شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأسئلة الحائرة بين شحاتة وعبدالله نور ..!
فتحت وفاة الأديب والكاتب عبدالله نور الباب مجددًا أمام مأساة المثقف في مجتمعاتنا، ولعل في الكلمات التي نقلتها صحيفة الوطن (الثلاثاء) 18 ربيع الآخر 1427هـ عن الأديب الدكتور عبدالله مناع ما يجسد مأساة المرحوم نور في حياته قبل مماته، يقول المناع مصورًا بإيجاز هذه المأساة (كان مثقفًا وكان يتصور أنه لابد أن يكون له مكان بثقافته الواسعة إلا أن هذه الثقافة العظيمة لم تفتح له الأبواب)، ثم قال عنه أيضًا: (ولكن الواقع قال بأنه لا حاجة لعبدالله نور، فمات عبدالله كمدًا)، كما أن الحضور الثقافي المتواضع عند تشييع جنازته يذكرني بمأساة مماثلة، فعند انتقالي إلى مدينة جدة قبل حوالي عقدين من الزمن حاولت أن أبحث عن هاتف أحد رواد الشعر في بلادنا وهو السيد علي بن حسين عامر -وإضافة إلى هذه الريادة الأدبية فلقد كان أحد الكفاءات الإدارية التي تسنمت مناصب قيادية عديدة من أهمها رئاسة ديوان الخدمة المدنية في الحقبة التي كانت فيها مكة المكرمة مركزًا رئيسًا للوزارات والدوائر الحكومية، وهاتفت الدار التي كان يسكنها فردت امرأة طاعنة في السن وعرفت منها أنها خالته فرد -رحمه الله- بعد ذلك مبديًا استغرابه ودهشته بأن يسأل عنه أحد بعد أن أصبح -وحيدًا- ويعاني من أمراض الشيخوخة، وأضحيت وزميلي الدكتور جميل محمود مغربي نتردد عليه في الشقة المتواضعة التي كانت تطل على حي الخاسكية الشهير بجدة، وكان يلقي على أسماعنا ما كتبه من شعر لا يقل روعة عن شعر مجايليه من أرباب الكلمة، ولكنه كان يرفض أن ندون ما يلقيه، ولا يسمح له بالخروج عن جدران الغرفة التي كانت تقوم فيها بخدمته امرأة كبيرة استقدمها من إحدى الدول العربية -وذلك بعد وفاة خالته- التي كانت أقرب الناس إليه، وفي إحدى الليالي اتصلت هذه السيدة بنا لتخبرنا بأن الأستاذ (عامر) مريض، وكان الوقت متأخرًا، فطلبت من أخي (جميل) أن يرافقني، ولما دخلنا عليه خرج قليلاً من غيبوبته، وطلب أن يكون مدفنه بمقبرة أمنا حواء، وكأنه لم يرد أن يشق على أحد في نقله للحجون بمكة أو بقيع (الغرقد) بالمدينة حيث ولد ونشأ.
وفي اليوم التالي توفي الرائد علي عامر، ولم يكن في توديعه سوى ثلة قليلة من الرجال لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأتذكر منهم: السيد: ياسين طه -رحمه الله- والأستاذين عمر عبد ربه وسالم أسعد، إضافة إلى زوج ابنة أخته، هؤلاء فقط هم الذين تلقوا العزاء في المرحوم عامر، ولم تكن جنازة السيد ياسين طه الذي توفي في العام الماضي بأحسن حال من جنازة صديقه عامر، والتفت على أخي وصديقي الأستاذ عبدالمحسن حليت بن مسلم لأسأله عن الساحة التي عرفت السيد ياسين كاتبًا وأديبًا وشخصية إدارية من تلك الشخصيات التي جمعت بين العمل الإداري والإبداع كالأساتذة محمّد سرور الصبان، حسين جستنية، ومحمّد حسين زيدان، ومحمّد عمر توفيق، وعزيز ضياء، وعبدالمجيد شبكشي، وأحمد قنديل وأحمد عبيد المدني، وعلي مُدرِّس، وحامد بياري، وعربي سقاط وسواهم.
وكتب الأستاذ محمّد عمر العامودي في زاويته بهذه الصحيفة الغراء عن الجحود الذي لقيه الأستاذ عبدالله بغدادي في أخريات حياته، وأتذكر كلمات الصديق السيد محمّد العربي عند مرض والده، والذي يعد رائدًا من رواد الأدب في بلادنا، كان السيد محمّد يتساءل عن تلاميذ والده الذين صرفتهم مشاغل الحياة عن أداء الواجب في حق أستاذهم ومعلمهم، وأردف يقول: كان معالي السيد أحمد زكي يماني الاستثناء، فلقد كان يزور الوالد، ويسأل عنه، ويعتبر -أي الشيخ زكي- مع قلة من الأدباء في مقدمتهم الأساتذة: محمّد سعيد طيب، ومحمّد العربي، وعباس طاشكندي، وأسامة فيلالي، وسعود سجيني، ومحمّد عمر العامودي، وفاروق بنجر، وعبدالله فراج الشريف، وحسين الغريبي، وعبدالفتاح أبومدين، ومحمّد نور مقصود، وسليمان النوري وعصام قدس، هؤلاء، وربما نسيت البعض، هم من يملؤون على الأستاذ عبدالله عبدالجبار حياته، ويحفظ بعضهم للأستاذ حق زمالته وصدقاته مع آبائهم.
ولقد أشار الابن والمبدع الأستاذ محمود تراوري في مقالته المتألقة على صفحات ملحق الأربعاء الأغر، والتي اختار لها عنوانًا مثيرًا (نور.. انقطاع النسب الإبداعي).. إلى ناحية مهمة تتصل ببعض رموز الستينيات والسبعينيات الميلادية، فقال دون أن يتساءل عن الأسباب: (أغلب كتاب الحقبة يرحلون، ولا مؤلفات لهم تجعلهم بمنأى عن جحود الطمس والإغفال في جحيم النسيان)، وإذا كان الاجتهاد جائزاً في كل شيء، فإنه يمكن القول إن البعض أدرك أن حرفة الأدب لا تقدم لهم في هذه الحياة لقمة عيش كريمة، فظهروا ثم اختفوا، والبعض الآخر لم يجد من يتبناه في الساحة ويشعره بقيمة ما يكتب أو يبدع، ثم لا ننسى عاملاً مهمًا وهو الشللية التي ألقت بظلالها على الساحة، ويتحمل الأدباء أنفسهم وزر تغيب البعض، أو حجبهم عن البروز لعوامل شخصية من أبرزها الحسد والضغينة، وسمعت بحضور الأخ (التراوري) كيف أن مبدعًا مشهورًا كان يتلقى تهديدًا ووعيدًا من أحد الأسماء النقدية المعروفة والتي كانت تبشر بالتعددية الفكرية، بينما هي من يضع العراقيل أمام الأسماء التي لا تستهويه، أو ربما شكلت بوجودها الحقيقي منافسًا قويًا له، حيث يريد أن يستأثر بالمشهد الثقافي والأدبي وحده، كما أن البعض قد تعرض لمضايقات بسبب أفكاره، وانتشرت في حقبة الستينيات والسبعينيات الميلادية (مكارثية) في جميع أرجاء الوطن العربي، ونحن جزء من هذا العالم وذلك المشهد، بل إن البعض مازال يتخوف من البوح ببعض أفكاره التي لا تمس ثوابت الدين، ولكنها تحمل رؤية تجديدية، ولا مانع من مناقشتها بدلاً من قمعها، أو التلويح بالعصا الغليظة أمامها.
في المقابل نجد الغرب يحتفي برموزه الفكرية والثقافية، فلقد عرفت في السبعينيات الميلادية وبداية الثمانينيات شخصية أدبية وصحافية وسياسية في بريطانيا، وهو المنظر العمالي المعروف (جيم مورتمير) Jim Mortimer ولقد كتب في فنون عدة ومن أبرزها المسرح، ولما زرت بريطانيا في صيف العام الماضي استرعى انتباهي احتفاء قدمته إحدى القنوات التليفزيونية، وكان (مورتمير) هو ضيف شرف هذا الحفل، وشاهدته يدخل القاعة على كرسي متحرك -حيث أصبح مقعدًا- وكانت دهشتي أكثر عندما عرفت أن هذا المبدع الذي كان يعتبر من رموز اليسار في بلد المحافظين قد أنعم عليه بلقب (سير)، ولربما ظن البعض أن هذه الألقاب تمنح للشخصيات السياسية مثل اللورد كارنغتون، واللورد سير دوقلاس هوم، والبارونة تاتشر، والليدي (بابرا كاسل)، ولكن تمنح أيضًا للشخصيات الثقافية والفكرية والإعلامية، وأتذكر أن مذيعًا متمكنًا من جذور أفريقية وكنيته (تريفور) وقد منح لقب (سير)، ولازال التليفزيون البريطاني يستفيد من خبراته الإعلامية، وخصوصًا في مجال البرامج الوثائقية.
بالمناسبة لابد أن أشيد بالمبادرة الذاتية والحضارية التي أقدم عليها الأديب الدكتور عبدالله مناع، عندما أطلق على الأستاذ الرائد عزيز ضياء لقب (سير)، وللتاريخ فإن الأستاذ عزيز قدم مع السيدة الفاضلة (ماما أسماء) ما يمكن أن يدخل بحق في باب الإسهام الفكري والثقافي والإعلامي باللغتين العربية والإنجليزية، ولا ننسى أن الأستاذ (ضياء) هو أول من قدم الأديب والفيلسوف والشاعر حمزة شحاتة للجيل الناشئ في بداية التسعينيات الهجرية (السبعينيات الميلادية)، ببحثه الأدبي المعروف، والذي قدمه لمؤتمر الأدباء الأول المنعقد في مكة المكرمة بعنوان: (في أدبنا قمة عرفت ولم تكتشف)، وكان (شحاتة) قبل هذا البحث شبه مغيب عن الوسط الثقافي والفكري، ولم يلتفت المجتمع إلى دوره الريادي، إلا بعد وفاته عام 1391هـ، ولابد من الاعتراف بدور الأستاذ والأديب عبدالفتاح أبومدين ورفاقه في نادي جدة الثقافي والأدبي في المرحلة السابقة، حيث خصصت احتفالية عن شعره وأدبه، وشاركت فيها وجوه ثقافية متعددة، مع تقديم أدبه الحي للأجيال المعاصرة، والتي تبحث عن رموزها المفقودة أو الضائعة أو المغيبة، ورحم الله الأديب عبدالله نور الذي قادنا لهذه الإطلالة على هذا المشهد المؤلم.
 
طباعة
 القراءات :315  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج