شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
معركة المصحف في العالم الإسلامي
الشيخ محمَّد الغزالي
(2)
العودة المطلقة إلى هذا المصحف المهجور.
ذلك هو العاصم الوحيد للمسلمين من هذه التي يسميها الأستاذ الغزالي "الردة المجنونة" أي الردة عن تعاليم المصحف وتعاليم الإسلام.
وقد رأينا في القسم الذي عرضنا له من هذا الكتاب القيم "معركة المصحف في العالم الإسلامي" ما تحدث به المؤلف عن الصورة الرائعة للحق التي يضمها المصحف الكريم، وعن العبادات في الإسلام وما يجب أن يكون عليه موقف الدولة منها، وعن اللون الإسلامي للدولة.. ووجوب ارتباط المجتمع الإسلامي بالإسلام ارتباطاً عملياً وثيقاً دون الاكتفاء بمجرد الانتماء إلى الإسلام بالسماء والمواطن والخروج عليه -في نفس الوقت- بالأفعال وبالوجهة.. أو أن نأخذ من الدين أو من المصحف أشياء.. ونترك أشياء.. إلى آخر ما تحدث به المؤلف الفاضل.
ونتابع عرض أهم ما تناوله الكتاب من نقاطه الرئيسية.. وأول هذه النقاط -وربما أهمها- اتجاه بعض البلاد في الحكم بعد تحررها من الاستعمار إلى وجهة لا يمكن القول إنها تمت بصلة إلى الإسلام -وفي هذا يقول المؤلف:
الحكومة المدنية والإسلام
في العصر الحديث قامت في الشرق الإسلامي حكومات "مدنية" كثيرة، توطدت سلطاتها بين المحيطين، وانضوت تحت ألويتها جماهير المسلمين..
.. وهذه الحكومات -في أشرف صورها- أدت للشعوب خدمات من الحق أن نعترف بها، فقد جاهدت لتحرير البلاد من النير الأجنبي، وقادت حركات نزيهة لإقرار الكرامة الوطنية، إلى أن يقول بعد أن يستعرض ما قامت به هذه الحكومات: "إننا نقر بهذه الحسنات لأننا نبصر الواقع كما هو ولا نبخس الناس أشياءهم.. لكن النجاح الذي حققته هذه الحكومات في تنظيف الأوطان من الاستعمار الأجنبي كان العامل الأكبر فيه هو الجهاد الإسلامي الذي اندفعت بحرارته جماهير الثائرين!!".
والإنجليز والفرنسيون والطليان والهولنديون لم تتزلزل أقدامهم في البلاد التي احتلوها، ولم يكرهوا آخر أمر على الجلاء منها إلاّ تحت تأثير هذا الجهاد الموصول.. والمشروعات العمرانية والثقافية التي نجحت وأفادت كان العامل الأكبر فيها ضمائر المؤمنين الذين يؤدون واجباتهم بإخلاص، ويغلب على مسالكهم طابع الجد والدقة. ولما كانت الحكومات المدنية ليست -في جوهر تكوينها- وثيقة الصلة بالدين.. فإنه سرعان ما تطرق الوهن إلى عملها وهيبتها.. فتعثر خطوها في كل ناحية..
وإذا بقيت على هذه الحال فإنها ستفقد أرباحها التي حصلتها بعرق ودم الأجيال المؤمنة وحدها..
إن هذه الحكومات لم تهتم بالتربية الدينية.. فنبت الأفراد على طبائعهم دون تهذيب.. وسعة العلم وطول الدراسة مع فقدان العقيدة الدافعة الوازعة لا يجديان فتيلاً، خصوصاً في مجتمع تشبثت بترابه معالم الإسلام.. فهي لا تفتأ تثبت نفسها، وتتقاضى حقها في التوجيه والقيادة، وقد رأينا مشروعات لا ينقصها صواب الفكرة، ولا صدق الوجهة، ومع ذلك فقد زاغت وذابت، لا لشيء، إلاّ لأن الأيدي "غير المتوضئة" هي التي باشرتها، والقلوب الخالية من الله.. هي التي سيرتها.
إن الحكومات المدنية -في البلاد المسلمة- سوف تعجز عن تحقيق شيء طائل.. ما دامت مصرة على عزل الدين عن الحياة.. وما دامت مصرة على تعريض المجتمع لعواصف التحلل والمجون والفوضى التي تهب من كل وسائل الإعلام..
إن الفراغ والبرود اللذين يغمران النفوس في -ظل المدنية المتجاهلة لأحكام الإسلام- يستحيل أن تنجح بهما نهضة.. بل يستحيل أن تبقى معهما أمة.
ويمضي المؤلف: إلى أن يقول "إن البلبلة النفسية والاجتماعية ستظل تهز كل شيء.. وتذروه بدداً. وستظل تجر الكوارث في الداخل والخارج.. حتى نصل ما بيننا وبين الإسلام في ميدان التربية والتعليم، وفي ميدان الإدارة والتشريع، وفي ميدان الاقتصاد والسياسة، وفي شعائر الحياة العامة والخاصة كلها..
عندئذ تنتظم مشاعر الأدب الاجتماعي، والكفاح السياسي في منهج معروف المنبع والمصب.. فلا يعروه تناقض ولا تضارب، ولا يشينه ضعف أو فراغ".
ويواصل المؤلف الحديث في الفصل الذي عقده بعنوان "مسير الإسلام بين المجتمع والدولة" فيقول: ".. في هذا المصحف كل ما يفتقر إليه العالم من رشد وطهر"..
وخير للناس أن يثوبوا إلى هذا الكتاب متعلمين، بدل أن تدمي أعقابهم التجارب الفاشلة، والمناهج الباطلة، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنعام: 115).
وهنا نجيب على تساؤل شاع على ألسنة كثيرة، يقول أصحابها معترضين: إن الإسلام الذي قرأنا لكم ولغيركم بحوثاً مطولة في شريعته وعقيدته نظام مثالي، أو بتعبير آخر: نظام خيالي!!
إن تاريخ الدنيا لم يعرفه إلاّ سنين عدداً في دولة الخلافة الراشدة!!
وإن الحياة الإسلامية بعدها ماجت بالفتن والأحداث الجسام..
فدعونا نستحدث من الأفكار والأساليب ما يكفل لنا الاستقرار وفق ما نشتهي..
ونقول لهؤلاء: على رسلكم، إن المسلمين ظلوا ألف سنة وهم -بهذا الدين- أنضر أهل الأرض عيشاً، وأرقاهم فكراً وأعلاهم مستوى..!!
كانت الأمم النصرانية واليهودية والوثنية دون جماعة المسلمين بيقين.. بل كانوا يرون الحياة الإسلامية، طليعة نيرة.. وقوة باهرة.
وصحيح أن المسلمين -وهم بشر خطاءون كغيرهم من البشر الخطائين- لم يحتفظوا بالأوج الذي رفعهم الله إليه، ولم يلتزموا وصايا السماء التي شرفهم الله بها.
ولكن الأفق الذي هبطوا إليه بتفريطهم.. كان أسمى من آفاق الحياة في الأمم الأخرى.
ولم يهو المسلمون من عل. ويسقطوا من عين الله إلاّ يوم قطعوا حبال الإسلام، واستهانوا بروابطه..
حينئذ تسلطت عليهم الأمم التي كانت قديماً تتعلم منهم، وتقفو آثارهم وتلك سنة الله في خلقه إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا (الإسراء: 7).
ثم يتحدث عن أثر الإسلام في الميدان الاجتماعي فيقول: "في المجتمع سدت تعاليم الإسلام كل فراغ يمكن أن تتسرب إليه المبادئ الاقتصادية الهدامة وفلسفتها المادية الكفور".
إن الشيوعية وجدت مرتعاً خصيباً لها في أوروبا، وقد نجد لها مرتعاً في أمريكا، بل إن جراثيم هذا المذهب ولدت وتكاثرت في الفراغ النفسي والفكري الذي صحب النصرانية في مواطنها، والبوذية في بلادها..
ولولا محنة الاستعمار الغربي لدار الإسلام.. ما أمكن أبداً أن تتسلل الشيوعية إلى أرضنا، أو تجد امرءاً يقبل الانتماء إليها..
وحيث يكون الإسلام الحق يستحيل أن تكون شيوعية، وتستحيل أن توجد لها ضرورة.
إن الإسلام جعل العمل للقادر عليه عبادة.
وجعل العون لعاجز عنه فريضة..
وأوجب على الدولة أن تحارب عن حق الفقير في المعونة، كما شرع القتال عن حق كل ذي مال في ماله..
فما مكان الشيوعية والحالة هذه؟
إذا كان الدين مخدراً للشعوب في بعض الأقطار، فالدين في بلاد الإسلام منبه للشعوب وحاثٌّ لها على مقاومة الظلم، وإشاعة العدل، وتعميم الرحمة، ومنع الجوع واستنكار البطنة والترف.
الإسلام لا يعرف التفرقة
ولم تعرف بلاد الإسلام قصة "البيض والملونين" التي تعرفها أوروبا وأمريكا.. لقد ألف الناس أن يؤمهم في المحراب وأن يؤذن فيهم للصلاة رجل أسود.
وأن يدرس لهم في المدرسة أو يقضي بينهم في المحكمة رجل أسود. ولم يكن هناك فارق ما بين أن يلي مناصب الإمارة أبيض أو أسود!
فما أبعد البون بين الجو الإسلامي، وجو المدنية الحاضرة!
وقد بلي المسلمون بعد انهيار شخصيتهم الاجتماعية والسياسية في القرن الماضي بأناس يختلونهم عن تعاليم دينهم بحذر ودهاء..
فتراهم يتظاهرون باحترام النبوة..
ولا بأس أن يصيغوا الإسلام بأنه دين الفطرة والتقدم!!
حتى إذا ووجهوا بأحكامه في الحلال والحرام ومطالبه في الصلاة والصيام انكمشوا وتقهقروا.
إنهم يأخذون من الدين ما يحبون.. ويدعون ما لا يعجبهم، وهواهم الخفي مع مبادئ مستوردة من الشرق والغرب.. هي التي يعجبون بها.. يعترفون لها.. ويقبلون من الإسلام ما يوافقها وينبذون ما يناقضها.. ومعتنقو المذاهب الأجنبية يريدون أن يفرضوا أهواءهم على الإسلام، وأن يواجهوا تعاليمه وفق هذه المذاهب مع بتر ما يزيد عليها من نصوص، أو تجاهل وجوده..
واجتهادهم في المواءمة بين الإسلام والصالح العام كما يتخيلونه، يغاير الاجتهاد المشروع الذي عرفه أئمة الإسلام في عصوره الطويلة.
والواقع أن استخدام نصوص الشريعة الإسلامية -كما يقول الدكتور محمد حسين في رسالته "اتجاهات هدامة في الفكر العربي المعاصر"- في تبرير أنماط الغرب الفكرية والاجتماعية هو شر من تقليد هذه الأنماط تقليداً أعمى!
لأن الناس يمكن أن يعيشوا على أمل التخلص من الدخيل إذا قامت فيهم حركة أصيلة للأحياء..
أما في الحالة الأولى -وهي حالة اندماج وتفاعل- فإن إدراك الحدود بين الأصيل والدخيل تدق وتخفى حتى لتكاد تستحيل لأن الناتج من التفاعل سيكون شيئاً جديداً معقد التركيب تختلف خصائصه وصفاته عن كل من العنصرين المكونين له، ولأن الناس يدركون في حالة التقليد أن الذي يفعلونه شيء آخر غير الإسلام. أما في الحالة الأولى فسوف يرسخ في أذهانهم أن ذلك هو التفسير الحق للإسلام الذي يلائم ظروف الزمان، وسوف يرفضون كل محاولة لردهم إلى الحق لأنهم يتوهمون أنها دعوة رجعية جامدة.
العودة إلى الدين هو الحل
ويتحدث في فصل آخر بعنوان "في سلم النهوض" قائلاً: العودة بالمسلمين إلى الإسلام علماً وعملاً.. تلك هي وظيفة المجددين لدين الله. الناهضين بأمته كي تؤدي رسالتها الكبرى..
إلى أن يقول: لقد كان الإسلام أسبق رسالة عالمية لتحرير الإنسان وتوطيد حقوقه ورفع هامته، فما يحني صلبه إلاّ راكعاً لله الذي خلقه فسواه، وكان الإسلام أسبق رسالة عالمية لرعاية الجماهير، ومنع التفاوت المصطنع بين طوائفهم، وإشاعة نعمة الله في بيوتهم، وتوفير الطمأنينة الكاملة لهم ولذراريهم.
في وجه الاستعمار
وفي فصل بهذا العنوان يقول:
.. إن أعداء الإسلام في العصور الحديثة زادوا كماً وكيفاً..
الصليبية التي تعلمت من ماضيها في الخصام، كيف تختل لتقتل.. انضمت إليها الصهيونية التي استشعرت بغتة أن لها ثارات في المدينة وخيبر، وأن لها مطمعاً في فلسطين منذ 40 قرناً.
وهناك بعدئذ الشيوعية التي طلعت على العالم في القرن الأخير بإلحاد لا تنقصه الصراحة ولا السلاح.
على أن الاستعمار الغربي -الذي لدغ الإسلام من قبله أول ما لدغ- كانت تتمثل فيه أحقاد الصليبية، وتختبئ وراءه مطامع اليهودية.
وأغلب ما نال المسلمين من أذى وشر كان على يديه..
والهدف الأول والأخير لهذا العدوان القديم الجديد لخصه القرآن الكريم في هذه الكلمة وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ (البقرة: 217).
ولم تتغير قط الغاية المنشودة وإن اختلفت على حسب العصور الخطط المرسومة.
- وهم يريدون الإتيان على هذا المصحف الشريف وصاحبه الذي جاء به..
- هم يريدون أن تخمد أنفاس المؤذنين فلا يسمع أبداً حي على الصلاة حي على الفلاح.
هم يريدون أن يكون الإسلام قصة تروى كما تروى قصص الأمم البائدة، وأن يختفي الحديث عن توحيد الله، ويوم الجزاء، وتحريم الزنا والربا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتردد على المساجد من انفلاق الفجر إلى غبش المساء.
في ميدان المعركة
وتبدأ سلسلة طويلة من الدفاع والهجوم، بين طلائع التحرر الإسلامي من جهة، والصليبية الحديثة وما سار في ركابها من قوى شريرة من جهة أخرى..
فانظر كيف يقع المكر بالإسلام وأهله؟
- إن الحرية مطلب غالٍ.. لا يختلف اثنان على الكفاح من أجله..
غير أن الاستعمار يعرض حرية من نوع جديد، يعرض الحرية المطلقة، ويوعز إلى بعض الأقلام أن تنادي بها.. الحرية التي وقر معناها في أذهان الخاصة والعامة -وهم ينادون بها- أن تنكسر قيود الاستعمار.
- وأن تتوطد الكرامة السياسية والاجتماعية لكل إنسان..
- وأن تنظم مجالس الشورى وترسخ قواعد النقد الحر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
- هذه هي الحرية التي عناها الجميع.
- غير أن الصليبية -من وراء ستار- أوحت إلى سماسرتها أن ينادوا بحرية أخرى!
- حرية الشارب أن يسكر، والفاسق أن يعبث، والمرتاب أن يرتد.
- إنه لا حرج من منح الأمم حرية الخروج عن الإسلام مع خروج الاستعمار قبل ذلك أو بعده..
- تلك هي الخطة الجديدة.
- أما الأسلحة الأخرى الفعّالة فما أكثرها وأفتكها!
- هناك -في العالم الإسلامي كله المدارس التي تنشِّئ المسلمين نشأة أخرى يخرج منها جمهورهم بين جاهل بالإسلام، أو جاحد له..
- هناك المطابع التي تخرج منها الألوف المؤلفة من الكتب والرسائل لتصوغ المشاعر والأفكار صياغة تجعلها أبعد ما تكون عن الإسلام. وأقرب ما تكون إلى النِّحل والمذاهب الأخرى.
- هناك المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية -إلى جانب وسائل الإعلام في جميع البلاد الإسلامية، إنها جميعاً تمشي وفق خطة مرسومة بعناية وأناة ودهاء..
والاستعمار يستعين بأدوات متباينة ليبلغ هدفه الأخير، فقد تجد في إحدى الصحف شخصاً يعتنق الوجودية، وهي فلسفة لا تؤمن بالله، ولا تلتزم بالشرائع والأخلاق الموروثة.. وإلى جانب هذا الشخص قد لا تجد امرءاً شيوعياً، والشيوعية تناقض الوجودية في نظرتها للفرد، واعترافها بكيانه، ومع ذلك فإن الصليبية تستعين بالاثنين لأن كليهما كافر بالإسلام، ماهر في الإساءة إليه وتضليل أبنائه.
ولا بأس أبداً أن ترى الاثنين صديقين في هذه السبيل، ومعهما ثالث لا يدين بالإسلام، ورابع يدين بالإسلام رسمياً ولكن عقله طبع في لندن أو باريس أو موسكو.
والأنكى من ذلك أن دول الغرب المتنافرة ظاهراً في سياستها تلتقي على صفاء ووئام عندما يتصل الأمر بإنجاح الخطط الصليبية في بلاد الإسلام..
إلى أن يقول: فلنعترف -طوعاً أو كرهاً- بأن الهجوم الصليبي الأخير بلغ من أقطار الإسلام في العصر الحالي ما يريد!
وأن ما أحرزه الآن يشبه ما أحرزه في أولى حملاته القديمة عندما وضع يده على بيت المقدس، وذبح في ساحة المدينة المحروبة سبعين ألفاً من المسلمين الكفار!
والاستعمار القانوني
.. والاستعمار الأوروبي عندما اجتاح أرض الإسلام وجه أقصى ضرباته إلى الشريعة الإسلامية، وعمل -ظاهراً وباطناً- على تجريحها وإقصائها، وإحلال قوانينه الخاصة محلها قاصداً بذلك إلى أمور:
1- محو الطابع الرسمي للإسلام وتقطيع الأحزمة الدينية التي تشد أوصال المجتمع، وتبقيه متماسكاً باسم الله، إذا وقع خطأ فردي هنا أو هناك.
2- التذرع بتعطيل أمر الله في ناحية مهمة إلى تعطيل أوامر الله في سائر النواحي الأخرى وبذلك يتم سلخ المسلمين عن دينهم، وحطم الدعائم والمعالم التي تكوِّن أساسهم الروحي وصورتهم العامة..
3- ترك الجراثيم الخلقية تسرح في هذا الجسم المتداعي ما دام السكر والزنا والربا والسفه يقع للأعقاب، وما دام القتل والسرقة والاعتداء وغير ذلك من الجرائم يقع، فلا يواجه في الأعمّ الأغلب إلاّ بعقوبات فقدت قوة الردع، وصرامة القصاص!
4- فرض الطابع الأجنبي للأمم الفاتحة، والتوسل بهذا.. إلى تغليب ثقافتها ولغتها وتقاليدها.. ومن ثم تتلاشى حقائق العروبة والإسلام، وتتوارى في تراب الهزيمة إلى الأبد..
ومن المستحيل الزعم بأن الأمم الإسلامية تحررت لمجرد أنها تخلصت من الاحتلال العسكري، ستبقى بها العبودية ما بقي القانون الفرنسي أو الإنجليزي يحكم هؤلاء المسلمين، وما بقيت جهود بعض المفتونين متصلة لنقل القوانين الغربية في الأحوال الشخصية كي تحل محل أحكام الإسلام في الزواج والطلاق..
- إن العودة إلى الإسلام تقتضي تنظيف البلاد من بقايا الاستعمار القانوني، ومسخ الصبغة الأجنبية التي تقذي العيون في أكثر من مكان فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (النساء: 65).
هل يتوقف الأعداء عن الحرب
إن بعض الناس يقول: ما نقبل هذه الأحكام المجلوبة من الخارج إلاّ لضرورات ملزمة والضرورات تبيح المحظورات.
ونجيب هؤلاء: "بأن طبيعة الضرورة التوقيت لا الدوام.. لكن تحكيم القوانين الأجنبية بالطريقة الشائعة الآن في البلاد الإسلامية أمر لا يؤذن بأنها ضرورات تنتهي بزوال قريب أو بعيد..
والجدل الذي يدور دفعاً عنها حيناً، واتهاماً للنصوص الإسلامية حيناً آخر يدل على أن الاستعمار أفلح في خلق طائفة كافرة بالله. متمردة على كتابه.. متبرمة بما أنزل، تريد هجره عن تبجح وعمد.
إن تيار الاستعمار حملهم بعيداً عن شاطئ الإيمان فما يخطر بأذهانهم أن الحلال بيِّن وأنَّ الحرام بيِّن.
ويتساءل المؤلف الفاضل -في ختام الكتاب- هل يقف خصوم الإسلام عند هذا الحد؟
إن محاولاتهم لهدم أركان الإسلام لا تنتهي، وستظل جهودهم متراكضة كي يذودوا الشعوب عنه ويمنعوها إنفاذ أحكامه وإحياء شعائره.. وأدواتهم لبلوغ هذه الغاية كثيرة، خفيها أكثر من جليها، وماكرها أعقد من ظاهرها..
والهدف الإجهاز على هذا المصحف، وجعله حبراً على ورق.. أو صدى يذهب في الفضاء، أو أثراً يودع في المتاحف.
وعلى المسلمين في القارات الست، وعلى كثرتهم العظمى بين المحيطين الهادي والأطلسي أن يلمسوا هذه الحقيقة.. فإما عاشوا بدينهم.. وتحملوا مغارم الكفاح ضد هذا الخصام الملح المصر، وإما نكصوا على أعقابهم فهلكوا. إلاّ أن العاقبة للتقوى، والمستقبل القريب والبعيد للإسلام: دين الله من الأزل إلى الأبد".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :902  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.