شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
منبر النادي مفتوح بالاستئذان.. فلماذا هذا الجنوح والتطاول يا هؤلاء ؟!
منذ منتصف التسعينيات الهجرية أنشأت الدولة الأندية الأدبية لرعاية الشأنين الثقافي والأدبي ضمن قنوات رسمية معترف بها، وهي قنوات يحميها النظام العام للدولة.
وكانت الشخصيات الأدبية التي تدير هذه الأندية لها تاريخها العلمي والفكري والأدبي المعروف، ولعلي أركز هنا على نادي المدينة الأدبي الذي كان إنشاؤه امتدادًا لأسرة الوادي المبارك، والتي كان يقيمها أعضاء هذه الندوة الفاعلة في دورهم من أمثال الأساتذة الكرام: محمّد سعيد دفتردار، وعبدالعزيز الربيع، ومحمّد هاشم رشيد، وعبدالرحمن رفة، وعبدالسلام هاشم حافظ، وعبد الرحمن رفة، وماجد أسعد الحسيني، ومحمّد العامر الرميح، وعبد الرحيم أبو بكر –رحمهم الله– وثلة أخرى ممن بارك الله في علمهم وحياتهم من أمثال المربي والفقيه والأديب المعروف الأستاذ محمّد حميدة، والشاعر الكبير حسن الصيرفي، والدكتور والباحث محمّد العيد الخطراوي، والشاعر الأديب محمّد كامل خجا، والأستاذ والمربي عبد الرحمن الشبل، والأستاذ والمربي والمؤرخ ناجي حسن الأنصاري، والأستاذ والمربي محمّد صالح البليهشي، والأستاذ والمربي جعفر سبيه، وقد أدت هذه المجموعة والصفوة المباركة دورها في الحياة الثقافية والأدبية، في مدينة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ولم نسمع في يوم من الأيام على امتداد ما يقرب من خمسين عامًا من هذا التاريخ الحافل والمضيء أن جمهور المثقفين في المدينة شكك في التوجهات الفكرية لهذه المجموعة، أو اعترض على برامجها أو مطبوعاتها التي تجاوزت دائرة المدينة إلى دوائر أخرى في الوطن على امتداده الكبير.
وعندما قامت وزارة الثقافة والإعلام في عهد وزيرها الطموح معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني، ووكيله للشؤون الثقافية الزميل الدكتور عبدالعزيز بن محمّد السبيل بتعيين مجالس جديدة لهذه الأندية ومن بينها نادي المدينة، فلقد اختارت مجموعة من الرجال المشهود لهم بالصلاح والكفاءة، فرئيس النادي هو الدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، والذي خلف منذ مدة الأستاذ محمّد هاشم رشيد –وقبل التعيينات الجديدة– في إدارة شؤون النادي وهو خريج جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية، ويرأس مجلس إدارة مركز بحوث ودراسات المدينة، إضافة إلى عمله عضوًا في إحدى دورات مجلس الشورى السعودي، ونائبه الأستاذ محمّد إبراهيم الدبيسي.. هو خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ويبذل جهودًا كبيرة في إخراج مجلة آطام الأدبية، ومن أعضاء النادي في هيئته الجديدة الزميل الأستاذ الدكتور محمّد يعقوب تركستاني وهو خريج جامعة أم القرى – كلية الشريعة– وتبوأ مراكز عدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة، إضافة على جهده الأدبي والصحافي في ملحق التراث الذي كان يصدر عن صحيفة (المدينة)، وأستاذنا ناجي حسن الأنصاري، هو خريج كلية التربية بمكة المكرمة، وعهد إليه بمهام إدارية وتربوية عديدة منذ تخرجه في منتصف الثمانينيات الهجرية، والدكتور يوسف أحمد حوالة، وهو خريج كلية الشريعة–جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وكان عميدًا لكلية التربية بالمدينة، وله من النشاط الإداري والفكري خارج أسوار الجامعة مما لا يمكن حصره الآن، وكذلك الأساتذة الكرام: عيد الحجيلي، ومحمّد الصفراني، وصالح المطيري، وهم مؤهلون علميًا في تخصص اللغة العربية من جامعة الملك عبدالعزيز وزميلهم الكريم المهندس حمود الحربي وهو خريج جامعة الملك سعود بالرياض، ولعلي استرسلت في أمور بديهية عن أعضاء النادي الأدبي في المدينة القدماء منهم والمحدثون لأثبت بأنهم من خيرة رجال الثقافة والفكر والأدب في مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والتي عرف أهلها شرع الله، وصفاء العقيدة وصراط الله المستقيم والمحجة البيضاء، منذ أن هاجر سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة، واختارها الله لتكون منطلقًا لرسالة الإيمان والعلم والحضارة الإنسانية ومثوى لسيد البشر وشفيعهم عليه صلوات الله وسلامه، والله عز وجل هو من اختار جيران هذا النبي الخاتم ودعا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لهم ولأبنائهم وأحفادهم بالخير والبركة من مغبة الإساءة إليهم، وأن الله سوف يذيبه كما يُذيب الملح في الماء، أو كما قال صلّى الله عليه وسلّم.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تحاول جماعات إقصائية ومتشددة الاعتراض على برامج نادي المدينة – التي اختارت الدولة أعضاءه لكفاءتهم وهي أعرف بمساراتهم الفكرية- والله وحده العليم بما تنطوي عليه عقائد الناس، وقد نهى الشارع عن التشكيك في عقائد المسلمين بل ذهب الإسلام في منطلقاته الإيمانية العميقة إلى أبعد من ذلك، حين حرم قتل المشرك الذي ينطق بشهادة التوحيد وهو تحت سلاح الخوف من المؤمنين في المعركة، فلقد روى المقداد بن عمرو الكندي رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقتله، فقال يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقتله، فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال رواه البخاري في كتابه المغازي، باب (12) 5/19، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأين بعضنا من هذه السماحة التي ضرب صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلاً أعلى في الاقتداء بها، وهذه الضوابط الشرعية الدقيقة، إضافة إلى الرحمة والشفقة والسماحة التي عرفت بها سلوكياتهم، فهي التي جعلت الأمم الأخرى ترحب بهم، ففتحوا البلاد بالكلمة الطيبة، ولهذا وصف بعض المستشرقين المنصفين بأن البشرية لم تعرف ديناً متسامحًا كما وجدته في الإسلام وتعاليمه، والمسلمون لم يهدموا معبداً ولم ينبشوا قبرًا في تاريخهم الحضاري بكامله.
ما حدث في نادي المدينة الأدبي في الأسبوع الماضي والتي كان موضوعها الآثار النبوية، والتي شارك فيها الشيخ الفاضل الدكتور عمر حسن فلاتة–المحدث بالمسجد النبوي الشريف والأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة طيبة، والزميل الدكتور أحمد الشعبي الأستاذ بجامعة طيبة، والذي يحمل شهادة الليسانس ودرجة الماجستير من الجامعة الإسلامية، ودرجة الدكتوراه من جامعة أم القرى، فكيف يواجه بتهمة الشرك الخطيرة كما ذكرت صحيفة الوطن (الخميس18 شوال 1427هـ)؟! الدكتور الشعبي ولد لأبوين مؤمنين، وتلقى تعليمه في أكثر الجامعات حرصًا على نقاء العقيدة وسلامة المعتقد والسلوك، نعم إن ما حدث في تلك الندوة من لغط وتشويش قامت به مجموعة لم تأت كما أخبرني بذلك نائب رئيس النادي الأستاذ محمّد الدبيسي لتحاور وتناقش وفق مقتضيات العقل والحكمة، ولكن ليعترض أفرادها المشككون على ما ذكرته المحاضرة من أدلة شرعية دعت إلى ضرورة المحافظة على الآثار النبوية والتي وجدت من العصور الإسلامية الأولى، وهي خير القرون، وأهلها من التابعين وتابعي التابعين.
وذكرت الوطن (18 شوال 1427هـ) أن أستاذًا جامعيًا اعتلى المنبر دون استئذان من رئيس النادي الذي كان يدير الجلسة والاستئذان شيء يسير، وهو من مقتضيات الأدب مع مسؤول تم تعيينه رسميًا للإشراف على النادي وتسيير أموره، أما أن يتقمص بعض الحاضرين دور المسؤول الأول فهذا شيء يرفضه كل من يتولى أمانة ومسؤولية، وكان بإمكان هؤلاء الأخوة التنسيق مع رئاسة النادي سواء عند صعودهم المنبر للتعليق أو الاعتراض البعيد عن صور التشكيك المرفوضة، وتوزيع ما يحملونه من كتيبات ومنشورات، وبإذن المسؤولين بداية، فهذا أسلوب الأدب الذي نحسب طلبة العلم أدرى الناس به، وأكثرهم احتفاء بمقاصده، أما التشويش والجلبة ورفع الصوت وإشاعة التشكيك، فهي من الأساليب الغوغائية التي تؤدي إلى نتائج عكسية تفسد الأمن والهدوء الذي تميزت به بلادنا منذ توحيدها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، وإذا كان لدى هذه المجموعة – التي أفسدت هذه الندوة، ومرشحة لأن تفسد سواها– اعتراض على من رشحتهم الدولة لإدارة هذا النادي – وبالطبع فإن الجهات العليا لا ترشح إلا من ترى فيهم الكفاءة بالطرق النظامية المعهودة– إذا كان هذا هو ما يدفعهم لاتخاذ هذا الأسلوب المنفر والمرفوض فعليهم مخاطبة الجهات العليا، فهي صاحبة الحق الأول والأخير بعد الله في إسناد المسؤولية لأهلها من الشخصيات الفكرية والأدبية.
لقد شهدت المدينة في الثمانينيات الهجرية حدثًا مرعبًا وهو دخول جماعة متشددة لمعرض محمّد ناصر الرميح، الذي يقوم بشارع العينية المؤدي إلى المسجد النبوي الشريف، والذي كان يبيع بعض الأجهزة الكهربائية الحديثة، ومنها أجهزة المذياع والتسجيل، ولقد قامت الجهات المسؤولة آنذاك بمعاقبة من أقدم على ذلك الفعل الذي يخلّ في النهاية بأمن ونظام البلد، واليوم فإن الجهات الإدارية المسؤولة في المدينة مطالبة أن تحمي نادي المدينة الأدبي من هذا الأسلوب غير الحضاري، والذي يتعامل بغلظة وقسوة غير مبررين مع أرباب الكلمة، ومع ناد له مكانته التي كفلتها أنظمة الدولة، كما أنني أتوجه لكل من معالي وزير الثقافة والإعلام ووكيل الوزارة للشؤون الثقافية لوضع حد لهذه الانتهاكات التي تعددت أشكالها، وحماية (الكلمة) و(الفكر)، وهو أغلى ما نعتز به في البلاد التي تحتضن المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة فالدولة رعت هذه المقدسات خير رعاية، وخلصت طريق الحاج من كل من تسوّل له نفسه انتهاك الأنفس والأموال، ونشرت العلم والثقافة عن طريق المؤسسات الرسمية، ووضعت الأنظمة لحمايتها، وتسيير شؤونها ومنها الأندية الأدبية، التي يسعى البعض لتقويضها بكل السبل غير الحضارية أو القانونية.
 
طباعة
 القراءات :247  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.