شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة لسعادة الأستاذ السيد أمين عبد الله القرقوري
مدير عام مؤسسة البلاد للصحافة والنشر ))
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أيها الإخوة في العقيدة.. العقيدة الصامدة المجاهدة المكافحة التي تواجه أعتى التحديات في هذا العصر من مختلف القوى التي تعمل جاهدة على تدمير الإسلام وعلى إيقاف مسيرة أمته الإسلامية نحو الوحدة ونحو التقدم ونحو الازدهار... أيها الإخوة في هذه العقيدة، الإخوة في الانتماء لهذا الوطن الكريم المقدس... المتطلعين إلى مستقبل مشرق لعقيدتنا التي سينصرها الله تعالى رغم كل الأعداء ورغم كل التحديات، أحييكم تحية طيبة، وأود أن أؤكد لكم أنني سأتحدث إليكم بالصدق وحده، وسأتحدث إليكم بتجرد كامل للحقيقة دون أية مجاملة، ودون تأثر بالعلاقة الشخصية الوطيدة التي ربطتني ليس بالدكتور أنور عشقي، بل كانت البداية مع والده المربي الكبير السيد ماجد عشقي. لقد كان السيد ماجد عشقي مديراً لمدرسة ابتدائية في المدينة المنورة حين كان مدير المدرسة في تلك الفترة يمثل عميد كلية... وكان بالنسبة لجميع رجال التعليم في المدينة يتميز بشخصية ذات مهابة خاصة... فكان الناس حين بدأت أتصل به وأحرص على زيارته وعلى الاستفادة منه وأنا في بداية مرحلتي الحياتية الوظيفية حين بدأت مدرساً في مدرسة دار الأيتام في المدينة، كان الناس يعجبون ويدهشون لهذا الفتى الذي يجرؤ على زيارة السيد ماجد عشقي، وعلى الجلوس إليه، وعلى التحدث معه... ذلك لأنه كان شخصية ذات مهابة خاصة، وأذكر أن الأديب الكبير عزيز ضياء وصفه في مذكراته بأنه رجل أرستقراطي، ولقد أصاب في هذا الوصف لأنه من أسرة عريقة كريمة، من أعرق الأسر في المدينة، وقد كان أحد رجال هذه الأسرة وهو السيد الشيخ عبد العزيز عشقي مستشاراً لدى أحد الخلفاء العثمانيين، كما كان السيد أنور عشقي جد الدكتور أنور رئيساً لبلدية المدينة في وقت كان فيه هذا المنصب يمثل أهمية كبرى ولا يسند إلا لشخصية ذات وزن عظيم وكبير، ولم يكن وجيهاً فحسب ولكنه كان مثقفاً وكان شاعراً.
أقول برغم هذا كله فأنا لا أتأثر بعلاقتي الشخصية بالرجل الكريم والكبير السيد ماجد عشقي رحمه الله، الذي كان من شخصيات المدينة المرموقة بعلمه وخلقه وسلوكه، ولكني سأتحدث عن نجم هذه الأمسية كما قلت بالحق وحده.. ولقد اعترفت لكم أن بداية إعجابي بالدكتور أنور عشقي ربما كان فيها جانب من عامل الوراثة إن جاز التعبير، لأنني كنت من المعجبين بوالده السيد ماجد عشقي، ولكني حين جلست إلى الدكتور أنور عشقي في أمسية من أمسياته بعد غيبة طويلة عنه فوجئت أنني أمام شخصية جديدة وأمام شخصية مثيرة، وأمام عقل يستحق الاحترام ويستحق التقدير، لقد فاجأني الدكتور أنور عشقي بأنه كبير كبير... ليس في خلقه فحسب، ولكن بثقافته الواسعة، وبقدرته على الاستنتاج والاستقراء، وبقدرته على تقديم معلوماته في نفس الوقت الذي نتحدث فيه، لقد فوجئت به حين يتحدث في التاريخ يذكر الأسماء والتواريخ والمدن وكأنه قد فرغ من مراجعتها لوقته، وفوجئت بأن هذا الرجل الذي درس العلوم العسكرية في البداية يتحدث كالعلماء في بعض المسائل الدقيقة التي كان يتحدث فيها علماء الكلام في السابق، بل ويقدم نماذج من الحوارات العميقة والدقيقة التي كانت تدور بين كبار العلماء، وجدت نفسي مشدوداً لأنور عشقي... هكذا بدون دكتور... الاسم لوحده يكفي، وجدت نفسي أزداد إعجاباً به، ووجدت نفسي وكأني مع أستاذ كبير... وكان عندما نتحدث في بعض المواضيع يبعث إلي بما يؤيد الطرح الذي تم في الأحدية أو في أي مجلس آخر، ولقد ذكرت إعجابي هذا للكثيرين ممن كانوا لا يحضرون الأحدية، وممن كانوا لا يعرفون الدكتور أنور معرفة حقيقية.
فحديثي عنه إنما هو صورة من واقع يلمسه ويعرفه الكثيرون... ولا ينكره أحد لأن الحقيقة الواضحة كالشمس لا تنكر.. الواقع أنني حين أتحدث عن الدكتور السيد أنور بن ماجد عشقي إنما أتحدث عن المثل الذي يمكن أن أقدمه ويقدمه أي مسلم للآخرين بأنه صورة للمسلم كما أرادها الله للمسلم، إنني أعتقد أن أنور ماجد عشقي خُلقه القرآن يقتدي بقدر الإمكان وبأقصى ما يستطيع من طاقة بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو يجمع بين العلم والعمل فلا يختلف تفكيره عن سلوكه، سلوكه هو سلوك المسلم الذي نواجه به الآخرين في هذا العصر، ما أكثر الذين ينتقدون المفكرين الإسلاميين لأنهم متطرفون، أو لأنهم يختلفون في سلوكهم عن شعاراتهم.. ولكن الدكتور أنور عشقي من نوع لا يختلف قوله عن عمله ولا يختلف سلوكه عن شعاراته.. لأنه كما قلت المثل الذي نقدمه للمسلم في هذا العصر.
مما يلفت النظر ويدعو للإعجاب والتقدير لهذه الشخصية الكريمة، شخصية الدكتور أنور عشقي، أنه برغم ثقافته الواسعة، وبرغم معرفته باللغات الأجنبية وإطلالته الدائمة على الفكر المعاصر إلا أنه لم يتأثر كغيره بالفكر الغربي، ظل صامداً في خندق الإسلام يرفع رايته، ويدافع عنه ويوضح حقائقه لأولئك الغافلين... أولئك الذين يلهثون خلف الغرب بترهاته ومغالطاته وأخطائه، هذا المثل نادر، لقد بلينا بكثير من المفكرين الذين تخلوا عن حقيقة الإسلام حين تبنوا الأفكار الغربية ولقد كتب الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله كتاباً بعنوان "حصوننا مهددة من الداخل"، الأمر الآن تجاوز التهديد، لقد أصبحت الحصون محتلة، أصبح بعض المفكرين الذين يزعمون أنهم إسلاميون يقولون أقوالاً ينسبونها إلى الإسلام وهي بعيدة عنه، ولعل مما يثير الحيرة والدهشة والاستغراب أن نجد بعض الذين يكتبون عن الإسلام كتابات تخالف عقيدته، يقدمونها على أنها هي الإسلام كما حصل من الدكتور نصر أبو زيد في كتاباته وغيره.. الدكتور أنور ليس من هذا النوع الذي جرفه تيار الغرب.. لقد عرف الغرب وعرف ثقافته ودرس هذه الثقافة بكل أنواعها ومجالاتها ولكنه كما قلت ظل واقفاً تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم.
نحن في هذا العصر نبحث عن رجل مثل أنور عشقي.. نحن في هذا العصر في أمسّ الحاجة إلى مفكر كأنور عشقي.. ذلك لأن التأثير الغربي أصبح قوياً وكاسحاً وفي حاجة إلى أفكار وإلى رجال مفكرين كي يدافعوا عن الإسلام وينافحون عنه وينقضون أباطيل خصومهم، الدكتور أنور يمثل هذه الصورة.
إننا في فترة عصيبة وأعتقد أن الإسلام برغم التحديات الكبرى التي واجهها في تاريخه ومنها التحدي التتاري والتحدي الصليبي لم يواجه قط في تاريخه الطويل المليء بالجهاد والثبات تحديات مثل هذه التحديات التي تواجهه الآن، التي حولت بعض رجاله وأبناء أمته إلى أحصنة طروادية للثقافة الغربية ولذلك حين نجد مفكراً كالدكتور أنور عشقي يعرف الثقافة الغربية ويأخذ منها ما يؤيد عقيدته ويرد على من يخالف هذه العقيدة، نجده يلبي حاجة الشعب المسلم، حاجة الأمة الإسلامية. تجده يرد على تطلعات كثيرة وعلى الأسئلة الحائرة يلقيها الشباب هنا وهناك يبحثون عن إجابة عنها... في هذا الإطار لعل من المدهش كما قلت عن نصر أبو زيد إن البعض يعتبرون أن الكاتب الجزائري محمد أركون وهو شبه نصراني في هذا الوقت في الواقع يعتبرونه مفكراً إسلامياً، ويعتبرون الطرح الذي يقدمه وينشره طرحاً إسلامياً، هذه الأخطاء وهذه المغالطات تحتاج إلى مواجهة لأن كثيراً من الشباب لا يعرفون أن هذا الطرح الذي يقدمه الدكتور فلان والأستاذ فلان هو مناقضة صريحة للإسلام وهو هدم لهذا الدين ومحاولة للقضاء عليه.
لعلنا جميعاً نعرف أن الغرب في صراعه مع الإسلام وهو صراع ليس جديداً فقد نبهنا الله سبحانه وتعالى فقال ولاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا إن التعبير هنا واضح ومعجز، القتال ليس من أجل الاستيلاء على الثروات وعلى المواقع الجغرافية، ولا الممرات المائية، القتال من أجل أن يردوا المسلم عن دينه، وفي الآية الأخرى يقول سبحانه وتعالى: ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ والآخرون يقولون غير هذا، يقولون إنه لا يوجد هناك غزو، إن الغزو هو فرع من هذه المعركة المستمرة، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم، بكل الوسائل، ونحن نستعرض بداية النهضة، أو الحركة التي يسمونها النهضة، نجد أن للنصرانية والصليبية ممثلة في بعض رجالها ومفكريها الدور الأكبر في نشر أفكار الغرب، ومنها القومية والإشتراكية، وقد جاءت نصوص كثيرة ذكر بعضها الأستاذان عمر فروخ في كتابة تفسر الاستعمار الغربي، وذكر البعض الآخر الدكتور محمد البهي العالم الأزهري الكبير في كتابه الذي اعتبره من أفضل الكتب العربية في هذا العصر "التفكير الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي"، إنهم يدركون أن القوة الوحيدة التي تواجه العالم الغربي وتهدد حضارته هي الإسلام... إنهم لا يهتمون بالحضارة البوذية والحضارة الصينية، يهتمون بالإسلام لأنه قوة خلاقة مبدعة، لأنهم يعرفون أنه القوة الوحيدة.
ومن الأدلة المختلفة أن الاستعمار عندما غزا العالم الإسلامي بدأ يطرح أفكاراً مزعومة، بعض هذه الأفكار حول إصلاح اللغة العربية، وحول اختصار الأحرف العربية، السؤال الكبير الذي يطرح على الغربيين في هذا المجال لماذا تفكرون في لغة العرب ولا تفكرون في اللغة الصينية، وفي لغات الشرق الأقصى التي توجد فيها مئات الأحرف؟ لماذا؟ إنهم يريدون أن يضعوا حاجزاً بين المسلم وبين لغته وقرآنه وتاريخـه وتراثه... وقد عملوا حين غزوا العالم الإسلامي على إنشاء المدارس والجامعات، ولعلنا نعرف جميعاً أن الجامعة الأمريكية قد أسستها الإرسالية التبشيرية الأمريكية، وقد ذكر أكثر من مؤلف أن الجامعة الأمريكية كانت تدرس التوراة من ضمن الدروس التي تقدمها لطلابها، وقد ذكر مؤلف كتاب "لعبة الأمم" أن 90 % من قادة القومية العربية هم من خريجي الجامعة الأمريكية، الحديث طويل أيها الإخوة الأحبة ولكن أريد أن أنقل إليكم كلمة قالها وزير خارجية إيران في عام 1967م بعد الهزيمة المنكرة التي حاقت بالعرب، قال في كلمة ألقاها في جامعة بريستون في نهاية عام 1967 قال: "إن بعض الزعماء العرب بدأوا يبحثون عن نسبهم الإسلامي ويجب أن نحاول إغراءهم للتمسك بنسبهم القومي لأن نسبهم الإسلامي خطر علينا وعلى الحضارة"... هذه حقيقة من الحقائق التي تجعلنا نكبر مفكراً يدركها كالدكتور أنور عشقي، إن الدكتور أنور عشقي في رأيي وكما قلت بكل الصدق وبتجرد للحقيقة دون غيرها هو من الصفوة القليلة الجديرة بالتكريم التي تم تكريمها في هذه الاثنينية، وهو جدير بكل تكريم وكل إكبار وكل تقدير، وأدعو الله تبارك أن يوفقه ويبارك في جهوده حتى يتم رسالته وحتى يقدم لنا ولشبابنا ولشاباتنا الإجابات المقنعة عن الأسئلة الحائرة التي يبحثون عن إجابات لها.
وفقه الله ووفقنا جميعاً.. وشكراً لكم.. وشكراً لصاحب الاثنينية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :763  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج