شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التبشير وَالمبشِرون
انظر إلى أي بلد من بلدان العالم الإسلامي الآن، وابحث عن أحوالها مستقصياً متعمقاً، واقرأ في صحفها ومجلاتها -إن كان لها صحف أو مجلات- واسأل عنها من يتاح لك أن تجتمع به من أبنائها أو من تصادفه من الرحالين والروّاد الذين سبق لهم المرور بها وملاحظة أحوالها. انظر إلى أي بلدة من هذه البلدان في عهدنا الحاضر تجد أنها منكوبة (مع الأسف) بألوان عديدة من النكبات المحلية، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو غير ذلك.. وانظر أيضاً تجد أن من ضمن هذه النكبات التي منيت بها وأصبحت تعاني شرورها هذا الشيء الذي يسمونه التبشير.
وهذه الجماعات الكثيرة العاملة بجد ونشاط لا مزيد عليهما، والسائرة في طريقها بدأب واجتهاد وثبات فوق ما يتصوره العقل ونعني بها جماعات المبشرين.
التبشير والمبشرون نكبة عظيمة من نكبات العالم الإسلامي في هذا الزمن الأخير ولسنا نقصد بقولنا هذا أن ثمت نجاحاً عظيماً لقيه التبشير أو يلقاه في أي بلد من البلدان الإسلامية أو أن هناك عملاً كبيراً استطاع أداءه المبشرون أو يستطيعون أداءه -لا سمح الله- كلا.. لا نقصد ذلك ولا نعنيه فإن حوادث المبشرين المتوالية وسلسلة فضائحهم التي ظهرت وما فتئت تظهر أمام الناس أجمعين، كل ذلك قد أظهر بأفصح بيان وأسطع برهان أن (خُفَّي حُنين) هما وحدهما نصيب التبشير والمبشرين، كل ذلك قد أثبت جلياً أنه من المحال أن يتأثر أحدٌ من المسلمين بأي مؤثر من المؤثرات، أو أن تسيطر عليه أية دعاية سيئة من أمثال هذه الدعايات.
ولكن ما نعنيه بقولنا (نكبة التبشير والمبشرين) إنما هو الذي نراه من تقاعس العالم الإسلامي، واستمراره على هذا الموقف السلبي بإزاء التبشير والمبشرين ما نعنيه إنما هو هذا الموقف المزري: موقف الجمود والخنوع والاستسلام وعدم الاكتراث بما يعمله هؤلاء المبشرون بين ظهرانيهم من أعمال وما ينشرونه من مختلف الدعايات عن ديننا الإسلامي وما يحاولونه من محاولات مستمرة في سبيل الوصول إلى غاياتهم المعلومة..
للمبشرين جمعيات كثيرة منتشرة في كل بقعة إسلامية تقريباً، وللمبشرين مدارس وملاجئ ينشئونها هناك باسم العلم وباسم الثقافة وباسم التهذيب.. ولكن سرعان ما يفتضح أمرها وتظهر حقيقتها للملأ، ويتضح للناس أنها إنما أُنشئت للتبشير وحده وليس للعلم أو للثقافة وللتهذيب.
وللمبشرين -عدا ذلك- صحف ومجلات ونشرات ولهم كتب يطبعونها وينشرونها على أنها كتب في اللغة والأدب أو العلم أو التاريخ أو غير ذلك.. ثم لا تحوي بين مضامينها إلاّ تلك السموم التبشيرية الفتّاكة. كل ذلك يقوم به المبشرون -ويقومون به على مرأى ومسمع- والمسلمون لاهون نائمون لا يعملون ولا يتكلمون. كأنهم لا يحسون بكل هذه الشرور ولا يشعرون!
ومن هنا -ومن هنا فقط- يصح لنا أن نقول عن التبشير بأنه نكبة وأي نكبة، أجل إننا إذا نظرنا من هذه الناحية وجدناه نكبة حقيقية قد تفوق سواها من النكبات الأخرى، وقد تكون بعض هذه النكبات أو جلها (وقتية) تزول آثارها بزوال الأسباب التي دعت إليها، والظروف التي أحاطت بها. ولكن يا للهول!! إن نكبة التبشير إذا قدر لها -لا سمح الله- أن تنجح ولو قليلاً فلا يمكن أن يقال إن آثار هذا النجاح ستكون -شأنها كشأن غيرها- من الآثار الوقتية الزائلة.
إن الواجب يقضي بأن يتنبه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى هذا الداء العضال ويجتهدوا في أن يستأصلوا شأفته، الواجب يقضي بأن يناوئ المسلمون كل هذه الحركات، وكل هذه الدعايات، وكل هذه المحاولات، يناوئونها بنفس الأسلحة، ويرسمون لهذه المناوأة عين الخطة التي رسمها المبشرون، فبالمدارس والملاجئ الإسلامية يكثر المسلمون من إنشائها في بلادهم ويمنعون أبناءهم من الدخول في سواها، وبالمجلات والصحف وسائر أنواع المطبوعات يستطيع المسلمون -إذا أحسنوا الانتفاع من كل ذلك- أن يقضوا القضاء النهائي على هذا الشر المستطير وفي الوقت نفسه يكون كل ما ذكر كدعاية عظيمة حسنة لها آثارها، ولها نتائجها وفوائدها للإسلام والمسلمين ولمستقبل الإسلام ومستقبل المسلمين.
إن الخطر من التبشير والمبشرين عظيم جداً، إذا ما ترك وشأنه وقوبل بمثل هذا الإهمال وعدم الاكتراث فليكن العمل عظيماً جداً أيضاً في سبيل التصدي له ومناوأته والقضاء عليه (1) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :721  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.