شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ فيصل الجهني))
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في البدء أشكر الشيخ الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي اضطلع بخدمة الأدب في بلادنا من خلال تكريم هذه النخبة الرائعة من رواد الأدب والذي يعد منهم الآن في ليلتنا هذه الروائي يوسف المحيميد. إن يوسف المحيميد من أحد الذين هجسوا بالحب والخلاص والفن متخذين من اللغة وسيلة لتهدئة أوار الجمال الذي تستعر به أرواحهم المتعطشة سبيلاً لمقاومة كل نقائض الجمال من قبح وتسلط وإقصاء.. يوسف المحيميد بدأ حياة الأدب منذ أواخر الثمانينيات وقد اختار القصة القصيرة لتحمل رسالة غرامه إلى الكائنات، بدءاً من مجموعته "ظهيرة لا مشاة فيها" عام 1989م إلى مجموعة "رجفة أثوابهم البيض.. إلى "أخي يفتش عن رامبو" وغيرها، ولكن عندما تستبد به الروح المتجلية فناً وحكايات يذهب المحيميد إلى أقاصي الحنين فلا تدري هل هو يكتب نثراً أم شعراً أم قصيدة نثر توائم بدهاء فطري بين الجنسين على سبيل المثال، وهذه جملة اقتطعتها من إحدى الروايات: "هل كلما اقتربت السماء من أحد كانت نهايته ستقترب وأن غيمة تشبه الراحلة ستصعد به إلى السماء"؟ رواية وكأننا نقرأ شعراً.. إن لغة المحيميد تجمع مفرداتها حكاية الماء لكن إيحاءاتها تذهب في كل الدنيا لغة شفافة تنقل الدلالة دوماً إلى عالم المجاز الفاتن الذي يجعل من مظاهر الكون الجميل معادلات موضوعية لما ينتابه من قلق وعشق ورفض بإيقاع موسيقي داخلي عميق لا يمكن القبض عليه في بحور القصائد قديماً وحديثاً.. إيقاع غامض يطول ويقصر ويخوض في لحن راقص لا حدود له كأنه يطمح إلى تطابق إيقاعه الأدبي مع إيقاع الروح، عندما يناديها الحنين وتمور داخلها حكايات الكون وأصوات الكائنات، كما أن ذلك المجاز الاستعاري الذي يشتغل عليه يوسف وتلك الإيقاعات الدافئة الغارقة في طقس من موسيقى الحمام تتم في أضيق حدود الكلمات، كأنه صوفي يجعل نصوصه الصوفية الهائمة في ملكوت التوحد والتجلي والجلال لا تختار إلا أقل الكلمات لمواكبة هذا الفضاء العميق، فليس ثمة لغة تصور ذلك العالم الروحي العلوي المتطهر ولو كان مما ليس له بد فلتكن لغة موجزة توحي أكثر مما تصرح، وتضمر أكثر مما تعلن، لغة تتسع معها الرؤيا بعيداً لتضيق معها العبارة كما قال النفري ذات لحظة إشراقية ساحرة.. هذا البناء اللغوي الذي يصنع الدهشة من عروق الكلمات لا بد من أن يكون متناسباً مع سمو المضامين كما اشتغل على ذلك التناسب الأسلاف المجلّون في عالم الرواية كـماركيز ودستويوفسكي وغيرهما، وللتدليل فقط يمكن اختيار قصة "أخي يفتش عن رامبو" كمقاربة سريعة.. في القصة يستضيف يوسف المحيميد شخصية رامبو للتأكيد على انتمائه إلى هذا المسار الجمالي وقد عنونها بـ"أخي يفتش عن رامبو" وفيها يحكي ساردها عن أخيه العاشق المثقف الذي تمتلئ جدران غرفته بأسماء الأدباء والفنانين العظماء، لكنه مع مرور زمن طويل من التجاهل والازدراء فإنه لا يستطيع تحمل كل ذلك الطغيان البشري الذي يلتف حوله من كل جانب فيختل توازنه العقلي ويذهب عقله شذرات من رياح، وعندما تكتشف صوره المعلقة على الجدران حقيقته الجديدة تتيقن أن ليس لوجوده داع وحاجة، وقد ذهب عقل صاحبها وحاضنها وراعيها، فتتجسد على هيئاتها المادية الحقيقية وتبدأ بالخروج من غرفة الرجل المأزوم واحدة تلو الأخرى، ثم يدخل هذا الأخير غرفته المستلبة ويفجع بخواء المكان وتغيره كما تغير كل شيء من حوله بقسوة وجهل ويحزن لانتقال الفراغ والتصحر المتسلط إلى غرفته وعالمه الجميل التي كانت عزاء مناسباً لأحلامه وعيشه وقتاً من الزمن، فيخرج مسرعاً للبحث عن أصحابه الذي أقاموا معه سنين عدة، وها هو الآن في زمن القصة يخرج ليفتش عن رامبو بقناديل اللغة الشفافة المضيئة بالجمال والمجاز والشعر.. وبعد، بدأ يوسف المحيميد.. لم تشعرونا عن كلمتكم؟
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا أستاذ فيصل، لا تنزعج لكننا عادة نحب أن نعرف عن المتكلمين لأن الوقت لدينا محدود، فأنا أرحب بك بكل تقدير واحترام لكن أرجو أن لا تكون الكلمة طويلة لأن هناك مداخلات عديدة سبق أن أشعرنا أصحابها بالرغبة في الحديث عنها.
الأستاذ فيصل الجهني: شكراً أستاذ عبد المقصود، حقيقة أرجو المعذرة لو كان في الأمر تطويل وذلك لكي تليق الكلمة بعريس هذه الأمسية وأنتم أحرار.. سأحاول.. وبعد القصة القصيرة يبدأ يوسف المحيميد في ممارسة الفن الروائي عبر روايات (فخاخ الرائحة) و(القارورة) و(نزهة الدلفين) و(الحمام لا يطير في بريدة)، حيث يصيغ يوسف المحيميد مع رجاء عالم وعبده خال وتركي الحمد بشروط الرواية التاريخية مشهد الرواية السعودية الناضجة.. وحتى أريح الدكتور عبد الله مناع من ملاحقة الكم الهائل من الروايات في مواجهة ذلك المشهد المتهرئ التي تواطأت على صياغته أسماء كثيرة في العقد الأخير ظن أصحابها بأن الرواية مجرد بوح فضائحي أو وسيلة تنفيس عما يختلج داخلهم من مشاعر رافضة، فإنني كنت قد طرحت هذه الحقيقة في محاضرة في نادي الطائف الأدبي قبل ثلاثة أعوام، وقلت في مقاربتي إن حضور ذلك المشهد المفضي إلى الضعف في القيمة الروائية في أدبنا يعود إلى سببين: قصر الرؤية ومحدوديتها للعوالم الروائية، والفقر الفني المعرفي الذي ينتج أعمالاً غاية في البساطة وفاقدة للتفاعلات النصية مع النصوص الأدبية الأخرى، غير أن الطابع العام لأعمال المحيميد يتجاوز تلك الهشاشة بتوافره على عدة سمات وتقنيات ربما يطول الحديث عنها ولا أريد أن أشغلكم بمصطلحات نقدية كثيرة، لكن يمكن استحضار أطيافها واختزالها في هذه النقاط: الأولى اتساع أفق الرؤية الكلية التي تدور حولها أعمال المحيميد والتي نتجت بسبب تجارب وقراءات كثيرة مارسها وأجزم أن يوسف قد مارسها بالفعل.. القيمة الثانية أن المكان في روايات المحيميد ليس مجرد مسرح دعائي وإنما هو يكتسب قيمته من ذاته ومن ألوانه؛ أي أنه مكان يتفاعل كثيراً مع شخصياته.. القيمة الثالثة والمهمة وهي التي تبني عالم الرواية كما صنع المحيميد هي الحوارية، والتي تعدّ من أهم التقنيات والركائز التي يقوم عليها الفن الروائي. لن أقول بالطبع إن حوارية المحيميد في مستوى حوارية دستويوفسكي على سبيل المثال، لكن المؤكد أن فكراً حوارياً كبيراً وجميلاً يتجلى بوضوح في تتابع المسيرة الروائية ليوسف المحيميد.. هذه الحوارية عند الأستاذ يوسف تتجلى في مجمل رواياته في جوانب كثيرة من ضمنها الحوارية في صيغ السرد، وعلى سبيل المثال فقط نجد في "فخاخ الرائحة" الصيغ الآتية: سارد علي، ضمير المتكلم، تداعيات، تقارير وخطابات، نصوص شعرية -وهي رواية لا تتجاوز المئة والعشرين صفحة- أيضاً هناك حوارية في الأفكار التي تفصح عنها شخصيات الرواية فكأننا أمام كرنفال مهيب وحوارية مع نصوص أدبية أخرى كان يتحاور فيها على سبيل المثال مع رواية "العطر" لباتريك سوسكيد. القيمة الرابعة ما قبل الأخيرة: رسم الشخصية. لا يستحضر المحيميد شخصيات جاهزة ثم يقحمها إلى عالم السرد، وإنما يجعل شخصياته تنمو وتتخلق أمامنا خلال اللحظة الروائية نفسها، كما صنع مع منير الساهي في "القارورة"، وأطراد في "فخاخ الرائحة". أما القيمة الأخيرة فهي التقاط المشاهد المغيبة، كأن يوسف يمتلك كاميرا متسعة الأبعاد تلتقط المشهد من أبعاده المختلفة وتنزع عن المشاهد ألفتها وبساطتها فنشعر كأننا نراها للمرة الأولى تفاعلاً مع "ميلان تونديرا" عندما قال: "إن الرواية التي لا تكشف عن جزء من الوجود لا يزال مجهولاً هي رواية لا أخلاقية". شكراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً للأستاذ الناقد فيصل الجهني على هذه القراءة النقدية. نظراً لضيق الوقت حقيقة، نود الاختصار في الكلمة القادمة وهي عبارة عن تعليق لسعادة الأستاذ الدكتور "عاصم حمدان" نرجو أن يكون مختصراً، لنستمع من بعدها إلى ضيفنا لهذه الليلة.
 
طباعة
 القراءات :336  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج