شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبدالله الفيصل))
أشكر الأستاذ عبد المقصود خوجه على دعوته الكريمة لي بأن أكون ضيف ((الاثنينية)) في هذا الأسبوع. وبما أن ((الاثنينية)) محطُّ الرحال ومقصد الضيوف منذ ثلاثين سنة، فقد شهدت عباقرة العلم والثقافة والأدب والفكر، واستمع صاحبها الأديب الكبير، والمفكر الموسوعي، والعالم الجليل، إلى دقائق العلم، وشوارد الأدب، وصور البيان، فإذا كان الأمر كذلك فماذا عساني أن أفعل؟ وهل أعثر على إضافة جديدة، أو مسألة طريفة، تكون معادلة للدعوة الكريمة الصادرة من رجل كريم، أبى عليه كرمه إلا أن يكون عامّاً مثل الغيث، نافعاً مثل المطر؟ لقد امتد نفع ((الاثنينية)) إلى أرجاء المملكة، بل تجاوزها إلى نفع العالم العربي والإسلامي. فللأستاذ عبد المقصود خوجه الشكر والتقدير منِّي ومن كل من شهد ((الاثنينية))، أو انتفع بما طُرح فيها من أفكار نيرة، وعلوم نافعة، وآداب سامية.
بعد ذلك أقول بأن إسهاماتي في ثقافة بلدي تُمثّل جُهْدَ المقل، فأعباء المحاضرات في الجامعة على امتداد سنوات العمر لم تترك سعة من الوقت يتنفس فيها المؤلف بحرية، فالوقت محدود، والمؤلف يلهث خلفه، لعله يقتنص ساعة من نهار أو دقائق من ليل. وبما أن الدولة رعاها الله أتاحت لأعضاء هيئة التدريس التعاقد بعد سن التقاعد، فإن الطمع في الدنيا لم يترك للمؤلف وقتاً كافياً للتوسع في التأليف. فكثير من المتقاعدين من أعضاء هيئة التدريس، ومنهم ضيف ((الاثنينية)) في هذا الأسبوع، فَضَّل الاستمرار في العمل. ولا أقول إن العمل في الجامعة يُبْعِدُ عضو هيئة التدريس عن التأليف، فالجامعة في صميم البحث العلمي، ولكن العمل يحدّ من حرية الكتابة، مع الفوائد التي تعود على عضو هيئة التدريس، والمتمثلة في مجالس الأقسام ومجالس الكليات، والمجالس العلمية، ومجالس الجامعات، بالإضافة إلى اللجان وحضور المؤتمرات، فتلاقح الأفكار إنما يحصل في هذه الاجتماعات، ويعود على عضو هيئة التدريس بفوائد جمة، أهمها أنه يعيش مع تطور البحث العلمي، ومستجدات التخصص، والاطلاع على كل دقيقة وجليلة في تخصصه، فيسير في تخصصه على خُطىً ثابتة، مستفيداً من كل ما يُنشر في كتاب أو مجلة أو نشر إلكتروني، كما أنه يستفيد من زملائه في تلك الاجتماعات، أو من غير زملائه، من العلماء الذين يحضرون المؤتمرات.
وعندما أقول إن العمل في الجامعة يحدّ من الانطلاق في التأليف، فإنما أقول ذلك عن موازنةٍ بين مؤلف داخل الجامعة ومؤلف خارجها، فنلحظ غزارة إنتاج المؤلف خارج الجامعة، وقلة إنتاج المؤلف داخلها. فالمؤلف داخل الجامعة محكوم بالتأليف للترقيات، وهذا النوع من التأليف محكوم بتوجه القسم واختصاصه، فيمضي جزءٌ كبيرٌ من عمر عضو هيئة التدريس في تأليفٍ يُسَاقُ إليه، وقد يرغب في غيره. فإذا فرغ من الترقيات، ووصل إلى درجة أستاذ يكون العمر قد تقلّص. وكما هو معلوم فإن درجة الأستاذية مطلب لعضو هيئة التدريس. وأما أستاذ الكرسي في جامعاتنا فلم تتضح رؤيته حتى الآن، لأن الإشراف على الكراسي شيء، ولقب أستاذ كرسي شيء آخر.
أما المؤلف خارج الجامعة فمنطلق يملك وقته، ويملك توجهه في الكتابة لا يحده حاجز، ولا يمنعه مانع، فهو يكتب في ما يشاء، ويسترسل في ما يشاء. وبذلك تَنْفَتِحُ أمامه آفاق الكتابة، فهو طائر مغرّد في أجواء المعرفة، يقطف من ثمارها ما شاء.
على الرغم من ضيق وقت عضو هيئة التدريس، وقلة إنتاجه التأليفي، فإنه يُسَرّ عندما يرى غرسه قد أينع. فضيف ((الاثنينية)) لهذا الأسبوع يجلس في مجلس القسم بجانب زملائه الذين كانوا طلاباً له في ماضي الأيام، فمنهم الآن الأستاذ، والأستاذ المشارك، والأستاذ المساعد. وأما العاملون خارج الجامعة فهم كُثُر في التعليم العام، ويتبوأون الوظائف الحكومية على اختلافها. فالعمل في الجامعة خَدَم المجتمع، ونَفْحُ المجتمع هو الأساس في بناء الوطن. كما أن عملي في الجامعة ساهم في التخطيط لصوغ لوائح الدراسات العليا في الجامعات السعودية، وذلك بإسهامي في لائحة الدراسات العليا، عندما كنت عميداً للدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ومع أني عضو في مجلس الجامعة، وعضو في المجلس العلمي، وعضو في مجلس الكلية، فإنني لم أترك محاضراتي في الجامعة في ظل أي ظرف. فقد قُمْتُ بذلك عندما كنت رئيساً لقسم الأدب، وعندما كنتُ عميداً للدراسات العليا. وأما الإشراف على الرسائل فهو من صميم عملي. فالرسائل التي أشرفت عليها أو اشتركت في مناقشتها كثيرة. وكان كثيرٌ من الرسائل التي أشرفت عليها في شعر القبائل، أذكر منها: شعر باهلة لراشد القير، وشعر مَذْحِج للدكتور محمد منور، وشعر ذبيان للدكتور علي جماح، وشعر بني سعد بن زيد مناة بن تميم للدكتور أحمد اليحيى، وشعر بني مالك بن حنظلة بن تميم للدكتور عبدالله بن سليمان السعيد، وشعر بني عمرو بن تميم حتى منتصف القرن الثاني الهجري لعبد العزيز بن محمد آل عبدالله، وشعر قضاعة للدكتور عبد العزيز آل عبد الله. ومن الرسائل التي شاركت في مناقشتها: شعر بني يربوع حتى نهاية القرن الثاني الهجري للدكتور عبد السلام بن عبد الله العبد السلام، وشعر كنانة من الجاهلية إلى آخر العصر الأموي للدكتور فهد بن صالح الجربوع، وشعر بني أيوب إلى منتصف القرن الثامن الهجري للدكتور حمود بن عبدالله الزنيدي. كما أشرفت على رسائل في تحقيق مخطوط نفيس اشترك فيه عدد من الطلاب، وهذه الرسائل هي: الإسعاف في شرح شواهد القاضي، والكشاف للموصلي دراسة وتحقيق الدكتور أحمد اليحيى، والإسعاف في شرح شواهد القاضي والكشاف لخضر بن عطاء الله الموصلي، تحقيق وموازنة مع كتاب خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي لبليغ بن محمد المشعان.
وأشرفت كذلك على رسائل في الدراسات الأدبية والنقدية منها:
المظاهر الحضارية في شعر القرن الثاني الهجري للدكتور عبد الرحمن بن سعيد مزلف، وابن غلبون الصُّوْري حياته وشعره للدكتور صافي بن عبيد آل صافي. ومما شاركت في مناقشته: شعر العلاقات الزوجية في العصرين الأموي والعباسي للدكتور عبد العزيز بن سعود الحليبي، والعماد الأصبهاني شاعراً لِمُنَى بنت عبد العزيز العيسى، والقطامي حياته وشعره لمحمد رقيب الدين أحمد حسين، وشرح مقامات الحريري لمحمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق وموازنة لمريم بنت محمد الشنقيطي، وعمارة بن عقيل حياته وشعره لمنصور ابن خويلد المطيري، والرومانسية في شعر محمد حسن فقي لملحة بنت معلش السحيمي، وشعر محمد الفهد العيسى، وهي دراسة موضوعية وفنية لجبر بن ضويحي الفحام.
كما أحمد الله على أن طلابي ممن أشرفت على رسائلهم، أو شاركت في مناقشة رسائلهم، أصبحوا أساتذة في الجامعات، أذكر منهم: الدكتور علي جماح أستاذ في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام بالرياض، والدكتور محمد منور آل مبارك أستاذ في جامعة الملك سعود، والدكتور أحمد اليحيى أستاذ في جامعة شقراء، والدكتور صافي بن عبيد آل صافي أستاذ في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام بالرياض.
وأشير هنا إلى أن مناقشة الرسائل فَنٌ من الفنون. فإن كان موضوع المناقشة التقويم، فالمناقش أمامه علماء وطلبة علم، فهو مطالب بالإقناع واحترام الحضور، وعدم الصلف والتعالي على الطالب، بل مناقشته بهدوء، وأن يظهر نفسه في ثوب العالم المحترم للعلم أولاً وأخيراً.
ومما يقتص من وقت أستاذ الجامعة هو فحص بحوث الترقية، وفحص الكتب والبحوث المعدة للطبع، مما يُطلب منه تقويمه. فهذا العمل هو في عمق الجودة في المادة الأدبية، وفي عمق تطوير الأدب وصناعة البحث النموذج، والكتاب الذي تنطبق عليه أفضل الصفات. ومن هذه القاعدة التطويرية ونشدان الكمال، يكون الأستاذ الجامعي (أقْصِدُ من هو في درجة أستاذ) في مسار الجودة وتطوير فنه.
وأنا ممن يعاني من كثرة طلب فحص البحوث والكتب وتقويمها، فيصل إليَّ في الشهر ثلاثة أو أربعة منها. وقد ساهمت في ترقية عشرات الأشخاص، وأجزت كتباً كثيرة، وأبديت ملحوظاتي على غيرها. فهذا العمل المرهق يستهلك وقت أستاذ الجامعة، ولكن لا بد منه لتطوير البحث العلمي. فالبحوث المحكمة تدفع بالبحث العلمي إلى الأمام، ويعلم الله أن مكافأة الفحص لا تقدم ولا تؤخر في قبول فحصه أو الاعتذار عنه، ولكنها المروءة الأدبية، والإحساس بواجب المساهمة الفاعلة في تطوير المادة الأدبية هو الذي يحتم علينا القيام بذلك. فعندما يصل إليَّ ظرفٌ يحوي بحوثاً، أو كتباً، يُطلب مني فحصها وتقويمها، أحس بالانقباض لدقائق معدودة لأنني أعرف ما يصحب العمل من الإرهاق.
وبجانب هذه الأعباء، من محاضرات وحضور مجالس، فقد ساهمت في صحافة بلادي منذ أن كنت طالباً في السنة الأولى في كلية اللغة العربية. فقد كتبت مقالاً عن طريق الفيل المرصوف في منطقة ظهران الجنوب، وكنت قد وقفت عليه وشاهدته في سنة أربع وثمانين وثلاثمئة وألف هجرية، وكان ذلك في العطلة الصيفية من ذلك العام. وقد نُشر المقال في صحيفة اليمامة. كما كتبت في صحيفة "الجزيرة" وأنا طالب في الكلية، وكتبت في مجلة "الفيصل" بمكافأة. وكتبت كذلك في "المجلة العربية"، وفي صحيفة "الجزيرة" مقالاً أسبوعياً آخر بعنوان (رؤى وآفاق). وقد استمر هذا العمود على امتداد عشرين عاماً، وقد جمعت جُلَّ مقالاته في كتاب يحمل العنوان نفسه (رؤى وآفاق).
وقد جاء الكتاب في ثلاثة أجزاء، في ألفين وخمسمئة صفحة، وكتب في صحيفة "المسائية" مقالها الرئيس (مسائيات) لمدة سنة، كما كتبت في صحيفة "أخبار العرب" الإماراتية بأجر لمدة سنة.
وكتبت بغير انتظام في الصحف والمجلات الآتية: صحيفة "الرياض"، صحيفة "المدينة"، صحيفة "البلاد"، المجلة "العربية"، مجلة "المنهل"، مجلة "العرب".
كما ساهمت في نشر الوعي عن طريق الإذاعة والتلفزيون، فقد كتبت للإذاعة "وجهة نظر"، وأُخذ ببعض ما كتبت، وكتبت وقرأت أكثر من خمسمئة حديث، أعيدت إذاعة بعضها على مدى أعوام. وقد أفردت لمكة المكرمة شرّفها الله عدة أحاديث، منذ سنوات قليلة. وهناك لقاءات إذاعية ضمّنتها آراء في الثقافة والمعرفة وشؤون المجتمع. وساهمت في التلفزيون بقدر أقل، فمساهماتي تأتي في فترات متباعدة، وأذكر منها مساهمتي في برنامج الدكتور بدوي طبانة، وهو برنامج أدبي، ويمتد للثقافة والفكر، وقد اقترنت شهرته بشهرة مُقَدِّمه غفر الله له.
أما مساهماتي في التأليف فلها مناحٍ عديدة، فهناك شعر القبائل، وصنّفت فيه ستة أجزاء، منها ثلاثة في الدراسة وثلاثة في جمع الشعر وتحقيقه. وقد حقّقت وجمعت ديوان الصمة القشيري. وأما في الدراسات الأدبية فصنّفت فيها ثمانية كتب، وفي التاريخ كتابان، وفي النقد كتاب واحداً، وفي شرح الشعر كتاباً واحداً أيضاً. وبما أنني ألَّفْتُ ستة مجلدات في شعر القبائل، وأشرفت على سبع رسائل في شعر القبائل، وشاركت في مناقشة ثلاث رسائل في شعر القبائل، وشرحت المعلقات العشر في جزءين، في أكثر من ألف صفحة، فقد ساقني ذلك إلى تحقيق الآثار، والأماكن الواردة في شعر القبائل، وفي المعلّقات، ثم في الشعر الجاهلي والإسلامي عامة، وقد ساعدني على ذلك إلمامي بمساكن القبائل العربية، ومعرفتي بسير الشعراء، وبلدانهم، وتنقلاتهم، وتاريخ الحروب ومكان وقوعها، وكيفية امتدادها إلى أماكن أخرى، فضلاً عن المعرفة الشخصية والرغبة، فالمعرفة منوطة بالتنقل في الجزيرة العربية، والوقوف على جبالها، وأوديتها، ورمالها، ومدنها وقراها. فالزيارات الميدانية تفتح الطريق أمام الباحث، وتنير له السبيل. وقد كانت آخر زياراتي الميدانية زيارة مسرح حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، بتكليف من هيئة السياحة والآثار في القصيم، وذلك قبل أشهر قليلة. وقد عاينت أماكن الحرب بأيامها، كما عاينت مكان وفاة عنترة بن شداد العبسي فارس العرب، ووضعت إحداثيات لتلك الأماكن بالإضافة إلى الصور.
نمر نحن أبناء الجزيرة العربية بالجبال، والكثبان الرملية، والدارات والمواضع، والبلدان التي ذكرها الشعراء، فنستحضر شعرهم، ونستجيب لقول الشاعر ونتأثر به، لأننا نقف موقفه، ونتمثل حالته، فالمكان يجمع بيننا وبين الشاعر، وإن كان الفاصل الزمني ينأى بالشاعر عنّا.
وقد تأثر بالأماكن التي ذكرها الشعراء شعراء ومؤلفون خارج الجزيرة العربية، فنظّموا القصائد في أماكن لم يشاهدوها. فالأَبِيْوَرْدي نظّم ألف بيت في أماكن في نجد وهو لم يرها، ولكن السماع عنها وقراءة الشعر أثارت وَجْدَه، فاستجابت عاطفته إلى صنع هذا الشعر الرقيق الذي عرف بالنجديات. فرؤية أماكن الشعراء في الجزيرة العربية كانت أمنية للأَبِيْوَرْدي وغيره. ولما لم يستطيعوا تحقيق تلك الأمنية جعلوها مادة أدبهم ومصدر إلهامهم، فهي مورد عذب يستقون منها متى ما شاءوا، عن طريق خيالهم الخلاق، ورؤاهم التي تخترق الآفاق، ومُدَوَّنَاتُهم تدرّس اليوم كما تدرّس الأشعار الجاهلية والإسلامية.
وأختم كلمتي هذه بالثناء العطر على صاحب ((الاثنينية)) عبد المقصود خوجه، راجياً من الله العلي القدير أن تكون الصحة والعافية رفيقتىْ دربه أنَّى كان، وأن تملأ الطمأنينة فؤاده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً لسعادة الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبد الله الفيصل فارس أمسيتنا في هذه الليلة على ما تفضل به من حديث حول شؤون الكتابة والتأليف والبحث والدراسة وشجونها. وندعو الله أن يمدّ الله في عمره ويمتّعه بالصحة والعافية.
والآن أيها السادة والسيدات نبدأ بفقرة الأسئلة، وهي من قسم الأساتذة وقسم السيدات أيضاً، نبدأها بقسم السيدات. وأنقل المايكروفون للزميلة نازك الإمام لتتفضل بالترحيب بالضيف، وليُبدأ بتوجيه السؤال الأول من قسم السيدات.
 
طباعة
 القراءات :278  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج