شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إنه لمن دواعي سرور المجتمع بعامة أن يعود صالون "الاثنينية" إلى ماضيه احتفالاً بأعلام الأمة وقياداتها الفكرية وأن نرى صاحبها الأديب الفاضل الشيخ عبد المقصود خوجه بيننا متهلل الوجه وقد منّ الله عليه بالصحة والعافية، فهنيئاً لهذا الصالون صاحبه وللأمة جمعاء القريبة والبعيدة مصغية لما ينثر على مسامعها من علم وفكر.
أيها السادة والسيدات إن مكة المكرمة عظيمة بتعظيم الله لها، فالنسبة إليها شرف لا يعلوه شرف. أن تتجلى فيها عظمة المكان وروعته فهذا ليس أمراً غريباً ولا جديداً لكنه نادراً ما يعار من الاهتمام في دراسات السير الذاتية ما يستحق. إن من درس في مكة المكرمة والمدينة المنورة بجوار الحرمين حيث تلتقي الثقافات ويجتمع العلماء من أصقاع العالم الإسلامي تتميز دراساته بالعمق والانفتاح، حيث يلحظ ذلك مع أهلهما ومع من يأتي إليهما مهاجراً من أنحاء أخرى، وكما يقول السيد الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشبيلي فإن الإنسان ابن بيئته ومرآة عائلته، والأخ معالي الدكتور صالح بن الشيخ عبدالله بن حميد عاش مكة المكرمة العلم والأدب والفكر والمجتمع منذ مرحلة دراسته الجامعية المبكرة وهو شاب غض طري العود حتى استقامت له أسباب الحياة فسلك مسالك الرجولة يخطوها بخطى ثابتة معتمدة على المولى جل وعلا ثم على ما هيّأه لها من أسباب. أما مجتمعه المحدود أي منزله الذي تربى في أحضانه فهو بيت علم وفضل، اشتهر عميده العلامة الفقيه الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله بصفات نادرة أهمها التجرد الكامل والتقدير العظيم لذوي العلم والمعرفة ولأقدم لحضراتكم هاتين الصفتين التي ورثها أبناؤه الكرام أحدهما أرويه مشافهة والآخر كتابة وتحريراً. أما المثال الأول فقد قص عليّ الأستاذ عبد العزيز الخراشي وهو أحد الملازمين لدروس الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله تعالى بالحرم المكي أن الأخير روى له أنه شاهد العلاّمة المحدث السيد محمد علوي المالكي رحمه الله تعالى بملابسه المكية المعتادة: العمامة على رأسه مرتدياً جبة العلماء المكيين واضعاً شالاً أخضر على كتفه الأيمن كما هو عادة أهل البيت بيت النبي صلّى الله عليه و سلم وقد كان ماراً من أمام مجلس الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله بالمسجد الحرام، وأنه أثناء مروره على هذه الهيئة غمزه بعض جلساء الشيخ عبد الله بن حميد بلهجة فيها شيء من الاستخفاف بالعلامة السيد محمد العلوي المالكي رحمه الله تعالى فما كان من الشيخ عبد الله بن حميد إلا أن نهره قائلاً: لا أسمعك تعود إلى مثل هذا فهذا عالم من علماء المسلمين ومن ذرية رسول الله صلّى الله عليه و سلم ، فإن أردت أن تجلس هنا هذا المجلس فلا تعد إلى مثل هذه المقالة. أما المثال الثاني فهو الخطاب الذي تلقيته من الأستاذ عبدالله بن محمد الحكمي رحمه الله خبير المكتبات سابقاً بوزارة المعارف، من ضمن ما جاء في هذا الخطاب:
"أروي لك موضوعاً وهو أن الشيخ العلاّمة الفقيه عبد الله بن حميد كلفني -وأنا لست موظفاً تحت رئاسته وإنما كانت صلتي به في إطار العلم فقط وابنه الدكتور صالح يعرف ذلك جيداً- الاتصال بعلماء الحرم المكي لاستشارتهم في تقرير مخصصات مالية وطلب مني الجواب والرد، فاتصلت بعلماء مكة المكرمة جميعهم وهم العلامة السيد علوي بن عباس المالكي والد السيد محمد والشيخ العلاّمة المحقق حسن بشار والشيخ العلاّمة النحوي الفقيه محمد نور سيف والبحر العلامة في النحو السيد محمد أمين كتبي ولم أتصل بالشيخ العلامة المؤرخ المحدث محمد العربي، فرفض الجميع كل مساعدة يشتم منها أجراً على التدريس في الحرم المكي الشريف وهذه شهادة أردت إثباتها للحقيقة والتاريخ".
أخوكم عبدالله بن محمد الحكمي
هذه وثيقة صدق بقلم كاتبها أحد مضامينها أنها تدل على مقدار ما يكنّه فضيلة العلامة الفقيه الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله من تقدير لزملائه العلماء وهو أسلوب رفيع يدل على تجرّده لحفظ كرامتهم.. هذه الأخلاق الرفيعة نلمس آثارها وصداها في أبنائه البررة في تعاملهم مع الآخرين مهما اختلفت مكانتهم العلمية والاجتماعية.
أيها السادة، أما وأن هذه الندوة العلمية المعرفية مخصصة لتكريم ضيف الشرف معالي الدكتور الشيخ صالح بن حميد، فقد اقتبس من خصائص والده رحمه الله الكثير الكثير الذي يحمد عليه؛ فهو ابن مكة المكرمة الطاهرة بتربية عائلة علمية نقية اكتسب منها أحسن الخلال والصفات علماً وفكراً وتواضعاً وتقديراً. إن ضيف شرف هذه ((الاثنينية)) في هذه الليلة المباركة بعيد عن المناصب ومجاملاتها، وقد حقق ذاته بجلائل الأعمال وكريم الخصال يشهد بها له القاصي والداني، وأسهم فيها بحظ وافر منذ أن اتخذ مكة المكرمة موطن إقامة مؤثراً إياها عما عداها من بلاد الله. إن الدكتور صالح بن حميد ثاني اثنين في هذا الجيل المبارك من ذرية عالم جليل فذ يفخر بهم تاريخ الأمة علماً وحكمة ورثها أبناؤه الكرام العالمان الفقيهان في هذه العائلة المباركة صالح وأخوه العلامة أحمد يكبران في النفس يوماً بعد يوماً قدراً وإعجاباً فهما من خير من عرفا خلقاً فاضلاً ووفاء وتواضعاً وعلماً وفقهاً.. ضيف شرف هذه الأمسية انقادت له المناصب الرفيعة الأكاديمية والدينية والمدنية، وحبه وتقديره في كل هذه المجالات بين مرؤوسيه أينما حل هو محل الثناء والحب والرضا من الجميع وكذلك وهو في المجتمع الكلي انعقدت علاقتي به في جميع مراحل حياته طالباً في قسم الدراسات العليا وعميداً لكلية الشريعة ورئيساً لإدارة الحرمين الشريفين وخطيباً في المسجد الحرام ورئيساً لمجلس الشورى وزميلاً في هيئة كبار العلماء. سيرته في دراسته عطرة كأحسن ما يكون الطالب حريصاً على العلم مثالياً في الأخلاق والسلوك والتعامل مع زملائه وأساتذته ما لبث أن تولى بعد تخرجه المناصب الأكاديمية في الجامعة ومن بعدها تولى أعلى المناصب الدينية والمدنية؛ فهل تغير على أقرانه أو ترفّع على أساتذته؟ لقد ازداد أمام أساتذته تواضعاً ولزملائه قرباً وحباً ولكل من عرفه ومن لا يعرفه وفاءً. تولى نيابة رئاسة الحرمين ثم رئاستها فتفاءل المكيون بخاصة وكذلك المدنيون في إدخال الكثير من الإصلاحات، ولما غادرها كانت لمغادرته منها وحشة وألم، انتقل إلى رئاسة مجلس الشورى وكان ابن بلدتها كوّن لنفسه معارف وصداقات وعلاقات كان لجميعهم أخاً وصديقاً. تولى رئاسة القضاء الأعلى فتفاءل الناس بتعيينه في هذا المرفق المهم لما عرف من تجرده وإيثاره مصلحة الأمة على العنصرية البغيضة الضيقة. قوّى يقين الأمة بفك بعض الأزمات والتأزمات التي كانت تعيق مسيرة الأمة في هذا المجال القضائي وكان هذا حديث المجتمع. نجح في إزالة الكثير من تلك المعوقات ففرحت الأمة بعامة بخطواته الإصلاحية وبخاصة المحرومون من المتخرجين من الجامعات من أقسام القضاء في بعض الجامعات السعودية، لكنها "فرحة ما تمّت" كما يقولون إذ كان خبر مغادرته لهذا المرفق المهم صعباً على الجميع تاركاً علامة استفهام كبيرة بين الشباب قبل الشيوخ، فقدنا في هذا المرفق المهم رجلاً وضعت الأمة آمالها عليه بعد الله جلّ وعلا أملاً في الإصلاح والنهوض بهذا المرفق في غيرة وطنية وحمية دينية كريمة.
أيها السادة والسيدات، لقد وُصِفَ ضيف الشرف معالي الدكتور صالح بن حميد في إجمال واختصار بأنه مسكون بالعلم والعمل في إخلاص وصدق، لم تصرفه صوارف العمل عن برنامجه العلمي اليومي التحصيلي على الرغم من مشاغله الإدارية. انتقل إلى الرياض فدرس في أروقة العلم في معهد القضاء العالي الذي يزهو به.
أيها السادة والسيدات، إن شريط حياة ضيف الشرف الدكتور صالح بن حميد ينتهي من نجاح ليبدأ صفحة جديدة من النجاح وإن شئت قلت من توفيق إلى توفيق. خطابته في المسجد الحرام شاهد فضله وتوفيقه وجدت صداها داخل المملكة وخارجها لجهة انتقاء الموضوع وسهولة الأسلوب مع مراعاة لتحمل الناس المكوث والبقاء بالمسجد الحرام زمناً طويلاً بعيداً عن المبالغة والتشدّق في الحديث واستعراض قوة البيان، حيث إنه يتنزل لمخاطبة العامة بما يفهمون وهو يمتلك ناصية البيان، أسلوبه سهل ممتنع يفهمه العامة وهو محل ثناء المستمعين الخاصة. نعم لقد أَوْفى ضيف شرفنا الليلة الدكتور صالح بن حميد انتماءه إلى مكة المكرمة بصدق ووضع بصمات وفائه على صفحات تاريخها الخالد فتوّج هذه النسبة الشريفة لمكة المكرمة بكتابه الذي خصّه بدراسة علمية تاريخية متعمقة أوصل الحاضر فيها بالماضي من خلال سيرة نخبة من صفوة العالم الإسلامي منذ عهد النبوة الشريفة حتى وقتنا الحاضر في مؤلفه الأخير ((تاريخ أمة في سير أئمة)) تراجم لأئمة الحرمين الشريفين وخطبائهما منذ عهد النبوة إلى سنة اثنين وثلاثين وأربعمئة بعد الألف، يقع في خمسة مجلدات وقد بلغت صفحاته ألفين ومئتين وست وخمسين صفحة من القطع المتوسط ينم كل سطر فيها عن العناء والعناء الشديد إذ بذل فيه جهداً مضنياً مضاعفاً من البحث والتنقيب في المصادر التراثية العديدة المتناثرة هنا وهناك. إن قراءة مقدمة الكتاب تجعل القارئ يدرك ما قاساه المؤلف ضيف الشرف من بحث وجهد وعناء للعثور على مادة الكتاب في المصادر المعروفة وفي مظانها غير المعروفة، جهد تعززه الثقة بالله عز وجل وتسنده إرادة قوية وشعور بالمسؤولية التاريخية.. إنه إسهام علمي مشكور وإضافة جديدة يحمدها عليها الأولون والآخرون نادر في موضوعه، إن ذكر موضوع الكتاب فإنه يذكر تاريخاً كما ذكر المؤلف كذلك تاريخاً عنوان الكتاب ((نزهة ذوي الأحلام بأخبار الخطباء والأئمة وقضاة البلد الحرام)) للعلامة المحدث المؤرخ عز الدين بن فهد المكي يذكر عنواناً ولكن ليس له وجود وقد أشار إليه معالي الدكتور صالح في مقدمته المفيدة الضافية بقوله: "ومن جملة ما أهمل من تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة تراجم أئمة الحرمين إذ لم أعرف كتاباً صنف في هذا الموضوع على الرغم من الحاجة إلى ذلك إلا ما يذكر الإمام عز الدين بن فهد أن له كتاب: نزهة ذوي الأحلام بأخبار الخطباء والقضاة في بلد الله الحرام". يتابع الدكتور صالح بن حميد مقولته السابقة: "ولم أطلع عليه مع البحث والتتبع ولعله لو طبع لكان مصدراً مهماً في تاريخ أئمة الحرمين إلى وقت المؤلف رحمه الله سأجتهد في تحصيله إن شاء الله". إن "تاريخ أمة في سير أئمة" فتح إلهي لقي مؤلفه بلا شك في جمع مادته وتنظيمها العناء الكبير، لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.. خمسة مجلدات سد بها ثغرة تاريخية مهمة في سجل الحرمين الشريفين عبر العصور الإسلامية، عرض فيها سيرة كل من تولى الإمامة بالحرمين الشريفين منذ العهد النبوي الشريف حتى الوقت الحاضر في ترتيب وتنسيق رائع. أما نتاجه العلمي فإن الدكتور صالح قدم قربانه لله أولاً بما ألّفه في الموضوعات الشرعية المهمة ثم لهذا البلد المقدس وأهله ومكة المكرمة ثانياً، وبما يعزم على إنجازه مستقبلاً إن شاءالله.
أيها السادة والسيدات إن المواقف المشرفة التي عاصرتها وعشتها مع ضيف الشرف هذه الليلة أعدّ منها لا أعددها لأنها كثيرة، لعل من آخرها ما لا يخفى على الجميع أن من المناصب التي يتقلّدها ضيف الشرف رئاسة المجمع الفقهي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في الدورة العشرين القريبة جداً لمجمع الفقه الدولي المنعقد بمدينة وهران بالجمهورية الجزائرية بتاريخ السادس والعشرين من شهر شوال عام ثلاث وثلاثين وأربعمئة بعد الألف، وهي أول دورة يعقدها المجمع بعد وفاة أمينه المجاهد العلاّمة الشيخ محمد بن الحبيب الخوجه الذي حظي بتكريم هذه ((الاثنينية))، ولم ينس رئيسه الدكتور صالح بن حميد أن يترحم عليه ويشيد بجهوده التي بذلها على مدار تاريخ أمانته للمجمع ووفائه لأمين المجمع السابق. هكذا يكون الرجال العاملون الأوفياء وكما قلت سابقاً المواقف المشرفة التي عاصرتها وعشتها مع ضيف الشرف هذه الليلة أعدّ منها لا أعددها.
في الختام وباختصار أيها السادة فإن ضيف الشرف الموقر مسكون بالعلم والحب والوفاء أينما حل، ولعل من أهم المشروعات التي يضطلع بها هو وإخوته البررة الإنفاق السخي على مدرسة باسم والدهم في مكة المكرمة العلامة الفقيه الشيخ عبد الله بن حميد لأبناء الجاليات في مكة المكرمة في الأحياء المكية الفقيرة، وهنا يصدق فيه وفي إخوته الكرام قول الشاعر:
فما يك من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه
وتغرس إلاّ في منابتها النخل
حفظ الله ضيف الشرف الدكتور صالح بن حميد وإخوته الكرام وجعلهم جميعاً خير خلف لخير سلف. أيها السادة والسيدات إني أتمثل في ما ذكرته عن ضيف الشرف وهو قليل قليل جداً من كثير قول الشاعر:
إن الذي قلت بعضٌ من مناقبه
ما زدت إلا لعلّي زدت نقصاناً
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله.
عريف الحفل: شكراً معالي فضيلة الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان على هذه الكلمة الضافية، وقبل أن أعطي الفرصة للكلمة الأخيرة أودّ باسم سعادة الشيخ عبد المقصود أن أعتذر من كل من طلب الحديث عن ضيفنا وفارس أمسيتنا الليلة أولاً لضيق الوقت وثانياً لأننا كلنا شوق إلى سماع ضيفنا، وهذه الجموع أتت من أجل الاستماع إليه فالمعذرة ممن طلب الحديث، والكلمة الترحيبية الأخيرة لضيفنا لمعالي الدكتور بكر بن حمزة خشيم عضو مجلس الشورى.
 
طباعة
 القراءات :395  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج