شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تيه الأدباء (1)
وأقصد هنا بكلمة التيه ما يرادف كلمة "الكبرياء"، والأدباء أوفر الناس قسطاً من التيه وأعظمهم نصيباً من المعرفة، حتى أنا لا أجدني أقدر على استثناء نفسي منهم، وإن كان هناك تفاوت فهو نسبي إلى حد ما، فإني لأرى نفسي أحياناً عندما يسول لها الغرور ويرقص لها الشيطان من الزهو وحب النفس والخيلاء أعظم وأكبر وأهول من أن تجملها النفس البشرية، ولكنْ هنالك قوم متكبرون تركز فيهم "مركب النقص" حتى استحال آخر الأمر إلى تطاول للكمال وادعاء له ومباهاة به. انظر إلى هؤلاء القوم فستجد ثلثيهم أو أكثر أدباء الباء، إنه ليكفي أحدهم أن ينشئ مقالاً أو مقالين، أو يتكلف نظم البيت أو البيتين، أو يتعدى لمن هو أوفر منه علماً وأوسع ثقافة فينقده فيما لا مجال للنقد فيه، نقداً إن لم يدلل به على غباء مطبق ونفس مغلقة، فلن يدلل به أدباً إلاّ على فن محدود وثقافة ضئيلة هي في الحقيقة رأس ماله وعماد دعواه، لكن هذا ليس هو كل "التيه" الذي أقصد، ومن أجله أكتب، بيد أنه جانب صغير منه. إني لأعرف أدباء تجمع بيني وبينهم أواصر شتى من وداد وتقارب واختلاط، وأقلها "حرفة الأدب" على شؤمها أعرفهم معرفة جيدة، ولكني الآن استطعت أن أتجاهلهم بفضل تجاهلهم لي؛ هذا واحد يمر عليك وينظر إليك فلا يقرئك السلام، وأما الثاني فهو يجتاز بك غالباً ولكنه لا يجود عليك بنظرة عابرة ولو تمثلت له حجراً سوياً لوطأك بأقدامه التي ما خلقت إلاّ للصعود إلى قمة الأولمب، ويجيء بعده الثالث الكريم فيقبل عليك من بعيد ويحدجك ببصره حتى إذا حاذاك رفع بصره إلى السماء وزم أنفه فكأنما هو روح علوية شفافة تسبح في عالم الملكوت.
أستطيع هنا أن أستثني نفراً من هؤلاء المخلوقات العجيبة، وهم أصدقائي الفضلاء أحمد إبراهيم غزاوي، وفؤاد شاكر، ومحمد سعيد عامودي (2) ، وعبد الله خطيب (3) ، هؤلاء لا نكاد نلتقي حتى يجيء بعضنا بعضاً ونتآخذ بالأيدي ونتحدث فيما يعرض لنا من شؤون وشجون.
عندنا في المصيف (الطائف) أدباء ومتأدبون غير هؤلاء الأربعة ولكنهم من طراز ما ذكرت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :759  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.