شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خمسُ رسائل إلى الشباب المسلم المعاصر
الدكتور محمَّد البهي
عالم اليوم -كما نشهد كلنا- مليء بالأزمات.. في السياسة والاقتصاد.. وفي غير السياسة والاقتصاد.. تعاني المجتمعات المعاصرة، أشكالاً وألواناً من هذه الأزمات..
وليست أزمة الشباب -وهي الموضوع الرئيسي في هذا الكتاب- سوى واحدة من أهم هذه الأزمات القاسية المريرة..
وليس من شك في أن أزمة الشباب هذه -كما تبدو لكل متابع- أزمة عالمية.. فكما هي في الغرب، كذلك هي في الشرق.. والصورة واحدة، مع بعض الاختلاف.. وإن تنوعت الأسباب..
وقد تكون الأسباب في الغرب -عندما نتأمل الواقع الملموس في الغرب.. أمراً طبيعياً ليس منه بد.. ومن هنا اختلاف أسباب أزمة الشباب هناك، عن أسبابها في بلاد أخرى.. وخاصة في البلاد الإسلامية..
أسبابها في الغرب معروفة -لا يجادل فيها أحد- وهي في نفس الوقت، من صنع الغرب نفسه.. فليست هي دخيلة عليه، أو وافدة إليه من خارج حدوده.. أما فيما عدا الغرب -وأنا أعني هنا الشرق الإسلامي دون سواه- فالأمر مختلف جداً.. إذ أسباب الأزمة لم تنبت في تربته قطعاً. ولم تكن نابعة من طبيعة فكره، ومنهاجه في الحياة.. بل هي وافدة إليه متطفلة على مائدته.. ومع كل أسف باضت وفرخت في معظم أرجائه، وبكل ما تملكه من عنفوان، أصبحت تشكل خطراً، لا يقل مهما اختلفت مظاهره، عن أفدح الأخطار في العالم الإسلامي..
كيف وفدت هذه الأزمة إلى مواطن الشباب المسلم؟..
كيف سرت عدواها؟ ثم ما هي القوى التي تقف وراءها صامدة، في العلن أو الخفاء؟ ثم ما هو العلاج -وهذا هو الأهم- لأزمة الشباب في العالم الإسلامي؟!!
ذلك ما نوجزه عن هذا الكتاب.. وقد وضعه باحث مفكر معروف مشهود له بسعة الاطلاع وبعمق نظرته في معالجة أهم القضايا الحاضرة في عشرات من أمثال كتابه هذا الفريد..
في كتابه هذا، خمس رسائل -كما ينص عنوانه- ولم يكن بد من أن نختار للعرض واحدة منها.. لسببين: الأول أنها أهم هذه الرسائل في الواقع.. والسبب الثاني أن مجالنا المخصص هنا -كما هو ملحوظ- لم يكن ليتسع لأكثر من رسالة:
"العالمية.. والشباب المسلم"
وهي الرسالة الأولى: في الكتاب...
ظاهرة العالمية.. أو ظاهرة الصهيونية العالمية -وهي ظاهرة الأقلية في أي مجتمع إنساني- هي ظاهرة التفوق في جمع المال واكتنازه.. وظاهرة التفوق في تحصيل العلم والمعرفة الإنسانية..
فاليهود اتجهوا إلى شعوب عديدة للاستيطان بينهم. وكان عليهم لكي يعيشوا ويضمنوا مستقبلهم -بفعل الغريزة الإنسانية في المحافظة على البقاء.
- أن يدخروا المال من جانب، وأن يقبلوا على التعليم ويتفوقوا فيه من جانب آخر..
وهذه وتلك ليست خصيصة اليهود كعنصر.. وإنما ما تدفع إليه الغريزة الإنسانية فيمن يحس في نفسه أنه مهدد بالخطر لانتمائه إلى أقلية.. وبالأخص إذا كانت مفرقة، ومستضعفة أو مستذلة..
فاستضعاف الأقلية اليهودية في كل مكان واستذلالهم من الكثرة التي يقيمون بينها خلفت فيهم جميعاً روحاً موحدة متوارثة في أجيالهم العديدة المتلاحقة.
وهي روح الترابط فيما بينهم على أساس العادات التي كانت للمجتمع اليهودي بالإضافة إلى الميل إلى جمع المال والاعتزاز به وإلى الرغبة في التعليم والدراسة..
فهذه الروح اليهودية الموحدة هي:
1- من جهة روح محافظة على الدين والتقاليد اليهودية..
2- ومن جهة أخرى: روح ساعية أو روح تقدمية في جمع المال وكنزه.. وفي التفوق العلمي والفكري..
وهذه الروح اليهودية الموحدة كانت الطابع في أي مكان توجد فيه أقلية يهودية في العالم. وبذلك كانت لها صبغة عالمية، أي ليست في مكان دون مكان، بل في العالم كله.. أينما يوجد نفر من اليهود، قلّ عددهم أو كثر..
وعن هذه الروح اليهودية العالمية نشأ التفكير في الدفاع عن النفس، أو في عدم التعرض لخطر الإبادة أولاً، ثم للاستذلال والاستضعاف ثانياً. باعتبار أن اليهود قلة في كل شعب في العالم..
ولا بد على الأقل لتحقيق هذا الهدف أن تكون هناك في هذه الشعوب، روح مسالمة بالنسبة للأقلية اليهودية أو تعايش سلمي لليهود بين شعوب العالم..
وطريق هذا الهدف هو دفع الشعوب إلى "العالمية" بدلاً من العصبية الدينية أو القومية.. وهو دفع الشعوب إلى ما يسمى "بالإنسانية" فوق "العنصرية" سواء أكانت عنصرية الدين أو عنصرية الجنس والقوم..
السبيل إلى تحقيق العالمية
فعملت الروح العالمية اليهودية بما يملك اليهود من طاقات الأموال المكتنزة عن طريق الربا.. أو طريق الاستغلال السليم أو غير السليم.. وبما تملك كذلك من طاقات الفكر.. ووسائل الترويج له في النشر وغيره على التخطيط لجمعيات "سرية" وتمويلها بوسائل مختلفة لخلق "الوعي العالمي" وإشاعته في كل شعب من شعوب العالم.. ومحاولة التقليل من أهمية الدين أو الجنس في توجيه الإنسان. وفي اتخاذه مواقف معينة في قضايا عنصرية: دينية أو وطنية من زاوية عالمية أو إنسانية..
الماسونية.. البناءون الأحرار:
وكانت أهم هذه الجمعيات السرية نشأت في القرن الثامن عشر في لندن.. ثم انتشرت كجمعية دولية في العالم.
وما يملك اليهود من طاقات المال زاد أمره بعد الثورة الصناعية منذ القرن الثامن عشر وزاد نفوذه على التوجيه السياسي والاقتصادي والثقافي.. فكان "رأس المال" ونظامه في الحكم. وكانت "العلمانية في صحبته".. وهي سبيل آخر لتنمية الوعي بالعالمية..
على حساب الدين والقومية.. والدين هو المسيحية أولاً.. وبالذات في عالم الصناعة ونظام رأس المال، ثم الإسلام في البلاد المستعمرة لحساب الصناعة الأوروبية ورأس المال اليهودي المستثمر في تلك الصناعة.
واتجاه "العلمانية" هو اتجاه توجيهي تربوي وثقافي وفكري. بينما اتجاه "الماسونية" سياسي وعلى مستوى التنفيذ في الأجهزة المختلفة لأية حكومة في شعب من شعوب العالم..
* * *
وجاء القرن التاسع عشر بتفكيره المادي. وبصناعته المادية، وبنظامه الرأسمالي الاقتصادي وما يتبعه من علمانية تعمل في هدوء وتريث على إضعاف القيم الدينية والقومية، ولم ينته هذا القرن حتى أصبح تفكير ماركس اليهودي له من الأنصار ما يكفي لعقد الندوات العالمية لبحث تنفيذه كمنهج للحياة والسلوك. وكأسلوب لنظام حكمه..
* * *
وعندما بدأ شيوع فكر ماركس.. وأحس اليهود بقوة أثرهم على "الوعي بالعالمية" في مجتمعات البشرية كافة.. اجتمع بعض زعمائهم في مدينة "بازل" في سنة 1897م لوضع هدف آخر لليهود عامة، بجانب "التعايش السلمي" في العالم.. فوضعوا هدف إنشاء "وطن قومي" على "صهيون" وهو التل أو الجبل المشرف على القدس.. ويرمز به إلى أرض الآباء والأجداد، ومملكة الله في فلسطين.
ومنذ ذلك الوقت أخذت اليهودية العالمية طابع الصهيونية العالمية، وأصبحت الصهيونية شعاراً على تحقيق الوطن القومي، أو إنشاء "إسرائيل" في فلسطين..
ولكن.. لكي يتحقق الوطن القومي، أو يتحقق إنشاء إسرائيل، لا تكفي وسائل "العالمية" التي سلكتها الآن.. وهي "الماسونية" و "العلمانية" لأنها وسائل هادئة وبطيئة..
فليوضع تفكير كارل ماركس الراديكالي بالنسبة للدين والقومية موضع التنفيذ. في نظام حكم سياسي واجتماعي حتى يكون معولاً آخر قوياً.. وإن كان دموياً ومكشوفاً.. ولا إنسانياً.. وليتناول طبقة أخرى لا تتناولها العلمانية والماسونية.
لأنه إذا كان طريق العلمانية ينفذ إلى الطبقة الوسطى، وهي طبقة البورجوازيين من المثقفين والشباب.. بحكم أنها اتجاه ثقافي يقلل من شأن الدين في التربية والتوجيه..
وإذا كانت الماسونية للطبقة العليا من السياسيين ورجال الأعمال والفكر.. فطريق الماركسية ينفذ إلى الفلاحين والعمال.. وهم أكثر الأفراد في المجتمع اتصالاً بالإيمان بالله.. بالمحافظة عليه.. كي يتخلخل هذا الإيمان في نفوسهم.. تحت ادعاء أنهم مستغلون ومظلومون والدين في ذاته مخدر.. والأخلاق التقليدية وضعتها الطبقة البورجوازية لصاحب الأموال..
وتركيز الماركسية على الفلاحين والعمال ليس تركيز عطف وحنان عليهم.. وإنما هو تركيز قصد منه خلعهم من الإيمان بالله.. وتحطيم القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية في نفوسهم..
- وبهذا تصوب الصهيونية العالمية معول هدم الدين والقيم الأخلاقية عن طريق "الماسونية".. إلى طبقة السياسيين ورجال الأعمال والفكر..
- وعن طريق "العلمانية اللادينية" إلى الطبقة الوسطى من المثقفين والشباب..
- وعن طريق الماركسية الراديكالية إلى طبقة الفلاحين والعمال.. والحكومة العمالية العالمية هي إغراء وخداع للعمال والفلاحين ووسيلة في الوقت نفسه لإحلال "العالمية" محل الدين والقومية في نفوس هؤلاء العمال والفلاحين..
وبذلك يسير أخطبوط الصهيونية العالمية عن طريق العلمانية والماركسية في جميع مستويات المجتمع الإنساني -وفي مستويات الشباب والمثقفين والعمال والفلاحين.. بعد أن يطيح هذا الأخطبوط بمن هم فوقهم ممن يسمون الرأسماليين والمستغلين أو بمن هم من الأشراف والأرستقراطيين..
- والعلمانية إذن.. لا تستهدف تنوير الإنسان، بقدر ما تستهدف إضعاف القيم الدينية والأخلاقية في توجيهه..
- والماركسية الراديكالية لا تستهدف تحقيق العدل الاجتماعي في توزيع الثروة.. ولا زيادة الإنتاج فيما تملكه الدولة بقدر ما تستهدف تحطيم القيم الدينية والأخلاقية والوطنية في توجيه العامل والفلاح، عن طريق التحكم في الاقتصاد القومي.. إذ أنها في الملكية العامة تستهدف الإبقاء على الحرمان والفقر.. لصالح الحكم الاستبدادي في تحطيم القيم الدينية والأخلاقية والوطنية..
أثر العالمية في توجيه السياسة الدولية..
- إن الصهيونية العالمية -وهي الروح اليهودية العالمية التي تتمثل في السيطرة على رأس المال في العالم- دفعت الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة معاً في مساعدة تركيا أتاتورك العلمانية اللادينية واللاإسلامية... تمهيداً لقيام دولة إسرائيل على أرض الميعاد..
- ودفعت أيضاً هاتين الدولتين الزعيمتين إلى الاتفاق في سبتمبر 1939-1945 على الحرب ضد "هتلر" للتخلص من نظامه ومن عدائه لليهود.. وإثارته موجة العداء ضدهم في أوروبا وأمريكا، مما يشجع على إضعاف فكرة التعايش السلمي لليهود في العالم.. وهو هدف بجانب قيام دولة إسرائيل على أرض الميعاد، للصهيونية العالمية..
- ودفعتهما آنذاك للاتفاق فيما بعد الحرب العالمية الثانية على إقامة عالمية تلحق بها منظمة للعلوم والثقافة والتربية تستهدف تحقيق "الروح العالمية" بين الأمم والشعوب عن طريق العلم والثقافة والتربية..
- ودفعتهما أيضاً للاتفاق عام 1948 داخل المنظمة الدولية العالمية على قيام دولة إسرائيل على أرض الميعاد، تحقيقها للهدف الثاني من أهداف الصهيونية العالمية..
- ودفعتهما كذلك في نوفمبر 1967 على الاتفاق على قرار مجلس الأمن الذي يسعى لأمن إسرائيل وإزالة العقبات في حركتها في الملاحة، وفي المنطقة كلها بجانب الاعتراف بوجودها وكيانها..
* * *
وما ظهر بين الاتحاد السوفياتي باعتباره زعيماً للكتلة الماركسية العالمية.. والولايات المتحدة باعتبارها زعيمة للدول الرأسمالية من خلاف إيديولوجي اجتماعي يدعو إلى عدم المهادنة في مطاردة الأولى للثانية.. انتهى بتعديل سياسة الأولى وتحول عدم المهادنة إلى "تعايش سلمي" بين الكتلتين..
وتحرص الصهيونية العالمية أشد الحرص على عدم وقوع تصادم مسلح بين الدولتين الكبيرتين وإن وقع بينهما احتكاك سياسي..
وللاتحاد السوفياتي هدف..
والاتحاد السوفياتي -فيما يظهر به من عطف على العرب في النزاع القائم في الشرق الأوسط- يعطي الدليل أيضاً على ما يوحي به منطق الصهيونية العالمية من وجوب استقرار إسرائيل على أرض الميعاد في الشرق الأوسط.. عن طريق تحطيم القيم الدينية في المجال الذي تعيش فيه.. وهي قيم الدين الإسلامي..
وأزمة الشرق الأوسط ليست هي الأزمة بين إسرائيل والبلاد العربية، وإنما هي أزمة الإيمان بالله.. أزمة الإسلام في وجوده وفي بقائه في هذه البلاد.. فالأزمة باقية في ظاهرها بين إسرائيل والعرب، وفي حقيقة أمرها هي بين أمن إسرائيل ووجود الإسلام..
ما ترك للشباب المسلم اليوم في يومه.. من أمسه
ما ترك للشباب المسلم اليوم من أمسه.. هو صورة باهتة.. أو ضعيفة عن الإسلام!
- فالشباب المسلم اليوم له منطق خاص في قبول أو في رفض ما يعرض عليه.. تكون هذا المنطق تحت تأثير أساليب الثقافات العديدة والمتنوعة، وبالأخص الوافدة منهما.. إنه يعيش في حياة تكاد تختلف تماماً عن حياة آبائه وأجداده في الحضارة الصناعية والآلية.. ووسائل الخدمات العامة..
- وبجانب هذه الصورة الباهتة أو الضعيفة التي يعرض بها الإسلام من المسلمين للشباب المسلم اليوم قد يقع نظره على صورة أخرى للإسلام..
وهي صورة مشوهة رسمها مفكرو الغرب في شرقه أو غربه عنه.. والهدف من رسمهم لهذه الصورة المشوهة له.. هو خلخلة القيم الإسلامية والإيمان بها.. تمهيداً لتثبيت قيم أخرى.. وإيمان بأيديولوجية تختلف عن الإسلام مكان قيمه في نفوس الشباب المسلم اليوم.
وتلك الصورة الضعيفة أو الباهتة عن الإسلام.. من شأنها ألا تخلق إيماناً في نفسه.. فضلاً عن أن تزيد الإيمان في نفسه.. إن لم توح له بنفرة منه.. وباتخاذ موقف عدائي تجاهه..
- كما تُرك لهذا الشباب المسلم المعاصر من أمسه: صراع سياسي في مجتمعاته لا يمزق وحدته فحسب.. بل يبقي مع ذلك على التخلف والخرافة فيها.. فالصراع السياسي يستنفد النشاط كله في اللجاجة.. أو في التوجه السياسي من أجل الحكم والتسلط عن طريقه على الأقل للجاه.. إن لم يكن لتحقيق أهداف شخصية منه..
والمجتمعات الإسلامية المعاصرة -بعد استقلالها السياسي بصكوك من المستعمر لها.. لم تبدأ الطريق السليم في قيادتها.. وهو الطريق الذي يأخذ في اعتباره تاريخ المجتمع ومقوماته من عقيدة ورسالة له منذ قيامه إلى وقت استقلاله.. والاستقلال السياسي لذلك كان فاصلاً زمنياً.. وليس حدثاً في تغيير اتجاه هذه المجتمعات.. وتأكيد استقلالها على أساس من العوامل المشتركة فيها بين الأفراد..
فقد سارت هذه المجتمعات إما في نفس الطريق السابق على الاستقلال، أو انتقلت إلى "تبعية أخرى".. تبعية اقتصادية واجتماعية وقيادية تضاد تماماً تاريخ المجتمع المسلم ومقوماته.
* * *
والمجتمعات الإسلامية قد شهدت قبل الاستقلال السياسي، نزاعاً أيديولوجياً من نوع آخر..
بسبب مزاحمة.. العلمانية.. التي جلبها المستعمر معه.. للإسلام في مبادئه وفي نظامه الاجتماعي والسياسي..
- والإسلام لم يفرغ بعد.. حتى بعد الاستقلال السياسي من مخاصمة "العلمانية".. وطردها من واقع المجتمع الإسلامي في أي مكان تشبثت بالبقاء فيه..
- وهنا في المجتمع الإسلامي المعاصر.. يسد الطريق -أمام الإسلام- مع ضعف الصورة التي يعرض بها.. حتى لا يراه الشباب المسلم في يومه..
خصومة أيديولوجية عنيفة.. تشترك فيها ضده: العلمانية السابقة على الاستقلال السياسي.. والمادية والإلحادية اللاحقة لهذا الاستقلال.. إسلام ضعيف أو مشوه في عرضه.. وعلمانية.. متشبثة بمواقعها في نفوس المتتلمذين عليها من قادة الفكر في المجتمع، وفيما يحشد لها من طاقات متنوعة..
ومادية جامحة.. لا تعرف عن الإنسانية إلاّ جسم الإنسان وبدنه. ولا تعرف من أهداف الحياة للإنسان.. إلاّ "لقمة العيش" التي يتسول من أجلها، ولا من القوة إلاّ تلك التي تحمل على الطاعة في نفاق.. أو في إكراه.. هذه الثلاثة تضع الشباب المسلم في يومه ليس موزعاً عليها فقط.. بقدر ما هو ممزق في نفسه.. فلا يستطيع أن ينسجم مع طاقتها ليتبع واحدة منها.. فيبقى مستسلماً.. ثم يتحول إلى غير مسؤول في شعوره.. وإلى عديم المبالاة في مواقفه..
أزمة سلوك.. وأزمة فكر.. يعيشها الشباب المسلم اليوم
- إنه في أزمة.. وأزمته هي أزمة سلوك.. وأزمة فكر.. وأزمة توجيه..
- إنه يوجد في متاهة الاتجاهات المختلفة، إنه مشدوه، ومنجذب، ومدفوع دائماً إلى ما يعارض بعضه بعضاً، ويكذب بعضه بعضاً، ويخاصم بعضه بعضاً..
- إن الحسن أمامه ليس متميزاً بوضوح.. وإن الطبع يأخذ صوراً عديدة فلا يستطيع أن يقف عند واحدة منها.. فالصهيونية العالمية وراء أزمة الشباب.. إن أزمة الشباب هي أزمة في القيم الإنسانية العليا.. التي هي قيم الدين.. أو قيم الوطن.. وهذه القيم الإنسانية العليا في تحطيمها -أو على الأقل في التوهين منها- هدف هذه الروح العالمية اليهودية.. التي تسعى لتميت غيرها.. لتحيا هي ولتهدم ما عداها.. لتبقى في مأمن من خطر الغير عليها..
أزمة الشباب المسلم اليوم هي أزمة التضارب، والتعارض.. هي أزمة الأخلاق والتخاصم.. وفي الوقت نفسه هي أزمة الناشئ في ضعفه.. وأزمة صاحب الحاجة إلى قيادة غيره.. وأزمة غير المستقل وغير الرشيد.. أزمة المتردد بحكم مرحلة تطوره..
أزمة القابل للتردي والسمو معاً.. أزمة القابل لتبعية الحيوان وقيادة الإنسان كذلك.. إلى أين يتجه الشباب المسلم اليوم؟ كيف؟ وبأية وسيلة يصل إلى هدفه؟ هذه هي مشكلته أو أزمته!
الشباب المسلم في غده
إن الشباب المسلم في وضعه الراهن هو في حيرة من أمر نفسه.. وفي حيرة أخرى من مستقبله.. أما حيرته في نفسه فلأنه لا يستطيع أن يفيق مما يقتحم عليه نفسه.. بعد أن يطبق على سمعه وبصره من اتجاهات فكرية مختلفة ومتضاربة.. لا يستطيع أن يقيم أي واحد منها. وكل ما يستطيعه أن يتقبل مؤقتاً نوعاً من هذه الاتجاهات بقوة تأثير الدفع إلى سمعه أو إلى بصره حتى يأتي اتجاه آخر يزداد في قوة تأثيره عما سبقه فيحل محله، أو يختلط به.
وهو في حيرة كذلك من أجل مستقبله.. لا يدري أين يصل به التضارب في الاتجاهات التي لا تتوانى عن شده وجذبه.. وأحياناً في عنف وإكراه..
هل ستتاح الفرصة للشباب المسلم في غده أن يحمي من الغير الدخيل ومن محاولة اقتحام النفس والعقل عليه؟
إن هذا رهن بتصرف الحكومات في المجتمعات الإسلامية في موقفها مما تدفع به (العالمية) داخلها عن طريق العلمانية في ظل الرأسمالية.. أو عن طريق الراديكالية في ظل الماركسية.. وإذا استجابت الحكومات في المجتمعات الإسلامية إلى المصلحة الوطنية العليا.. وإلى حماية الشباب في غده.. فالخطوة التالية لضمان إيمان الشباب المسلم بالإسلام في غده.. هي طريقة عرض الإسلام عليه..
* * *
والآن مطلوب كل هيئة إسلامية.. ومطلوب كل مؤمن في مجتمع إسلامي تحقيقاً لإقبال الشباب المسلم على الإيمان بالله هو:
1- أن تعنى الجهات الرسمية في المجتمع بالإيمان بالدين.. وتشجيع الدولة كل طريق خاص يؤدي إلى تحقيق هذه الغاية..
2- كما تعنى بالبناء الاجتماعي وتأسيسه على تربية إسلامية، تستهدف مواجهة التخطيط (العالمية الصهيونية).
3- وألا تسمح لأجهزة الإعلام الرسمية بمناقضة الدين والتشكيك في قيمه باسم "الفكر المفتوح" أو بأي اسم آخر.. لأن السماح بذلك ينطوي على أن يأخذ التخطيط الصهيوني طريقه إلى التحقيق.. دون وعي أو شعور بذلك..
4- إغلاق باب المجتمع الإسلامي دون تشجيع استيراد أيديولوجيات أجنبية، وضعت لمشاكل لا توجد في مجتمعاتنا الإسلامية، ودلت التجربة في تطبيقها هناك، في بيئتها وظروفها، على إفلاسها في علاج ما وضعت لأجله، بالإضافة إلى ما تخلقه من مشاكل جديدة اجتماعية واقتصادية..
5- إعادة تخطيط الدعوة لمبادئ الإسلام، والنزول بهذه المبادئ في مجال "المواجهة" للتحديات التي تحاول أن تتثبت على الأرض الإسلامية، وفي قلوب الشباب المسلم..
* * *
- إن الأخذ بالإسلام وحده، كنظام للحياة ومنهج للسلوك، في سياسة المجتمع وتوجيهه هو الوقاية له من خطر الصهيونية العالمية..
- وإن بريق الاتجاهات في الأيديولوجيات الأجنبية هو بريق خادع.. وهو طعم لإغراء الوقوع في مخالب الأخطبوط العالمي..
- إن الأخذ بالإسلام ليس معناه العزلة عن الحياة المعاصرة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وإنما معناه وجود العدة السليمة للقاء ما يحتمل من أخطار أجنبية توجه إلى المجتمع..
- وإن الأخذ بالإسلام كذلك، ليس معناه معاداة العلم والتقدم الصناعي التطبيقي، وليس معناه أيضاً تجنب الأخذ عن المجتمعات الصناعية المتقدمة الأخرى، بل بالأحرى معناه: الحيطة في قبول الخبرة العلمية الصناعية، وفيما تقدمه المجتمعات الصناعية من مصنوعات لا يتجاوز القيود فيها مجال المبادلات الاقتصادية.
- وإن الأخذ بالإسلام من شأنه أن يكتل، والتكتل قوة.. ومن شأنه أن يخفف الحقد.. وتخفيف الحقد، علاج للضعف فيه.
- وإن الأخذ بالإسلام لا ينطوي على (عنصرية) دينية، أو شعوبية، لأن الإسلام لتوجيه الطبيعة الإنسانية بما لها من خصائص إنسانية وليس للسيادة والتمييز.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1228  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 5 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج