شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حفل التكريم
(( كلمة الإفتتاح ))
افتتح الشيخ عبد المقصود خوجة الأمسية بالكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، وخاتم أنبيائك، حبيبك وصفيك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأحبة الأفاضل: السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في مستهل الفصل الثاني من نشاط إثنينيتكم التي تواصلُ أمسياتها بعدَ شهر رمضان المبارك، وعيد الفطر السعيد، أعادَهُما الله عليكم باليُمن والخير والمسرات.. وكم يُسعِدُني أن أُرَحِّب باسمكُم في هذه الأمسية الطيبة المباركة بضيفنا الكريم الأستاذ الكبير فهمي هويدي؛ الذي وشَمَ اسمَهُ على جدار المعرفة، والجهاد في سبيل الله، والكلمة النزيهة، والدفاع عن الحق، بكل تجرُّدٍ وقوةٍ لا تعرفُ في الله لومة لائم.
هنالك رموز ومسميات ومصطلحات لا بدَّ من التعرُّض لها عندما نتحدث عن بعض المجالات، بالنسبة للجغرافيا مثلاً، لا بُدَّ أن نذكر الأنهار والجبال والمناخ، والحديث عن التاريخ لا يتمُ إلا عَبْرَ الحِقَبِ التاريخية المختلفة، وعلى ذات النهج فإن الحديث عن الدراسات الإسلامية، والفكر الإسلامي، لا يتمُّ إلا بذكر رموز لرجالات أوقفوا أقلامهم خدمة لعقيدتهم ودينهم بسماحة ورحابة كبيرتين مخاطبين العقل، ومن بينهم الأستاذ فهمي هويدي الذي نتشرفُ بتكريمه هذه الليلة، فهو مِنْ هذه الكوكبة التي وضعًتْ بَصَماتها بقوة في هذه المسيرة الطويلة.. فقد جاهد جهادا متواصلا ودؤوباً في واحد من أصعب حقول الجهاد.. ألا وهو جهاد النفس، ولا أقصد بالنفس في هذا السياق ذاته وشخصه، بقدر ما أقصد النفس متحدة في المجتمع الإسلامي، بحيث تتسامى لتنظر للمجتمع كوحدة عضوية واحدة، كما أشار إلى ذلك رسول الهدى عليه الصلاة والسلام المسلمُ للمسلمِ كالبنيانِ يشدُ بعضُه بعضاً.. بهذا الفهم المنفتح على المجتمع الإسلامي الكبير انصهرت هموم ضيفنا الكبير الخاصة في الهم العام، وتلاشت الفوارق، وانداحت الدوائر.
كتب ضيفُنا الكبير عدداً من أهم الدراسات الإسلامية، وتَعَرَّضَ من خلالها للنقد والتقويم، بغرض إلقاء الضوء على بعض الممارسات الخاطئة، وبالتحديد تلك التي يراها العامة، وبعض أنصاف المتعلمين، وكثير من المتحمسين، على أساس أنها صلبُ الدين وعمادُه وسِياجُه، وما عداها قشور لا تستحقُ أن يُؤْبَهَ لها، فانكبوا على الفروع وتركوا الأصول.. وبالغوا في النوافل الفردية من صلاةٍ وصومٍ وعمرةٍ، واهتموا بالشكل والمظهر دونَ اللُبِ والجوهر.. فكانت نكسة ربما ليس لهم فيها يدٌ طُولى ولكنَّ جريرتها دون شك تقع على رصيد كبير من التعاليم التي جعلت الفرد المسلم يتقوقع في داخله وينأى عن المشاركة الاجتماعية.
و أحسَبُ أن الأمثلة الكثيرة التي طرحها ضيفنا الكريم على بساط البحث خاصة في كتابه القيم (التدينُ المنقوصُ)، تُشير إلى الداء الدفين الذي ظل ينخَرُ في جسد هذه الأمة التي أرادها الحق سبحانه وتعالى أن تكون خير أمة أخرجت للناس، فكانت وستظل كذلك بإذن الله ما تمسَّك المسلمون بدينهم الحق، وانصرفوا عن الصغائر، وركزوا جهودَهُم على إقامة الدول القائمة على العدل والخير والمساواة في الحقوق والواجبات.. ومن ثمَّ تنطلق نحو تحرير قوة شعوبها من أسر التغييب والتغريب الذي تعرضت له كثيراً.
إننا أمامَ حربٍ لا هوادة فيها ضد التخلف والكسل والعجز والتبعية، ضِدَ الاتكالية في غذائنا وملبسِنا وسلاحِنا وتعليمِنا بنسبة كبيرة على الغرب، ولا يُفْهَمُ من هذا أنني ضد الغرب، ولكني ضد الاتكالية والاستلاب كسلوك اجتماعي فرض نفسَهُ عبر سنوات القهر والضياع، وأستمر كأمرٍ واقع لم تستطع مختلِفُ القوى أنْ تَقِفَ في وجهِهِ، وتلجم جُموحَهُ، وتُغلغُلَهُ في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية.
إن النهضة المنشودة التي بدأت تُطِلُّ مع الصحوة الإسلامية مؤخراً قَدِ اعتَورَتْها مشاكل كثيرة أهمُها عدم فهم كثير من المسلمين لحقيقة الدين الحنيف، فمنهُم من سلكَ طريق الدروشة والخُزعبلات، ومنهم من فَهِمَ نصفَ الحقائق ثم نصَبَ نفسَهُ معلماً وقائداً ومرشداً وداعيةً.. وهنا مكمَنُ الخطر، لأنَّ جهلَ أولئك محصور في أنفسِهِم، أما جهلُ هؤلاء فيتعدى ذاتهم للتأثير في غيرهم عَبِرَ الخطاب السائد سواء كان خطبة في مسجد، أو اجتماعاً عاماً، أو عَبرَ بعض وسائل الإعلام التي تُرْخصُ نفسها لمثل هؤلاء، فيكون همُّهم ردعَ الناس عن الالتفات لأي شيء غير قشور حفوظها من بعض الكتب، وتطاولوا بها على كبار العلماء، وتكون النتيجة مزيداً من التقوقع نحو الداخل، والزجَ بكثير من شباب المسلمين في غياهب الجهل المُقَنع.. بينما تربضُ أكثر القضايا إلحاحاً في عَتْمَةِ النسيان.
ومن أهم هذه القضايا الزكاة على سبيل المثال، وهي ركنٌ من أركان الإسلام، منوطٌ بالحاكم جمعُها وصرفُها في مصارفِها المحددة بموجب النص القرآني، وكما نعـرف جميعاً أنَّ أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) قاتلَ مَنْ امتَنَعَ عن أدائها، واليوم بكل أسف تركتها بعض الدول الإسلامية نتيجة التربية الاستعمارية، وتغييب الوعي الذي جَثمَ على صدورها وقتاً طويلاً، وهكذا غاب عن خزينة تلك الدول مصدر هام من مصادر قوتها، ودخل لا يُستهانُ به لتمويل كل أو بعض قطاعات مصارف الزكاة التي تُشكِلُ في النهاية روافد قوة ومتانة لاقتصاد ومجتمع أي دولة.. وبالطبع هنالك توسع لا أرى داعياً لبسطِهِ حول الاجتهاد في تلك المصارف، والتحويل من مصرف لآخر وِفْقَ ما تُمليه الحاجة في كل زمانٍ ومكان، بالإضافة إلى إعمال الفكر في توسيع معاني ومدارك ومدى كل مصرف ليشمل أغراضا أخرى لم تكن معروفة في السابق، وهكذا نرى أنَّ الإسلام بقوته وعنفوانه قادر على سدِّ كل الثغرات التي تعترضُ مسار التقدم والازدهار مما يدفع بعض الجهات لمحاربته من الداخل والخارج، وتعمل جميعها بتنسيق غريب لوقف مسيرة المد الإسلامي الذي يُهدِدُ مصالحَها الدنيوية الضيقة.
ومن المؤسف أنَّ بعض المحسوبين على الإسلام والمسلمين يقفون مع عدوهم في خندق واحد دون علمٍ ولا هدىً، مندفعين بحماس طائش يؤدي في النهاية إلى تشويه صورة الإسلام، ولعلَ أقربَ مثل لذلك حملات العنف التي صبغتْ تصرفات بعض الشباب، وكانت النتيجة أنْ استغلَ أعداءُ الدين هذا السلوك المنحرف لدمغ الإسلام بالعنف والإرهاب، بينما التاريخ في كل مساراتِهِ يُشي بوضوح إلى أنَّ الإرهابَ مولودٌ شرعي للنُّظم الغربية التي ما فَتِئَتْ تتقاتل وتتناحر حتى تَوَّجَتْ نزاعاتها بحربين عالميتين اكتوت بهما البشرية، وما زالت تعاني من آثارهما المدمرة.. ثم بدأت تلك الدول في تصدير تناقضاتها لبلدان العالم الثالث والدول الإسلامية على وجه الخصوص، وضرب حصار على كل بادرة نمو وازدهار واعتماد على الذات حتى لا يتشكلَ النموذج الإسلامي الحديث الذي قد يَسْحَبُ البِساطَ من تحت أرجلهم ويَغلِقُ أمـام مصالحهِـم مصادر المواد الخام الأولية الرخيصة، والأسواق الاستهلاكية التي تبتلع كل ما يأتيها تحت سطوة الإعلان والقوة الشرائية السائبة.
إن ضيفنا الكبير قد وضع يده كأمهر جراح على علل وأمراض المجتمع المسلم، وجاهد جهاداً كبيراً بقلمِهِ ولسانِهِ، وضحى بوقتِهِ ووقتِ عائلتهِ، وراحتِه وصحتِه، من أجل أن يَصِلَ صوتُهُ إلى كل منْ يُلقي السمع وهو شهيد، حتى تنفض تلك المجتمعات غبارَ الجهلِ والتبعية والاستلاب قبلَ كل شيء، ثم تنطلقُ خفيفة نحو آفاقِ العدل والرخاء والتنمية والرفاهية.. فهي أهلُها وأحقُ بها.. ولا شك أنَ الطريق لذلك ليس سهلاً ولا مفروشاً بالرياحين، تلك أهداف دونها خَرْط القتاد.. ورُغْمَ ذلك فإنَ الغدَ المشرقَ آتٍ بإذن الله، وإن غداً لناظرِهِ قريب.
وفي ختام كلمتي هذه أدعوكُمْ لنرفعَ أكفَ الدعاء لشيخنا العلامة الفاضل عبد الفتاح أبو غدة (رحمه الله)، الذي كان حجة في الحديث النبوي الشريف، واحتفت به (الاثنينية) ضمن رجالاتها عام 1414هـ، رحمه الله رحمة الأبرار، وجعل أعمالَهُ في ميزان حسناته، يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ سليم.
أتمنى لكم أمسية ماتعة في صحبة ضيفنا الكريم، وأُحِبُّ أن أذكّرَكُم بأن ضيف الاثنينية القادم فضيلة الشيخ إسماعيل بن علي الأكوع من اليمن الشقيق، آملاً أن نلتقي حولَهُ وننهلَ من علمِهِ وفضله، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يزيدَنا علماً، وينفَعنا بما علمنا، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :590  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.