شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ يحيى أبو الخير))
يحيى بن محمد شيخ أبو الخير أستاذ الجيوموفولوجيا والأساليب الكمية -قسم الجغرافيا- جامعة الملك سعود.
لقد أحسن منتدى الشيخ عبد المقصود خوجه صنعاً بتكريمهم الصديق والشقيق الأستاذ الدكتور عز الدين عمر موسى في هذا الحفل البهي البهيج. ولا شك أن الدكتور عز الدين موسى هو أهل بكل جدارة لهذا التكريم، فهو العالم الفذ والمفكر الجليل والإنسان البار بأمته والقريب من محبي الفكر والثقافة والعلم وصنّاع الكلمة وعشاق القلم ومحترفي المعرفة. فكم هو شرف لي أن أقف في هذه الاحتفائية المباركة أمامكم مشاركاً بهذه الكلمة عن غيض من فيض ما أعرفه عن شخصية أخي وشقيقي الدكتور عز الدين موسى الفذة المعطاءة الرحبة النفس الطيبة القلب المتواضعة التي عهدتها دائماً ذات وفاء وكرم ونخوة وجرأة وشجاعة وانتماء ومنظور ثاقب عن الحياة والكون. فقد شَهِدتَ للدكتور عز الدين موسى أقلام العدول بالعلم والفضل والكرامة والمجد والصيت والاعتداد وبالنفس الواثقة بربها المؤمنة به المتوكلة عليه حتى أضحت ذكراه العطرة ملء السمع والبصر وشخوص إشارات البنان. ويتصف الدكتور عز الدين موسى بالتجرد من الذات، والارتقاء فوق المنافع الشخصية، منح قلبه للناس كل الناس فأحب الناس وأحبوه في كل مصر حل فيه أو ارتحل لسواه. فقد تخطى بعون الله ثم بحبه للناس وحب الناس له وبقدراته ومواهبه التي حباها الله له حدود الوطن وتربع على عروش الفكر والعلم والثقافة في أكثر من وطن وامتلكت سويداء قلبه سويداء قلوب أحبائه من مفكري وعلماء ومثقفي المعمورة.
جاب الأمصار فدرس مرحلة ما بعد الثانوية في الجامعة الأمريكية في بيروت حتى تخرج فيها عام 1975 للميلاد بدرجة الدكتوراه. عمل في جامعة أحمدو بلّو بنيجيريا وشغل فيها مناصب عدة منها وكيلاً لقسم التاريخ ثم رئيساً له ومديراً لمشروع بحث تاريخ شمال نيجيريا، إلى أن حظي به قسم التاريخ بجامعة الملك سعود للفترة من 1983م - 2007م أستاذاً فذاً مرموقاً نعتز ببصماته نحن زملاؤه ويفتخر بها تلامذته والقاصي والداني من منسوبي تلك الجامعة. بعدها أصبح عميداً لكلية الدراسات الاستراتيجية في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية ولا يزال كذلك يتدفق عطاءً وانتماءً وتتواصل أطياف شعاعه النير المستنير لتصل الناس كل الناس. تقلّب بين جامعات البلاد العربية أستاذاً زائراً جليلاً، فحظيت به جامعة محمد الخامس بالمغرب وجامعة سيدي محمد بفاس وجامعة آل البيت بالأردن. وبالطبع قد جاب أمصار الغرب والشرق مشاركاً بتميز في المؤتمرات والندوات العلمية وورش العمل ومنصات مناقشات الرسائل العلمية والاستشارات الأكاديمية ودراسات الجدوى التاريخية. ولا شك أن تطواف الدكتور عز الدين موسى رحاب العالم الواسعة قد أكسبته خبرة لا تجاريها خبرة وصيتاً قل نظيره وسمعة شنفت بها الآذان وازدانت بها أروقة الفكر ومحافل الثقافة ودور العلم ومؤسساته التي خطت سيرته بماء من ذهب وسطرتها بأحرف من نور.
أيها الحفل البهي، يتمثل الوجه المشرق الآخر لعطاء الدكتور عزالدين موسى في ألقه الأكاديمي وأبحاثه ومؤلفاته المتخصصة في شتى أوجه التاريخ النظرية والتطبيقية وفي الفكر والفلسفة والثقافة. فقد صدر له العديد من الكتب والبحوث والدراسات العلمية المحكمة التي ترجم بعضها إلى أكثر من لغة. فكتب بقلم الحاذق الدرب الرصين في التراث والاستشراق والسيرة النبوية وحوار الحضارات والتواصل الثقافي والاجتماعي والتجديد في الفكر الإسلامي آخذاً في الحسبان واقع الخطاب العربي حاضراً ومستقبلاً. وقد حظيت النوادي الأدبية ومنتديات المملكة وندواتها ونظائرها في دول أخرى إقليمية وعالمية بأطروحاته التي أثرت الساحة العلمية والفكرية والثقافية والتي تركت بصماتها أثراً يحتذى ودرباً شائقاً شاقاً لمسار علمي رصين.
إخواني الأحباء، لا أبوح بسرٍّ إن قلت إن ليل الدكتور عز الدين موسى قد تأرّق نتيجة لتأرّق صاحبه الذي لم تنم له عين وهو يفكر ويقلب الفكر في واقع الدراسات التاريخية العربية، لينجلي ذلك الأرق بعد ليالٍ طوال عن فجر أسفر صبحه مشرقاً بتجلياته التي أجملها في مسار علمي توجزه أحرف الزمان والمكان في قراءته الجديدة للتاريخ والإسلامي منه خصوصاً، رافعاً في هذه القراءة لواء التجديد في الفكر المنهجي للتاريخ الذي أرّقه. ولا أدل على ذلك استشهاداً ما سطّره سفره الذي أصدره عام 2003م بعنوان "وقفات منهجية مع المفاهيم والمنظور والأساليب". هذا السفر الذي حمل هم ذلك الأرق وحمله أيضاً عدد من بحوثه التاريخية الأخرى المتخصصة. إن من يقرؤ مؤلفات الدكتور عز الدين موسى سيخرج بمنظور واسع وقراءة ممتعة لمسيرة جادة آثرت المعاناة على الدعة والسكون فجاءت نتائجها بقدر المعاناة صرخات مدوية في آذان كل من أحب العلم ونظريته المعرفية وعمل من أجل رفعة شأنها وتمكينها كما فعل صاحبنا الجليل.
ومن هذه الصرخات إعلانه في أكثر من بحث وخصوصاً في وقفاته المنهجية طغيان المفاهيم على الطرائق مبيناً في هذه الصرخة خطورة الاستشراق في تناول السيرة النبوية على سبيل المثال لا الحصر. كما أعلن صراحة جناية المنهج على حقائق التاريخ مستشهداً بحركات الإصلاح في غرب أفريقيا وموضحاً بجلاء أنها حركات قد أثرت سلباً على الطرائق والأساليب المنهجية فغيرت الحقائق المفردة بالتضعيف والاستبعاد والتأثير على المجالين المكاني والزماني. كما لم يتردد في الحكم على الدراسات التاريخية العربية الشاملة التي وسمها بالوصفية في أغلب أحوالها وأعلن افتقارها إلى حد كبير للمنظور الذي يرى سعادته أنه المنطلق الذي تستبصر به وحدة التاريخ على اختلاف فتراته وتمايز مناطقه وبه تعلل مسيرته وتفسر أحداثه.
ولا شك أن ثورته قد استقرأها من واقع أزمة خطيرة تمر بها الدراسات التاريخية العربية المعاصرة وخصوصاً على مستوى المفاهيم والطرائق والأساليب والمنطلقات المنظورية والمصطلحات. فنادى بثورة منهجية فاعلة تتسق وتسير وفق مستجدات العصر وخطابه البراغماتي الذي توجهه الثورة الصناعية وتقنيات المعلومات وطفرة الحاسوب والشبكات البرمجية والوسائط المدمجة والإنترنت وثورة الكم والإحصاء. ولا بد هنا من وقفة حق تسجل لصالح الدكتور عز الدين موسى الذي لم تكن صرخاته شعارات بلا صدى بل كانت واقعاً تجلّى في تطبيقه طرائق الكم في أبحاثه، التي أذكر منها دراسته المشهورة المميزة عن علماء المدينة المنورة في العصر الأموي وكذلك قراءته لعلاقة بني أمية بالموالي وتطبيقه لهذه الطرائق في بحثه عن ابن سعد وطبقاته. كما درب طلابه وطالباته على هذه الطرائق التي أضحت معلماً يُحتذى في العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرف عليها.
وقبل أن أختم هذا الجزء من كلمتي المتواضعة أود أن أشير إلى أن الدكتور عز الدين موسى قد أبلى بلاءً حسناً في تتبع المنظور في البحث التاريخي المعاصر وخصوصاً في كتابه وقفات منهجية، الذي أعتقد أنه قد أفلح بشكل كبير في قرانه المنظور بنظرية المعرفة لتفسير التاريخ الإسلامي متخذاً في دعم هذا القران الفلسفي المنهجي التوجه براغماتيا عبد العزيز الدوري أنموذجاً وموريس لمبارد مثالاً سلط عليه أضواءه المنهجية في قراءة التاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي.
ولا شك في أن قراءاته المنهجية الصارمة هي انعكاس لأسس أكاديمية جادة في مراحل ما قبل التدريس والبحث الأكاديمي، وأقصد بذلك مرحلتي الماجستير والدكتوراه. فكانت رسالته للماجستير عن "تنظيمات دولة الموحدين" بينما كانت رسالته للدكتوراه عن "النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري". وربما لن أكون مخطئاً لو قلت إن الدكتور عز الدين موسى هو من رعيل المشارقة الأول الذين اهتموا بالتاريخ المغربي ونظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إخواني الأفاضل، إن هذه السيرة العطرة والمسيرة العلمية الفذة قد لاقت قبولاً لدى دور العلم ومؤسساته والمنتديات والأندية ومقامات صنع القرار المحلي والعالمي. فقد حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية ووسام السودان الذهبي للعلوم والآداب. كما صدرت إرادة ملكية هاشمية بمنحه عضوية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي. وها هو اليوم يكرم من قبل "اثنينية" الأستاذ عبد المقصود خوجه التي أعدّها مفخرة للعلم والعلماء وتكريماً لنا جميعاً فشكراً لأخي الأستاذ عبد المقصود خوجه على ما قدم ويقدم للعلم والأدب والفكر والثقافة.
إخواني الكرام، إن إنسانية الدكتور عز الدين موسى الفذة المفطورة على حب العلم والخير والإيثار والكرم والود والوفاء والنخوة والإباء هي الزاد لعلاقتي به وقربي منه وازدياد محبتي وإكباري وتقديري له في الماضي والحاضر والمستقبل. وفيه أقول:
الصرح والعلم والقاعات في نهم
والفكر يبدع والأقلام تبتكر
نور على الدرب أنت اليوم تشعله
وبلسم طب لمن بالداء يحتضر
العلم والفكر والأبحاث شاهدة
أنك الشمس بالأضواء تزدهر
وفّق الله الدكتور عز الدين عمر موسى لكل خير، وأدام عزه، وأمده بالصحة والعافية، وأطال في عمره، وأقر أعيننا وأعين أسرته وأبنائه به، ووسع له في رزقه، وأثابه خير الثواب، وجعله ذخراً، وزاده قوة وتمكيناً، ونفّع به وبعلمه الإسلام والمسلمين، إن الله على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
عريف الحفل: أيها الإخوة والأخوات كما ذكرت سالفاً تتاح الفرصة بعد الاستماع إلى محاضرة ضيفنا لطرح الأسئلة، الأسئلة تقدم من السائل مباشرة ولكن يتقدم بطلب السؤال الذي يصلنا هنا في المنصة ونحن نذكره ونرتب طرح الأسئلة بعد حديث ضيفنا الكريم إن شاء الله. أيها السادة والسيدات الآن تستمعون إلى حديث ضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور عز الدين عمر أحمد موسى عميد كلية العلوم الإستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية فليتفضل.
 
طباعة
 القراءات :272  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.