شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بَيْعَةُ العقبة الثانية والهجرة إلى المدينة المنوّرة (من الكامل)
اللَّهُ ربُّكَ مُكْرِمُ الأَنْصارِ
قد خَصَّهُمْ دونَ الوَرَى بِفَخارِ (1)
في يَثْرِبِ الخَيْراتِ هُمْ قد رحَّبُوا
بالمصطفى والصُّحْبةِ الأَخْيار
بالأَمْسِ كانوا بايَعُوهُ خُفْيَةً
والْيَوْمَ هم يَحْمُونَهُ كالجار (2)
الحقُّ أَبْلَجُ لو نأَى يوماً هَوَى
لكنّهُ يَحْتاجُ لِلْبَتّار
ما ازْدادَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ حِلْمٍ بِهِمْ
إلاّ مَزِيدَ البَطْشِ بالأَحْرار
هذا النَّبِيُّ الهاشِميُّ محمّدٌ
يَنْحازُ لَيْلَ مِنىً إلى الأَنصْار
مِثْلَ القَطا يَتَسلْلُونَ بِلَيْلِهِمْ
كي يَلْتَقُوا بالمصطفى المُخْتار (3)
صَلّى عليك اللَّهُ يا خَيْرَ الوَرَى
ماذا لَقِيتَ لِنَشْرِ دِينِ الباري
تَتَفاوَتُ الأَقْوامُ في كَبَواتِهِمْ
والْحَقُّ يَمْضِي مِثْلَ نَهْرٍ جاري (4)
قد كان خَيْرُ النّاسِ ردًّا أمَّةً
يَعْلُو بِمَفْرِقِهِمْ بَنُو النَّجَار (5)
نَفْسِي فِداءُ أُولِي الشَّهامَةِ والحِجا
والصِّدْقِ في الإقْبالِ والإدْبار (6)
عَهْدِي بأنَّ النَّاسَ جاءُوا كُلُّهُمْ
في الأَصْلِ مِنْ طِينٍ ومِنْ فَخّار (7)
في الطّينِ أصْنافُ المعادِنِ كُلّها
أتكونُ ذي الأَنْصارُ مَحْضَ نُضار (8)
قد كان مِنْ كُلّ القَبائِلِ كَبْوَةٌ
وتَقَدُّمُ الأنْصارِ دُونَ عِثار (9)
نالُوا بِفَضْلِ اللَّه سَبْقاً بَيِّناً
يَشْدُو الأَنامُ بِهِ مَدَى الأَعْصار (10)
مِنْ حَقّهِمْ أن يَفْخَرُوا بَصَنيعِهِمْ
وبأن تُكَلَّلَ هامُهُمْ بالغار (11)
هذا النّبيُ محمّدٌ يَخْلُو بِهِمْ
ومع النّبيِّ العَمُ مِن كُفّار (12)
يَخْشَى عليه العَمُّ عن عَصَبِيَّةٍ
من عُصْبَةِ صانُوهُ في الأشْفار (13)
هذا هو التَّوفيقُ ربُكَ خَطّهُ
في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ والأَسْفار
حَقٌّ على الجَبارِ نَصْرُ نبيِّهِ
والنَّشْرُ لِلإسْلامِ في الأَمْصار
جُنْدُ المليكَ كَثِيرةٌ أنواعُها
بَعْضٌ نَراهُ وبَعْضُها مُتَواري
صُنْعُ المليكِ إذا يُؤَيِّدُ جُنْدَهُ
النّصْرُ بالأَبْرارِ والفُجّار
كُلُّ الّذين أَتَوْا من الأَنْصارِ
قد أذعَنُوا لِلْواحِدِ القهّار
الكُلُّ يُدْرِكُ ما عليه سِدادُهُ
من باهِظِ الأَثْمانِ والأَخطْار (14)
مَعْنَى مُبايَعَةِ النّبيّ وفاؤُهُمْ
بالبَذْلِ لِلأَرْواحِ والدِّينار
كُلٌّ رَخِيصٌ في مُقابِلِ جَنَّةٍ
للْمُتَّقين ونِعْمَ عُقْبَى الدّار
إنّ الحياةَ وإن تَطُلْ أيّامُها
فَمَصِيرُها لِنِهايةٍ وقَرار
واللَّهُ قد حَثَّ الْعِبادَ لِيَعْمَلُوا
كُلَّ الّذي في الوُسْعِ للأَخيار
إن الحياةَ هَنِيّةٌ ورَضِيَّةٌ
لِلْمُسْرِعينَ لِفِعْلِ كُلِّ خِيار (15)
ما دام قد قَصَدُوا بِحُسْنِ صَنيعِهِمْ
فَضْلَ المليكِ ورحمةَ الجبّار
ما قِيمَةُ الدُّنْيا بِغَيْرِ رِسالةٍ
لِلْحُرِّ تَسْتَهْوِي أُولي الأَبْصار!
في الْخَيْرِ أَسْنانُ الأُناسِ كَمِشْطِهِمْ
في الشَّرِ أسنانٌ لهم كَحمار (16)
إنّ المبرِّزَ مِنْهُمُ ذاك الذي
تَبْدُو شَجاعتُهُ بِخَطِّ النّار
ما قِيمَةُ الأَخْطارِ في مَرْضاة مَنْ
فَرَضَ الوُجُودَ وَمُدّةَ الأَعْمار
لو أن أَهْلَ الفَضْلِ وقتاً فَكَّروا
في الْمَوْتِ تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ عُمّار
إنّ الحياةَ لَذِيذَةٌ في بَذْلِها
لِلَّهِ دون تَرَدُّدِ الخَوّار (17)
تَخْلُو مُقارَعَةُ الحوادِثِ مِثْلَما
يَحْلُو صِراعُ الموجِ للبَحّار
تَحْلُو الحياةُ بِحُلْوِها وبِمُرِّها
مِنْ فَضْلِ ربِّي الحُلْوُ بالقنْطار
تحْلُو الحياةُ بِمُرِّها وبِحُلوها
مِنْ فَضْلِ ربِّي المِلْحُ بالمِقْدار
إنّ الحياةَ قصيرةٌ مهما تَطُل
وتَطُولُ بالتَّقْوَى وحُسْنِ جِوار
فإذا تكونُ لِكُلّ خَيْرٍ ناوياً
فاهْنأْ بِشَهْدِك أنت كالمُشْتار (18)
النَّحْلُ يَهْوَى في الزُّهُّورِ رَحِيقَها
والخَيْرُ في الإسْلامِ كالأَزْهار (19)
والحُرُّ يَسْعَى في الحياة كنَحْلَةٍ
في البَحْثِ عن غُصْنِ وعن أَشْجار
يَهْوَى المعالِيَ إنّها تَعْلُو بِهِ
حَتَّى تُرَى في أُفْقِهِ كَدَراري (20)
يَزْهُو التَّقِيُّ بِكُل ثَوْبٍ سابِغٍ
يَسْمُو على الأَسْمالِ والأَطْمار (21)
هذا التَّقِيُّ لِكُلِّ خَيْرٍ قائداً
فاقْذِفْ بِهِ في البَحْرِ أو بصحاري
في البَرِّ كالرِّئْبالِ لا يَخْشَى الرَّدَى
في البَحْرِ مِثْلَ القِرْشِ وَحْشَ بِحار (22)
هذي النُّعْوتُ صِفاتُ جُنْدِ محمّدٍ
هو أُسْوَةُ الأَبْرارِ والأَخْيار
هُمْ في بُحوُرِ المجدِ كالإعصارِ
هُمْ في حُروبِ العزِّ مِثْلُ ضواري
وإذا تكونُ نُعوتُهُمْ فَخَرَتْ بِها
منذ القَديمِ نواطِقُ الأَحْجار
قُلْ لي بِرَبِّكَ هل سَتُنْصَفُ عُصْبَةٌ
قد بايَعُوا المختارَ في الأَسحار؟
إنّي لأَغْبِطُهُمْ عَشِيَّةَ أَبْصَرُوا
وَجْهَ النَّبِيّ بَدا كَشَمْسِ نَهار
إن كُنْتُ لم أَسْعَدْ أكونُ أجيرَهُمْ
فَلْتَشْدُ في حُبِّي لَهُمْ أَشْعاري
وهَلِ الْمَديحُ مُكافِىءٌ لَصَنيعِهِمْ
مُذْ عَرَّضُوا الأَرْواحَ لِلأَخطار
ما المالُ ما الأهلونَ ما أرواحُهُمْ
كُلٌّ رَخِيصٌ في سَبِيلِ الباري
سبحانك اللَّهُمَّ أنت خَصَصْتَهُمْ
بالفَضْلِ دونَ بَقِيَّةِ الأَقْطار
صَدَقَ المُهَيْمِنُ إذْ أشادَ كِتابُهُ
بتَبَوُّئ الإيمانِ أهلَ الدّار (23)
وإذا يكونُ لأَهْلِ مكّةَ كَبْوَةٌ
فلأَهْلِ يَثْرِبَ صَوْلَةُ المِغْوار (24)
إن يَكْفُرِ الأَهْلونَ حُمْقاً مِنْهُمُ
فَسِواهُمُ ليسوا من الكُفّار
أَبْناءُ قَيْلَةَ خَصَّهُمْ مولاهُمُ
دون الأَنامِ بِبَيْعَةِ المختار (25)
مَنْ يَشْتَرِي بِنَفِيسِهِ وبِنَفْسِهِ
عُلْيا الجِنانِ فَنِعْمَ ذاكَ الشَاري (26)
المصطفى في الصَّحْبِ شَمْسُ نهارِ
وصَحابَةُ المختارِ كالأَقْمار
في ظُلْمةِ اللَّيْلِ البَهيمِ وشِعْبِهِمْ
بِمِنىً يدورُ اليوم خَيْرُ حوار
الكلُّ أوصَى أن يكون حديثُهُ
في لَيْلِهِ سِرًّا مِنَ الأَسْرار
لَمْ يُعْلِموا الكفَارَ من أقوامِهِمْ
بالموَعْدِ المضْروبِ والأَخْبار
رَدّأً على العَبّاسِ عَمِّ محمَّدٍ
كان الحديثُ لسيِّد الأنْصار
لا خَوْفَ مِنْ قَصْدِ النّبيِّ ديارَهُمْ
حيثُ الوَفاءُ لَهُ بِكُلِّ ذِمار (27)
أَبْناءُ قَيْلةَ سِرُّهُم هو جَهْرُهُمْ
والفِعْلُ عَيْنُ الجَهْرِ والإسْرار
لا سِرَّ عندهُمُ سِوَى ما أعْلَنُوا
لا شَيْءَ عندهُمُ سِوى الإظْهار
فليأخُذِ المختارُ مِنْهُمْ ما اشْتَهَى
لِلدِّينِ للْمختارِ للْقَهَّار
أمّا الّذي للَّهِ فَهُوَ عِبادَةٌ
لِلَّهِ خالصةٌ بِغَيْرِ ضِرار (28)
أمّا الّذي للْمصطفى فحِمايَةٌ
للمصطفى مِنْ بَعْدِ بُعْدِ دِيار
يَحْمُونَهُ مِنْ قَوْمِهِ وعَدُوِّهِ
فكأنَّهُ للْجارِ بَعْضُ إزار
حَتَّى يُبَلّغَ دَعَوَةً مِنْ ربِهِ
للعالمين بِدونِ أيِّ حِذار (29)
قَوْمُ النّبِيّ محمّدٍ لم يَرْتضُوا
أن يُوْصِلَ الإسلامَ عند الجار
واللَّهُ بَشَّرَهُ سَيَبْلُغُ دينُهُ
حيث الْتقَى لَيْلُ الدُّجَى بِنَهار (30)
فإذا وَفَيْتُمْ كَيْ أُبَلّغَ دِينَهُ
كان الثّوابُ بِجَنَّةِ الأَبْرار
إنّ النَّجاةَ مِنَ العَذابِ غَنِيمَةٌ
النّارُ للفُجّارِ والكُفّار
مَنْ يرتَكِبِ ذَنْباً ويَلْقَ جَزاءَهُ
فَجَزاؤه المَحّاءُ للأَوْضارِ (31)
أمّا الّذي يَلْقى المليكَ بذَنْبِهِ
فَمَردُّهُ للقاهِرِ الغَفّار
إن شاء عَذَّبَ أو عَفا عن عَبْدِهِ
أو شاءَ يَسْتُرُ عَبْدَهُ بِسِتار
قد رَتَّلَ المختارُ آيَ الباري
كانَتْ مَحَطّ السَّمْعِ والأَبْصار
أمّا حِبالُهُمُ مع الكفّارِ
في نَقْضِها مَعَهُمْ أو الإمْرار (32)
فالقوْلُ حَتْماً قَوْلُ أهْلِ الدّارِ
في أخْذِ ثَأْرِهمُ أو الإهْدار
إن هُمْ بَنَوْا فالمصطفى بانٍ لَهُمْ
وكذاك إن هُمْ هَدَّموا لِجِدار
فإذا أعزَّ اللَّه دينَ محمّدٍ
فَمُحَمَّدٌ مَعَهُمْ بِخَيرِ جِوار
لا يَرْتَضِي أَبَداً بَدِيلَ جِوارِهِمْ
الجارُ في الأَحْرارِ قَبْلِ الدّار
قَوْلُ الرَّسُولِ يَحُلّ أَحْلَى موقِعٍ
في قَلْبِ كُلّ مُجاهِدٍ أنصاري
لَمْ يَقْنَعِ الأَنْصارُ دُون تَسابُق
في بَيْعَةِ المختارِ مِثْلَ قِطار (33)
كُلِّ حَرِيصٌ أن يكونَ بِمَوْقِعٍ
في السَّبْقِ يبدو مِثْلَ ضَوْءِ مَنار
ما النّجْمُ ما شَمْسُ الضُّحَى ما كوكبٌ
ما البدرُ كُلٌّ في مَسارٍ ساري
أمّا صِحابُ محمّدٍ فجميعهُمُ
مَنْظُومَةُ الأَقْمارِ بل ودراري
قد بايَعُوا المختارَ إن هو جاءهم
بالبَذْلِ للأَرْواحِ للْبتّار
أمّا الْجَزاءُ فَعِندَ ربٍّ ماجِدٍ
في جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ والأَنْهار
لا وَزْن للدُّنيا وكُلِّ نَعِيمِها
إنّ النَّعيمَ بها سَحابُ نهار
إنّ النَّعِيمَ السَّرْمَدِيَّ بِجِنّةٍ
قد خَصَّها الرّحمنُ لِلأَبْرار (34)
مَنْ يَبْذُلونَ نُفوسهُمْ ونَفيسَهُمْ
كي يَنْشُرُوا الإسلامَ في الأمصار
هذا قَرارُ أماجِدِ الأنصارِ
قد فاقَ في التَّوْفِيقِ كُلَّ قَرار
والمصطفى يَخْتارُ من مَجْمُوعِهِمْ
كُفَلاءَهُمْ كالعَيْنِ والإبْصار (35)
هُمْ في رِعايَتِهِمْ لهم قد أَشْبَهوُا
كُفَلاءَ عِيسى الرُّوحِ والأنصار
هُمْ كالحَوارِيِّينَ حين دعاهُمُ
عِيسى لِنَصْرِ الدِّين والإقرار
كُفَلاؤُهُمُ نُقباؤهُمْ رُؤساؤهُمْ
يَحْدُونَهُمْ في الورد والإصدار (36)
أمّا النّبيُّ محمّدٌ فَكَفيلُ مَنْ
مَعَهُ يُعانِي مِنْ أذَى الأَشْرار
أَمَرَ النّبيُّ مبايِعِي الأنصارِ
أن يَرْجِعوا لِخُدورِهِمْ كضواري (37)
ولْيَكْتُموا العَهْدَ الّذي قد أَبْرَمُوا
وَلْيَبْقَ بَيْنَهُمُ من الأسرار
إنّ العَدُوَّ إذا تكشَّفَ سِرُّهُمْ
يَرْمِ بِهِمْ في عُمْقِ جُرْفٍ هار (38)
بالسِّرّ تَبْلُغُ ما تُرِيدُ فلا تكُنْ
بِالكَشْفِ عن سِرٍّ من الأَغْرار (39)
السِّرُّ يَلْزَمُ أن يكونَ بِحُفْرةٍ
إن طِقْتَ أو بِئْرٍ من الآبار
كَتَمَ الصِّحابُ عن الْخُصومِ لِقَاءَهُمْ
بالمصطفى والعَمِّ مِنْ كُفّار
لا شَخْصَ يَعْلَمُ كيف أنّ لِقاءَهُمْ
بِالمصطفى قد سار للفُجّار
أمّا البِعادُ عن اللّقاء فأقْسَمُوا
ما تَمَّ مِنْ شيءٍ ولا مِعْشار (40)
والمتَّقُون تبادَلُوا نظراتِهِمْ
العَيْنُ قد تُغْنيكَ عن أَسْفار
والخَصْمُ بين مُصَدِّقٍ ومكذِّبٍ
الشَّكُّ لا يَنْفَك عن مُحْتار
ذاكَ الدُّخانُ تَفوحُ منه روائحٌ
إنَّ الدُّخانَ دَليلُ حَجْمِ النّار
جُلُّ الْحَجِيجِ مَضَى لِقَصْدِ سَبِيلِهِ
وقَلِيلُهُمْ مُتَعَرِّضٌ لِعِثار (41)
لاقَوْا من الكُفّارِ كُلَّ مَشقَّةٍ
ونَجاتُهُمْ كانَتْ بِكَفِّ مُجار (42)
سَبَقُوا إلى الْمَعْرُوفِ إنّ كِرامَهُمْ
كانوا أجارُوهُمْ مع التُّجَار
لا يَذْهَبُ المعروفُ أَيْنَ وضَعْتَهْ
إنْ لم يُذَعْ شُكْرٌ فَبِالإضْمار
لا يَنْدَمُ الأَخْيارُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْا
مَعْروفُ أكْثَرِهِمْ إلى الإنْكار
اِقْذِفْ بِمَعْرُوفٍ صَنَعْتَ بِلُجَّةٍ
فَلَرُبَّما قد صِدْتَ بالخَطَّار (43)
لا تَنْتَظِرْ حُسْنَ الجَزاءِ مِنِ امرئٍ
حُسْنَ الجَزاءِ يكونُ عند الباري
وإذا تُقارِنُ بين ما قَدَّمْتَهُ
وأَخَذْتَ سوف تَلُوحُ كالمِنْشار
أَبْناءُ قَيْلَةَ إذْ أَتَوْا مَعْروفَهُمْ
ما كان في الأَذْهانِ جَنْيُ ثِمار
هذا هو الْمعْرُوفُ هذا دأْبهُ
تَجْنِي الوُرُودَ بِهِ مع الأَزْهار
عاد الحَجِيجُ إلى بِلادِهِم الّتي
طابَتْ مَغانِيها بِحُسْنِ جِوار
عادُوا إلى وادي العَقِيقِ وعَرْصَةٍ
فيها المِياهُ تَسِيلُ كالأنهار
هذا العَقِيقُ عليه جَمّاواتُهُ
يا لَيْتَ كان لها قُرونُ صِغار (44)
دَوْماً لَهُ تَرْنُو وتُبْدِي عَطْفَها
في لَيْلِها الزّاهِي وَحُسْنِ نهار
وثِيابُها الحَمْراءُ يأسِرُ لونُها
عَيْنَ الّذي يَرْنُو إلى الآثار
ما غَيَّرَتْ في الدَّهْرِ قَطٌ ثِيابَها
وثِيابُها الْحَمْراءُ غَيْرُ قِصار
عادُوا إلى وادي قُباءٍ إنَّهُ
في الأرضِ حَقًّا رَوْضَةُ العَطَار
ما ظلُّهُ ما نَخْلُهُ ما زَرْعُهُ
أسْعِدْ بِمَنْ يَرْنُو منَ النُّظّار
ما لُطْفُهُ ما عِطْرُهُ ما طِيبُهُ
فِيهِ يَطِيبُ البَوْحُ بالأسْرار
ما عَذْبُهُ ونَميرُهُ وخَرِيرُهُ
غَنَّت سَوانِيهِ على الآبار (45)
هذا قُباءٌ قد بدا مِنْ نَضَرَةٍ
وشَدِيدِ خُضْرتِهِ كبَعْضِ حِرار (46)
في ذي الحِرارِ وفي عُذوبةِ مائِها
وجَمالِ نَضْرتِها تَغَنَّى السّاري
هذي الجبالُ الشُّمُّ مِنْ أَسْوارِ
هذي حَدائقُها جَميلُ سِوار
سبحانَ مَنْ قد زانَ يَثْرِبَ بالحَيَا
وسَماءَها بِتَلألُؤِ الأَنْوار (47)
أَترابُها من طِينها أم طِيبِها
إنّي لشَمِّ الطِّيبِ كالمُحْتار
وإذا يَشُقُّ الفَجْرُ جُنْحَ ظَلامِها
فاغْنَم فَرِيدَ الصُّبح والإسْفار (48)
وإذا أَتى لَيْلٌ على آسادِها
فَعُيونُهُمْ كالجَمْرِ ذاتُ شَرار
وإذ أَتَى لَيْلٌ على عُبّادِها
فخُشُوعُهُمْ باللَّيْلِ كالإبْكار
حُجّاجُ يثربَ قد أَتَوْا لَصِحابِهِمْ
فَتَقَابلَ الأَطْهارُ بالأَطْهار (49)
أَطْهارُ يَثْرِبَ قد تَجسَّدَ فيهِمُ
خَيْرُ النُّعوتِ بَدَتْ على الأَخْيار
مالي أَرَى الأَجْواءَ فاقَ ضِياؤُها
حتّى بدا لَيْلُ الدُّجَى كنهار؟
هذه الأبيات في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، البيت السادس والسبعين بعد الأربعمئة لآخر القصيدة:
وبالطّين والجُلْمودِ والْخُشْب والحَصَى
وبالْمَعْدِنِ الفُولاذِ والتُّربِ والصَّخْر (50)
وبالْجُهْدِ سَلْ عَنْهُ النّبِيَّ محمّداً
تَجسَّدَ في نَقْلِ التُّرابِ وفي الحَفْر
فَدَتْك رَسُولَ اللَّهِ نَفْسِي وعِتْرَتيّ
على العَهْدِ إِنْ شاءَ المليكُ فذا نَذْرِي (51)
أَيا أُمَّةَ الإسلامِ هذا كِتابُكُمْ
يُبَيِّنُهُ المختارُ بالحَرْفِ والسَّطْر
لقد جاءَ في الوَحْيِ الْمُبارَكِ عزُّكُمْ
وسُؤْدَدُكُمْ والذّكْر في مُحْكَمِ الذّكر
وهذا رَسُولُ اللَّهِ في حِجَّةِ العُمْر
يُبَيِّن دَرْباً لِلْهُدَى أَبَدَ الدَّهْر
إذا نحن سِرْنا وَفْقَ هَدْي رسُولِنا
فَإنّا سَنَرْقَى للسِّماكين والنَّسْر (52)
وإن نحن خالَفْنا لِهَدْي رسُولِنا
فإنّا دَواماً لا نَرِيشُ ولا نَبْري (53)
علينا اتّباعُ الوَحْيِ في مُحْكَمِ الذّكْرِ
وفي سُنَّةِ المختارِ كالشَّمْسِ والبَدْر
أيا أُمَّةَ الإسْلامِ إِنّ محمّداً
بإذِن إلهِ العَرْش هاجَرَ بَلْ أمْر
أراد خُصُومُ الدِّينِ قَتْلَ محمّدٍ
فَأَنْقَذَهُ الجبّارُ بالأَمْرِ بالهَجْر
ووافَقَ هذا الأَمْرُ لِلْحَقِّ بالهَجْرِ
هَوًى في نفوسِ الظّالمينَ أُولِى الكُفْر
ولو أنَّهمُ مَنْ أَرْغَمُوهُ على الهَجْرِ
لأَخرجَهُمْ ربُّ الأَنامِ على الفَوْر
ولكنّ رَبَّ العَرْشِ أَبْقَى عَلَيْهِمُ
إلى أن كَساهُمْ أَبْشَعَ الذُّلِّ في بَدْر
وهِجْرَةُ خَيْرِ الخَلْقِ أَعَظمُ هِجْرَةٍ
رواها لنا التّاريخُ في الصَّدْرِ والسَّطْر
بِهِجْرتِهِ قامَتْ على الْحَقِّ دَوْلَةٌ
عَقِيدَتُها التَّوْحِيدُ أَنْقَى مِنَ التِّبْر
وهذا نَجاحُ لم يَشَأْهُ مَلِيكُنا
لأيِّ رَسُولٍ مِنْ أُولِي العَزْمِ والصَّبْر
بِرَبِّكَ قُلْ لي هَلْ سِوَى الخاتَمِ البرَّ
بَنَى بِيدَيهِ دولَةَ الحَقِّ والبِرِّ؟
وفي بُرْهَةٍ لَيْسَتْ تُعَدُّ مِنَ الدّهْرِ
طَوَتْ دَوْلَةُ التَّوحِيدِ للبَرِّ والبَحْر
وَأَعْظَمُ مِنْ طَيِّ البِلادِ أو النَّشْر
عَمِيقُ بُلُوغٍ لِلْعَقِيدَةِ للْجِذْر (54)
بَنَى إِخْوَةُ الإسْلامِ صَرْحَ حَضارةٍ
تَتِيهُ بها الدُّنْيا إلى صَيْحَةِ الحَشْر
بها كُلُّ أَفْرادِ الطّوائِفِ آمِنٌ
يَنامُ قَرِيرَ العَيْنِ لَيْلاً إلى الفَجْر
يُشَمِّرُ عن جِدٍّ ويَكْشِفُ ساقَهُ
لِكُلّ مُجِدٍّ أوفَرُ الْحَظِّ والأَجْر
أيا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ كُلُكَ أُسْوةٌ
لنا في كَبِيرِ أو صَغيرِ من الأَمْر
عَظِيمٌ رَسُولُ اللَّهِ في كُلّ خُطْوَةٍ
خَطاها بِإذْنِ اللَّهِ ذي الأَمْرِ والزّجْر
أَلَيْسَ بِكافٍ أنّ رَبَّكَ في الذّكْرِ
أَبانَ بأنَّ المصطفى رَحْمَةُ البَرِّ (55)
تَشاوَرَ أَحبْابُ النَّبِيِّ محمّدٍ
لِتَأْرِيخِهِم مِنْ وقتِ سِتٍّ مع العَشْر (56)
رَأَى عُمَرُ الفارُوقُ بَدْءاً بِهِجْرةٍ
ومَنْ مِثْلُهُ في النّاسِ يَفْرِي الّذي يَفْرِي (57)
أَلَمْ يَقُلِ المختارُ ذلك مُلْهَمٌ
أَلَمْ يَكُ حِبَّ المصطفى وأبي بكر!
وذي أُمَّةُ الإسْلامِ تَفْخَرُ دائماً
بِهِجْرَةِ خَيْرِ الخَلْقِ أَعْظِمْ بِذا الفَخْر
وتَأْريخُنا الهِجريُّ خَيْرُ مُقَدِّرٍ
لِهِجَرَةِ خَيْرِ الخَلْقِ ذي الشَّأْنِ والقَدْر
فماذا دَهانا إذ تَنكَّرَ بَعْضُنا
لِتَأْريخِنا الهِجْرِيّ والكَوْكَبِ الدُّرِّي
وماذا دَهانا حِينَ مَرَّرَ خَصْمُنا
مُؤامَرَةٌ حِيكَتْ لِتأْرِيخِنا الهِجْري
أمامِيَ سِفْرٌ أُشْهِدُ اللَّه أنَّنِي
لَيَتْعَبُ رَأْسِي من ضَخامَةِ ذا السِّفْر
وليس لأنِّي فيهِ اقْرأ إِنَّما
لِوضْعِي لَهُ مِثْلَ المِخَدَّةِ مِنْ ذُعْرِي
ومُشْرفُ هذا السِّفْرِ يُدْعَى محمّداً
وعاوَنَهُ فيهِ ثِقاةٌ أولو فِكْر
وأَسْأَلُ عن حَظِّ لِتأرِيخنا الهِجْري
فَأَلْقاهُ مِثْلَ الشَّهْدِ في لُجّةِ البَحْر
أَيا أُمَّةَ الإسْلامِ صُونُوا حُقُوقَكُمْ
ومِنْ أُمَّةِ التَّغْريبِ كونوا على حِذْر
إذا أُمّةُ الإِسْلام آبَتْ لِرَبِّها
وعادَتْ لِرُشْدٍ قُلْتُ ذي لَيْلَةُ القَدْر
وعَمّا قَرِيبٍ لَيْلُها سَوْفَ يَنْجَلِي
وعَمّا قَرِيبٍ سَوْفَ يبدو سَنا الفَجْر (58)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :460  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 128 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.