شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خطبة بتراء وجفوة مذمومة
* كتب الله للعبد الفقير أن يصلّي الجمعة في واحد من مساجد المدينة الطّاهرة؛ التي أكرمنا الله بجوارها، واستمعت إلى الخطيب الذي كان يتحدّث عن فضيلة صلة الرّحم والحثّ عليها، وسررت أنّ الخطيب –جزاه الله خيرًا- يتحدّث عن موضوع يحتاج فيه الناس إلى تذكيرهم به، وانقضت الخطبة الأولى ثم الخطبة الثانية فلم أسمع الخطيب يخصّ النّبي بالصّلاة عليه والترضية على أصحابه وآل بيته، رضوان الله عليهم. والصّلاة على سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شرط من شروط خطبة الجمعة، ويترتّب على الشّرط صحّة الصّلاة، فتوجّهت إلى الخطيب بعد الصّلاة، وحاولت أن أجد له العذر؛ فخاطبته برفق قائلاً: يا شيخ.. لعلكم نسيتم الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، في خطبتكم. فابتسم وقال ما معناه إنّ ما يذكره الخطباء في الخطبة الثانية في عبارتهم المشهورة والمتواترة والموثقة "إنّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ثم ثنّى فيه بملائكة بقدسه.. إلخ.. أمر تقليدي ونعرف مبتدأه".. ولعلي فهمت من عبارته التي يؤكّد عليها فعله وسلوكه: إنّ الصّلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم والترضية عن صحابته في خطبة الجمعة هو أمر لا يوجد له أساس في السنّة المعتمدة؛ وبعبارة أخرى أكثر وضوحًا إنّه أمر بدعي.
وفي رفق خاطبته قائلاً: ما رأيك في خطباء المسجدين الشريفين في مكّة والمدينة وهم أهل علم وحفظ ودراية وفقه، وإنهم ليخصّون النبّي صلّى الله عليه وسلّم بالصّلاة عليه في الخطبة الثانية، فما زاد على مقولته الأولى أنه أمر تقليدي. ثمّ استشهدت بخطب سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشّيخ في السّياق نفسه، فكانت الردود الممتزجة بغضب بعض طلاب الخطيب وتوتّرهم وتشنّجهم موضع تعجّب في نفسي؛ فانصرفت من صلاتي حزينًا، ثمّ رجعت إلى بعض الكتب المتخصّصة؛ فهذا الإمام السخاوي في كتابه "القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشفيع" يقول: وأمّا الصّلاة عليه فتلي الخطب كخطبة الجمعين والاستسقاء.. إلخ، المشهور في مذهبي الإمامين الشافعي وأحمد بن حنبل: لا تصحّ الخطبة إلا بالصّلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأورد الإمام والفقيه والمجتهد الحنبلي المعروف ابن قيم الجوزية ما نصّه: عن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شُرط علي رضي الله عنه، وكان تحت المنبر، فحدّثني أنّه صعد المنبر –يعني عليًّا رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: خير هذه الأمّة بعد نبيها أبوبكر والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث يشاء. [انظر: المنتقى من جلاء الإفهام في فضل الصّلاة والسّلام على محمّد بن أحمد سيّد أحمد، وعبدالقادر الأرناؤوط، "دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ص: 44]. واستدل العلماء بفعل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على مشروعية الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم في الخطبة، وزاد الإمام السخاوي: وفي الصحاح ما نصّه: وخطب زياد خطبته البتراء، لأنه لم يحمد الله فيها، ولم يصلِّ على النّبي صلّى الله عليه وسلّم ونحوه، وعلّق السخاوي على فعل زياد بقوله: قال أصحابنا: وكما أنّ الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم ركن في الخطبة الواحدة فكذلك هي ركن في المستحبّة كخطبتي العيدين والكسوف.. وأورد الإمام ابن القيم –رحمه الله- جملة من الأحاديث في فضل الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومنها ما رواه عن سيّدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه "ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يُصلى على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فإذا صلّى على النّبي صلّى الله عليه وسلّم انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يُصلِّ على النّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يستجب.
واختم مقالتي هذه بفضل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستجابة الدعاء ببركته، وبركة الصلاة عليه، ما رواه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان بجوار –دار القضاء– ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب: فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله أن يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثم قال: اللّهم حوالينا ولا علينا.. إلخ) قال: وأقلعت. فخرجنا نمشي في الشّمس"؛ ففي هذا الحديث: ادع الله أن يمسكها عنّا، وفي الصحيح أنّ عبدالله بن عمر قال: إنّي لأذكر قول أبي طالب في رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث يقول:
وأبْيَضَ يسْتَسْقي الغَمامُ بَوجْهِهِ
شمَّالُ اليَتَامَى عِصمْةٌ للأرَامِلِ
[انظر: الجامع الفريد، كتب ورسائل لأئمة الدعوة: تقديم الشيخ زيد بن فياض ص 441].
* اللهم اغفر لنا تقصيرنا في حقّ نبيك وحبيبك صلّى الله عليه وسلّم، واقتلع الجفوة من عقول وقلوب البعض، فذلك مدعاة للشّرور والآثام.
 
 
 
 
طباعة
 القراءات :203  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج