شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
السياسة الماليَّة في الإسلام
الأستاذ عبد الكريم الخطيب
ديننا الإسلامي الحنيف هو -من غير شك- دين البشرية الخالد، منذ أن أراده الله سبحانه وتعالى أن يكون خاتمة الأديان، صالحاً لكل زمان ولكل مكان..
وعلى هذا الأساس شملت تعاليمه السامية كل ما يتعلق بالحياة الإنسانية.
وعلى هذا الأساس أيضاً كان الإسلام ديناً ودولة، وعقيدة وشريعة معاً.. والحق أن شريعة الإسلام السمحة قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، بل أثبتت بشهادة المنصفين من الأجانب عنها أنها نظام كامل يستوعب كل الحاجات وكل القضايا بحيث يمكن لكل أمة أن تأخذ به، وأن تسترشد بهداه، وأن تعمل بما جاء به من تعاليم، وأن تسهم -عن طريقه- إسهاماً فعالاً في تدعيم البناء الشامخ الراسخ القواعد للحضارة والمدنية..
وليس من شك في أن التطبيق العملي لمناهج الإسلام في الحكم سواء منها ما يختص بالقضاء أو الإدارة، أو سياسة المال أو غيرها من ألوان السياسات، ليس من شك في أن التطبيق العملي الصادق لهذه المناهج هو وحده العلاج لما يشكو منه الناس أو تشكو منه الشعوب قاطبة من الفوضى والاضطراب!
وليقل الخصوم: خصوم الإسلام التقليديون وغيرهم، ليقل هؤلاء الخصوم ما شاءوا.. فإن الحق هنا أبلج، والحقيقة عن الإسلام في الحكم، وفي غير الحكم من سائر أمور الحياة، واضحة.
وكتاب اليوم يتناول كما هو ظاهر من عنوانه، أحد الجوانب الرئيسية الهامة في المنهاج الإسلامي.
السياسة المالية في الإسلام
هذا الجانب الهام، هو السياسة المالية في الإسلام.
والمؤلف الفاضل يحرص على أن ينوه لنا في أول الكتاب، بأن هذا البحث ليس جديداً على الدراسات الإسلامية.. فلقد عنى فقهاء المسلمين في مختلف العصور عناية كبيرة بالنظر في كتاب الله وفي سنة رسوله وفي سيرة صحابته، ليضعوا من ذلك كله قواعد مقررة في كسب المال وفي وجوه إنفاقه، وفيما لله فيه من حق، وما لعباده من نصيب، ويتابع كلامه في هذا الصدد.. إلى أن يقول: فإن يكن لهذا الكتاب من غاية فإنما هي أن يذكر بأن الإسلام قد أقام بتعاليمه وتشريعاته دنيا قوية عزيزة إلى جانب الدين الكريم الذي أقامه في قلوب أتباعه، وأن الإسلام لم يكن مجرد دعوة دينية، بل لقد مكّن الإسلام للمسلمين في الأرض، وأراهم الطريق القويم لعمرانها، ورسم لهم مناهج العمل والبناء فيها، فأقاموا أعظم حضارة عرفتها الحياة، وسجلها التاريخ وشهدت عواصم الإسلام: بغداد والقاهرة، ودمشق، وقرطبة، ما لم تشهده عواصم الغرب في هذا العصر من ألوان الحضارة، وأشكال العمران، وأسباب الطمأنينة والأمن والرخاء.
ولا شك أن المسلمين لم يقيموا دولتهم تلك إلاّ على أسس راسخة، ودعائم قوية من ثمرات تفكيرهم وعمل أيديهم، مستظلين بظل شريعتهم، مهتدين بأضواء دينهم إذ كان الدين هو الذي أنشأ هذا المجتمع ورباه، ومكّن له في الأرض، فلم يكن لهم نظر في الحياة -مادياتها ومعنوياتها- إلاّ من خلال هذا الإحساس الديني العزيز على النفوس.
والمال -بلا شك- كان أحد الدعامات القوية التي قامت عليها حضارة العرب.. وهو الذي تقوم عليه حضارة الغرب وتستند إلى قوته، وهيهات أن تقوم حضارة، لا تجعل للمال وزنه وحسابه، وتقديره في إقامة أسسها، ودعم أركانها.
ثم يقول: هذا ما أردت أن أذكر به في هذا البحث، ونحن في صبح بعث جديد لأمة العرب وأمجادها، ليكون من ذلك لرجال الاقتصاد عندنا حافز يدعوهم إلى النظر في التشريعات المالية في الإسلام، ولينتفعوا بهذه التشريعات فيما يديرون من مباحث الخ..
نظرة الإسلام إلى المال
ويتحدث المؤلف فيما بعد في الباب الأول من الكتاب عن نظرة الإسلام إلى المال، فيقرر أولاً أن الإسلام دين الإنسانية كلها، وشريعته شريعة الناس جميعاً، لا يختص طائفة أو أمة منهم بميزة ولا يرتفع بهم على أكتاف الناس، وإنما الذي يرفع الناس وينزلهم هو عملهم الذي تكسبه أيديهم، وهذا هو عدل الله بين عباده.. لهذا لم تكن شريعة الإسلام لتعالج مشكلة طائفية، أو لتحل أزمة طارئة في شعب من الشعوب، وإنما جاءت لتعالج مشكلات الحياة كلها، ولتحل أزمات الإنسانية جميعها، على امتداد الأزمان واختلاف الأمم.
والمال أقوى قوة عاملة في الحياة من أجله يتصارع الناس، وفي سبيله يختصمون، وعلى مورده يتزاحمون كلهم ظامئ إليه، طامع فيه، لا يرتوي وإن شرق به، أو غرق فيه.
سلطان المال في النفوس
يعترف الإسلام بهذا السلطان للمال على نفوس الناس، وبهذه المكانة له في قلوبهم، وبهذا الأثر العظيم في حياتهم، فلم يقف منه موقف المستهين به، المستخف بآثاره، وإنما قدر المال قدره، ووضعه الموضع الصحيح له، فهو نعمة، وقد يتحول إلى نقمة وهو خير وقد يصير إلى شر.
المال أداة لا شر ولا خير
المال في ذاته ليس شراً وليس خيراً، هو أداة، خاضعة لمشيئة الإنسان، إن شاء كان نعمة، وكان فضلاً، وكان رزقاً ينال به الطيبات، ويرعى فيه حق نفسه وولده، ويؤدي منه حق الله، وحق العباد، مثل هذا المال نعمة يباركها الله، ويبارك على أهلها، وإن شاء حول النعمة التي في يديه إلى نار تحرقه وتحرق من حوله حين يذهب به مذاهب السرف والسفه، ويرد به موارد الإثم والفساد.
ويمضي المؤلف في حديثه في هذا الباب في تفصيل يستوفي فيه الموضوع ثم ينتقل إلى الباب الثاني.. فيتحدث عن بيت المال وعن نشأته في الإسلام، ثم يشير إلى موارد بيت المال في أول عهد الإسلام من: خراج، وجزية، وعشور تجارة، وخمس الغنائم والزكاة.. ويمضي ليتحدث إلينا عن الإجراء الذي كان يتخذه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ثم الشيخان من بعده: أبو بكر وعمر في إنفاق هذه الموارد إلى أن تم في عهد الفاروق رضوان الله عليه تدوين الدواوين.
وينتقل إلى الباب الثالث، وقد خصه بالحديث عن "كسب المال" في نطاق الأموال الخاصة.. هنا يقرر أن العمل هو الطريق الطبيعي لكسب المال، والطريق الذي رسمته الشريعة الإسلامية لكسب المال هو الطريقة الطبيعية للحياة وللأحياء، لو أنهم جروا على طبيعتهم وأخذوا بالأصلح والأنفع لهم.
على أن هناك -عدا العمل- وسائل أخرى للكسب، يشير إليها المؤلف، ومن هذه الوسائل: الميراث، والوصية، والهبة، والقرض، وغيرها.
وقد دعا الإسلام إلى العمل في الحياة.. والناظر في الشريعة الإسلامية يرى فيها أن العمل ضرب من العبادة، وأن الإنسان ما خلق إلاّ ليعمل، فإن عبد الله فهو عابد، وإن سعى في رزقه فهو عابد!
وليس للعمل ومجالاته حدود في شريعة الإسلام، فكل عمل يبلغ بالإنسان غاية فيها دفع له، وليس فيها إضرار بغيره هو حل مباح يذهب فيه المرء كل مذهب، ويجيء إليه من كل سبيل، في الأرض، وفي البحر، في التجارة، وفي الزراعة وفي الصناعة، في كل شيء، وفي كل وقت، وفي كل مكان، منفرداً أو مشاركاً غيره، عاملاً أو صاحب عمل.. لا حدود.. ولا قيود.
وحين نستعرض موقف الإسلام من أعمال الناس في شؤون الحياة نراه لا يتدخل فيها إلاّ بقدر، وفي أضيق الحدود، يضع مبدأ عاماً يسير الناس على هديه، ويبصرون به عثرات الطريق، ثم هم بعد هذا وشأنهم، يذهبون في كل مذهب يرون فيه مصلحتهم، يقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (البقرة: 275) هذا هو الأصل العام لحركة التبادل بين الناس، البيع حلال في جميع صوره وأشكاله وأجناسه، والربا حرام في جميع صوره وأشكاله وأجناسه.
فليبع الناس ما شاءوا، وليشتروا ما أرادوا حسب ما جرى عليه العرف بينهم ما لم يجئ ذلك على صورة توقع الضرر بأحد المتبايعين لأنه جاء حينئذ على غير الطريق الطبيعي المألوف!
كذلك العقود التي تتم بها عملية البيع والشراء وتبادل المنافع بين الناس لم تتدخل الشريعة فيها إلاّ في الحدود التي تتم بها المنفعة ويتحقق بها صالح الطرفين المتعاقدين.
وقد تواضع الناس فيما بينهم على أن يحترموا ملكية المالك لما يملك.. ولكن ما أكثر ما يبغي الناس على الناس.. لهذا اقتضت حكمة الشريعة الإسلامية أن تتدخل في هذا المعترك الإنساني وأن تنظم دورته، وتحفظ توازنه من أن تطغى عليه حمى العدوان.
والتربية السليمة الناجحة هي التي تقيم في النفس وازع الضمير.. ليكون إلى جانب وازع السلطان الذي يقيمه المجتمع بقوانينه وأحكامه وحكامه فإذا غفل وازع السلطان -وكثيراً ما يغفل- قام وازع الضمير، وإذا فتر وازع الضمير -وما أكثر ما يفتر- كان من وازع السلطان ما يملأ هذا الفراغ ولو إلى حين!
الوازع المادي والوازع النفسي
والوازع المادي الذي أقامه الإسلام إلى جانب الوازع النفسي -وازع الضمير- وازع حكيم ورحيم معاً.. وسنرى عند عرض الحدود التي أقامها الإسلام لحماية الملكية، والمسلك العملي الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في إقامتها، سنرى في هذا كيف قامت الرحمة مقامها الكريم إلى جانب الحكمة في الحدود التي أقامها الإسلام!
فالسرقة من الجرائم الغليظة التي رصد لها الإسلام عقوبة رادعة وهي قطع اليد، لأن السارق قد امتدت يده هذه بالبغي والعدوان على مال غيره.. وقد اتهم بعض أعداء الإسلام هذا الدين بأنه دين بداوة ووحشية لا يصلح للمجتمعات المتدينة الراقية، وكان قطع يد السارق مطعناً من مطاعنهم في هذا الدين.
وكذبوا، وضلوا، فما الإسلام إلاّ دين الإنسانية الرشيدة السليمة التي يخدش ضميرها ما يخدش الضمير الحي السليم!
والذين نفروا من عقوبة القطع في السرقة واستبشعوها، قدروا أنهم سيرون حين تمضي هذه العقوبة مجتمعاً مشوهاً يتلفت المرء فيه فيرى أيدٍ مقطعة في كل مكان.. وهذا لا شك حساب خاطئ، فلو أقيم حد السرقة كما شرعه الإسلام لما كان هذا العدد الكبير ممن يحترفون السرقة ويقدمون عليها، ولكان في هذه العقوبة زاجر يزجر معظم الذين يقترفون هذا الذنب ويعاودون اقترافه المرة بعد المرة.. ولا نذهب في هذا بعيداً فنروي عن التاريخ، وننقل ما سجلته صحائف الإسلام الأولى عن أثر هذه العقوبة وقهرها لجريمة السرقة قهراً يكاد يكون تاماً، لا نروي من التاريخ، وحسبنا أن نشير بالإصبع إلى الجزيرة العربية الآن، وكيف قضت هذه العقوبة على جرائم السرقة فيها قضاء محققاً، وأقامت أعراب البادية على سواء السبيل، فلا تمتد يد أحد منهم إلى ما ليس له، ولو كان القناطير المقنطرة من الذهب ملقاة في العراء، لا رقيب عليها، ولا حارس يحرسها، ومن أراد أن يجرب فليفعل.. وليترك ما معه من مال ومتاع في أي مكان من الجزيرة العربية، إنه سيجده حيث تركه ولو انقضت أيام وأيام.. ومع هذا فليس في الجزيرة العربية هذا التشويه للآدمية.. الذي ينفر منه أولئك الذين اتهموا الإسلام بالغلظة والجفاء.. فقد يمضي العام ولا يقام حد السرقة في الجزيرة العربية كلها إلاّ على آحاد من الناس يعدون على أصابع اليد الواحدة.
إن الجزيرة العربية اليوم أعظم شاهد، وأوضح دليل على أن شريعة الإسلام هي شريعة السماء لا تنقضها الأيام، ولا تحولها الأحوال عن أن تؤتي ثمرتها الطيبة التي أودعها الله فيها في كل زمان وكل مكان، فلن ترى المدنية الغربية، ولن ترى الحياة أبداً أمناً كهذا الأمن الذي يسود الجزيرة العربية.. ولن ترى سلوكاً أقوم من هذا السلوك الذي استقام عليه سكان هذه الصحراء الذين لم يمارس أهلها دراسة الفلسفات.. ومع هذا فقد أقام فيهم أدب الشريعة إزاء جريمة السرقة خاصة أدباً لن تعرفه مدنية أوروبا وأمريكا!
وقد اعترف الإسلام برأس المال كقوة عاملة في الحياة، لأنه باعترافه هذا إنما يقرر واقعاً من واقع الحياة الذي اقتضته مصلحة الناس، واستقامت عليه أمورهم وما كان لشريعة الإسلام أن تشق على الناس، وتقطع ما بينهم وبين الحياة من أسباب!
وقد فرض الإسلام الزكاة في الأموال إذا حال عليها الحول في يد صاحبها وكانت زائدة عن نفقته ونفقة عياله.. ونظم عملية الدين، وحرم الربا.. وكل هذه الأمور لا تقع إلاّ حيث يكون المال فائضاً في يد أصحابه زائداً عن الحاجة، فتخرج عنه الزكاة، أو ينال منه المحتاجون بالقرض الحسن..
كما أباح الإسلام المضاربة في التجارة، والمزارعة والمساقاة في الزراعة وهي كلها عمل، ورأس مال.
وجهة النظر الإسلامية في المعاملات الحاضرة
وفي الباب الرابع من الكتاب يتحدث المؤلف عن المعاملات المعاصرة وصلتها بالربا.. وهو يقرر هنا أن المشكلة القائمة الآن في الحياة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية هي الربا، الذي استقر في المجتمعات غير الإسلامية استقراراً يكاد يكون تاماً لا يشعر المتعاملون به بأي أثر من الحرج الديني أو الإنساني فهو عملية من عمليات التجارة سواء بسواء.. وهيهات أن يصد الناس صاد عن هذا اللون من المعاملة، لقد ارتبطت به حياتهم وقامت عليه جوانب كثيرة من كيان الاقتصاد العالمي.
أما المجتمع الإسلامي، فإن شريعته صريحة في تحريم الربا، وفي تغليظ جريمته ووضعها فوق الجرائم والكبائر، فكل مسلم يعلم أن الربا محرم عليه -آخذاً أو معطياً- وأنه حين يقع في هذا المحظور فإنما يكون قد خرج على أوامر دينه ولم ينته عما نهى الله عنه.
ويفيض المؤلف في هذه الناحية من نواحي الموضوع بما لا يتسع له المجال هنا.. كذلك نراه يتناول في إسهاب وفي تركيز ألواناً عديدة من المعاملات المستحدثة كأعمال البورصة.. والبنوك.. والشركات.. وشركات التأمين.. ثم يتكلم عن الاحتكار.. ويصفه بأنه اعتداء على حق الجماعة وتهديد لحياتها وأن الشريعة الإسلامية أباحت لولي الأمر أن يضرب على يد المحتكر ويعزره بما يرى، وأن يبيع عليه ما احتكر بالسعر المناسب.
ويقول عن التسعير إنه من الأمور التي نظر فيها فقهاء المسلمين، واختلفوا فيها.. وهل يجوز أم لا يجوز فذهبت أقلية منهم إلى منعه.. أخذاً بظاهر الحديث الشريف (1) وقال معظمهم على أنه لم يكن نهياً عاماً وإنما هو لحالة خاصة لم ير النبي صلى الله عليه وسلم علاجها بالتسعير.
وفي هذا.. يقول ابن القيم: "وجماع الأمر أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلاّ بالتسعير سعر عليهم تسعير عدل ولا وكس ولا شطط" (2) .
ثم ينتقل المؤلف إلى الباب الخامس ليتحدث لنا فيه عن "إنفاق المال" ويقرر هنا أن الإسلام إذ رسم الخطوط العامة لكسب المال من طريق مشروعة مستقيمة.. فإنه رسم الخطوط الأولى أيضاً لإنفاقه في سبل مشروعة مستقيمة، يؤدي فيها المال مطالب الحياة الطيبة الكريمة لأصحابه فيسعدهم ويسعد من حولهم.
والمبادئ العامة التي وضعها الإسلام لأصحاب الأموال هي:
أولاً: تطهيرها بالزكاة، وهذا حق الله وحق العباد الذين جعل الله حصيلة هذه الزكاة للإنفاق عليهم منها.
ثانياً: الإنفاق على الأهل والولد، وذوي القربى بقدر ما يسمح به المال، وفي الحدود التي أباحها الشارع الحكيم.
ثالثاً: الصدقة الموصولة على أصحاب الحاجات من الفقراء والمساكين.
رابعاً: توجيه الفائض بعد أداء هذه الحقوق فيما ينفع الصالح العام.. وينمي هذا المال.. وذلك بتثميره في المشروعات النافعة في ميدان الصناعة، أو التجارة أو الزراعة، أو غيرها.
وقد يتأول بعضهم -بالنسبة للزكاة- بأن ما يؤدونه من ضرائب وعوائد وغيرها إنما تحل محل الزكاة التي فرضها الإسلام.. وهو تأويل فاسد.. إذ الزكاة مصرفها: الفقراء والمساكين وغيرهم من الأصناف التي ذكرها القرآن الكريم، وهو حقهم الذي أوجبه على الأغنياء.. أما الضرائب التي تؤدى فإنها تؤدى في مقابل خدمات عامة يعود أكثرها على دافعيها لصيانة الأمن في الداخل، ودفع العدو من الخارج، وإقامة مرافق التعليم والصحة وإنشاء الطريق إلى غير ذلك مما ترعاه الدولة، وتفرض له ضرائب تزيد وتنقص حسب حاجتها.. إن المجتمع الإسلامي يؤدي هذه الضرائب كما تؤديها المجتمعات غير الإسلامية.. وتبقى الزكاة بعد هذا، شريعة من شرائع الإسلام، وحكماً من أحكامه، لرعاية جانب كل ضعيف في المجتمع، وهو جانب الفقراء والمساكين ومن إليهم، وبهذا يظهر التكافل الاجتماعي، وتظهر إنسانية هذا الدين، وفلسفته العميقة القائمة على وصل طبقات المجتمع ببعض.. بصلات الرحمة والمودة والإحسان.
نحو اقتصاد إسلامي
ونصل إلى الباب السادس، آخر فصول الكتاب، وقد جعل المؤلف عنوانه "نحو اقتصاد إسلامي".. وفيه يقول:
الدعوة التي يدعو إليها كثير من زعماء المسلمين لتحرير الاقتصاد الإسلامي من تبعية الغرب دعوة رشيدة تحمل في طياتها أكثر من معنى كريم من معاني السيادة والعزة، إلى ما تحمل من تصحيح المشاعر الطيبة التي أفاضها الإسلام على أتباعه، إذ ربط بعضهم ببعض بروابط الرحمة والإيثار، وجمعهم على الألفة والمودة.
فليس مما يصح به وجودنا أن نتحرر من أغلال الاستعمار، وأن تجلو جيوشه عن أوطاننا.. إن ذلك وحده لا يعطي معنى التحرير الذي تنشده الأمم التي تريد أن تلقى ركب الحياة وتأخذ مكانها فيه!
لا بد من أن نضم إلى هذا التحرير -لكي نثبت أقدامنا في الحياة- التحرير من النظم والتقاليد الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي نقلناها عن الغرب.. واتخذناها دستوراً لنا في مختلف شؤوننا، فذلك هو الذي يرفع الحواجز التي أوهنت الصلات التي بيننا وبين تراثنا العريق، وهو الذي يرينا في شريعتنا الخير الذي رآه فيها أسلافنا والذي مكّن لهم في الأرض وأوسع لهم في مجال الحياة، وأنزلهم منازل العزة والسيادة فيها:
فليست الدعوة إلى اقتصاد إسلامي دعوة إلى عصبية أو نداء إلى طائفية، وإنما هي دعوة إلى تصحيح أوضاع، وإلى إعادة مجد وإلى استرجاع حق، وإلى نصرة عقيدة!
قد يفهم بعض الناس غير هذا.. وقد يبدو لقائلهم أن يقول: إن هذه الدعوة إن لم تكن عن عصبية، أو طائفية، فهي عن فهم خاطئ لأوضاع الحياة في هذا العصر، الذي تشابكت فيه الأمم وترابطت مصالحها، وتلك دعوة انعزالية، تحرم المجتمع الإسلامي ثمرة التعاون والتبادل بينه وبين بقية الأمم.
ومن قال هذا؟
إننا لا ندعو إلى عزلة، ولا إلى جفوة وقطيعة، وإنما الذي ندعو إليه هو شيء يتعلق بنا كمجتمع له دين.. ولهذا الدين شريعة لها مبادئها وأحكامها التي يقيم عليها أتباعه، ومن حق هؤلاء الأتباع أن ينزعوا المنزع الذي يرتضيه دينهم، وتدعوهم إليه شريعته، فإذا اتجه المجتمع الإسلامي الآن إلى إحياء أمجاده، وبعث تراثه، وتصحيح عقيدته فإنما يتجه إلى كل أولئك، وليس في تفكيره هذه التصورات الخاطئة التي يتخرص بها أولئك الذين لا يرجون لهذا المجتمع خيراً، ولا يريدون له أن يخلص من تبعية الغرب ووصايته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :790  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 4 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج