شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذة الدكتورة مريم بغدادي))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، استئناساً بقوله تعالى المتجلي بالجمال والجلال لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران: 188) صدق الله العظيم، أرجو أن لا أكون من هؤلاء، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (الحاقة: 20).
إخوتي الأفاضل، أخواتي الكريمات: بداية، أشكر لكم حضوركم الدال على روحكم الإيجابية الحريصة على مؤازرة الجميع منا، إخوة وأخوات، في بناء مجتمعنا ثقافياً واجتماعياً وإنسانياً، وحيث إن (النساء شقائق الرجال)، كما يقول الحديث الشريف، فإن تكريم الأخ الأستاذ عبد المقصود خوجه -حفظه الله- أخواته مثال حي على جديته في تطبيق ما جاء فيه، وعليه، أرجو أن يتقبل مني هذه الأبيات، تقديراً صادقاً لنهجه في الاحتفاء بالثقافة ومحبيها، وفي تكريم كل مجتهد في مجال المعرفة، ليس النفاق طبيعتي ووسيلتي فهو العدو لمريم بغدادي، وبصدق أقول لأخي:
تكريم نبيل..
أبيات صادقة تصور انطباعي عن صاحب التكريم الوجيه الذي آثر في تواضعه وأدبه الجم في مكالمة هاتفية عرض فيها رغبته في تكريمه لي كعادته في تكريم من يحسن به الظن -وأرجو أن أكون مستحقة لذلك، وإليه أقول:
ماذا أقولُ لطاهرِ الأثوابِ
وكِرامِ قوم ساهموا بعذابي
بحُضورِ نَدْوَةِ أخْوةٍ، بَلْ نُخْبَةٍ
بَلْ صَفْوَةِ الأسماء والألقابِ
وَأنا المَريضة كُبِّلتْ بمَواجع
آلام قلْبٍ مُتْعَبٍ وثابِ
فيهِ وَفيهِ، لسْتُ أفصِحُ، إنَّني
بخريفِ عُمْر مُثقلٍ جَوَّابِ
قدْ كَانَ يَسْعَى صاحبي لِسَعادةٍ
ولِكُلِّ ما يَرْجو مِنَ الأسْبابِ
وَمِنَ العُلوم سَقيْتُهُ رَوَيْتُهُ
فإذا بعُمْري قدْ مَضَى بِعَذابِ
فَظَلمْتُهُ بجَهيدِ أمْري، وَانْقَضَتْ
أيَّامُهُ في جيئَتي وذهابي
وَمَضى يُكَدِّرُ خاطري بهمُومِهِ
وَأناخَ بَعْدَ شبابِهِ وشَبابي
فإذا بظَهْري ينحني بعظِامِهِ
والضَّعْفُ دَبَّ بقامَتي، وَرَمَى بي
وبَذا الدَّواء وذا الدَّواء رَفدْتُها
فأَبَتْ نُهوضاً، واحتَمَتْ بِحِقابي
وَاحْتارَ طِبِّي في علاجي وانْثَنَى
مُتَحكِّماً في مَأَكلي وشَرابي
أَصْنافُ شَتَّى مِ العِلاجِ تَهُدُّني
تَبْتَزُّني بتَلاعُبٍ بحسابي
وأَتَى رَصيدي في (البُنوكِ) يَهُزُّني
وَيَقولُ: مَرْيَمُ، قدْ فقَدْتُ صَوابي
إذْ قدْ قضَيْتِ على نَشاطي، قيمتي
فبَدَوْتُ شَيْخاً عاجزاً مُتصابي
وَأنا المُعَنَّى ضائِعٌ مُتَضائِلٌ
هَذا -لَعَمْري- قمَّة الإتْعابِ
فأَجَبْتُهُ: مَهْ (1) ، لا تَلُمْني، صاحِبي
فالسُّقْمُ عِنْدي -كَاليَهودِ- مُرابي
أشْواكُ دَرْبي خَلْفَّتْ آثارَها
وَلِذا اعْتَزَلْتُ، ومَوصِداً أبْوابي
عَنْ ذي الحَياةِ بمُرِّها وَضَجيجها
وَرَضِيتُ أبْقى صاحباً لِكِتابي
مَقصودُ (خُوجَه) أنْ يُكَرِّمَ شَيْبَتي
وَأنا بدَوْري قدْ بَعَثْتُ جَوابي
إذْ جئْتُ أشْكُرُ فَضْلَهُ برسالةٍ
أخَويَّةٍ لِجَنابهِ الإيجابي
فيهِ السَّماحَة والمُروءْةُ والنَّدى
هُوَ ماجِدٌ مُستوْجِبُ الإعْجابِ
هَذا الكريمُ مُوَشَّحٌ بنَبالةٍ
وَرِثَ الشَّمائِلَ مِنْ كَريم جَنابِ
مُتَواضِعٌ، يَرْجو الرِّضا مِنْ رَبِّهِ
برعايةِ الإبْداع والكُتَّابِ
لَيْسَ المَديحُ بغايَتي، بَلْ مَقْصدي
عَرْضُ انْطِباعي عَنْ فَتَى الآدابِ
لَسْتُ المُجامِلَ في الكَلام، لأنَّني
أُبْدي مَلامِحَ مُشْرَع الأَبْوابِ
لِذوي النُّهَى والمُبْدِعينَ وَكُلِّ مَنْ
يُثْري الثَّقافة في أَجَلِّ ثِيابِ
لا لِلْوَجاهَةِ، فَهْوَ في أحْضانِها
هُوَ مُولَعٌ في خِدْمَةِ الأَلْبابِ
فالفَضْلُ طَبْعٌ والمُروءَةُ شِيمَةٌ
في ذا، وَعادَةُ مُغْرَمٍ بكِتابِ
يَطْوي السِّنينَ وَفَي ثناياها سَنا
لَصَنيعِهِ المَغْموس بالأطْيابِ
هَذا التَّوَجُّهُ مُشْرَئِبٌّ لِلْعُلا
وَلِكُلِّ ما يَسمْو مِنَ الآدابِ
فاهْنأْ بحُبِّ اللَّهِ مَوْصولَ الرِّضا
وبِحُبِّ مَنْ تَرْعَى مِنَ الأتْرابِ
وَإليْكَ شُكْري يا نَبيلُ مُسرَبَلا
بدُعاء قَلْبٍ صادقٍ أوَّابِ
جُوزيتَ خَيْراً، وَاصْطَفَتْكَ عِنايةٌ
مِنْ ذِي الجَلالِ بمُجْمَلِ الأسْبابِ
هَذا، وَإنْ عَجزَ الكَلامُ، فَعُذْرُنا
أنَّ المَشيبَ مُحاصِرٌ أطْنابي
وحيث إنه قد طلب مني نبذة عن سيرتي الذاتية وإعطاء فكرة عن آخر كتاب لي، أقول: إن الفقيرة إلى لطف الله تنتمي إلى أسرة يرتفع نسبها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقد أغرى الزمان -كعادته- هذه الأسرة بالرحيل إلى بلاد الرافدين، ثم إلى بلاد الشام إلى أن استقر بها المقام في الأردن، حيث بدأت خطواتي الأولى في تلقي العلم وكان والدي المتخصص في الدراسات الإسلامية وعلم القراءات، أول أساتذتي، إذ بدأ، رحمه الله، يسقيني من المعارف ما كان يراه مفيداً لتكويني الفكري والثقافي، وكم كان يغريني بالقراءة في كتب الدين والتراث، ويحببني في الكتاب، وقد غرس في نفسي الحرص على اقتنائه، فأصبح ذلك عندي عادة ورثتها لولدي. وكان والدي رحمه الله يجبرني منذ نعومة أظفاري على تلخيص ما أقرأ وأسمع من الإذاعة، من خلال تحفيز هادئ أحياناً، ومن خلال حزم هادف أحياناً أخرى، لتطوير معارفي وتوسيع مداركي، فأفادني كثيراً، جزاه الله عني كل خير. ومن أساتذتي الذين طوقوني بفضلهم وتأثرت بهم، الأستاذة الدكتورة بنت الشاطئ، وهي قمة في العلم والخُلق، ونهر من العطاء، وكذلك الناقد الأستاذ الدكتور أحمد كمال زكي، والفيلسوف الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي، واللغوي النحوي الأستاذ الدكتور عبد العزيز مطر، والدكتور حامد عبد القادر صاحب المعجم الوسيط، وغيرهم من الأفذاذ الأفاضل، فرحم الله من اختار منهم إلى جواره وأطال عمر من بقي منهم على قيد الحياة.
أما زميلاتي، فإن لهن في فكري وقلبي بصمةً أفتخر بها وبمشاركتهنَّ في خدمة جامعة الملك عبد العزيز، وبناء مرافقها العلمية، وهنّ يستحققن -قبلي- التكريم والاحتفاء، ولعلي عاجزةٌ عن ذكر أسمائهن جميعاً، فهن نجومٌ في سماء المعرفة والعطاء الحافل. وهذا ما أسكت قلمي.
أما طالباتي فإنهن نبض قلبي؛ منهن أستاذة مجتهدة حصلت على درجة الأستاذية حديثاً، وعديد منهن حصلن على درجة الدكتوراه، ومنهن من أمتعتنا بشعرها أو نقدها وإبداعها في الرسم، ومنهن من ساهمت في بناء هذا المجتمع الطيب بجدارة واقتدار.
أما الكتاب الذي اخترت فهو كتاب (مقالات في الأدب العربي القديم -دراسة مقارنة) وهو مبنيٌّ في الأساس على تبيان أثر الفكر الحضاري في تكوين الصورة الفنية، ويضمُّ مجموعة أبحاث منشورة في الحوليات داخل وخارج المملكة، ويجمعُ بينها فاعلية الموروث عند العرب القدماء، ويدور البحث الأول حول الغزل في الجزيرة ومهاجر العرب في بابل وفينيقية وكنعان ومصر القديمة، ويرصد الملامح العامة المشتركة للفكر الحضاري عند هؤلاء، وبعض ملامح نشاطهم الإنساني الملوّن بثقافة ترسم الوحي الفني للمبدعين، وتسجل معطيات الفكر القديم بأبعاده وألوانه ومخزونات الذاكرة الجماعية لهؤلاء في هذا المضمار. ويُلاحظ أن العرب القدماء، على اختلاف مواطنهم ومهاجرهم، قد استطاعوا التفاهم فيما بينهم من خلال لهجاتهم دون حاجة إلى ترجمان كحالنا اليوم، كما يقول الباحث نجيب محمد البهبيتي في دراسته الرائعة "المعلقة العربية الأولى -عند جذور التاريخ"، وعليه، تكون النصوص الإبداعية التي رصدت بعضها حاملة الروح نفسها والملامح الثقافية ذاتها -على تنوعها- والتي تخلط بين جوهر المعارف السماوية وبين الاجتهادات البشرية القاصرة المتكئة على الاعتقاد بحيوية الطبيعة وسطوة القوى الخفية. وهذا المنطلق الفكري والحضاري كان وسيلة المبدع في غزله ورثائه أيضاً، وتصوير حالة حزنه ومرارة تجربته الإنسانية في الموقفين، ورصد فلسفته الفكرية من خلال رؤى وقيم فنية ترتبط بشكل ما بالمحيطين التاريخي والاجتماعي للشاعر، تلك الرؤى التي تفسر ما في الكون تفسيراً تختفي وراءه مجموعة من الأساطير والرموز والنشاطات الروحية بركنيها الديني والعرفي. واستطاعت البكائية القديمة ترجمة الأحاسيس والفلسفات واحتضان النبض الإنساني في حالة اضطرابه، والمتمخّض عن موت إنسان أو دمار مدينة أو مجد غابر. ومن خلال ذلك، كله برزت الصور الطقوسية المتعلقة بالحياة والموت وبقية الشعائر التعبدية، كما برزت سطوة القدر الذي يحيق بالناس جميعاً، وجدوى الوجود أو عدمه، وحتمية الموت وحقيقة المصير كذلك، وكل هذه المفردات الحضارية والفلسفة الفكرية، عالجها المبدع معالجة انفعالية في شاعرية عربية أصيلة تعبر عن دخائل النفس البشرية واستسلامها لقانون الوجود، رغم محاولة هذا الإنسان الوصول إلى الخلود بوسائل وصور مختلفة، وسلوكيات تصطبغ بفلسفة فكرية نابعة من الممكن واستنباط معان أخرى للخلود، ترسم العمق الوجداني والضعف الإنساني أمام سطوة الدهر.
ويدور بحث رابع حول حيوية الطبيعة، وأبعاد الصورة الفنية. والحركة والسكون والحيوية هي المحور الذي يدور حوله الاعتقاد بقوى الطبيعة في العالم العربي القديم، وذلك نابع من تصور قديم مفاده أن كل مظهر من مظاهر الطبيعة، سواء أكان سماوياً أم أرضياً يمثل روحاً معينة تكمن فيه، ومن هنا جاءت عبادة هذه القوى إلى جانب عبادة الأجرام السماوية، والأرواح وأدنى من ذلك.
وما دام الإبداع بمثابة وعي فنيِّ للواقع، تتفاوت درجة موضوعيته بتفاوت قربه أو بعده عن الحقيقة، وبمقدار إدراك المرء للظواهر، فإن هذا الفن عند العرب كان شكلاً للمعرفة، يصور التجربة الإنسانية والنشاط الاجتماعي والفكري من خلال لغة يلعب الرمز والكلمة فيها دوراً مهماً يجسد الحالات الانفعالية ويخرجها في أجمل صورة وأدق تعبير.
كما يدور بحث خامس حول ظاهرة الضوء، وكيف تناولها المبدع جمالياً من خلال تأمله لنبض الحياة المتمثل بالضوء والصوت، وهذا الأخير بحث يرسم العلاقة الحميمة بين المبدع والعالم من حوله، والمكتنز بالفعل والحركة والصوت، تلكم المفردات التي تشخص الحياة وتبعث على الألفة وتتلاحم إلى ما لا نهاية. ومن هنا رصد المبدع كل الأصوات، صاخبة وهادئة وعالية ومنخفضة، على اختلاف مصادرها، سواء أكان إنساناً أو حيواناً، أو آلة أو ظاهرة طبيعية أو مجلس طرب أو ترح وما إلى ذلك من ألوان نفسية وعاطفية واجتماعية. وقد حفلت اللغة بكثير من المفردات الدالة على الصوت، فأبدع الشاعر في رسم الصور السمعية موضحاً إحساسه وانطباعه النفسي حيال ذلك كله في لوحات تغرقنا بفيض من المتعة الجمالية الخالصة.
ويدور البحث السابع حول القيم الإنسانية في الأمثال والحكم، وهي خلاصة خبرات الحياة، صيغت بأسلوب فني جمالي يضم كثيراً من الملامح التي تكوّن النظام الحضاري للعرب قديماً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما تهدف إلى توجيه المجتمع بأسلوب بلاغي موجز يحتضن صوت الشعب وتصوّره وعصارة فكره وتراثه الخالد.
أما البحث الثامن فهو يؤكد -تطبيقياً- استمرارية تغلغل الموروث والفكر الحضاري في وعي ولا وعي المبدع، وظهوره -صريحاً أو باهتاً- في النصوص الشعرية للثلاثي الأموي جرير والفرزدق والأخطل، وفي رصيدنا التراثي كم هائل من المفردات الحضارية التي تنوقلت عبر مئات السنين، وظلت حية ومعاشة في فكر ووجدان الإنسان العربي، تشكل أنماط سلوكه وتفكيره وإبداعاته، بل لعلّنا نجد -كما يقول صفوت كمال في بحثه عن المأثورات العربية- عناصر محورية تذهب في أعماق التاريخ إلى آلاف السنين، وتتناقل عبر الأجيال في تواصل حي، وعليه اغترف هؤلاء ما شاءوا من هذه التراكمات التراثية التي ترشح بعض مخزوناتها، فتساعد المبدع في دعم أنماطه التعبيرية بها، ومن ثم هيأ هذا الموروث لهؤلاء معادلاً موضوعياً لما طرحوه من مضامين ورؤى وبعد فلسفي.
أما البحث الأخير فدرس الدلالة بين الغزل والرثاء عند ابن سناء الملك (550-608هـ)، الذي لفتني ثراء ثقافته في تطوير شعوره في حالتي الغزل والرثاء، مسترفداً الموروث الحضاري بكل عمقه وبعد غوره. والحب والموت بعدان وجدانيان لهما في المقام الأولى العمق العاطفي نفسه، وينطلقان من عمق الإحساس الإنساني، لأنهما متعلقان بمصير الإنسان وحياته، وما دام الشعر في نبضه تحية كبرى للجمال والحياة، وصرخة مكتومة ضد الموت، فإنه أجمل وأقدر قالب فني على رسم الأعماق النفسية التي تحتضن أبعاداً عاطفية تتدخل في سلوكيات الفرد الذاتية، والتي لا تنفصل عن الجماعة، وعليه تكون اللغة الشعرية أقدر على إبراز عنصر الصراع في الدوائر الإنسانية، وقد صور ابن سناء الملك باقتدار هذا الضعف الإنساني أمام حتمية ظواهر طاهرة.
هذا ملخص كتاب لم يُبع منه إلا القليل، وتذكرني حالتي هذه بالخبر الذي قرأت أنا وزميلة لي في جريدة المدينة المسائية، في 3/2/1420هـ تحت عنوان "تكريم حمار ميت" يقول: "أحيت استراليا ذكرى حمار ميت نفق قبل سنوات عدة، وقال نائب رئيس الوزراء الأسترالي تيم فيشر الذي رعى حفل التكريم وقدم ميدالية في ذكرى وفاة الحمار مورفي: "نيابة عن كل الحمير التي ساهمت بكرم وشجاعة، في خدمة ضحايا معركة غاليولي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1919م)". وكان الحمار يحمل الجرحى عبر مناطق جبلية وعرة، وسط نيران العدو المكثفة خلال المعركة... وكان حاملُ نقالة يدعى جون سمبسون قد درب الحمار على حمل الجرحى للمستشفى والعودة مرة أخرى إلى جبهة القتال، فما كان من زميلتي إلاّ أن تمتمت: حمار محظوظ، وأرسلت آهة تحمل ألواناً من الحسرة التي تغبط هذا الحمار على تلك الحفاوة، فكانت هذه الأبيات: (7/2/1420هـ)".
حِمارُ الغَرْبِ يُكْرَمُ لا يُضاهى
حِماري من التَّحسُّر قال: "آها"
وصَرَّحَ: "لَيْتني في الغَرْبِ أَحْيا
لأَكْسِبَ عِنْدَ أَهْلِ الغَرْبِ جاها"
أُكَرَّمُ في ذهابِ أَوْ إِيابِ
وَأَلْفِتُ في مَشاويري انْتباها
كَمُورْفِي ناقِلاً منهُمْ ضحايا
حُروبٍ أهْدَتِ المَوْتَ الجِباها
وَيُكْرَمُ (بِالمِدَلْيا)، يا لِحَظِّي
وَأَبْقَى في قُيودي، لا أَراها
سِوَى لِحِمارِهِمْ في الغَرْبِ يَحْظَى
بِكُلِّ عِنايَةِ، وَأَنا سِواها
يُمَزَّقُ -بِالعصا- ظَهْري ويَدْمَى
وَأَبْلُغُ مِنْ (بَلاويهِمْ) مَدَاها
وَإِنْ أَظْهَرْتُ، في يَوْم، شَكاتي
بِمَعروضٍ، أَو اخْتَرْتُ الشِّفاها
رُكِلْتُ، فَما أَقولُ مِن (الحكايا)
وَأَلْوانِ الإِهانة؟!! مُحْتَواها
مُذِلٍّ، قَدْ يُساوي بين وضْعي
ووَضْعِ النَّاسِ، أَوْضاعاً أَراها
بِأْوقاتٍ تُفَضِّلُني عَلَيْهِمْ
فَتَحْسِدُني الجَماعةُ، بَلْ فَتاها
يُفَضِّلُ أَنْ يَكون كَما حِمارٍ
يُكَرَّمُ في (أُسْتُرَالْيَا) أَوْ سِواها
فَعاشَتْ (أُسْتُرَالْيَا) يا رِفاقي
وعاشَتْ أَرْضُها، عاشَتْ سَماها
إذا كانَ الحَميرُ كَذاكَ تَحْيا
فَكَيْفَ المَرْءُ يَكْسبَ منْ ورَاها؟!
وعِنْدَ الشَّرْقِ يَقْضي المَرءُ حُزْناً
فَكَيْفَ حِمارُهُ؟؟ يا قَوْمُ: آها
ورُحْتُ إِلَى حِمارِ الغَرْبِ أَشْكو
فَقَدْ يَحْنو، ويَرْسُمُ لي اتِّجاها
أَسيرُ بِهِ، فَأَحْظَى بِاحْتِرامٍ
أُكَرَّمُ مِثْلَهُ، لَكِنْ تَبَاهَى
وقال: أَأَنْتَ مَجْنونٌ؟؟ تَبَصَّرْ
بِلادُ الشَّرْقِ لا تَحْمي فَتاها
وَأَنْتَ حِمارُها، فَارْحَلْ بَعيداً
سَفِهْتَ برأْي مَعْتُوه سَفَاها
وَحاذِرْ أَنْ تُقارِبَني بِوَضْعٍ
كَلامُكَ مُضْحِكٌ، هاها وَهاها
حِماري سارَ والأَحْزانُ تَفْري
فُؤادَ مُحَطَّمِ صَكَّ الشِّفاها
وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ خزِياً وَحُزْنا
بَكَى في صَمْتِهِ، والفِكْرُ تاها
 
طباعة

تعليق

 القراءات :540  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 159 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج