أو إقامة مركز خبرات، لكن إن شاء الله لن أبخل بما أعرف إن كان هناك سؤال أو استفسار في ما أعرف.
عريف الحفل: سؤال للأستاذ عبد المجيد الزهراء باحث في الأدب والاجتماع تفضل.
السلام عليكم.
حدثتنا يا بكر عنها فزدتنا شجوناً
فزدنا من حديثك يا أبا قادر
كثيراً ما سمعنا أن العلامة ابن خلدون -رحمه الله- هو في الحقيقة مؤسس علم الاجتماع، وأنا طالب معرفة وعلم وقد قرأت مقدمة ابن خلدون مرات عديدة واستنتجت أن فيها فائدة ومتعة، ولكني لاحظت أن بعض المصطلحات التي يستخدمها العلامة ابن خلدون تغيرت بحكم الزمن كما يعرف أستاذنا الفاضل، فهل يرى الدكتور الفاضل أبو بكر فائدة من إعادة صياغة مقدمة ابن خلدون لتناسب عصرنا هذا؟ ولماذا لا تُدرَّس في جامعاتنا المحلية بصورة أكبر مما هي عليه الآن؟ وشكراً لكم.
الدكتور أبو بكر باقادر: أن نعبث أو نغير نصاً هي الخيانة العظمى، لكن ما اقترحته هو أن يقوم على ما يسمى بمقاربات القراءة، نعم ابن خلدون يحتاج وحقيقةً هناك عالم كبير كان أستاذ كرسي الإنثروبولوجيا في جامعة كمبردج ألّف كتاباً ضخماً، كنت قد نقلته إلى العربية باسم مجتمع مسلم، اعتمد فيه على تفسير كثير من الظواهر والتشكيلات الاجتماعية القائمة في المجتمعات العربية المسلمة انطلاقاً من منظور ابن خلدون، ولم يكن جلنر وحده من استفاد بين الباحثين بل هناك كثير من العلماء الذين استفادوا، نعم نحن نحتاج إلى إعادة التأسيس لقراءة المصطلحات، لكن دون أن نغير النص، يمكن، مثلاً، أن تُكتب ملخصات أو دراسات حول ابن خلدون حتى ولو أنها تحاول تبسيط المقدمة، لكنها ليست بديلاً من المقدمة، فالمقدمة زاخرة بأشياء ينبغي أن تبقى على ما هي عليه، أضرب مثلاً لقد وجد سعد الصويان وهو باحث رصين في الشعر النبطي أو الشعر الملحون، شواهد عديدة من ذلك الشعر في موسوعة ابن خلدون.
أيضاً كثير من الآراء التي ذكرها ابن خلدون لا تصدق إلا على ما كان في عهد ابن خلدون، وهي تنم عن ثاقب بصره في دراسة المجتمع الإسلامي قيل وقت بداية الأفول، مما يعني أن الشعلة التي ورثها ابن خلدون عن سابق فقهاء مؤرخين قبله كُثر، ينبغي أن تكون موضع اهتمام في دراسة مجتمعاتنا، والحقيقة ما ميّز ابن خلدون وعلى خطاه دعا فيكو الإيطالي وليس فيكو ميشيل ليتحدثوا على أن التاريخ يمكن أن يُدرس ليس باعتباره مواعظ، وإنما باعتباره وسيلة لفهم المجتمع، والوسائل التي تستخدم لدراسة المجتمع هي قاصرة على ما نطرحه من أسئلة، لهذا فإن مقدمة ابن خلدون، وهناك جدل كبير على أنها لا تصلح إلا ما عُرف بالمجتمعات الانقسامية أو المجتمعات الصحراوية ذات الطابع القبلي أو البدوي في تركيبها، أما المجتمعات الهيدرولوجية كما هو الحال في بلاد ما بين النهرين أو في وادي النيل أو في مثيلاتها من المجتمعات التي تملك بيروقراطية واسعة، فإن نظرية ابن خلدون يعتورها كثير من الخلل والضعف. ففي نظري ما يمثله ابن خلدون هو أنه يشكل نبراساً أو يقدم مادةً تاريخية ثرّة، سواء في المقدمة أو في تاريخه، تاريخه درسوه الخواجات دراسة كبيرة وبالذات عن البربر، للأسف لم يحظَ أو لم تحظَ المقدمة بما ينبغي أن تحظى به ربما لصعوبة كلامها كما هو الواقع في كثير من كتب الأصول والكتب التقليدية.
أعتقد أن اقتراح الأخ في تبسيط أو تقريب ابن خلدون مشروع يستحق العناية، وللأسف، يُدرس ابن خلدون بكثافة وبعمق في كثير من أقسام العلوم الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، لكن لعلنا أصبحنا ولِعينَ بما يأتينا من الغرب حتى ولو كان على حساب إما التهويل في المدح أو التفريط في الممارسة، يعني إما أن نبقى نهيل المديح لابن خلدون دون أن نقرأه أو دون أن ندرسه، أو نعتبره مرحلة لم تعد مهمة، وأنا أعتقد أن الأمر بينَ بين، يعني يستحق أن ندرسه ولكن لا نتجاهل أن ما درسه وعبّر عنه كان في زمنٍ ولعل الزمن في جوانب كثيرة تغير ومن ثَمّ ما يمكن أن يفيد منه هو بعض أفكار أو مصطلحات ابن خلدون.
عريف الحفل: شكراً أنقل المايكرفون لقسم السيدات، سؤال من قسم السيدات.
نازك الإمام: سؤال من الأستاذة أميمة من جامعة الملك عبد العزيز فلتتفضل.
السلام عليكم، لا شك في أن الدكتور أبو بكر قامة كبيرة في وسطنا الأكاديمي، ومن الأشخاص الذين قامت الجامعة على أكتافهم، وعملوا على إرساء دعائمها وترسيخها... سؤالي، بصراحة، وبعد أن كنت من الفاعلين في الوسط الإعلامي والمتفاعلين جداً مع الناس، لماذا أصبحت مقلاً في الظهور الإعلامي بخاصة أن كثيرين في حاجة إلى الاستفادة من علمك الغزير في كل الأمور وتحديداً ذات الشأن الاجتماعي؟
الدكتور أبو بكر باقادر: والله أنا أشكرك على حسن الظن ولا أدري جزاك الله خيراً. طبعاً أنت تراقبين وتلاحظين ومن ثَم لك رأي، لكني أود أن أقول لك يكاد لا يمضي عليّ شهر إلا وأنا في ندوة، أو في ملتقى، أو في لجنة على مستوى العالم العربي، وأنا أعتقد أن هذا ما يبقى، أما الفقاعات ولا أقول كل من يظهر يشكل فقاعة ولكن الظهور للظهور مخاطره كثيرة وربما يشكل مهلكة إن لم يحترز منه الإنسان. أتمنى أن أتمكن من عمل شيء وأن أفعله بصمتٍ لعل العارفين بالأمور يرون فيه فائدة، لأن هذا هو المهم، الإنسان لا يقَيّم عمله وإنما عليه أن يعمل وإن حصل التوفيق فلعل البعض يجد فيه ما هو مفيد، وآمل أن يكون كذلك.
عريف الحفل: سؤال للدكتور يوسف العارف.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حقيقة إن لدي شعور كبير بأن الدكتور أبو بكر باقادر يمتلك كاريزما تجذب الآخرين، تجذب المريدين، وتجذب المحبين، وأنا أول هؤلاء، الدكتور عبد المحسن والأستاذ حسين بافقيه لم يتعرضا لدورك في وزارة الحج، عندما كنت مستشاراً وكنت تشرف أفضل إشراف على ندوة الحج الكبرى، أنا أتساءل يا دكتور بعد أن يغادر الإنسان مثل هذه المواقع لماذا تخفت؟ هل هي كاريزما الشخص؟ أو هو العمل اللامؤسسي؟ دكتور أبو بكر باقادر عندما عمل في العلاقات الثقافية قدم شيئاً كبيراً، بعد أن غادر خفت هذا الدور، هل هو الكاريزما يا دكتور؟ هل هو الإبداع هل هو التطوير؟ أم هو العمل اللامؤسسي في ما بعد؟ شكراً لك.
الدكتور أبو بكر باقادر: ماذا تريدني أن أقول؟ أنا لا أوافقك على تقييمك، ولكني أرى بأن كل من أُعطيَ الفرصة يصبح التحدي في ملعبه، فإذا أُعطيت فرصة عليك أن تبذل جهدك في القيام بها، أما ما هي نتائجها فهذا يترك للظروف، لأن أحياناً قد نبذل جهوداً كبيرة ولكن التوفيق لا يحالفنا، أما بالنسبة إلى ندوة الحج، فأنا أعتقد أن الدكتور هشام عباس جزاه الله خير رجل فاضل ويقوم بالكثير الكثير. كل ما أتمناه أن أحصل على أعمال الندوة وبخاصة أني كنت قد بدأت في التأريخ لها ونشر أعمالها، وهذه دعوة من هذا المنبر إن شاء الله يكرمني بإهدائي المجلدات التي نشأت، أنا من طبيعتي أنني إذا تركت شيئاً كنت كلفت به فمن الواجب احتراماً لمن نيطت له تلك الأمانة أن لا يكون لي رأيٌ فيها، إلا إذا طُلب مني ذلك، إذ أتمنى أن تكون محبتي لذلك الموقع هي التي تفرض عليّ أن أقدم كل ما يمكن أن أقدمه، ولقد شُرفت وأنا في كل ما أعمله ولله الحمد أتمتع بما أقوم به وأجد فيه سلواناً ومحبةً وشغفاً يأخذ وقتي، ولهذا حينما كنت في هذه الأماكن كنت مسروراً وتعرفت حقيقةً بعدد كبير من الناس، وأكاد أقول أن الصداقات التي خرجتُ بها سواء من ندوة الحج أو من وزارة الثقافة والإعلام لا تزال روابطها قوية وحميمة وأحمد الله، رغم أن كل من يتقلد منصباً عاماً بالضرورة عليه أن يتخذ أحياناً قرارات قد لا تكون مرضية للبعض إلا أن الله سبحانه وتعالى أكرمني بأن معظم القرارات غير الصائبة أحياناً التي اتخذتها لم يكن يلمني عليها زملاء لمعرفتهم أنها لم تكن شخصيةً البتة، وأحمد الله أنني ما زلت على علاقة جيدة مع كل من تعاملت معهم أتمنى أن تدوم، وأتمنى أن يدوم الفضل بيننا إن شاء الله.
عريف الحفل: السؤال من قسم السيدات.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال هو حول علاقة الأستاذ الدكتور باقادر بالأدب، وهل قراءته النصوص تكون من منظور الكشف الاجتماعي أم أن هناك تذوقاً ومعرفة أدبية نقدية؟ شكراً لكم.
الدكتور أبو بكر باقادر: والله هذه جدلية ثنائية معقدة ما بين الشكل والمضمون. أعتقد، نتيجة اهتمامي بالعلوم الاجتماعية، أتوجه إلى الشكل. وأنا ترجمت كتاب (بروب) واطلعت على عدد كبير من الدراسات باللغات الغربية حول مسألة الشكليات أو مثيولوجيا البنية الداخلية ووجدت أنها تنير الطريق لكثير من أعماق النص، لكن تبقى المضامين مدهشة كلما اقتربنا منها باعتبارها منتجاً ثقافياً، وقد وجدت في العديد من النصوص الوسيطية الإسلامية وبالذات ما ورد في كتابه (إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس) من الصور الاجتماعية والحكم البليغة التي تتعلق بحيوات الناس الدقيقة ما يجعلني أستغرب، وأنا الآن أناقش نفسي بصدد مشروع عن بعض القراءات الإثنوجرافية لبعض الكتب التي دبجتها أقلام علمائنا الأقدمين، من كتب الفتوة والحسبة والأصناف والفتاوى وكتاب (الكبائر) مثلاً للحافظ البغدادي لأني وجدت فيها قدرة كبيرة عندهم على تصنيف الناس، وعلى سبر الظواهر والتشكلات الاجتماعية بما يدل على أن النص الأدبي بالذات في جوانبه الإنسانية في تراثنا الوسيطي في العالم العربي والإسلامي يحمل الكثير من المعلومات، وأضرب مثالاً: وقفت على رسالة اسمها أدب المؤاكلة، فوجدت كيف أنه من خلال استخدامات اللغة يصف طرائق وأساليب عديدة للأكلة، من القصعة التي يأكلون، مما حفزني إلى أن أبدي ملاحظات وبالذات في الولائم الكبيرة فشاهدت أنواعاً كثيرة منها لا يزال قائماً، مما يدل على أن الكاتب لم يستغل فقط جمال اللغة أو تعدد الدلالات والمعاني في الكلمات، وإنما هو راقب ودقق، وكنت قد وقفت على دراسة عجيبة جداً لأديب من بلادنا اسمه أبو دُلاف الينبعي عمل عدة دراسات في الجيولوجيا والأشجار... ولكن له قصيدة اسمها القصيدة الساسانية درسها بوزوورث درس فيها أنواع الكدية، يعني (الشحاتة) ومصطلحات الشحاتين، وأساليبهم وطرائقهم. حينما أشرفت على أحد الطلبة عن أساليب وعصابات الذين يكدون حول المسجد الحرام وجدت أنه لم تبرح أساليبهم ما صنفه ووصفه وحدده بل حدد مصطلحاته ومعاييره أبو دلامة، وهو رجل قديم مما يدل عندي بأن الإمكانيات كبيرة جداً في أن نتعرف من خلال ما يسمى بإنسانيات العالم الإسلامي على كثير من المظاهر الاجتماعية التي نعتقد ربما للوهلة الأولى كأنها أمر جديد، وما حيل الشطار التي نقرؤها أدباً إلا عمل إثنوجرافي عميق، فلنعد إلى قراءات مقامات الحريري لنتعرف على كيف يحتال الإنسان لنفسه. اليوم نحن عندنا في العلوم الاجتماعية بدعة ما يسمى بالـ personal space، أو الفضاء الخاص، حينما وقفت على رسالة مقالة كبيرة قديمة في مخطوطة باسم (التطفيل) وجدت معاني عميقة في كيف من يخترق خصوصيات الناس؟ وما هي الأساليب؟ وما هي الحكايات؟ وما هي الآداب؟ وكيف كان المجتمع العربي والإسلامي يتعامل مع أصحاب هذه السلوكيات المؤذية والمحرجة للناس. إن ما أود أن أنتهي إليه، هو أن الأدب بالنسبة إلي، هو محضنٌ إثنوجرافي يمكن من خلاله التأمل في أجزاء كبيرة من المجتمع، ولقد رأيت ولم أقرأ بعد دراسة جديدة عن إنثروبولوجيا الرواية العربية على أن نعرف أن البعض حرروا مجموعة من البحوث عن البداوة والحياة البدوية في الرواية العربية المعاصرة.
عريف الحفل: سؤال الآن للأستاذ مشعل الحارثي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد الشكر لمضيفنا الكريم، نرحب بضيفنا لهذه الليلة العالم المدقق والناقد البصير وذي القدرة البحثية المتميزة في تحليل النصوص وصاحب الأسلوب الأدبي المتميز الدكتور أبو بكر باقادر، ولا أملك إلا أن أتقدم لك بواجب الشكر على ما بذلت وتبذل في خدمة العلم والثقافة والتواصل مع حضارة العصر الحديث فبارك الله لك في علمك وعملك وأمدك بتوفيقه لنحتفي ونسعد دوماً بالجديد والمفيد من عطائك ومنجزاتك العلمية الثرية، سؤالي لضيفنا الكريم: مصطلح لاهوت المثاقفة من المصطلحات الحديثة المتعلقة بحركة التجديد والاجتهاد في الإسلام وإعادة البنية التأويلية العميقة للعالم الذي لا يزال محدوداً في المباحث الكلامية والعقيدية الإسلامية مقارنة بثرائها في المسيحية، حبذا إعطاء بعض الإضاءات حول هذا المصطلح الجديد وتقاطعه ما بين الإنتروجي واليوتولوجي والأنثروبولوجي، ومقدرة هذا المصطلح على التفاعل مع مختلف السياقات الثقافية والتي أصبحت مطلباً في هذا العصر، شكراً لكم.
الدكتور أبو بكر باقادر: والله لا أريد أن أطيل، ولكن إذا أنت مهتم بالموضوع، فقد نشرت مجلة قضايا إسلامية معاصرة ترجمة لي لبحث طويل عما يسمى باللاهوت الاجتماعي البروتستنتي المعاصر، وما تخلص إليه هذه الدراسة يؤكد على أن معظم ما حدث في الولايات المتحدة من مؤشرات أدت أو كان من نتاجها كل ما نشاهده من أعمال رائدة اجتماعية، سواء كانت في التنظيم الاجتماعي أو الخدمات أو الجامعات أو الحدائق أو سواه إنما كان يقوم به علماء لاهوت. منذ البداية، فكروا في كيفية أن تكون عبادة الله ورضاه متمثلتين في حياة المدينة، والتي تقوم على كيف يمكن أن نواجه القضايا، وهذا يشدني أنه، للأسف، أصبح في أذهان بعضنا ارتباط كثير من الرؤية الدينية باعتبارها رؤية متشددة تحول دون ما يمكن أو يُفضي إلى إسعاد الناس في حياتهم الاجتماعية.
أيضاً، ستصدر إن شاء الله قريباً عن مجلة قضايا إسلامية معاصرة دراسة مطولة حول (فاتيكان 2)، يعني وثيقة فاتيكان 2 التي عملت تغييرات جذرية في نظرة المسيحية، وكانت تدور حول قضية تشغلنا اليوم في الإسلام، وصاحب البحث أشار إليها تماماً، ولكن كان حديثه منصبّاً على المسيحية، وهي قضية العلاقة بين السياسة والدين، وهل الدولة الحديثة القومية التي من مواطنيها من ينتمون إلى مذاهب وأديان مختلفة مطالبة بأن تكون ممثلاً وذراعاً علمانياً قوياً لمذهب واحد أو رؤية واحدة؟ أم أن ذلك يتعارض مع بديهيات المجتمع القائم على ما يسمى بالدولة القومية الحديثة، وينتهي إلى قول بأن ذلك لا يتعارض وأن الفاتيكان 2 كان مصيباً حينما قال بوجوب أن تكون الدولة محايدة ودافعاً لحرية المعتقد للمواطنين، تأسيساً على أن المسيحية في أيامها الأولى قبل أن تختطفها الكنيسة والباباوات كانت في واقع الأمر كل ما تطالبه أيام اضطهاد المسيحيين الأوائل، أو دعنا نقول المسلمين في العصر المكي، إنما هو إعطاؤهم الحق في أن يتعبدوا الله بحرية، ولا يحول بينهم وبين قدرتهم على تبليغ ما يؤمنون أو يعتقدون به لكن دون أن يعني ذلك إلغاء الآخرين أو تهميشهم.
ويبدو، وللأسف، أن الدراسات الحديثة أصبحت في ما يتعلق باللاهوت، لأسباب كثيرة جزء منها الإسلام السياسي، تجعل ما هو رحباً يصبح قائماً على سدٍّ، وصفه البعض بأعلى سد في العالم وهو سد باب الذرائع. فالإسلام في بداهته الأولى، وفي أصله، هو الإباحة ولأن المطلوب هو تحقيق مقاصد الشريعة التي من محصلتها وهدفها أن تحقق السعادة للإنسان في حياته الدنيا، وحينما بدأت فكرة المقاصد عند إمام الحرمين الجويني كان الكلام ليس موجهاً فقط لدائرة المسلمين بل تحقيق لكلام الله عز وجل أنه جعل لكل الأمم منهاجاً وطريقة وأن الهدف من هذا المنهاج هو تحقيق تلك المقاصد؛ وبطبيعة الحال،يمكن المقاصد اليوم أن تتوسع أو أن يعاد تفسير الجوهرية منها التي قال بها فقهاؤنا القدماء.
إذاً، أنا أتمنى، كما كان أجدادنا، أن تكون لدينا رحابة صدر وقبول للمختلف، إذ إن علماء ديننا هم من ابتدأوا دراسات المقارنة.. إلا أنها لم تكن على غرار ما وجدناه في القرن السادس والسابع عشر في أوروبا في ما سمي بمحاكم التفتيش. إن الكلام كان على المعتزلة والمرجئة وكافة الفرق والأديان لكنه كان يقوم على احترام وتبادل الآراء. ونردد ما كان يقوله علي بن أبي طالب: "إن كنا على صواب فإن شاء الله الجنة مثوانا وإن كنا على خطأ فكنا على الأقل ملتزمين بالقيم الإنسانية التي تحترم الجميع". اليوم، للأسف، هناك من يريد أن يقنعنا أن مزيداً من إيماننا ومزيداً من تمسُّكنا بديننا أن نكون أضيق بما حلله الله وسمح به، والأمثلة على ذلك كثيرة ويطول المجال.. ولكن سؤال ملغوم.. واضح.
عريف الحفل: قسم السيدات، هل تبقى لديكم أسئلة؟
الأستاذة نازك الإمام: نعم، لدينا نحو ثلاثة أسئلة، هنا سؤال من صفاء عبد المجيد الزهراء من جامعة الملك عبد العزيز فلتتفضل.
السلام عليكم، لقد لاحظت من خلال دراستي لعلم الاجتماع أن التدريس غالباً ما يعتمد بشكل كبير على الناحية النظرية، أما الناحية التطبيقية العملية فيكون لها نصيب ضئيل جداً والسؤال هو: هل هذا برأي الدكتور الفاضل أمر سليم؟ وشكراً لك.
الدكتور أبو بكر باقادر: لا الجواب ليس جميلاً، والحقيقة لا يمكن أن نفكر بدون أُطر نظرية، لكن رأس المال الحقيقي للعلوم الاجتماعية هو ما نراقبه ونلاحظه وندرسه في الواقع، وما دمت مهتمة أرجو أن تطلعي على الدراسة الأنثروبولوجية التي قمت بعملها مع الدكتورة ثريا التركي بعنوان "جدة ومراحل الشدة"، والتي حاولت أن ترصد الآثار الكبرى بعد غزو الكويت، وما حدث بعدها من قلاقل عسكرية على تركيبة الأسرة، لنقول في تلك الدراسة أن الشأن السياسي والشأن الاقتصادي العام يؤثران في حيواتنا، ومن ثم النظرية تعيننا على تقبل ذلك الواقع. أما دراسة الإطار النظري، وهذه حقيقة الأمور، وأنا أستخدم تعبيراً غاية في السوء والبداءة، وأرجو العفو منكم مسبقاً، أقول: إن العلوم الاجتماعية أُقصيت.. والعلوم الاجتماعية جاءت إلى العالم العربي والجامعات العربية زيادة في تكملة الديكور، وإلا فإن العلوم الاجتماعية بطبيعتها علوم معاكسة تسعى وتهدف إلى (un covering) كشف المستور وتعرية الواقع. ولهذا، فإن الأنظمة اليمينية في العالم غالباً ما تستهجن وتشعر بالضيق من علماء الاجتماع لأنهم (لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب). ينتقدون كل شيء، إذ إن مفهوم علم الاجتماع أصبح عندنا موازياً للعلاج، أو أداة لتسلط الأنظمة لتجمع المعلومات حتى تستطيع أن تسيطر على الناس أو شيء من هذا القبيل. لكن العلوم الاجتماعية الحقة هي تأملات وتصورات تدعمها صرامة تقنية في جمع المعلومات، سواء كانت معلومات كمية أو كيفية من أجل السعي ليس كما قال بعض الزملاء وجزاهم الله خيراً، وهذا رأي عند بعض العلماء الوصول إلى القوانين، وإنما هو الوصول إلى تفسير هذه الظواهر -uncovering- أي تعرية المجتمع.
إن عالِم الاجتماع هو مثل شخص جالس على جنب الطريق يراقب،ويلاحظ، ولكنه مُدرَّب بما يقوله فلاسفة العلم بالقدرة على الرؤية، أي ليس كل واحد منا يمتلك هذه الميزة، ولكن المُدرَّب في العلوم الاجتماعية يستطيع التنبه إلى أشياء ربما قد لا تلفت نظر الناس؛ فضلاً عن امتلاكه قدرة استشرافية في معرفة نتائج الأمور إذا استمرت كما هي. درست مادة علم الاجتماع الحضري لسنوات طويلة، وكان يقال لنا من مدرسة شيكاغو والمدارس الحضرية الكبيرة أنه إذا وصلت المدينة إلى ما يربو عن المليون فإنه يصبح من الصعب السيطرة عليها وإدارتها، ومن ثم تتكون فيها أحياء عشوائية ومراكز إجرام ومخدرات وغيره. وحينما كنا نذكر هذا الأمر على مسامع بعض الناس، كانوا يحتجون بأنهم مجتمع متراحم ومجتمع ملائكي، فأعتقد أن اليوم كثيراً من الناس سيوافقون أن فعلاً ما كان حميمياً وما كانت تتميز به طريقة الحياة الحضرية التقليدية في مدننا الصغيرة لم يعد قائماً على الإطلاق، ولا علاقة له بأننا ملائكة أو شياطين، وإنما لأن طبيعة الحياة الحضرية بحسب ما شاهدها ودرسها ورصدها وحللها العلماء تفضي إلى هذا، أي هذه النظرة الحيادية الموضوعية هي في نظري ما يؤصله. أما حينما تدرس العلوم الاجتماعية -وأنا أخبركِ يا أختي- والله لدي مفارقات عديدة يعني بعض الطلاب أخذ عندي A واحتفل بعد تخرجه، فأردت أن أستعرض به أمام أحد أقاربه فسألته، الفرق بين المدينة والقرية. ... أي كيف ترى مدينة جدة؟ فقال والله لا أعرف، إلى أن ذكرته فقال نعم حافظها.
فالعلوم الاجتماعية ليست متوناً تحفظ، وإنما ملاحظات يتفاعل بها الإنسان مع هذا الواقع، ولا يمكنه أن يقوم بهذا التفاعل ما لم يُدرَّب على ذلك. وأقول، للأسف، إننا لم ننجح في الجامعات بقدر كبير على تأهيل ما نجد. في الفترة الأخيرة تحديداً، أعداد كبيرة من الباحثين الغربيين بالذات (فرايتاج)، التي كرمتموها هنا، فما رأيك في عشر رسائل لباحثين أصبحوا يتكلمون عن جوانب من المملكة بشكل عميق وتفصيلي كأنهم يعرفونها أحسن منا. على الرغم أني أدرك أنهم لا يعرفون ما نعرف، لكنهم يعرفون كيف ينظمون أسئلتهم وينسقون خبرتهم الميدانية التي جمعوا من خلالها المادة لتصبح هذه التشكلات وهذه التحولات التي يمر بها مجتمعنا ذات معان لعلها مدهشة بالنسبة إلينا، وليس معالجتها معالجة أخلاقية مسطّحة وفارغة.
عريف الحفل: سؤال للأستاذ خالد صالح باقادر، مدير الشؤون المالية بهيئة المساحة الجيولوجية.
السلام عليكم، نشكر الشيخ عبد المقصود خوجه على هذه الليلة الجميلة وكرم الضيافة، سؤالي الحقيقة لابن عمي وأفتخر بذلك، دكتور أبو بكر باقادر هل نستطيع تعريف المعرفة عامة بأنها تراكم للخبرات من قراءة واطلاع واحتكاك أم لا بد أن تقترن بمؤهل علمي وتعليم أكاديمي؟ شكراً.
الدكتور أبو بكر باقادر: إن معظم الأفراد الذين أبدعوا في أي حقل من الحقول لم يكن شرطاً ما تحصلوا عليه من شهادات قي هذا المجال... طبعاً لاحقاً يصبح إتمام ذلك البِداء يتطلب ما يسمى (displaying) أي الانضباط المعرفي، لكن كثيرين ممن اخترقوا الآفاق، كإبن خلدون مثلاً كان قاضياً، نحن الآن نتحدث عنه كمؤرخ وعالم اجتماع. ما أود أن أقوله هنا، وأرجو أن يصدق حدسي هو النظر إلى الفرد ليس فقط عبر المعلومات التي قد تعرّف عنه اجتماعياً، ولكن عبر نوعية الأسئلة ونوعية الملاحظات؛ لأنها هي التي تنم عن عقل يقظ، فالمعرفة في الأساس هي تراكم يفضي إلى مزيد من الأسئلة ومزيد من الحيرة، أما ما درب الناس عليه الآن، وأنا أشفق صراحة على الجيل الجديد لأن العم (google) أصبح فقط يعطي الإجابة بكلمة، وكأن هذه الأسئلة الخالدة والأسئلة الإنسانية التي تصقل الإنسان وترسم وجوده وتسمو به، هي المعرفة التي تدفعك إلى أن تستبطن تجربتك لتعيد التفكير والتمعن فيما ترى، وأؤكد لك أن الإنسان لديه قدرة كامنة كبيرة جداً، ولعل إحدى معجزاتها قدرة تعلم اللغة، فكلنا تعلمنا لغتنا الأم وأجدناها، ولو كانت لغتنا الأم متعددة اللغات لكان لنا نفس الحظ عينه من التعلم. تعلمناها بالبديهة، فنحن نملك إمكانات لاستبطان المعلومات والإفادة منها. لكن، للأسف، إن ما رُسخ في الأذهان، وخصوصاً من جانب المدارس، إلى أن المعلومات في الأوراق وليست في الملاحظة والمشاهدة والقدرة على السؤال. بطبيعة الحال، إن السؤال الذي لا يكون قائماً على ذلك يكون في الغالب يحدث كما يحدث عند الأطفال في البديهيات والأسئلة العميقة، ولكن قد يكون أيضاً سؤالاً سطحياً لا يحتاج إلا إلى إجابة تُحفظ، لكن الأسئلة المثيرة هي الأسئلة التي تحيل الإنسان على ما تراكم من معرفة ومر بها في حياته.
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات تفضلت.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من المهندسة ميسون عبد الغني حاووط، فلتتفضل.
سعادة الأستاذ الدكتور أبو بكر أحمد باقادر ذكرت أن ليس هناك مدرسة عربية في علم الاجتماع، هل ما زال هذا الوضع على حاله أم إن هناك بدايات تشكيل هذه المدرسة؟ شكراً.
الدكتور أبو بكر باقادر: لا أنا لم أقل أنه لا توجد مدرسة. وكتبت كثيراً في هذا السياق، لأن هذا جدلنا في قبيلتنا أي قبيلة المختصين في علم الاجتماع. على العكس، كانت هناك مدارس ولكن الإشكالية هي في تقييمنا لها. ما أردت قوله، وقد قلته في سياقات أخرى، إن ما نشاهده، للأسف، وتحديداً من جانب مدرسة عربية معينة كان لها تأثير كبير في بعض الأوساط العلمية والأكاديمية حولت الدراسات الاجتماعية إلى نُقُول بعيدة من واقعنا الاجتماعي، مما جعل العلوم الاجتماعية كأنها علوم لا علاقة لها بواقعنا، مما أضعفها في نظري رغم ثراء منطقتنا وأصبحت تشكل صناعة؛ وأنا أكاد أقول لكِ، وأنا متابع، أعتقد إن شاء الله لا يكاد يخلو عام من أربع إلى خمس دراسات متميزة أو عشرات المقالات عن العالم العربي، لكننا نجد في هذا النوع من المدرسة ما يعكس ذلك.
المدارس الثرية في علم الاجتماع كانت في عهد الاستعمار، فهناك مدرسة ثرية جداً في شمال أفريقيا، ومدرسة ثرية جداً في السودان خصوصاً وعلى أيدي الأفروكليجيين الإنجليز، كانت لهم نظريات هي موضع النقد وموضع تفاعل أيّهم فيه علماء اجتماع عرب يعني مبرِّزين بعضهم يعمل في الغرب. للأسف لا يجدون، وكما أخبرتكِ، أن العلوم الاجتماعية هي علوم نقدية لا تروق للسياسي، لم يجدوا المواقع التي يتطلعون لها في مجتمعاتهم، وبعضهم يعمل ولكن بشكل خافت في المجتمعات العربية. لا أريد أن أطيل كثيراً في هذا الموضوع، وبطبيعة الحال هناك أسماء عديدة وفي معظم جامعتنا هناك أقسام للعلوم الاجتماعية. ولكن المشكلة هي في تحول هذه الاقسام إلى مدارس تدريسية لا تنفق على البحوث العلمية، وهنا أعود لـ بن ديفيد وكلامه على المؤثرات الاجتماعية والسياسية التي تشكل محضناً لتطور الإنتاج العلمي، والذي يحتاج إلى بيئة، ومال، وفسحة تروج له وتنشره، وهذا أمر للأسف غير متوافر في بلداننا. ولكن الأمر المثير للضحك أن هناك عشرات الكتب بالإنجليزية والفرنسية والألمانية تتناول النواحي الاجتماعية في عالمنا العربي، وخصوصاً بالإنجليزية والفرنسية تتحدث عن مظاهر وظواهر كبيرة جداً.
في اليوم الماضي، اطلعت على دراسة لباحثة راجعت فيها الدراسات التي أثيرت في العقد الأخير، وكانت تربو على 400 دراسة. إذاً، العالم يعرف عنا الكثير، وقد درس جوانب كثيرة من حياتنا من النوع (Grender) "جندر" والسياسة والشباب والتيموجرافيا والتنظيمات الاجتماعية والقانون والثورة والاتصال وغيرها، لأنهم ينفقون الأموال لإدراكهم أن المعرفة قوة كما يقول لنا فوكو، وكما قال الكثير من العلماء. من يعرف أكثر يستطيع إن كانت لديه المؤسسات والوسائل توظيف تلك المعرفة. وأعتقد ما واقعنا القائم إلا نتاج غياب العلوم الاجتماعية، إذ للأسف قد سيطرت -على الأقل دعنا نقول في بلادنا- بدل العلوم الاجتماعية علوم تقدم نفسها على أنها تمثل كلام الله، ونحن كلنا نقدر كلام الله، لكن كما قلنا حينما تأتي مسألة الفقه فإنها إنزال النصوص على الواقع، ومن لا يملك الآلية لفهم الواقع تكون أحكامه إما بعيدة من التعامل مع هذا الواقع أو إنها تعامل واقعاً لم يعد قائماً. لهذا، فإني أتمنى من هذا المنبر أن تحظى العلوم الاجتماعية أولاً بالنابغين من الطلبة لأن الجامعات ولله الحمد لا تترك أقساماً من العلوم الاجتماعية إلا "النطيحة وما أكل السبع" إلا إذا كان الشخص عنده اهتمام خاص، وأن تقوم الأمم بتغييرات جذرية بناءً على معلومات نقدية حقيقية حرة تتمكن من خلالها استشراف جوانب من آفاق التغيير التي يمكن أن تواجهه.
عريف الحفل: ومن ميسون إلى أبيها بطرح الأسئلة، حقيقة توافق بالصدفة.. المهندس عبد الغني حاووط هل أنتم متفقون مع ابنتك على هذا التوقيت في طرح الأسئلة؟
السلام عليكم، الدكتور أبو بكر في علم الاجتماع علم سجون وإصلاحيات، لكن هل السجون في الوقت الحالي تساعد في تقليل أثر الجريمة أم إنها تحصن من نوعيتها باكتساب السجناء الجدد خبرات ممن سبقهم من أصحاب السوابق وذلك بتعلم جرائم جديدة وتفادي الأخطاء بإخفاء الأدلة، في الواقع الكل يخاف على ابنه من دخول السجن لأي سبب كان، فإن دخله رمداً يخرج أعشى عندها سيشير المجتمع إليه بأنه خريج سجون؛ فهل السجون بواقعها الحالي سبيل إصلاح أم إفساد، وألا يجب مراجعة فلسفة السَجْن من أساسها؟ وشكراً.
الدكتور أبو بكر باقادر: والله ليس السائل بأقدر على المستفتى للأسف ما يؤكده لنا كثير من كبار علماء الاجتماع أن الأشخاص الذين يشعرون بالكراهية إزاء المجتمع ومعدلات الرجوع سواء في المخدرات أو في السجون عالية جداً في كثير من المجتمعات، مما استوجب نظريات ودراسات عديدة.
من خلال ما اطلعت عليه، أولاً مؤسسة السجن التي نحن أتينا بها إما من الغربيين أو أتينا بها في فترات يكون الحاكم فيها سفَّاحاً؛ وإلا فإن هناك خيارات عديدة منها العمل في الخير العام، في المصلحة، في الاستتابة، في الإرشاد، في محاولة صرف الناس عن أن يدخلوا في مثل هذه الأعمال، وما كتب الوعظ والإرشاد إلا وسيلة من هذه الوسائل. أعتقد، ويا للأسف، أن كلامك صحيح. فهذه المؤسسات، وإن سميت إصلاحيات، إلا أن الفكر الذي يديرها يحتاج أن يتغير كثيراً ويحتاج أن تُناط إدارتها بأشخاص هم فعلاً حريصون على أن تكون مرحلة المرور بهذه التجربة ليس لها سلبيات في ما يليها، وإنما هي مرحلة عابرة إن حدثت من أجل إنفاذ القانون واحترام هيبة حقوق المجتمع، وهذا يبدو أمراً صعباً في العصر الحديث الذي أصبحت فيه وسائل التنكيل قد سُيِّسَت وأصبح السجن كما لو كان وسيلة لإرهاب وتخويف الناس وليس لإصلاح أخلاقهم وسلوكهم.
عريف الحفل: السؤال الأخير من قسم السيدات ويتبعه سؤال أخير من قسم الرجال نختم بهما هذه الأمسية، تفضلي نازك.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال الأخير باسم جميع الحاضرات، الأستاذ الدكتور أبو بكر بما أنك ذكرت ترجمتك لبروب فهل فكرة (موروفولوجيا) الحكاية هي الدافع وراء مشروعك لترجمة الحكايات الشعبية المحلية للغة الفرنسية؟ شكراً.
الدكتور أبو بكر باقادر: والله قد يكون، لكني اشتركت مع اليونيسكو في مشروع وجدت أن له أصداء عجيبة جداً، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، أن كثيراً من ألوان الحكمة تقوم على الحكاية الشعبية وتحديداً فيما يتعلق منها بالبيئة والحياة اليومية، بمعنى أن كثيراً من المعلومات التي صاغها الكبار حول البيئة والطبيعة والتواصل بين الناس، ممكن أن يكون زاداً ورأس مال مهم لمواجهة كثير من الضعف في العلاقات الحميمية التي نشاهدها اليوم. فتغليب المصالح والماديات ربما يجعلنا نهمل كثيراً من الواجبات الاجتماعية إذا ما قسناها على ميزان الحكمة للصعود أو الحراك الفردي.
أعتقد أننا مغزوون كثيراً من خلال وسائل الإعلام بالحكايات الشعبية التي تحمل مضامين وأحياناً معتقدات وأفكاراً من خارج بلادنا، وعلى وجه الخصوص من أفلام الكرتون التي تَقدُمُ إلينا من الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب عامة واليابان بخاصة. أعتقد أن إحدى الجنايات التي فعل من دورها أدباء العربية الفصحى إهمالهم لكنوز الحِكَم التي تأخذ قالباً بسيطاً شعبياً يدخل إلى وجدان الناس وكان قد كَوّن كثيراً من تبصرهم وحكمتهم، فليتنا نعود إليها ولكن بقوالب وأساليب تتماشى مع العصر الحديث، آمل أن أسهم في شيء من هذا، لكن الطموح كبير والإنسان خبير بزملائه.
عريف الحفل: السؤال الأخير للمهندس معين فضل عثمان.
السلام عليكم ورحمة الله، سعادة الدكتور هو خريج جامعة البترول، ويعرف أن في الجامعة بعض الطلاب الذين يقصرون في آدائهم يخرجون إلى جامعة أخرى فيبدعون وهذا يدل على مستوى رفعة الجامعة ومستوى العلوم الأكاديمية بها، لكن سعادة الدكتور أبو بكر عكس الموضوع إذ اجتاز الصعوبات وحصل على الشهادات العليا في العلوم التطبيقية، ثم غيّر مجاله واتجه إلى العلوم الأدبية والاجتماعية، فهل لك أن تعطينا بعض التفصيل عن ذلك؟
الدكتور أبو بكر باقادر: والله لا توجد أسباب وإنما جاءت بالصدفة، وكما قلت لك أنا لدي فضول وحب مراقبة الناس ولكن بشكل منظم، فهذا أدى إلى ذلك فلا توجد أي أسباب.
 
طباعة
 القراءات :209  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.